الدور التخريبي لممالك ومشيخات المال والنفط...!؟
مصطفى قطبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 اكد الباحث المغربي "مصطفى قطبي" ان "وطننا العربي لم يصل في أي زمن مضى إلى هذه الحالة المزرية التي وصل إليها الآن ، ومن المضحك المبكي أن كثيرين فيه يعتقدون أن العالم العربي يعيش زهو ربيع ثورات ملونة بالورود والأحلام .. وللأسف ، ربيع معلق بحبال الأوهام التي ربطته أمريكا و«إسرائيل» بأعناق شيوخ الوهابية الذين يتجرؤون على الله بإصدار فتاوى تحل للمسلم من جماعة السواطير بقتل أي مسلم آخر يقول بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله... لأنه لا يقول قولهم في القتل والدم والتفجير وتخريب الأوطان .‏

و کتب هذا الباحث و الخبیر الستراتیجی عن "الدور التخریبی لممالک ومشیخات المال والنفط" ، جاء فیه :
دماء عربیة لا تزال تُسفک، وبعض المشجعین على المشهد، أو أبرزهم، عرب الجنسیة، لیسوا کغیرهم من العرب، لأنّهم أثریاء بلغ بهم الغنى أعلى مراتب المجد المادی فتملکتهم عنجهیة الثروة فأضحوا دعاةَ ثورة یعِدون شعوباً من غیر بُلدانهم بالتقدم والرخاء، فیخلطون فی وعودهم بین المثال والمادة، بین الشریعة، حسب تأویلهم الخاص لها، وبین المال لإرباک کل الأفکار والأنساق والأعراف والقیم والأحکام، فتُمسی الأخوّة عداداً سافراً، کأن اتخذت أراضی السعودیة والبحرین وقطر... قواعد عسکریة ساعدت على تدمیر العراق ومراقبة بلدان المشرق العربی ومغربه، والاستعانة بالأزمات الاقتصادیة الناتجة عن العَولمة المتوحشة لتفجیر الأوطان العربیّة من الداخل.
وعِوض أن یُستثمر المال العربی للتنمیة ومحاربة الفقر والأمیّة نراه سلاحاً، بل أعتى الأسلحة ، فی تخریب المنطقة العربیّة بأسرها، وبخاصّة تلک البلدان التی سارت خطوات فی التحدیث وواصلت البناء على أمجاد مُدُن عریقة، کدمشق وبغداد والقاهرة وتونس وصنعاء...فالعالم العربی، کان ذات یوم عالم الرسالات السماویة، والأخلاق، والقیم، والتسامح، والعلم، للأسف بات الیوم عالم حرق المشافی، والمستوصفات، وتدمیر المدارس، ومحطات الکهرباء، وتخریب أنابیب میاه الشرب، والنفط.‏
فالرجعیة العربیة المتمثلة الیوم بمستواها الرسمی بممالک و إمارات و مشیخات الخلیج ، لا تجید إجراء الحسابات الدقیقة، ولا تعرف من معانی الاستراتیجیا إلا ما یفیدها فی مواصلة بیع ثرواتها الطبیعیة من النفط والغاز، وما یخدمها فی الحفاظ على عروش ملوکها وأمرائها ومشایخها عبر العلاقة التبعیة مع واشنطن وبعض عواصم غرب أوروبا، وخارج هذین الشرطین فهی تعمل معصوبة العینین فی کل الاتجاهات لمصالح لا یعنیها أین تصب، وأجندات لا یهمها من تستهدف وصفقات لا تعرف الرابح فیها من الخاسر، وهی من أجل ذلک تستبسل فی التحریض على التغییر فی المنطقة، وتمویل هذا التغییر طالما أن المطلب الأمیرکی ینحو هذا المنحى ! ‏‏
مشتبه من لا یزال یعتقد أن بعض ممالک ومشیخات الخلیج ، قد أدت دوراً بریئاً من خلال مساهمتها الخفیة والعلنیة فی إعادة تشکیل وجه المنطقة العربیة فی الأعوام الثلاثة الفائتة .
