صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

مدينة "الثورة" وصديقي كريم!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كريم صديقي أيام الدراسة في كلية الطب , وكنا نسكن في غرفة واحدة , وهو من مدينة الثورة سابقا والصدر حاليا , وذات شتاء قارص البرودة دعاني لزيارته في تلك المدينة التي تضم أبناء العراق البررة الذين يحلمون بصناعة الحياة الأفضل.
 
وتواعدنا في ساحة التحرير , وركبنا الفورتات آنذاك وترجلنا في إحدى الشوارع , ومشينا في الأزقة الموحلة حتى وصلنا إلى بيت كريم.
وإستقبلتنا والدته بالترحاب وقد أعدت طعام الغداء , فأكلنا سويةً وشربنا الشاي والأم ترحب وتهلل فرحة مستبشرة.
فكريم إبنها اليتيم الذي تحلم بمستقبله الزاهر , وما سيحققه لها بعد أن عانت وكابدت لتنشئته.
 
- خاله البركة بيك وإنشاء الله تفرحين بتخرج كريم وزواجه
- يمه الله يحفظكم وينصركم ويخليكم , إنتم أملنا ورفعة راسنا
 
وتحدثنا طويلا , وكان صديقي كريم فخورا بما أنجزه , وأرادني أن أزوره لكي يطلعني على واقعه , وكيف إنطلق إلى حيث أنا وهو في ذات الكلية.
وصديقي كريم طيب النفس  والقلب , متوقد التطلعات , ويحلم بالسعادة والمحبة والحياة الحرة الكريمة , وتتوطنه روح ثورية وإرادة إنسانية عربية.
 
وبعد أن إنتهينا من الغداء , أخذني في جولة بين الأحياء يحدثني عن مرابع الطفولة والصبا والأصدقاء والمعارف , وأشار إلى مكان في أحد الأزقة وهو يقول : هنا كان فلان الفلاني الذي أصبح مطربا مشهورا , يقف بعربته كبائع متجول , ويغني أحيانا.
 
وكان صديقي كريم يحلم أن تكون له عيادة ليعالج فيها أبناء مدينته , وكم أشار مبتهجا لعمارة شامخة في المدينة وهو يقول : في هذه العمارة ستكون عيادتي!!
ويضيف مازحا: وربما سأشتري العمارة!!
لكنه يردف قائلا: سأعمل من أجل الفقراء والمحتاجين , وساخدمهم ما إستطعت , وكان متحمسا وكأنه على يقين بأنه سيزاول مهنته في المكان الذي أشار إليه.
 
ومرت الأيام وتخرجنا من كلية الطب , وبعد سنة الإقامة ذهب كريم للخدمة العسكرية , وفي الأشهر الأولى منها , نفذت في رأسه رصاصة شرسة آثمة أردته في مكانه , فأطفأت جذوة أحلامه وأجهزت على تطلعاته.
ولم أعرف بنهايته إلا بعد أشهر عديدة , فحزنت عليه كثيرا , وكم تصورت حزن والدته الطيبة المقاسية , التي كانت تحلم أن يعوضها كريم عن أيام البؤس والحرمان.
مات كريم ولم تعش والدته طويلا بعده.
 
تذكرت صديقي كريم وأصدقاء طيبين من أبناء هذه المدينة والألم يحز بنفسي , والحزن يجتاحني , فكم من أمثال صديقي كريم يتساقطون كل يوم دون ذنب سوى إرادة الحياة؟!
 
إنهم أناس طيبون كادحون حالمون بالحياة الأفضل , فلماذا يُحرمون منها ويتحولون إلى وقود للويلات والتداعيات؟
 
ألف كريم وكريم يتهاوى في شوارع المدينة المزدحمة بالأحلام والتطلعات الإنسانية  , وفي مدن البلاد الأخرى.
 
رحم الله صديقي كريم الذي أخذ حلمه معه , وما تمكن أن يمارس مهنته في تلك العمارة , وما إستطاع أن يخدم أبناء مدينته بسبب تلك الرصاصة الغاشمة , التي جاءته من شرق البلاد فقضى نحبه , وهو في ريعان الشباب.
 
تلك حكاية تؤلمني , لأن فقدان صديق عشت معه لسنوات وبهذه السهولة يولّد حزنا عظيما تؤججه الذكريات.
 
لقد كنا أخوة وأحبة وعائلة واحدة , وستبقى الأخوة العراقية الطيبة صامدة عصية على ذوي العاهات الفكرية والسلوكية , والذين يدينون بالشرور!! 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/09



كتابة تعليق لموضوع : مدينة "الثورة" وصديقي كريم!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net