صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

التي جمحت !
حيدر الحد راوي

هدوء مطبق , سكون عميق , صمت يغلف المكان , لا شيء يتحرك في تلك الغرفة , حيث تجلس على سريرها , محدقة في النافذة امامها , وضعت كلتا يديها على رأسها , انزعاجا من الطنين , طنين الفراغ , يخيل اليها ان رأسها على وشك الانفجار , فتحاول عبثا لملمة اجزاءه المتصدعة , خشية ان ينفلق على حين غرة , تغزوها من الداخل افكارا كثيرة , حوله , ذلك الذي لم يأبه بها , ولم يعرها أي اهتمام . 

اما هو , لم يك في حالة مختلفة , بل كان يمر بنفس الوعكة , الالم , المرارة,  الا انه لم يحاول الاقتراب منها ولا لمرة , يظن ان في ذلك انتقاصا لرجولته , وخدشا لكبريائه .. كرجل , يكابر رغم مرارة الصراع الداخلي , بين العشق والكبرياء . 

اقتربت منه عدة مرات , في اماكن وازمان مختلفة , جربت كل الطرق والوسائل لتجذب اهتمامه , ولو نظرة , بدت وسائلها وحيلها عديمة النفع امام حجر اصم , كلما ازداد في لامبالاته , أزداد جنونها , ما زاد في الطين بله , وما زاد في الصبر مرارة .

كاد يصرع في كل مرة اقتربت فيها منه , بل كاد يفقد عقله في كل حيلة من حيلها , لكنه كبت دواخله , واظهر صلابته , اخفى ضعفه , واظهر قوة زائفة , كان يتألم اكثر منها , كانت البراكين تغلي , ألا انه احكم الفوهة .

أعيتها الحيل , وتقطعت سبل الافكار :

- لم اك له ... ولم يك لي .   

خرجت من البيت , بلا وعي , ولا شعور بالمطر , لم تدرك ما تفعل في هذه الليلة الدهماء الماطرة , ساقتها قدميها نحو جبل الصخرة , خارج المدينة . 

كان يراقب الشارع من النافذة , شاهدها تخرج في هذا الحال , فتأجج به الفضول ليتبعها , لكنه كان جبانا , يخشى الظلام , والمطر , ابعد ناظريه عن النافذة كي لا يراها , فوقعتا على المرآة , هناك , حيث تصوّر له شيطان افكاره , سمعه يقول بكلمات متقطعة :

- انها تخونك ... اتبعها ... لتكتشف الخيانة ... ومع من ؟ .

- لا ... لا ... لعلها ذاهبة لتحضر شيئا ما ! . 

- يا غبي ... أي شيء ستحضره في هذه الساعة من الليل ... وفي هذا الظرف المناخي ؟ . 

- لعلها ذاهبة لتحضر الطبيب من اجل امها المريضة ! . 

- يا لك من معتوه ... طريق الطبيب من ذلك الاتجاه ... وهي ذاهبة نحو جبل الصخرة ! . 

- لا أعلم .

- انك جبان .

- كلا ... لست جبانا ... لكني رجل ... املك من الكرامة ما يحصنني من التهافت على النساء .

- ما هو مفهوم الرجولة كما تفهمه ؟ .

- الرجولة ان ... 

قاطعه قبل ان يكمل :

- بل انت جبان ... تخشى من الرجل الذي تخونك معه .

- لا ... لا .

- اذا .. برهن على شجاعتك  ... على رجولتك المفقودة ... اثبت وجودك ...

- كيف ؟ .

- خذ ذاك السلاح ... واقتله ... او اقتلهما معا .  

تردد كثيرا , لم يفلح بالرد , خانه لسانه , فأردف شيطان الافكار :

- هيّا ... لا تخشى شيئا ... سوف اكون معك ... مؤازرا ! . 