مثل هذه الممالک والمشیخات والإمارات، بدورها الأسود فی التاریخ العربی الأسود، وطبیعة نظم الحکم فیها، وفقدانها لاستقلال القرار، هل یصدق أحد أنها ترید أن تشکل وجه المنطقة بتمویلها السخی، على قواعد الحریة والدیمقراطیة؟ أم إنها ترید ان تطلق فیها، ریاح الفوضى، کی تکون فی مأمن من التغییر المحتمل؟ وهل المشهد فی تونس ولیبیا وسوریا ومصر والیمن یوحی بأن المال النفطی قد أحدث فیها تغییراً ثوریاً على طریق الحریة والدیمقراطیة؟ أم إن هذا المال یکاد یوصل هذه الدول إلى حافة التحلل والانهیار والعودة إلى عصور الظلام على ظهر اقتتال داخلی مریر؟ التدقیق البسیط فی المشهد یجیب على کل الأسئلة!
لقد تحولت هذه الممالک والمشیخات والإمارات إلى غرف عملیات کبرى للتحرکات العسکریة والاستخباراتیة الأمیرکیة والأوروبیة و«الإسرائیلیة» ، کما جند مسؤولو هذه الدول ومعهم جمهرة من وعاظ السلاطین ، أنفسهم لخدمة الحرب الاستعماریة المعلنة على الأمة الإسلامیة بإسم نشر الدیمقراطیات والحریات فی الشرق الأوسط، الشیء الذی یدعو إلى الاستنکار الشدید، باعتبار أن هذه المشیخات والإمارات هی آخر من یحق له التحدث فی هذا المضمار، نظراً لسجلاتها الحافلة بانتهاک حقوق الانسان وترسیخ الطائفیة وقمع المطالب العادلة لشعوبها ولاسیما فی البحرین والسعودیة، فضلاً عن تحویل أراضیها ومیاهها وأجوائها أماکن مباحة وخاضعة کلیاً لصولات وجولات جیوش الولایات المتحدة والناتو والعدو الصهیونی .
ولم یکتفوا بذلک بل أمعنوا فی تقدیم تنازلاتهم فباعوا قضیة العرب وحقوق الشعب الفلسطینی فی مزاد الخیانة والانصیاع الکامل لشهوات المتاجرین من أمراء الدم العربی ... هذه الحواضن بممالکها القائمة على أنقاض الدیمقراطیة والحریات المسلوبة من شعوبها والحقوق المهضومة، هی الیوم الحاضنة الأولى لصناعة الوحوش البشریة والمصدّر الرئیسی للإرهاب برسالته الإجرامیة وأسلحته البندریة وعقلیته التطرفیة الوهابیة التی تستثمر الدین فی حلبة تدمیر الدول وانتهاک حرمة سیادتها واستقلالیة قرارها وزرع شراذمة قتلتها وشریعة بلطجتها فی حیاة الشعوب الآمنة.
فالوضع مأساوی فی بلداننا العربیة ، وبدرجة کبیرة حتى فی البلدان الخلیجیة ذاتها التی تتربع على عرش المال العربی من خلال النظام الملکی السائد فی المنطقة، حیث إن الحکام فی هذه المنطقة یتوارثون الحکم والثروة دون أن یحاسبهم أحد، ودون أن یقیموا حتى نظاماً اقتصادیاً جیداً فی بلدانهم، لأنهم یملکون نسبة عالیة جداً من الثروة ویصرفونها فی أوروبا بدون حد أدنى من القیم الأخلاقیة التی تجعلهم یوظفونها فی الوطن العربی من أجل رفع الفقر والبطالة ، وحالة الإذلال التی یعیشها الإنسان الخلیجی، بل إنهم یدفعونها فی شکل رشاوى للغرب، وبخاصة أمریکا لإقامة قواعد عسکریة فی المنطقة لتأمین عروشهم ومحافظتهم على کراسیهم، ولا یتورعون عن التآمر على البلدان العربیة کالعراق ولیبیا و سوریة والیمن ومصر... من أجل تدمیرها والعمل على إسقاط أنظمتها وإثارة النعرات الإثنیة بالتحریض والإثارة الإعلامیة وإنفاق الأموال الطائلة لتحقیق هذه الأهداف .
