صفحة الكاتب : صالح الطائي

لو هداهم الله لكنا بخير
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يوما بعد آخر تتصاعد حدة الخطاب الذي يشكك بعروبة الشيعة متهما إياهم بالفارسية والمجوسية فضلا عن الرافضية؛ التي أصبحت قرينة تذكر كلما ذكر اسمهم؛ حتى دون أن يفهم قائلها معناها. إن هذا المنهج المنحرف ليس وليد الساعة، ولا نتاج المعاصرة، وإنما هو من المواريث القديمة التي فرضت نفسها على مجتمعنا وأمتنا ورسخت فيه، ولم تغادره، لأنها تجد دائما من يهتم بها ويغذيها ويعتني بها.

إن الأوائل الذين تعاملوا مع هذا التحيز الكبير بهذا الأسلوب الهمجي المنحرف لم يكونوا عدولا لأنهم ببساطة، أخرجوا من تابع أحد المذاهب الأربعة من هذه المعادلة وقاموا بتزكيته، ليوقفوها على من اتبع مذهب أهل البيت من الفرس وباقي الأعاجم، وفي كتب التاريخ والسرديات وحتى في الواقع المعاش؛ هناك مئات الأمثلة الواضحة على هذا التحيز الكبير غير المنصف والبعيد عن العدل، والذي يتسبب بزرع البغضاء والعداء والفرقة بين مكونات الإسلام وفرقه.

من هذه الكثرة الغالبة سأختار أنموذجا واحدا يوضح صور التحيز، يمثله (أبو عبيد القاسم بن سَّلام) واضع كتاب (فضائل القرآن) وهو رجل عالم كبير، وضع كتابا مفيدا ممتعا، من حق المسلمين أن يفخروا به كمسلم وعالم، ويجب أن لا يحسب على فئة دون أخرى من المسلمين.

لقد حظي هذا العالم الكبير بعناية المؤرخين والكتاب لدرجة أنهم أسبغوا عليه نعوتا وألقابا فاضت عن حاجته، لو أسبغ عشرها على آخر يماثله ثبت إتباعه مذهب أهل البيت لكنا اليوم بألف خير، ولما عشنا محنة الخلاف.

وقف المؤرخون والمترجمون على ذكر اسمه واسم أبيه ولم يتجاوزوه لعدم معرفتهم بما بعده، لكن الذهبي وابن النديم ذكرا له جدا لم يذكره غيرهم وذلك اعتزازا منهم به، ولكنهما لم يتفقا على الاسم نفسه، فذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء جدا اسمه عبد الله، وذكر ابن النديم في الفهرست جدا اسمه مسكين.

وفرعوا وشعبوا في التدقيق باسمه، فاختلفوا فيما إذا كان اسمه بالألف واللام(القاسم) أم بدونهما (قاسم). وفيما إذا ما كان أسم أبيه بالفتح (سَلام) أم بالتشديد (سَّلام) ذهب إلى ذلك ابن الأثير والسيوطي وابن حجر وابن خلكان وابن السبكي والخوانساري وغيرهم.

كما فرَّعوا ونوَّعوا عند حديثهم عن نسبه. فهو: 

(الرومي) نسبة إلى الروم، وقد كان أبوه عبدا روميا. ذهب لذلك الخطيب البغدادي وابن أبي يعلى والقفطي وابن خلكان والخوانساري. 

وهو (المروزي) ذهب لذلك ابن يونس في "معرفة القراء الكبار". 

و(التركي) نسبة إلى الترك، ذهب إلى ذلك الداوودي في طبقات المفسرين. 

و(الخراساني) نسبة إلى خراسان، وخراسان تمتد من نيسابور إلى هراة إلى مرو إلى بلخ إلى نسا إلى سرخس وغيرها من البلدان. نسبهُ إلى خراسان كل من ابن سعد في الطبقات والزبيدي في طبقات النحويين والزركلي في الأعلام. 

و(الهروي) نسبة إلى هراة؛ التي هي بعض خراسان، نسبه إليها الخطيب البغدادي وابن أبي يعلى وغيرهم. 

