صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

الرشد والغيّ في الدولة العالمية.
مصطفى الهادي
 مائة وأربعة وعشرون مصلحا نبيا بعثهم الله لمساعدة البشر وانتشالهم مما وصلوا إليه. ومن بين هذا العدد الهائل كانت هناك خمس محاولات حاول فيها الله تعالى عبر (أولي العزم) أن ينقذ البشرية من مصير أسود كانت تسعى إليه بأرجلها وفي كل محاولة كان النبي هو الضحية مع اعتراف هذه الامم بصدق ونزاهة وعدالة هؤلاء الأنبياء حيث نرى ذلك واضحا في كثير من السور ومنها سورة هود الاية (62) : ( قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوّا اتنهانا أن نعبدَ ما يعبدُ آبائنا). فقد كان صالح مرجوا في قومه ما دام لم يمس مصالحهم الشخصية. 
وفي سورة الأنبياء : (وزكريا ويحيى: إنهم كانوا يُسارعون في الخيرات). وفي سورة هود: (قالوا يا شعيب إنك لأنت الحليم الرشيد). وهكذا إلى أن وصل الدور إلى نبينا (ص) حيث قال تعالى عنه : (وانك لعلى خلق عظيم). وكان يُعرف بالصادق الأمين ولكنه بمجرد ان بعثه الله وتضررت مصالح طبقة معينة من الناس اصبح هذا ا لنبي : ساحر وكذاب وشاعر.
 
وهكذا تم تأجيل اليوم الذي تتحقق فيه العدالة المطلقة للبشرية التي يعقبها العصر السعيد الخالي من الالام جيل بعد جيل وكل ذلك بسبب البشر أنفسهم إلى أن حل الدين الخاتم حيث تكفل الله تعالى بحفظ كتابة واعطى مهلة أخيرة للبشرية ان تُصلح أعمالها إلى يوم واقع لا محالة باتفاق جميع الديانات فلم تكن قضية لامام المهدي (عج) قضية الرسالة الاسلامية فقط ، بل أن هذه القضية جرى التمهيد لها عبر سلسلة طويلة من الرسالات، فكل رسالة كانت مؤهلة أن تؤدي دورها في الوصول بالانسان إلى الغاية والهدف الذي خُلق من أجله، وخُلق كل ما في الكون من أجل هذا الهدف شئنا أم أبينا فإن مسألة خلق الإنسان كانت مسألة تحدي في خلق مخلوق يكون وسطا بين الملائكة والشياطين يتمتع بمزايا فكرية لو احسن استغلالها فسوف يرتقي فوق الملائكة ، ولو لم يُحسن استغلالها هوى إلى درك الحيوانية وكان مطيّة للشياطين.
وقد رافق عملية الخلق حدث أخر وهو التحدي من قبل قوى كبرى في الكون خلقها الله لإدارة الاعمال الشاقة الخارقة ولكن هذه القوى تمردت واعتقدت انها على شيء وانها تُشارك الله في علم الغيب كما نقرأ ذلك في قوله تعالى : (تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). (1)
 
التحدي هنا ليس فقط من الجن (الشياطين) بل من الملائكة أيضا الذين تنبئوا عن مستقبل الإنسان وإنه سوف يكون مليئا بالدماء كما نقرأ ذلك في قوله تعالى: (وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء). (2) فأراد الله تعالى أن يُثبت لهم بأنهم على خطأ وأن الغيب له وحده لا يأذن به إلا لمن يشاء هو فيُطلعه على بعض غيبه. (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول). (3)
 
