صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

مسرحية... حكاية الجرح الكاظمي
علي حسين الخباز

 (تظهر غرفة الشاعر في إحدى زوايا المسرح وهو يكتب) 

الشاعر:ـ من ربيع الشجى الى مديات وحدها الدمع، أجيئك يا علي بن يقطين عطشا يبحث عن ندى يبل شفاه الحنين.. 

عن رواء عساني أحمله لهذي الناس المحتشدة اليوم على باب الجراح مواساة لسيدها كاظم الغيظ.. فمد يد يومك لي؛ كي آتيك.. 

(ينفتح وسط المسرح طريق ـ مارة تترقب ـ صوت الطبول التي تقرع تتقدم صوب الطريق) 

الحرسي:ـ فرمان الخليفة.. فرمان.. فرمان الخليفة أمير المؤمنين مروان أعز الله ملكه القويم... أمر الخليفة أعز الله ملكه القويم بالموت على الخائن يقطين.. وعلى من يعثر عليه تسليمه الى عاملنا على الكوفة.. والموت لمن يتستر عليه وحاضركم يبلغ غائبكم.. (يستمر قرع الطبول) 

(يظهر الشاعر وهو في أحد الأزقة المرعوبة وهو يتفرج) 

(رجل يهرول خائفاً يتجه صوب أحد البيوت)

الرجل:ـ ام علي.. ام علي، الفرمان يطلب زوجك يقطين ونحن هربناه.. فاهربي وطفليك؛ كي لا تكونوا رهينة جور.. 

(من إحدى زوايا المسرح) 

علي بن يقطين:ـ هل رأيت بعينك... انا ابن ذاك اليقطين الذي تقاسمته سيوف الوعيد في فرمانات الخليفة مروان الحمار، آخر خلفاء بني أمية.. أنا ابن تلك المرأة التي لملمت صباحات بنيها؛ كي لا يمسهن ليل.. 

الشاعر:ـ لابد من غبطة فجر تزيل عتمة ليل أهوج.. 

علي بن يقطين:ـ هوت عروش واعتلت عروش.. ابو العباس السفاح، وابو جعفر المنصور، والمهدي العباسي.. 

الشاعر:ـ نحن نعرف أن أباك لاحقته مواريث الوشاية بتهمة التشيع حتى مات..

علي بن يقطين:ـ فكنت انا البديل الذي لاحقتني العروش فتيا، عروش ميتة صرت وزيرا للرشيد، ومولاي موسى بن جعفر اوصاني بالقبول بمنصبي.. أرادني فيئا يستظل به المظلومين داخل عروش الطغاة.. 

الشاعر:ـ حملنا ولاءك منهجاً علمنا معنى الوفاء.. فحدثنا عن سيد الصبر وكاظم الغيظ مولاي موسى بن جعفر (عليه السلام).. 

علي بن يقطين:ـ صهلت نصرة أهل البيت (عليهم السلام) عند دولة بني العباس، حتى استقرت أركانها، فأشهروا سيف العداء الى الوارث الشرعي لشجرة النبوة، وهو آية من آيات العلم والشجاعة.. 

الشاعر:ـ السلام عليك يا منبع العلم والنور واليقين.. 

علي بن يقطين:ـ استعانت النصارى بكبيرهم يوماً ليحاور كاظم الغيظ...

(في جانب من جوانب المسرح ـ قرع طبول مهموس الصوت، رجال يقفون بمعية النصراني وهو يحاور الامام عليه السلام)

النصراني:ـ أخبرني عن كتاب الله بما وصفه: (حم {الدخان/1} وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ {الدخان/2} إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ..) ما هو تفسيرها الباطني..؟ 

النصراني:ـ حم..؟ 

الإمام عليه السلام:ـ هو محمد (ص) وهو موجود في كتاب هود الذي انزل عليه وهو منقوص الحروف. 

النصراني:ـ والكتاب المبين..؟ 

الإمام عليه السلام:ـ هو امير المؤمنين علي (عليه السلام). 