و(البغدادي) نسبة إلى بغداد، بل إن عبد البر في "الانتقاء" ألغى كل تلك الأقوال وأكد على قول واحد وهو أن القاسم كان بغدادي الأصل لا النسبة. 

و(الأزدي) نسبة إلى قبيلة أزد العربية لأن أباه كان مملوكا لرجل منها  ذهب إلى ذلك الداوودي وابن حجر وغيرهم. 

و(الخزاعي) نسبة إلى قبيلة خزاعة. 

و(الجمحي) نسبة إلى بني جمح بطن من العدنانية وهو لا جمحيا ولا عربيا من أصله. 

و(الحريري) ذهب إلى ذلك حاجي خليفة في "كشف الظنون". 

و(الكوفي) ذهب إليه حاجي خليفة.

و(الأنصاري) نسبة إلى الأنصار (رض) الذين ناصروا النبي (ص) من أهل المدينة.

ولا أدري كيف تجتمع كل تلك الألقاب التي أسبغوها على الرجل مع هذه النسبة بالذات وهي بعيدة عنه كل البعد. 

وفضلا عن ذلك هناك عشرات الأقوال الأخرى التي أضفت عليه ألقابا، منها: 

(اللغوي) لأنه كان لغويا مميزا، ذهب إلى ذلك الزبيدي والسيوطي وغيرهم. و(النحوي) لأنه كان نحويا. 

و(القاضي) لأنه تولى القضاء بطرسوس. 

و(الفقيه) لأنه درس الفقه. 

و(الإمام) لأنه كان إماما في الفقه والقراءات. 

و(القارئ) لأنه ألف كتابا في القراءات. 

و(المفسر) لأنه كان عالما بالكتاب والسنة. 

و(المحدث) لأن ابن تيمية قال أنه محدث كالشافعي وأحمد وإسحاق. 

و(الحافظ) لأنه كان إماما للقراءات. 

و(المجتهد). 

و(البحر).

و(الأديب). 

و(المؤدب). 

و(المؤرخ). 

و(النسابة). 

و(المصنف).

و(الراوية).

ولكنهم مع كل ذلك التوسع في الأوصاف والتسميات؛ لا يعرفون على أي مذهب كان يتعبد، ولا يوجد بينهم من نجح في إثبات نوع معتقده:

 فمنهم من يرى أنه كان شافعيا، ذهب إلى ذلك الكتاني في "الرسالة المستطرفة" والسبكي في "طبقات الشافعية". 

ومن يرى أنه أخذ عن كبار أئمة المالكية لم يميز بين أحد، فهو مالكي المذهب.

 ومن يرى أنه أخذ من القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، فهو من أتباع أبي حنيفة النعمان.

وربما بسبب هذه الفوضى، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان يجتهد ولا يقلد أحدا من أئمة المذاهب.

إن هذا العالم المبدع يصلح أن يكون أنموذجا رائعا للاجتماع الإسلامي، ووحدة الكلمة، وفيه من رمزية الوحدة الإسلامية الشيء الكثير، ولو هدى الله أولئك الذين يستخدمون مصطلحات قبيحة مثل (فلان متروك لأنه رافضي) و(لا يؤخذ بحديثه لأن فيه تشيعا) و(فلان يميل إلى الرفض) وغيرها من مصطلحات الفرقة والبغضاء لكنا اليوم بألف خير، لكنهم يركضون للأسف خلف توافه الأمور، ويرضون بالقشور، ولا يهتمون إلى اللب، ولا يسعون وراءه، بل تجد بينهم من يركز على مباني الخلاف ويجهر بالعدوان دون أن يلتفت إلى مصلحة الأمة التي باتت بكف عفريت لمجرد أن ينصر عقيدته؛ غير ملتفت إلى أن الإسلام كله في سفينة واحدة تمخر عباب بحر هائج، إذا نجت من الغرق، نجا كل من فيها، وإن غرقت، غرق كل من فيها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/04/03



كتابة تعليق لموضوع : لو هداهم الله لكنا بخير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net