صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح308 سورة الأحزاب الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{19} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ) , يبخلون عليكم المعونة او النفقة ... الخ , (  فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ ) , في القتال , (  يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ ) , تقلب العين طلبا وبحثا عن مأمن , (  كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) , كالذي يحتضر , قد هجمت عليه سكرات الموت , (  فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ ) , اما في حال انفراج الازمة وتلاشي حالة الخوف , سلطوا عليكم ألسنتهم , (  أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ) , في طلب الغنيمة , (  أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا ) , لم يؤمنوا ايمانا خالصا , الا رياء او نفاقا , (  فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ) , أبطل الله تعالى ثوابهم واجرهم , (  وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ) , يرى بعض المفسرين انه الاحباط , بينما يرى البعض الاخرى انه نصر المسلمين في واقعة الاحزاب , والبعض يجمع بين الرأيين .      
 
يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً{20}
تستمر الآية الكريمة  (  يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ) , لشدة جبنهم يظنون ان الاحزاب لم ينهزموا وعادوا الى مكة , (  وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ ) , وان رجع الاحزاب في كرة اخرى , يتمنون ان يكونوا في البادية , (  يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ) , كل قادم عن اخباركم وما جرى لكم معهم , (  وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً ) , لو كانوا في جيشكم ما قاتلوا الا قليلا , اما رياء او خوفا من التعيير .   
 
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً{21} 
تضيف الآية الكريمة مبينة (  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) , قدوة , ومثال اعلى يقتدى به في الاخلاق والافعال وكذلك الثبات والقتال وتحمل المشاق , (  لِّمَن ) , يتأسى ويقتدي به "ص واله" :  
1- (  لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ ) : يأمل فضله وثوابه ويخشى عقابه وسخطه وانتقامه . 
2- (  وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) : يأمل حسن العاقبة فيه , ويخاف من اهواله وسوء العاقبة . 
3- (  وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) : كثرة ذكره عز وجل , ما يؤدي الى الطاعة واجتناب المناهي .    
 
وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً{22} 
تستمر الآية الكريمة قدما في الموضوع , فبعد ان سلطت الآيات الكريمة السابقة الضوء على ثلاثة جوانب "المنافقون – ضعاف الايمان – سكان المدينة " جاءت الآية الكريمة لتسلط الضوء على واقعة الاحزاب من جانب المؤمنين (  وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ ) , حين شاهدوا تجمعهم وتحزبهم واستعدادهم للقتال , (  قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) , من الابتلاء والمشاق في سبيل الدين الاسلامي , ووعدنا بالنصر حين الثبات , (  وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) , الوعد , (  وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) , زادهم ذلك "البلاء او الوعد" ايمان بالله تعالى وثقة بنصره وتأييده .     
( روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم وقال إنهم سائرون اليكم بعد تسع أو عشر ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 
 
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً{23} 
تستمر الآية الكريمة قدما في الموضوع مادحة المؤمنين (  مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ) , وفوا بعهدهم بالثبات والنصرة , (  فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ) , بعضهم مات او استشهد , والنحب هو النذر , والنذر كالموت لازم في الرقبة , (  وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ) , الشهادة , (  وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) , التزموا العهد , لم يغيروه ولم يتغيروا , كما فعل المنافقون وضعاف الايمان .  
 
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{24} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ ) , يثيبهم عليه , (  وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ ) , ويعاقب المنافقين لما بدلوا وغيروا , (  إِن شَاء ) , ذلك , (  أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) , ان اختاروا طريق التوبة فسلكوها , (  إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ) , انه جل وعلا (  غَفُوراً ) , كثير المغفرة لطالبي التوبة , (  رَّحِيماً ) , بهم .    
 
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً{25} 
تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ ) , رد الاحزاب الى مكة يجرون اذيال الهزيمة , لا يملكون الا الغيظ , (  لَمْ يَنَالُوا خَيْراً ) , في ما آملوه وعقدوا العزم عليه في الظفر بالمسلمين , (  وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) , يختلف المفسرون في ذلك , فمنهم من يرى :  
1- ان الله تعالى كفى المؤمنين القتال بالريح والملائكة , وهذا الرأي لا يسلم امام النقد والتجريح , لبقاء معسكر الاحزاب سالما بعد الريح . 
2- وهو الاكثر صوابا , وهو ما دلّت عليه الاخبار من انكسار شوكة الاحزاب بهزيمة بطلهم عمر بن ود العامري امام الامام علي بن ابي طالب "ع" , ومن تلك الاخبار ما جاء " عن الصادق عليه السلام بعلي بن أبي طالب عليه السلام وقتله عمرو بن عبد ود فكان ذلك سبب هزيمة القوم" - تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني - . 
(  وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) , وهو جل وعلا (  قَوِيّاً ) , على احداث ما اراد جل وعلا , (  عَزِيزاً ) , غالب على كل شيء . 
 
وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً{26} 
تستمر الآية الكريمة (  وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم ) , الذين عاونوا الاحزاب , وهم بنو قريظة , (  مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ ) , من حصونهم  "الصيصة هي الحصن " , (  وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ) , الخوف , (  فَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) , تقتلون فريقا منهم , (  وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ) , غيرهم .     
 
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً{27}
تستمر الآية الكريمة (  وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) , كل ذلك صار غنيمة لكم , اراضيهم المزروعة وبيوتهم واموالهم , (  وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا ) , لم تتمكنوا من وطئها قبل ذلك على بعض الآراء , وعلى اراء اخرى انها صارت لكم من غير حرب , (  وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ) ,  وهو جل وعلا قادر مقتدر على كل شيء .    
 
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً{28}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ) , بعد ان طلبن منه ما ليس عنده "ص واله" , (  إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ) , في السعة والنعيم والزينة , (  فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ) , اعطيكن المتعة , وقيل هو متعة الطلاق , (  وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) , اطلقكن من غير ضر . 
 
وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً{29}
تستمر الآية الكريمة في الخطاب (  وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ) , اما ان كنتن تردن رضا الله تعالى ورسوله وحسن العاقبة في الاخرة "الجنة " , (  فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً ) , فأنه جل وعلا اعدّ لمن احسنت منكن اجرا عظيما تستحقر دونه كل ملذات وطيبات ومتع وزينة الدنيا الفانية .   
مما يروى في سبب نزول الآيتين الكريمتين ما جاء في تفسير القمي ( كان سبب نزولها أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من غزوة خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق قلن أزواجه أعطنا ما أصبت فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وآله قسمته بين المسلمين على ما أمر الله عز وجل فغضبن من ذلك قلن لعلك ترى أنك إن طلقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجونا فأنف الله لرسوله فأمره أن يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما حتى حضن وطهرن ثم أنزل الله عز وجل هذه الآية وهي آية التخيير فقامت ام سلمة أول من قامت فقالت قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك فأنزل الله تعالى ترجى من تشاء منهن وتُؤوي إليك من تشاء الآية ) .   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/22



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح308 سورة الأحزاب الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net