النصراني:ـ والليلة المباركة..؟

الإمام عليه السلام:ـ فاطمة الزهراء عليها السلام.. فدعني أنا أسألك..؟ 

النصراني:ـ سل ما تريد..؟ 

الإمام عليه السلام:ـ ما اسم ام مريم..؟

النصراني:ـ لا أعلم..! 

الإمام عليه السلام:ـ اسمها مرثا وتعني وهيبة بالعربية.. في أي يوم حملت في عيسى عليه السلام؟

النصراني:ـ لا أعلم..! 

الإمام عليه السلام:ـ يوم الجمعة وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين عليه السلام، وفي أي يوم وضعت وليدها عليها السلام؟

النصراني:ـ لا أعلم.. 

الإمام عليه السلام:ـ يوم الثلاثاء.. وعلى أي نهر كان؟

النصراني:ـ لا أعلم.. 

الإمام عليه السلام:ـ هو الفرات وعليه شجر النخيل.. 

النصراني:ـ هل تعلم ما اسمي..؟

الإمام عليه السلام:ـ اسمك عبد الصليب ابن عبد المسيح، وجدك جبريل.. 

النصراني:ـ ماذا ستسميني..؟

الإمام عليه السلام:ـ سأسميك عبد الله.. 

النصراني:ـ إني آمنت بالله العظيم فردا صمداً واحداً لا شريك له.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. وإنكم أهل بيت رسول الله معدن التنزيل.. 

النصراني (يخلع صليبه):ـ أضع صدقتي حيث تأمرني.. 

الإمام عليه السلام:ـ لك أخ كان على دينك واسلم.. 

النصراني:ـ من أي قبيلة..؟

الإمام عليه السلام:ـ من قيس بن ثعلبة.. 

النصراني:ـ حياه الله.. 

(يتحول المشهد الى الشاعر وهو في بيت علي بن يقطين)

الشاعر:ـ طوبى لك سيدي.. يقول عنك مولاي الامام موسى بن جعفر عليه السلام: (أشهد أن علي بن يقطين من أهل الجنة، ونحن نجدك رايات وأسياف ترد الى الهدى.. هذي الرياح التي تعصف بنا من كل صوب وتروينا من سبيل الذاكرة.. 

علي بن يقطين:ـ يرتعش الكون في ظل جفن يقف على شرفات عرش في منتصف ليل. 

(تتحول الانارة الى عرش الخليفة المهدي العباسي) 

الخليفة المهدي:ـ أريد حميد بن قرطبة الآن.. 

الوزير:ـ سنأتي به الآن.. 

(لحظات يحاول فيها المخرج استخدام صوت دقات القلب، يدخلون حميد مرتبكاً)

حميد بن قرطبة:ـ مولاي امير المؤمنين.. 

الخليفة:ـ إن إخلاص أبيك وأخيك فينا اظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف.. 

حميد بن قحطبة:ـ أفديك بالمال والنفس.. 

الخليفة:ـ هذا لسائر الناس.. 

حميد بن قحطبة:ـ أفديك بالروح والمال والأهل والولد.. 

الخليفة (صمت):ـ ..... 

حميد بن قحطبة:ـ افديك بالمال والنفس والأهل والدين..! 

الخليفة:ـ لله درك.. لا أحد يستطيع ان يجمع الضوء بالعتمة، فلابد لأحدهما أن يموت.. وأنا أريدك ان تقتل العتمة؛ كي تديم النور مهجاً من صفاء.. 

حميد بن قحطبة:ـ أنا رهن أوامر مولاي.. 

الخليفة:ـ اقتله اذن.. 

حميد بن قحطبة:ـ أقتل مَنْ..؟

الخليفة:ـ اقتل موسى بن جعفر.. 

حميد:ـ حاضر.. 

الخليفة:ـ نعم ستقتله في السحر بصمت لتنهي هذا القلق المؤذي.. 