أجل هناک شیء واحد برعوا فیه وهو أنهم وبدلاً من أن یوظفوا ملیاراتهم لنشر الوعی والثقافة والوحدة الوطنیة وفعل الخیر ودعم أخوتهم فی فلسطین، أنفقوها فی التآمر علیها وفی وضعها فی البنوک الأجنبیة وفی تمویل الإرهاب وفی افتتاح قنوات فتنة تبث فتاوى الفرقة بین أبناء الوطن الواحد على أسس مذهبیة وعلى لسان نفوس موتورة أعماها التعصب والعصبیة ...
نحن نعیش الیوم فی مرحلة عربیة تندثر بها مصطلحات ومفاهیم الوحدة العربیة فی مستواها الرسمی الحاکم ، أما الشعوب العربیة فما زالت تنشدها فی روح الإحساس بالمصیر المشترک، ونشاهد کیف یضمحل العمل العربی المشترک، والدفاع والأمن العربی المشترک، لتطل برؤوسها مصطلحات الأمرکة والفرنسة ونعود إلى التتریک ، ولتطل ''الأسرلة والصهینة'' مقدمات بدیل العروبة والجامع القومی ، ونرى بأم أعیننا سموم النسق الدولی المهیمن، فی أشباح التتطییف والتمذهب والصراع الهویاتی والإثنی بدیلاً منها، وعموم المشاریع الخبیثة والمخططات الشریرة خدمةً لعیون «إسرائیل» .
نتفهم أولاً أجواء التهییج وبث الثقافات المعادیة والتضلیل الفضائی الإعلامی من مراکز متخصصة «إسرائیلیة» وأمیرکیة وغربیة عموماً، التهییج المصمم من أجهزة متخصصة وتأتی على شکل أخبار وآراء وأفکار وتحلیلات، تقترن بالتحریض الإشکالی للدیمغرافیة الشرق أوسطیة، التی طالما استخدمها العقل الأمیرکی والإسرائیلی خدمة لثنائیة المصالح الامبریالیة فی المنطقة ممثلةً بمکامن النفط واحتیاطاته العالمیة و«إسرائیل» .
نتفهم هذا الاستهداف باعتباره محاولة لتفکیک أی منظومة عربیة إقلیمیة ترفض المخططات المرسومة ضد المنطقة، ونتفهمه ثانیاً لأنه امتداد تاریخی لصیغة مخطط سایکس ـ بیکو ومعهما وعد بلفور، وهو الیوم فی صیغة معاصرة للسیطرة على اقتصادات المنطقة وبخاصةً الطاقة وثرواتها الهائلة ذات التأثیر الکبیر على الاقتصادات العالمیة.
نتفهمه من الضواری ، ولکن لا یمکننا أن نتفهمه من ممالک ومشیخات وإمارات النفط ، التوابع الناطقین بالعربیة ، وکیف یأخذ تضلیلهم الإعلامی وبإسم الدین أشکالاً سیاسیة و''فقهیة'' بالمعنى الطائفی والمذهبی، وکیف یحاولون اصطناع هویة طائفیة مذهبیة للدولة العربیة والإسلامیة عموماً، بعیداً عن مضمون الحداثة وقیم المواطنة والتنوع والتعدد ، وکیف ''یفترضون'' صراعات وأعداء بتوظیفات تاریخیة، عبر بث إیدیولوجیات قهریة لهذا الهدف، نحو تسویغ مخاضات دمویة وهابیة إرهابیة سوداء، وقد فشلت ومعها أهدافها حیث ولدت، لأن الإرهاب هو نتاج أفکار سوداء ویواجه بعمق وعی الناس ویقظتهم الکاملة.
