صفحة الكاتب : باسم اللهيبي

إقامة الدليل على وجوب التقليد
باسم اللهيبي
 ((الدليل الفطري العقلي على لزوم التقليد))
لا شك أن كل مسلم يجزم بأن هناك واجبات ومحرمات في الشريعة الإسلامية - وإن كان قد يجهل تفاصيلها وأدلتها - ، ويؤمن أيضا أن هناك ثواب وعقاب ثابتان في الكتاب الكريم والسنة القطعية ، ومن انكر ذلك فقد انكر ضرورة من ضروريات الدين ، ويرجع انكاره لها ( ونقصد إنكار الواجبات والمحرمات والثواب والعقاب ) الى تكذيب الكتاب والسنة القطعية او تعطيلهما وهو ما يخالف أبده البديهيات العقائدية الثابتة .
إذن .. فهو أمام أمرين :
الأول : أمام تكاليف شرعية لابد من إفراغ ذمته منها .
الثاني : أمام ضرر محتمل ، في حالة عمله من دون إجتهاد او تقليد ، إذ قد تكون أعماله التي أتى بها من دون إجتهاد او تقليد غير مرادة من قبل الشريعة فتكون غير مجزية .
والآن تأتي الفطرة لتحكم .....
إن الفطرة التي اودعها الله تعالى في مخلوقاته الحاسة تحكم بلزوم دفع الضرر المحتمل ، وهذه الفطرة لا تقتصر على الانسان فقط بل تعم حتى الحيوان ، حيث نجد ان الحيوان اذا تعرض لأذى في مكان ما ... لن يرجع اليه مرة أخرى لدفع احتمال الضرر .
وعليه فإن وجوب دفع الضرر فطريا امر مفروغ منه 
( والعقل البشري يعطي نفس النتيجة ، وحين لم نعنون الدليل بأنه دليل عقلي انما هو اشارة الى ان هذه الحقيقة -وهي لزوم دفع الضرر - امر غير مختص بذوي العقل بل لكل ذي حس) .
وهنا يأتي السؤال :
أننا آمنا بلزوم دفع الضرر المحتمل عقلا وفطرة .. ولكن من قال بأن العمل وفق الإجتهاد او التقليد دافع للضرر المحتمل ؟
والجواب :
أما بالنسبة للإجتهاد ... 
فلأن الاجتهاد هو بذل أقصى درجات الجهد لاستخلاص الحكم الشرعي من مناشئه العقلائية المقررة (وأهمها القرآن والسنة المعتبرة والعقل ) فيكون المجتهد من أهل الإختصاص في هذا المجال ، وممن انكشفت له مدارك الأمور ، واطلع على ادلة الأحكام وملابساتها ، وأيقن أن ما توصل له هو غاية مايمكن ان يتوصل اليه اصحاب التخصص ، فيكون على علم بأداء وضيفته المكلف بها -حين يعمل وفق اجتهاده - وبما أن العلم حجة عقلا ، فيكون عمله وفق اجتهاده دافع للضرر بحجية العلم العقلية وهي أقوى الحجج على الإطلاق .
وأما بالنسبة الى التقليد (ويدخل فيه الإحتياط ايضا) ...
فأولا : أن العقلاء جميعا (بما هم عقلاء ، ومع الغض عن الأهواء والرغبات والميول) يحكمون بوجوب الرجوع في أي مجال لصاحب التخصص فيه ، ورجوع الجاهل بأي شأن الى العالم بهذا الشأن ، فإنهم يهزئون برجوع المريض الى الفقيه ، ورجوع صاحب البناء الى الطبيب الخ .. فكذلك لا يجيزون ابدا رجوع العامل في الدين لغير المجتهد( الذي هو متخصص بالعلم الديني ) وهذا ما يسمى ب(سيرة العقلاء الممضات) .
 
وثانيا : أنه ليس بوسع الجميع أن يكونوا مجتهدين ، فليس أمام المكلفين طريق الا التقليد ، حيث انسد عليهم باب الحصول على احكامهم التكليفية الا من هذا الطريق بعد غيبة مولاهم (عجل الله فرجه الشريف ) وهذا مايسمى ب(الإنسداد) .
فتبين بهذين النقطتين :
أن التقليد (عقلائيا وعقليا) شيء لازم لابد منه في تأمين المكلف -غير المجتهد- من الضرر المحتمل.
والنتيجة :
لابد ان يكون المكلف إما مجتهدا وإما مقلدا ..
 وهناك ادلة جزمية أخرى سنأتي عليها إن شاء الله تعالى في حلقات اخر .
 