علي بن يقطين:ـ وسار الليل على سبات العرش، وإذا بزلزال يهز العروش، وإذا صرخة مرعوبة يطلقها الخليفة، فيصير العرش في هرج ومرج.. 

(تشتعل الانارة)

الخليفة ما زال يصرخ مرعوباً:ـ.....

الخدم والحرس:ـ مولاي.. 

آخر:ـ سلامات.. 

الخليفة:ـ لاشيء.. لاشيء.. 

:ـ ما بك يا مولاي.. 

الخليفة (يصرخ):ـ أين حميد..؟ 

الوزير:ـ مَنْ..؟ 

الخليفة:ـ حميد بن قحطبة.. 

الوزير:ـ موجود.. 

الخليفة:ـ جيد.. ليترك الأمر كله.. 

(يتحدث بهستريا): حميد اترك الأمر.. اترك الأمر.. 

حميد:ـ سمعاً وطاعة.. 

الخليفة:ـ لِمَ سجنتم موسى بن جعفر؟ 

الوزير (بحيرة):ـ بأوامرك يا سيدي.. لقد كتبت الى عاملنا في المدينة تبلغه باعتقاله وإرساله الى بغداد.. 

الخليفة:ـ اطلقوا سراحه وأعيدوه الى المدينة فوراً..

الوزير:ـ ما الأمر سيدي.. 

الخليفة:ـ كان كابوساً ازعجني كثيراً.. يأمرني بإطلاق سراح موسى بن جعفر..

علي بن يقطين:- عروش ميتة.. لا تملك صحوة الضمير، تقاد بنفس التفكير حتى ان الكثير من المشاهد تتكرر وكأنها منسوخة من العروش التي سبقتها.. أحداث تتكرر يا ولدي في اكثر من مشهد في حومة هذا المدى المسكون باللوعة.. 

(في زاوية من زوايا المسرح يعاد نفس المشهد بطريقة اخرى، وبخليفة آخر هو الخليفة موسى الهادي)

(صمت مطبق.. وظل حرس واقف, صرخة مرعوبة تهز العرش, فيصير في هرج ومرج) (تشتعل الانارة)

الخليفة (يصرخ مرعوبا):..... 

(الخدم والحرس يلتفون على سرير العرش)

الخدم:- مولاي.. 

الحرس:- مولاي سلامات..

الخليفة:- اين هو؟

الوزير:- من؟

الخليفة:- موسى بن جعفر..؟

الوزير:- في السجن..

الخليفة:- ومن سجنه؟

الوزير:- سجن موسى بن جعفر بأوامركم مولاي..

الخليفة (برعب):- أنا؟ من قال أنا؟

الوزير:- مولاي الخليفة, لقد كتبت الى عاملنا في المدينة أن اعتقل موسى بن جعفر, وثم امرته بإحضاره الى بغداد..

الخليفة:- وأين هو الان؟ 

الوزير:- في السجن سيدي..

الخليفة:- اطلقوا سراحه الآن وأعيدوه الى المدينة فورا..

الوزير:- ما الأمر يا سيدي؟

الخليفة:- رأيت علي بن ابي طالب.. 

الوزير:- رأيت مَنْ..؟

الخليفة:- رأيته غاضبا وهو يقرأ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)

اطلقوا سراحه.. لكن اكيد لن اتركه يعيش حياته كما يريد..

(تسلط الانارة على بيت علي بن يقطين)

علي بن يقطين:- حين يعم الحقد شرائع قوم سينشر الوعيد جناحيه على فضاء الوقت, كل حقد لديهم يقين، والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) كان عند بني العباس سلالم ما إن يرتقوها يدفعوها الى مواقد الشحوب، ويحملون لهذا البيت المقدس الخراب.. 

علي بن يقطين:- الكل يوقد نار الغيرة والحقد قبل أوار الجذوة.. وكل خليفة له طريقة في إيقاد جذوة حقده..

