صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

علي العلاق يفتح أقفال النقد الدولي..
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قبل سنة، جمعتني الصدفة بأحد الأساتذة الأكاديميين المصريين، في رحلة طويلة الى الولايات المتحدة الأمريكية امتدت لست عشرة ساعة متواصلة. وقد كان مقعد الأخ المصري ملاصقٌاً لمقعدي في الطائرة، فأتاح لنا الحديث بحرية.
وقد عرفت أن الرجل الذي يعمل أستاذاً في مادة التاريخ بجامعة سان دييغو الأمريكية، قومي وعروبي للعظم، حاله حال ملايين المصريين المولودين في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي..
وبطبيعة الحال، فإن المرور على صدام حسين، ودوره في إنحطاط التاريخ العربي، وأوضاع العراق بعد ذلك، قد أخذ حيزاً واسعاً في حديثنا المشترك.
واليوم إذ أتذكر تلك الرحلة، فإني أتذكر جيداً توصيف الأكاديمي المصري للشخصية العراقية بالتزمت والتصلب والعنف والتطرف، وبالعشائرية المتعنته، التي تجعله صلباً في آرائه ومواقفه ورؤيته، فيحرمه -هذا التصلب - المرونة، والإتساع في الأفق، ليقطع عليه الوصول لحلول وسطية، أو لمخرجات تفاوضية.
وبناء على ذلك -كما يقول الرجل- فشلت جميع المفاوضات التاريخية، التي كان العراق طرفاً فيها بسبب هذا التزمت، ذاكراً بتسلسل تاريخي مدهش، فشل كل مفاوضات الحكم الملكي في العراق مع بريطانيا عام 1922، وعام 1926، وعام 1928، ومفاوضات 1930، رغم وجود رؤساء حكومات تتوفر فيهم درجة كبيرة من (المرونة)، مثل عبد المحسن السعدون، الذي فشل وفده المفاوض مع البريطانيين في تمرير مسودتين جديدتين ربما كانتا ستحقق طموحات العراق في التحرر من التبعية البريطانية عسكرياً، ومالياً، لكن العقلية العراقية التفاوضية لم تكن بلياقة بدنية عالية تؤهل صاحبها لمواصلة المشوار التفاوضي حتى النهاية، فتم قطع التفاوض،وعودة الوفد الى بغداد بخفي حنين.. لينتحر السعدون حزناً وغيظاً مما حصل!!
ونفس الشيء حدث في مفاوضات حكومة ثورة الرابع عشر من تموز مع الشركات النفطية البريطانية -والحديث لم يزل للأكاديمي المصري –حيث جرت مفاوضات طويلة ومعقدة بعد قيام الثورة مباشرة، دامت اكثر من ثلاث سنوات، قاد بعضها الزعيم عبد الكريم قاسم لتنتهي بالفشل، ما دفع الحكومة العراقية الى اصدار القانون رقم 80 في 12 كانون الاول 1961 الذي حصر مناطق عمليات الشركات فقط في الاراضي المستثمرة من قبلها، وهي التي لا يزيد مجموع مساحاتها عن 0.5% من مساحات مناطق امتيازاتها.. فكان الجواب إنقلاباً دموياً في الثامن من شباط عام 1963 أطاح بالزعيم!
ويواصل الأخ المصري حديثه فيقول:
مشكلة الشخصية العراقية التفاوضية برأيي تكمن في نفسها القصير، وبمزاجيتها العجيبة. فالمفاوض العراقي لا يصبر كثيراً، لذلك يكون قراره -بعد الملل والضجر من طول المفاوضات -رافضاً لأي شيء.. أو مانحاً لكل شيء وهذا ما حدث في مفاوضات (نائب الرئيس آنذاك) صدام حسين مع شاه ايران، حيث أعطى صدام للشاه ما لم يكن يحلم به الشاه نفسه، متنازلاً لإيران عن السيادة على شط العرب، زائداً 320 كيلو متراً من مناطق سيف سعد وزين القوس العراقية .. فكان هذا التنازل مفتاحاً للحرب العراقية الإيرانية المدمرة.
كما أن العراقيين فشلوا في مفاوضات (خيمة صفوان) حيث وهبوا الكويت وغير الكويت ما لم يكن في الحسبان. بينما نرى مفاوض صدام (عزت الدوري)، يتفاوض في جدة مع الوفد الكويتي بإطلاق الصحون فأصاب أحدها رأس ولي عهد الكويت سعد العبد الله وشجه، وكانت النتيجة دخول صدام الكويت، لتنتهي الأمور بعدها بكارثة على العراق بلداً وشعباً!!
حتى في كرة القدم، فإن المفاوضين العراقيين لم ينجحوا بإقناع الفيفا برفع الحظر عن ملاعبهم طيلة هذه السنوات الطويلة.. رغم إمكانات العراق الكبيرة..!!
وظل يذكر لي الأمثلة واحداً بعد الآخر عن تزمت العقلية التفاوضية العراقية.. حتى نمت في مقعدي!!
لكني تذكرته اليوم، وأنا ارى، وأتابع نجاح مفاوض عراقي في كسر عناد القائمين على صندوق النقد الدولي، وهم المعروفون بتشددهم، وإشتراطاتهم الضمانية القاسية. وبمقاساتهم المرعبة للمستدينين، فكسب العراق بهذا النجاح مفاوضاً اقتصادياً يمكن الإعتماد على مؤهلاته في المفاوضات المصرفية المستقبلية..
إنه الدكتور علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي الذي نجح، والوفد المرافق له، بالحصول على قرض قيمته خمسة عشر مليار دولار، في مفاوضات عمان المتعبة، التي أمتدت لأكثر من اسبوعين متواصلين، وبمواصفات باهرة، سواء في سعر الفائدة، أم في نسبة الإشتراطات الضئيلة، خصوصاً في هذا الظرف المالي والأمني والسياسي الصعب، حيث يتخوف أي صندوق في العالم من إقراض العراق مبلغاً ما، فما بالك بهذا القرض الكبير، الذي يبدأ بخمسة مليارات ونصف مليار دولار، ويكتمل خلال ثلاث سنوات فقط.
أقول إن نجاح هذا المفاوض الوطني جعلني أضع علامة (أكس) على كل ما قاله الأكاديمي المصري عن الشخصية العراقية، وعن تزمتها، وعدم قدرتها على التفاوض .. فنجاح العلاق بصبره، ومرونته، ومعلوماته في التفاوض مع أشرس مفاوضي النقد في العالم جعلني أفخر بعراقيتي.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/22



كتابة تعليق لموضوع : علي العلاق يفتح أقفال النقد الدولي..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net