نحن فی زمن لا أجد له تسمیة تستوعب کل شروره، فی التاریخ العربی مرحلة أطلق علیها العرب مرحلة الانحطاط ... أنا على یقین أن مرحلة الانحطاط التی عاشها العرب فی زمن الدویلات لم تصل بنا إلى هذا المستوى الذی یعیشه العالم العربی الیوم ،‏ لم یصل سفک الدم العربی على ید العرب أنفسهم إلى هذا الحد .
لم تنتشر فیه مفاهیم التکفیر إلى هذا الوضع الذی نعیشه، ولم تستیقظ الطائفیة والمذهبیة والإثنیة کما استیقظت الیوم، ولم یتفکک الواقع السیاسی والثقافی والاجتماعی، والاقتصادی کما هو مفکک فی هذه الآونة، والأکثر خطورة فی کل ذلک لم یصل العرب إلى هذه المرحلة من الدونیة، والانجرار خلف الدول المعادیة للعرب والعروبة والإسلام کما هم الیوم خلف أمیرکا والغرب، وخلف الصهیونیة العالمیة التی تستهدف الإسلام والمسلمین أرضاً ومقدرات ثقافیة واجتماعیة واقتصادیة، للوصول بالعرب إلى مرحلة التلاشی، ومن ثم الموت والاندثار کأمة لا أرید أن أکون متشائماً، ولکن الواقع الراهن بکل وجوهه المزریة، یواجهنا، یدفع بنا إلى أن نقر بما هو قائم، لا أن نطمر رؤوسنا.‏
وعلى سیرة التاریخ ثمة مؤرخون «إسرائیلیون» جدد راحوا یعیدون کتابة تاریخ «إسرائیل» وتحدثوا عن الظلم التاریخی الذی لحق بالشعب الفلسطینی وکیف زورت «إسرائیل» تاریخ هذا الشعب، وسجلوا حقیقة هذا الکیان العنصری.‏ وأمیرکا بدورها ترید أن تزور التاریخ على هواها، وأن تبیّض تاریخها الأسود الذی لا یقل سوءً عن تاریخ هتلر.
فمن الذی زور قضیة أسلحة التدمیر الشامل التی لفقت للعراق فدمرته وقتلت مئات الآلاف من العراقیین، وهی التی خلقت الإرهاب فی العالم لتتدخل فی شؤون الدول بذریعة محاربته، وکذبة الدیمقراطیة وحقوق الإنسان، ودوماً کانت الأخبار الکاذبة هی مفاتیح تخریبها للدول وقتل شعوبها، فقطعت أوصال یوغسلافیا، والخبر الکاذب کان فی أساس الثورات المخملیة، وکذلک فی تدمیر لیبیا وتدمیر صربیا قبل 13 عاماً وسلخ کوسوفو عنها، والیوم تدیر سوریا وتفکیکها خدمة للصهاینة .‏
وهنا تندرج بالجملة ثقافة الإمّعات (بکسر الهمزة والتشدید على المیم) من عربان الغرب، من التوابع للأمرکة بوصفها مرجعیة، وذلک بهدف وضع مجتمعاتها فی أجواء الهیجان الصاخب تحت التأثیر والمواجهة، وجعلها میداناً لصراعات تفتیتیة داخلیة معقدة ، تسهل على «إسرائیل» هیمنتها ، بانتقالها من العدو الرئیسی إلى مکان آخر، فالعدو هو الآخر المذهبی بعینه، وذلک تمریراً وخدمةً لمصالح الضواری العابرة للقارات .