الشاعر:ـ وجذوة حقد هارون الرشيد..

من أوقدها..؟

علي بن يقطين:ـ هي وشاية اثارها الوشاة، ليثيروا قلب هارون.. 

(تنتقل الانارة الى عرش هارون الرشيد) 

الواشي:ـ أما علمت يا مولاي أن في الارض خليفتين يجبى لهما الخراج.. 

الرشيد:ـ ويلك مَنْ..؟

الواشي:ـ انت وموسى بن جعفر.. 

الرشيد:ـ سأريه كيف هو الحليم حين يغضب.. 

الوزير يحيى البرمكي:ـ إذا أمرت لنا باستدعائه وسجنه لنعزله عن الحياة.. 

هارون:ـ أنا سأذهب اليه.. 

(تنتقل الانارة الى أحد جوانب المسرح عند قبر النبي (ص)، حيث هارون الرشيد يزور ومعه رجالات الحرس والحكومة وبعض رجال قريش)

هارون (بابتسامة ماكرة):- السلام عليك يا بن عمي.. 

موسى بن جعفر عليه السلام (يقف عند القبر):- السلام عليك يا أبه..

هارون:- هذا هو الفخر يا ابا الحسن.. 

(برهة صمت): لكني أحب أن أسأل.. 

(تنتقل الانارة الى بيت علي بن يقطين) 

علي بن يقطين:- الجميع خائف ويترقب، منهم من يخاف على غضبه ومنهم من يخشى على حياة الكاظم (عليه السلام)

(تعود الانارة الى قبر النبي ص)

هارون:- كيف تقولون نحن ذرية رسول الله (ص) وانتم بنو علي، وإنما ينسب الرجل دون جده لأمه.. 

الامام الكاظم عليه السلام:- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (وَوَهَبنَا لَهُ إِسحَاقَ وَيَعقُوبَ كُلاًّ هَدَينَا وَنُوحاً هَدَينَا مِن قَبلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ, وَزَكَرِيا وَيَحيَى وَعِيسَى وَإِليَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ) وليس لعيسى أب.. وإنما أُلحقَ بذرية الأنبياء من قبل أمه.. وكذلك ألحقنا بذرية النبي من قبل أمنا فاطمة الزهراء (عليها السلام). 

هارون:ـ والدليل..؟

الكاظم عليه السلام:ـ قول الله عز وجل: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لعنَةَ اللّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ) ولم يدعُ (ص) عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء.. 

(يعود المشهد الى بيت علي بن يقطين)

الشاعر:- ألم يكن الأولى تزكية الولاء, احتواء أهل البيت (عليهم السلام) ليكونوا عون رشاد.. أم يا ترى فدك هي التي تنداح في دفق الفتون.. صراع يعمر لهم الحقد والحسد؟

(يتحول المشهد الى قبر النبي ص)

هارون:- يا أبا الحسن.. خذ فدكاً حتى أردها عليك..

(تتحول الانارة لبيت علي بن يقطين)

علي بن يقطين:- أبى مولاي أبو الجوادين.. حتى ألحّ عليه هارون الطلب..

(تعود الانارة الى المقبرة)

الكاظم (عليه السلام):- لا آخذها إلا بحدودها..

هارون:- وما حدودها؟

الكاظم عليه السلام:- إن حددتها لم تردّها..!

هارون:- بحق جدك إلا فعلت..

الكاظم عليه السلام:- الحد الاول فعدن.. 

هارون (تغير وجه):- هيه.. عدن؟

الكاظم عليه السلام:- الحد الثاني سمرقند..

هارون (اربد وجهه):... 

الكاظم عليه السلام:- الحد الثالث افريقيا..

هارون (اسودّ وجهه):.. هيه..

الكاظم عليه السلام:- الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرميا..

هارون (بغضب):- لم يبقَ لنا شيء.. فخذ العرش واجلس انت عليه.. 

الكاظم عليه السلام:- أنا أعلمتك انما ان حددتها لم تردها..