تناول السلاح وانطلق في اثرها , حالما خرج من غرفته , دوّت ضحكات شيطان الافكار الخبيثة في المكان , رددت الجدران صداها , رغم ذاك , لم يك قد سمع منها شيئا . 

رغم الظلام , وانعدام الرؤية , تمكنت من تسلق الجبل بمساعدة الاضواء القادمة من مصابيح المدينة , توقفت للحظة , ألقت نظرة فاحصة على الطريق , لم يك هناك احد يتعقبها , ثم رمقت المدينة بنظرات بائسة , يائسة , واستمرت بالتسلق حتى وصلت الى تلك الصخرة . 

وصل هو وشيطان افكاره الى الجبل توا , خشي التسلق , فقد أمست ممرات الجبل زلقة بسبب ماء المطر , فكر في العودة , الا ان رفيقه اعترضه :

- لقد كدت تصل ... ها هما هناك ... ألق نظرة لتعرف ما يفعلان . 

- لكن الممرات زلقة ... واخشى الوقوع في الوادي ! . 

- مجرد عذر واه ... اذا كيف سلكا الممرات هما ؟ ... هناك دافع اقوى من الخوف ... العشق المجنون ! .

- لعلهما صادقين في عشقهما لبعضهما .

- تلك اعذار الجبان ... هيا ... أيها الرجل الوحيد ... في تلك المدينة . 

سلك الممر المؤدي الى الصخرة , التي تكمن دون القمة , بهمة واندفاع تحت تأثير همسات رفيقه .

كانت تقف على الصخرة , تستنشق الهواء الرطب , نسيمه يداعب شعرها , كان له تأثير ساحر , حتى انها عادت الى رشدها , فجأة , انتبهت الى وجود رائحة تألفها , قد نقلها النسيم لها , لم تصدق , انعطفت لتكتشف وتتأكد , ألتفت التفاته سريعة لتنظر الى الممر , التوت قدمها وانزلقت , فهوت في الوادي .

لم يك قد سمع صراخها وهي تهوي , فقد كان في الجهة الاخرى , ناهيك عن صوت الرياح وحفيف الاشجار , بعد جهد جهيد , وصل الى الصخرة , المكان المطلوب , لم يجد احدا هناك. 

- لا أحد ! . 

- كلا ... أكنت تظن ان يلتقيا هكذا ... لابد وانهما قد اختبئا في مكان ما ! . 

- أين ؟ . 

- لا اعرف ... اكتشف بنفسك ... قبل ان ينتهي اللقاء .

- من اين سأبدأ البحث ؟ . 

- من هناك .    

شرع بالبحث , بخطى متثاقلة , مترددا فيما سيقول لو وجدهما معا , وبماذا يجيب ان سألاه "ما شأنك انت؟" , واشياء اخرى كثيرة , لكن رفيقه بدا كأنه يعلم ما يدور في رأسه .

- استمر في البحث دون ان تفكر بشيء ... سوف تكتشف المفاجئة الكبرى ... هيّا .. هيّا اسرع ! . 

حاول التوقف عن التفكير , لكنه لم يفلح , تحت الحاح رفيقه , اسرع في خطاه , غير عابئا ولا مكترثا بالظلام , ولا بالممرات الزلقة , كان لإلحاح الرفيق اثرا في غليان دمه في عروقه , أخرج السلاح من جيب سترته , واستمر بالبحث الجاد , اقترب من الصخرة الزلقة دون ان يتوخى الحذر , و دون ان ينظر الى موقع قدميه , مع انه على الحافة , الا انه لم ينزلق , كان رفيقه يرقبه ان يتقدم اكثر او ان ينزلق , شيئا من ذلك لم يحدث , بل فكر بالعودة الى البيت , طلبا للسلامة , نفد صبر شيطان الافكار , فطلب منه ان ينتظر لوهلة , التف من خلفه , ثم دفعه ليهوي في الوادي ! .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/28



كتابة تعليق لموضوع : التي جمحت !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net