ولكن هناك سؤال قد يتبادر الى أذهان البعض ، وإن كنا قد أجبنا عنه ضمنا في طيات الحديث ، وهو :
مادام بين أيدينا الكتاب الكريم وسنة أهل البيت ع فلماذا لا نأخذ أحكامنا مباشرة منهما من دون الحاجة للرجوع الى الفقيه ؟
والجواب :
إن رجوع المكلف في الأحكام التكليفية الى الكتاب والسنة مباشرة من دون تقليد - اذا لم يكن مجتهدا - ومن دون الرجوع الى الفقهاء غير ممكن قطعا !!! .
وذلك لأن استنتاج الأحكام الشرعية من النصوص الشرعية يتوقف على دراسات كثيرة -كي يكون فهم النصوص صحيحا - وغالب هذه الدراسات وإتقانها لا تتوفر الا عند بعض ذوي الاختصاص في العلوم الدينية .
فيحتاج في فهم النص الشرعي الى إتقان العلوم اللغوية (النحو والصرف وفنون البلاغة) وبعض العلوم العقلية ، كي يتهيأ لفهم مراد المعصوم ع .
ولا تنتهي القصة بذلك ، فلابد من معرفة الضروف والملابسات الموضوعية والعرفية إبان صدور النص الشرعي ، لأن النصوص قد خاطبت أناس كانت لهم ادبياتهم وعرفياتهم ومخاطباتهم التي قد تختلف عما نحن فيه . فلا بد من دراسة هذه الحيثيات وتطبيقها على حاضرنا .
ومع ذلك لم تنته القصة !!! ..
اذ قد يكون هذا النص الذي يريد الاستناد عليه مكذوبا وليس حجة شرعا ، وعليه فلا بد من دراسة علم رجال الحديث ودراسة أحوال كل الرواة وتمييز الثقة من الكذاب الوضاع ، ويصل الى قناعة في كل واحد منهم وهم بالآلاف ، قد تصل ترجمتهم الى ثلاثين مجلدا . وانت خبير كم يحتاج ذلك من جهد ووقت .
ولم تنته قصتنا ...
فإن هذا النص الذي يراد العمل بمضمونه ، لعله معارض بنص آخر ، او لعله عام وهناك ما يخصصه ، او أنه مطلق وهناك ما يقيده ، او أن عليه دليل حاكم (هذه مصطلحات اصولية) وصاحبنا لا يعلم بالمخصص والمقيد والحاكم . فلابد من دراسة علمي الحديث ودرايته ويتعايش مع النصوص الشرعية ويعرف كل ما سبق ، وللعلم ان النصوص قد تبلغ مئات المجلدات ، فإن التعايش معها ومعرفة عامها وخاصها ومطلقها ومقيدها وصحيحها وسقيمها وغير ذلك مما يطول به الكلام يحتاج الى جهد جهيد والى سنين طوال .
وهل انتهت القصة بذلك ؟ كلا ....
فلا بد من دراسة علم يختلف تماما عن تلك العلوم آنفة الذكر هو عبارة عن قواعد عامة تنفع في فهم النصوص وحل المشاكل التطبيقية الموجودة كتعارض الأدلة ومعرفة ملابسات النصوص وجهاتها وغير ذلك ممايطول به المقام ، وهو علم الأصول ، ذو الوضائف الكثيرة التي تخدم استنتاج الحكم من النص . ودراسته وإتقانه ليس بالامر الهين فيحتاج الى سنين طوال أيضا . حيث لابد من إقامة الأدلة على كل مسألة مسألة فيه .
والمشكلة الكبرى حين لا يجد صاحبنا نصا شرعيا على حادثته التي يريد لها حكما يعمل به . ويسمى ذلك بفقد النص الشرعي ، فماذا يصنع ؟
حينها لابد من دراسة قسم آخر من علم الأصول يسمى بالأصول العمليه كالاستصحاب والاحتياط والبرائة وغير ذلك الكثير ولابد من اتقانها والاقتناع بدليليتها (وكونها حجة شرعا) بإقامة الادلة القطعية على مشروعيتها لتعالج له الكثير من المشاكل ومنها فقد النص الشرعي .
وهناك علوم أخرى قد لا يعرف القارىء عناوينها وأسمائها لابد من اتقانها لانه يحتاجها في طريق اخذ الحكم من النصوص .
ومتوسط السقف الزمني لإنهاء تلك العلوم وإتقانها اربعون عاما !!!!!!!!!! .
فإذا اتقن ذلك كله اصبح مجتهدا لا حاجة له بالتقليد ، ولذلك قلنا ونكرر ان غير المجتهد لا يمكنه الرجوع للنصوص من دون تقليد .
... تاك (إشارة) لصديقك الذي يشكك بلزوم التقليد . واقرأ المنشور السابق ايضا .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باسم اللهيبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/09



كتابة تعليق لموضوع : إقامة الدليل على وجوب التقليد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net