(تنتقل الانارة الى بيت علي بني يقطين)

علي بن يقطين:- انسحب هارون وهو يقول لجماعته: شخص مثل هذا لابد أن يقتل.. ومن الغريب ان يقف هارون امام قبر النبي (ص).

(تتحول الانارة الى قبر النبي)

هارون:- بأبي انت وأمي يا رسول الله.. اني اعتذر عليك من أمر، عزمت عليه: انا أريد أن آخذ موسى بن جعفر فاحبسه؛ لأني خشيت أن يعلن بين امتك حربا يسفك فيها الدم.. 

(تعود الانارة الى بيت علي بن يقطين)

علي بن يقطين:- غبي هذا الرشيد إن ظنّ ان هذا الاعتذار يحيده عن المسؤولية امام الله والتاريخ.. 

(تعود الانارة الى قبر النبي ص)

هارون:- اعتقلوا موسى بن جعفر.. (يُرفع الامام من صلاته ويُحمل بعد أن يُقيّد)

:- اين حسان السروي..؟

حسان:- نعم مولاي.. 

هارون:- لابد من اخفاء جهة سجنه، فلْتُهيأ قبتان، واستروهما بالثياب الرومية، ومع كل قبة ارسلوا خيلاً ورجالاً.. واحدة للبصرة وفيها موسى بن جعفر.. والأخرى تذهب الى الكوفة للتمويه..

(تسلط الانارة على بيت بن يقطين)

الشاعر:- رغم كل هذا الزمن الفاصل بيني وبين الحكاية، أشعر أنها ابنة زمني او ربما انا ابنها الغائر في المعنى..

علي بن يقطين:- حكاية امام لا تنام، وتنهض كل يوم بهيئة وجدان يهز الكون.. والبصرة تراتيل دمع غيور.. 

(تسلط الانارة على مجلس امير البصرة.. يدخل حسان السروي القائد المسؤول عن نقل الامام الكاظم الى سجن البصرة ومعه الكاظم عليه السلام مقيدا)

حسان:- سيدي والي البصرة عيسى بن جعفر سلام عليكم.. 

والي البصرة:- عليكم السلام, من هذا السجين الذي معك؟ ولماذا اتيت به الى مجلسي؟

حسان:- هذا هو موسى بن جعفر ارسله الخليفة لك لتحبسه.. 

والي البصرة:- خذوه الى بيت من بيوت المحبس..

(تسلط الانارة عند بيت علي بن يقطين)

الشاعر:- إمامٌ يُوقظ الليل ليصلي في سجن نبذته البراءة، ويعلمهم معنى الحياة.. 

علي بن يقطين:- انتشرَ في السجن عبق الهدى فأحبوه.. 

(تنتقل الانارة الى مجلس امير البصرة)

الكاتب:- بريد الخليفة.. لقد وصل يا سيدي الامير..

والي البصرة:- هل فيه شيء جديد..؟

الكاتب:- كالعادة سيدي.. يطالبك بقتل موسى بن جعفر..!

والي البصرة:- حرام أن يهدر دم إمام, ماذا يريدون من رجل يمتلك الصلاح والعبادة والتقوى يصوم النهار ويقوم الليل, لديه من اهل البصرة اصحاب علماء يزورونه كل يوم.. 

(تنتقل الانارة الى بيت علي بن يقطين)

علي بن يقطين:- أحبه والي البصرة.. ولهذا ترك مجالا للعلماء لزيارته.. فاتصل به ياسين الزيات الضرير البصري وروى عنه ومعه ثلاثون عالماً من علماء البصرة.. 

(تنتقل الانارة الى قصر والي البصرة)

والي البصرة (منفعل):- اكتب للخليفة.. 

الكاتب:- امرك مولاي.. 

الوالي:- انا لا اقتل رجلاً بهذا الصلاح, صرت اخاف دعاءه.. خذْه مني وسلمْه الى مَنْ شئت.. وإلا خليت سبيله, فاعفني من هذه المهمة..