هکذا یلعب التضلیل الإعلامی وبالتفاصیل الیومیة، دور الجزء الأساسی فی المرجعیة الأمیرکیة، فضلاً عن کونه جزءاً أساسیاً من الإستراتیجیة الصهیونیة، والأخیر واضح وجلی ویمارس یومیاً باعتباره وسیلة تحقق أهدافه، تفوَّق بها على التضلیل النازی الذی ابتکره ''غوبلز'' وأجاد استخدامه.
وهذا ما یفسر أیضاً الحملات الإعلامیة المغرضة والمسمومة لفضائیات النفط ، وهی تخاطب اللاوعی الجمعی الطائفی والمذهبی، وتحویله إلى صراعات ''فقهیة'' لکل مَنْ ''تفیقه'' وأطلق لحیته وحفّ شاربه، ''فقهیة'' تهدد الوجود والمعنى والقیم حین تحول السیاسة إلى أوهام مذهبیة، فی سیاق الصناعة الأمیرکیة لـ''العدو''، وضمن منظومة تأثیر التوظیفات فی الجمهور المستهدف بایدیولوجیات قهریة، ذاتها تعانی من فوبیا التاریخ، فی عملیة مستحیلة لتحویلها إلى مرجعیات ومعضلات إشکالیة تمس السیاسة والاجتماع والاقتصاد والأمن بما فیه مفهوم المواطنة والحداثة والتعدد، أی ضرب المنطقة العربیة ذاتها فی صمیم وحدتها الشعبیة وفی صمیم الجامع المشترک .
حقیقةً کان تحوّل الرأسمالیة الغربیة الى امبریالیة متوحّشة متجلیاً بصورة مقرفة فی الواقع العربی منذ رعایة هذا التحول لمشیخات البترودولار، وکانت وضاعة الغرب مثیرة للتقزّز أمام المال العربی ما سهّل التمادی فی تبدید الثروات والطاقات، فلا تغیب عن الأذهان صورة ''برلسکونی'' وهو یقبّل ید القذافی، ویحضر مؤتمر القمة العربیة فی سرت نائماً، ولا صورة الأمریکی وهو یراقص آل سعود فی مهرجان الجنادریة ویعبثان سویة بالسیف العربی...، ولا لهاث حکام قطر لإدماج «إسرائیل»  ـ حاضنته ـ فی الشرق الأوسط الجدید. إنه تکامل الأدوار القذرة بین الرجعیة الخلیجیة ووحشیة الامبریالیة الجدیدة .
لکن المؤسف فعلاً أن تسمح الظروف بتورّم حکام ممالک ومشیخات وإمارات وانتفاشها، فیتصدون لقیادة العمل العربی المشترک، ولتبؤ دور فاعل بل أساسی فی زمن عربی جدید یتهافت فیه النظام الرسمی العربی، وکذلک بعض النخب، أمام البترودولار .
فی الممارسة العملیة نرى کیف تصطنع الأمرکة أسواقاً لتغذیة سوق السلاح ، فهو نتاج تحریض على ''العدو الموهوم'' بدلاً من الحقیقی، نحو حروب تدمر الجغرافیا والدیموغرافیا معاً، فهل یعتقد أحد أن التسلیح الأمیرکی الباهظ للعرب هو دفاع عن الأوطان والحقوق بوجه التمادی والهیمنة الصهیونیة! أو أنه دفاع عن جوهر العقائد الإسلامیة والمسیحیة ومن أجل القدس والتی یجتاحها التهوید؟ وهکذا تتحول الرجعیة العربیة الى الطور الامبریالی وهی تمتد وترنو لتکون ممالک ومشیخات وإمارات النفط الخلیجیة، هی الوطن العربی کله، ولتکون النظم الرسمیة العربیة الجدیدة أسیرة مخاطر الدعم المالی الخلیجی حتى یستقیم أَودها بعد أن تنمو وتتطور على الرضاعة من الثدی الرجعی الأطلسی. وتبقى قضایا أساسیة وطنیة وعربیة مؤجّلة لمرحلة ما بعد التدجین.