وحتى لو اطلع الله رسله على الغيب فإنه يتخذ تدابير احترازية شديدة جدا من أجل أن لا تسترق الشياطين السمع فيقول تعالى : (فإنهُ يسلُك من بينِ يديه ومن خلفه رصدا).(4) 
التحدي هو أن الله وضع في الانسان قابلية ان يصل إلى السعادة المنشودة ويبني عالم خال من الآلام ثم جعله مختارا مبدعا فاعلا أذن له ان يتصرف في كل ما يقع تحت يديه من أجل تحقيق هذا الهدف يشترك في تحقيقه مع الجن إن هم لم يحسدوه ويُحاربوه ويُحاولون الوقيعة بينه وبين ربه لأن البشر والجن هم المعنيين بهذا التحدي (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون).(5)
هذا الهدف السامي الذي رسمه الله للبشر لايتحقق إلا على ايدي البشر ومن قيادات منهم خلقها في عالم الملكوت (الجنّة) ورسم ادوارهم مع اعطائهم مساحة من حرية الاختيار. ولذلك فإن الانسان كان منذ بدايته مؤهلا ان يعيش في ذلك العالم ولكنه ونظرا لقلة خبرته وبساطته في دوره الاول استطاع المخلوق الثاني (الشيطان) أن يوقعه ويُخرجهُ من عالمه السعيد ، فكان على الانسان ان يخلق عالمه بنفسه وأن يصل للسعادة إن هو أحسن استخدام مواهبه. فقد خلق الله الانسان ووضع فيه العقل وجعل فيه قابلية الخطأ والصواب من أجل الارتقاء عن طريق الاستفادة من اخطاءه، لكي يصل إلى السعادة فإذا عجز عن ذلك أمدّه الله بمن يساعده وينهض به نحو الوصول للهدف اولئك هم الرسل.رجال خلصوا وتكاملوا وطهروا هم بشر أيضا ولكن وصلت عقولهم إلى مرحلة الرشد.
 
فالأنبياء على فقرهم المادي إلا أنهم يملكون النضج الفكري (الرشد) الذي هو اثمن كل شيء في الدنيا ، وخذ مثلا فرعون على الرغم من سلطته وجبروته وثروته الهائلة إلا أنه ليس برجل رشيد كما نقرأ في سورة هود: (فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد).فالرشد هو غاية الانبياء ووسيلتهم للنهوض بالبشرية من واقعها المؤلم وللأسف فإن الكثير من الامم عندما تصل اوج مراحل نضجها وهي على وشك بلوغ مرحلة الرشد تنهار بسرعة والسبب هو أنانية الانسان وعناده واستكباره ومن هنا لابد من وجود قيادة حكيمة واعية رشيدة تجمع عقول الناس على أمر واحد وهدف واحد ورب واحد فعندما تتوحد كل عقول الناس فهدف الأنبياء هو العثور على رجل رشيد واحد في أمة كاملة لكي يكون نقطة البداية وهذا ما نراه يلوح في قول نبي الله لوط الذي خاطب قومه قائلا : (أليسَ منكم رجلٌ رشيد).
 
خذ مثلا حكومتنا فهي منذ ثلاث عشر سنة بعد سقوط الصنم لم تُنجب رجل رشيد واحد يصلح لقيادة العراق، وكل محاولات من يملكون الرشد الجزئي ــ المرجعية الدينية ــ باءت بالفشل لحث الحكومة على الاصلاح لابل ان بعض السياسيون فعلوا بالمراجع ما فعلته الامم بأنبيائها.
 
وهكذا نعود للمربع الأول فنقول أن محور هذا التخطيط هو (المهدي) على اختلاف تسمياته في تسلسل الأديان التي جاءت فعندما يعثر المهدي على رجل رشيد واحد فسوف ينهض لبدء عملية الانقاذ. وحتى حركة المهدي عليه السلام لا تخلو من تدخلات الخط المعارض والذي يُطلق عليه الخط الشيطاني الذي يقود جيش من الفاشلين الذين يُمثلون حركة الدجال وهذا ما نراه يلوح في قول النبي محمد (ص) : (إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال ، وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال ، وأنا آخر الأنبياء ، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة).
 
وما اكثر هؤلاء الفاشلين الذين يقودون دول وحكومات ويتحكمون بمصائر شعوبها أليس ما نراه اليوم من مآس تمر بها البشرية دليل على ان جيش الفاشلين بدأ يتعاظم تمهيدا لظهور سيدهم الأكبر (الدجال) الذي يجمع كل عقول الفاشلين ليؤسس لهم دولة الفشل الأكبر التي بدأت ملامحها تلوح في الافق القريب والتي هي من اهم علامات ظهور دول العدل الإلهي.
 
المصادر:
1- سورة سبأ الآية : 14.
2- سورة البقرة آية : 30.
3- سورة الجن آية 36.
4- سورة الجن آية 27.
5- سورة الذاريات آية 56.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/25



كتابة تعليق لموضوع : الرشد والغيّ في الدولة العالمية.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net