(تسلط الانارة على عرش هارون الرشيد)

هارون:- أتلفع بجراحي الخرساء.. وبدهشة هي غفلة عرش نام بلا عين.. أيعقل..! اجبني يا فضل بن الربيع..؟

فضل:- ما الامر مولاي..؟ 

هارون:- اقرأ.. هذا كتاب والي البصرة يرفض اوامري، ويهدد بإطلاق سراح موسى بن جعفر, لو لم نأتِ به الى حبس آخر..!

فضل:- لم نجد في والي البصرة شائبة في يوم ما..

هارون:- إذن اين هي الشائبة؟ فيّ أنا؟

فضل:- لا طبعا حاشاك سيدي, لكن الشائبة في مفتاح القضية كلها... فمثل هذا الرجل لا يحبس في محبس عام، فيؤثر فيهم، ويروجون له ما يشاء..

هارون (يبتسم):- إذن، لنصحح الموقف ونأتي به الى بغداد، ونودعه في سجن الفضل بن الربيع البرمكي.. 

فضل:- عندي..؟

هارون:- ومن غيرك سيضمن لي راحة البال والشعور بالنصر؛ كي اتخلص من هذا الهرج وأستريح..

(تنتقل الانارة الى بيت علي بن يقطين)

الشاعر:- وجع يهز الروح، يبدو لي انك في مثل هذه الاحداث ودعت الحكاية، ورحلت عن دنياك، وعينك ترنو الى سجن الإمام..

علي بن يقطين:- بعد موتي.. ازددت قرباً لمولاي.. فالروح صارت عنده دمعة لا تفارقه, فلا تخشَ من أي صدع في سقف الحكاية.. 

الشاعر:- اخشى ان يفيض به المصاب.. فهامة هذا الشموخ الكاظمي ما انحنت اثر وجع حتى لو طالها الردى..

علي بن يقطين:- حُبس في بيت الفضل بن الربيع.. وتلك كانت نصيحته؛ كي تمنع سواتر البيوت ان تنشر التأثير عبير العلم، فيزداد خطر الكاظم...

(تنتقل الانارة الى قصر هارون ويقف امامه الفضل بن الربيع)

هارون:- اتعرف لِمَ ارسلت إليك..؟ 

فضل:- لا علم لي يا مولاي.. 

هارون:- احضرتك لكي اخبرك باني اطلقت سراح موسى بن جعفر, فأطلقْ سراحه.. ولكن لا تجعله يرحل خارج بغداد.. اجعله تحت ناظريك.. 

فضل (غير مصدق):- أتامرني بإطلاق سراح موسى بن جعفر..؟

هارون:- اطلق سراحه يا فضل بن ربيع..؟ 

الفضل بن ربيع:ـ هل انت جاد فيما تقول؟

الخليفة:ـ صوت تسرب في باحة نومي، خفت حين نظرت الى صورته التي اعمت العين، فتسرب عبر الجفن إليّ وحي يصيح بي: ويحك.. أتقتل موسى بن جعفر.. فأطلق سراحه.. 

(تنتقل الانارة الى دار علي بن يقطين) 

علي بن يقطين:ـ الأمان سهم يمرق من قوس اللحظة، ولا يمكن لعرش أن يطمئن لصحوة ثائر يفزع للفقراء والمحرومين.. 

الشاعر:ـ تقرع نبضاتي هلعاً يا سيدي ابن يقطين.. 

ابن يقطين:- موجعة هي الجراح.. لذلك اعاد هارون اعتقال مولاي الكاظم عليه السلام ثانية.. 

(تسلط الانارة على قصر الفضل بن الربيع) 

الفضل بن الربيع:ـ إثم والله أن نطارد حياة آمنة دون جناية جريمة.. والله نعتقل سادة الناس لأننا نخاف من العفة والفضيلة والصلاح.. يا ويل هذا الرشيد الذي يخشى الرشاد.. 