فأی مستقبل ینتظر الحقوق والأجیال العربیة ؟! ولا سیما حین تصادر التطلعات المشروعة فی المشهد الاحتجاجی العربی بقرار وهابی سعودی... یستلب الآمال والآفاق!
فی الأوقات الراهنة، أقرأ فی الصحافة والإعلام الغربی ، و أرى الکم الهائل من الأذیات البادیة على شکل برقیات وطلبات ورجاءات وتوسلات سعودیة وقطریة رخیصة ومهینة... لکی یستخدم هؤلاء الحکام قوّتهم وهمجیتهم للخلاص من بعض الحکومات العربیة، إنها ـ ویا للأسف ـ برقیات یومیة طافحة بالمذلة، والضعف المخجل استحلافاً لحکام الغرب لکی یحتلوا البلاد العربیة مرة أخرى... وهنا یتبدى أمران، الأول هو صراحة الغربی وکشفه للأسرار الخلیجیة من أجل الإمعان فی إذلال بعض العرب، والثانی هو الرخص الشدید لسلوک حکام دولة آل سعود وقطر، وتفاهة التفکیر الأسود الذی وقعوا فی شباکه !
فی المضمون، فإن رجعیة ممالک ومشیخات وإمارات النفط الخلیجیة فی کل ما حصل، قامرت بکل رصیدها دفعة واحدة، دون أن تعلم أن ریاح التغییر التی هبت على المنطقة، کیفما کان تقییمنا لها سوف لن تتوقف عند حدود رمال الربع الخالی ، وأن العدوى التی انتشرت شرقاً وغرباً فی المنطقة العربیة لن تستثنی عرب الخلیج ، الذین هم الأحوج والأکثر عطشاً للتغییر مادامت طواقمهم الحاکمة هی الأکثر جهلاً واستبداداً بین کل المقامات العربیة الحاکمة، ومادامت الثروة الخلیجیة تتبدد من وراء ظهور المواطنین الخلیجیین لتبتلعها مصارف نیویورک ولندن وباریس وصفقات السلاح التی لا تعدو کونها مظهراً من مظاهر الوجاهة الفارغة التی تفتقر إلى أی معنى حربی على أرض الواقع .‏‏
وهنا أسأل: هل لنا غیر تاریخنا وکرامتنا، وعقائدنا، ومبادئنا، وثباتنا، وقوتنا الذاتیّة، ومحبتنا، ووطنیتنا... من مخلص؟!
لا أظن، ولا أرتجی. لذلک نحن ـ کافة القوى الوطنیة والعروبیة ـ مطالبون الیوم بجهود نوعیة، نتجاوز فیها حالة ما یشبه الانکفاء. وجماهیرنا العریضة الواسعة على امتداد ساحات الوطن والأمة تنتظر جاهزةً، وقد تتجاوزنا. فهی لن ترض أبداً بهذا العبث الطالع... ولا بالتکاذب والنفاق الرجعی.
فالأحرار العرب والقومیون، والمستنیرون من رجال السیاسة والفکر والدین لن یستسلموا، ولن یسلّموا مصائر الأوطان والأمة للصغار وأشباه الرجال، ولا لأصدقاء أمریکا و«إسرائیل» من هؤلاء الدمى الذین یبددون ثروات الأمة، والذین لا أفق لهم إلا فی الدائرة الرجعیة الامبریالیة الصهیونیة التی خبرتها الشعوب الحیّة فی کافة أرجاء الأرض ، وهی تستعد الیوم وتتشکّل من جدید لمناضلتها . فقلیل من الصبر، وکثیر من العمل .. والنصر حلیفنا ـ منطقیاً ـ لا محالة .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى قطبي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/19



كتابة تعليق لموضوع : الدور التخريبي لممالك ومشيخات المال والنفط...!؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net