:- ايها الحرس.. 

الحرس:ـ نعم مولاي.. 

الفضل بن الربيع:ـ يا ولدي.. لا تنام عين السماء فكن يقظا، احمل المقامات تيجان ولاء وتلطف بمعاملة امام، املأ كل سواد الدنيا بياضا.. عسى الله تعالى ان يهدينا البصيرة ويوقنا شر الظالمين.. 

الحرس:ـ افرحتني مولاي.. هذا الرجل هو بحد ذاته موعظة، سورة من رشاد.. صاحب علم لا ينضب.. 

حرس 2 يستأذن (يدخل):ـ سيدي الفضل بريد الخليفة.. (ينسحب) 

(الفضل يقرأ ثم يرمي الكتاب بغضب الى الارض..) 

الحرس (بحزن) :ـ سيدي ما الامر؟

الفضل:ـ الخليفة يوعز اوامره لي باغتيال الكاظم عليه السلام.. 

(تنتقل الانارة الى بيت علي بن يقطين) 

الشاعر:ـ هذا سراج نبي، ودمعة خشوع في عين ولي، وصمت صلاة.. 

علي بن يقطين:ـ الملك عقيم مترف الحقد حد الذبول.. 

(تنتقل الانارة الى بيت الفضل) 

الحرس:ـ ماذا قررت ان تفعل يا سيدي الفضل؟

الفضل:ـ سأمتنع وأماطل.. حتى يرى الله تعالى أمره فينا.. وما دام الخليفة في الرقة.. 

(تنتقل الانارة الى قصر الرقة) 

الخليفة هارون:ـ خسران من يلاعب القسوة بالتماطل، انا قررت ان اكسر كل الضفاف؛ كي يغرق الكون كله؛ بسبب صلابة موسى بن جعفر، وصلافة الفضل بن الربيع.. ان لم يستجب لأوامري سأقتله.. 

اكتب الى الفضل بن ربيع: لقد وسعت في عدونا ما به الكفاية، فان اردت تبرئة نفسك فاقتله فور وصول البريد اليك.. 

(على زاوية من زوايا المسرح.. الفضل وهو يهز يديه بالرفض/ فجأة تدفع الباب بقوة وإذا مسرور يدخل عنوة بيت الفضل، ليترقب احوال الامام عليه السلام، فيراه في وضع وقور وهو يصلي) 

مسرور الخادم:ـ وكأن الخليفة يدري بما رايته الان، فموسى بن جعفر بدعة من امره، وكأنه ليس بحبيس محبس، بل ضيفا كريما في دار مضيافة.. هذا ما قاله مولاي الخليفة هارون الرشيد..

(فجأة دخل العباس بن محمد..) 

(نقطة ضوء تنتقل الانارة الى باحة نفس الدار/ الفضل مجرد من ثيابه.. والسندي يضربه مائة جلدة.. والفضل يتوجع) 

العباس بن محمد:ـ احملوا موسى بن جعفر لبيت السندي بن شاهك.. 

(تنتقل الانارة الى بيت علي بن يقطين) 

الشاعر:ـ سمروا الصلاة في سجوده (يطرقون المسامير بقربه كحد) وقيدوا التراتيل في صفد العناد (يقيدون قدم الكاظم عليه السلام) ثم حبسوا البسملة (يغلقون الباب) كي يستريح الطغاة على لعنات عتيقة.. 

(برهة صمت حزين تمر على السجن الكئيب لتستعرض الانارة محتويات الغرفة البائسة) 

(باب السجن يفتح) 

الحرس:ـ الوزير يحيى البرمكي..

(يتجول يحيى البرمكي مع خاصته في السجن، ينظر الى الامام عليه السلام بحزن مفتعل) 

الوزير يحيى البرمكي:ـ جئت ازورك واطمئن عليك، وانقل لك مودة الخليفة، وقد اقسم على اطلاق سراحك.. (صمت) لكن بشريطة أن تعتذر.. 

(تنتقل الانارة الى بيت علي بن يقطين)

الشاعر:ـ لقد هدموا كل جسور التواصل بين الارض والسماء.. يطالبون السجين بالاعتذار من السجان، وله منزلة امام معصوم، ويعجبون كيف لا تأثم فينا الدروب.. 

علي بن يقطين:ـ هو ليس اعتذاراً يطلبه هارون.. بل السعي لإذلال إمام.. وإظهار ضعف حاله؛ لأنه يعلم ان القسوةَ فتاكة، ولتحملِ الانسانِ طاقة.. 

(تعود الانارة لسجن السندي) 

الامام موسى بن جعفر:ـ سيقع الفراق بيني وبين هارون عاجلا.. وسيحقق هارون ما يريد.. 

صوت هارون:ـ يا سندي بن شاهك.. 

السندي ( يبحث عن مكان الصوت):ـ نعم مولاي الخليفة..؟ 

هارون:ـ دس له السم في طعامه وخلصني.. 

(تتحول الانارة لبيت علي بن يقطين) 

الشاعر:ـ ((يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ))

علي بن يقطين:ـ كانت عائلة السندي تطل عليه فترى هذه السيرة الزكيّة التي تحاكي سيرة الأنبياء، ممّا دفع شقيقة السندي إلى اعتناق فكرة الإمامة، وأن يكون حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.. سيرة مترعة بجميع معاني النبل والزهد والسمو والإقبال على الله تعالى..

(على زاوية من زوايا المسرح / السندي يعد الرطب السموم) 

علي بن يقطين:ـ عمد السندي الى رطب فوضع فيه سماً فاتكاً وقدمه للإمام..

السندي:ـ كلْ وزدْ على ذلك.. 

الامام عليه السلام:ـ حسبك.. قد بلغت ما تحتاج اليه.. 

علي بن يقطين:ـ أخذ الامام عليه السلام يعاني من آلام شديدة.. والسندي مرابط عند رأسه لا يفارقه.. 

السندي:ـ دعوه يموت بعجل.. أبعدوا عنه اي مساعدة مسعف او طبيب..

(مع الشرطة): ادخلوا الناس ليروا ما حدث.. خشية ان يزعم البعض أنا قتلناه..

(الناس يدخلون الى غرفة الامام في سجنه) 

السندي:ـ ايها الناس.. جمعتكم لتروا سجنه ومأواه، ولتسألوه عن سعة المأوى، وقيمة الرضى.. 

الشاعر (يدخل المشهد):ـ الله يرى قبل الناس.. 

الكاظم عليه السلام:ـ اني قد سُقيت السمّ يا شيعتي.. وبعد غد سأموت.. 

(السندي وهو يرتعش ويتلعثم): لا.. لا تصدقوه فانه يهجر... انه يهجر.. انه مثلما قلت لكم يهجر.. نعم ايها الناس ان الرجل يهجر.. ولو كنا قتلناه لما ارسلنا إليكم.. وجعلنا الامر سرا.. 

(يخرج علي بن يقطين وضيفه الشاعر الى النعش لإجراء مراسيم الدفن) 

علي بن يقطين على جسر الرصافة: وسدوه سجادة صلاة.. 

الشاعر:ـ يرفعون الأذان نداءات جرح ينزف مع كل نداء يمزق القلب.. نصحو على جرح جديد.. 

الشرطة (ينادون): هذا امام الرافضة ميت، هذا الذي يدعي الرافضة انه حي لا يموت.. تكبير.. 

يحمل النعش الشاعر وابن يقطين.. 

الشاعر:ـ لا اله إلا الله الحي الذي لا يموت.. 

(ينزل النعش من المسرح الى القاعة ويشيع محمولا على الاكتاف) 

الجميع:ـ لا اله الا الله الحي الذي لا يموت..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/02



كتابة تعليق لموضوع : مسرحية... حكاية الجرح الكاظمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net