صفحة الكاتب : رضي فاهم الكندي

خليفةُ اللهِ : من تسنُّمِ الذاتِ إلى ضياع الهوية
رضي فاهم الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
     ( إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفة ) مُذ أن نطقتْ السماءُ بهذهِ الكلماتِ ، وترددَ صدى حروفِها بينَ أصداءِ صنوفِ المسبحينَ ، من ( عباد الله المُكْرَمين ) و انتهاءاً بـ( طاووس الملائكة ) ، أُبرمتْ وثيقةُ العهد الإلهي بين المُستخلِفِ والخليفة على الاستقامة والانصياع التام في طول الخط التكليفي ، بعيدًا عن كل ما يخلُّ وينقضُ جوهر الخلافة .
     وثيقةٌ مُنِح في ضوئها مَنْ كان عائمًا بين جدران الصمت وحُلَك الظلام امتيازاتٍ فاقتْ تصورَ جميعِ الحاضرين ، وألهبتْ نيرانَ الحسد ، وأفرزت عقدةَ           ( الأنا ) المختبئة خلف طلاسم عبادة آلاف السنين ؛ فمن سجودِ التعظيم لشخصهِ الكريم ، وصولاً إلى الانعتاق من قبو الوحدة عبر نافذة الاقتران           بـ(حواء ) ، واستقرارًا بقبولِ قرابين التوبةِ بعد دموعِ الندم لفراق مقام الفردوس السامي ، وعودةً لنقطة البداية والشروع بتنفيذ ماتم الاتفاقُ عليه بين طرفي الاستخلاف .
    كلُّ هذه الإفرزات كان لها دورُ التنضيج والإنماء والصقل لهوية الذات المُستَخلَفة ، والقبولُ بها عنوانًا ممثلاً لسلطة السماء ، فليس بعيدًا عن الصواب أن يقع الخيار على هذه  الذات المُؤهلة للاستخلاف بكلِّ معايير الانضباط والثبات في طريق الابتلاء ، بعد أن اتضحت معالمُ شخصيتها الإنسانية وتسنمت ذروةَ العلياء والمجد بشرفِ الانتماء والتمثيل للمُشروع الإلهي ، فهي تعي جيدًا أن تكون خليفةً بأيِّ معنى ، بمعنى أن تكون يدَ الله التي تبطشُ بأعدائه ، وعينَ الله التي تحرسُ مالَه وترعى عيالَه ، وقبل هذا وذاك أن تكون حاملةً لرسالة الحق في كلِّ أبعادها ، وهي تعي أيضًا حجم التحدي وخطورة الموقف إزاء مَن انتُزِعت منه الخلافة وأنه سيكون لها حجرُ عثرةٍ  في صراط الاستقامة .
      على الجانب الآخر من رحلة الوفاء بالعهد استرسلتْ رغبات هذه  الذات بين متاهات ( حب الأنا ) و ( حب الدنيا ) ، ولبست الثوبَ بالمقلوب ، حتى تراكمت عليها أغشيةُ المرية والعُجُب ، وانصاعت في لحظةٍ من غياب العقل وراء النزوات صاغيةً لصوت الشهوة والغريزة ، ناقضةً لعهد الاستخلاف ضالةً طريقه ، وكأني بها تقول مستفهمة : ( مِن أين؟ و إلى أين ؟ ) مَن أنا – لماذا أنا هنا – وما هي نهاية المطاف ؟
     هذا هو حال واقع أغلب شبابنا اليوم ؛ إذ يعيش غربةَ الذات وضياعَ الهوية ، وحال التردد لايكاد ينفكُّ عنه ، ترددٌ بين الوجود والعدم ، بين القيَم والابتذال بين الحقيقة والخرافة  ، بين الوفاء بحمل الأمانة ونقضها ، بين الدين واللادين تتحرك وفق شهواتها بعيدةً كلَّ البعد عن جوهر حقيقتها ، والتقليد فتح باعيه لاستقبالها ، بعد أن رمَتْ قيمها تحت أقدامه ، ومَضتْ لا على سبيل الرشاد ، تقليدٌ في الشكل والمضمون في ديباجة الكلام وتنميقه في قصاتِ الشعر ،في كلِّ شيء ، ينبغي أن لا يقِرَّ لها قرار ولا تعرف الاستقرار، أن تمسي بيضاء وتصبح سوداء فالتلون ينبغي أن يكون طابعها الجديد .
     يحاول أعداء الإنسانية حثيثًا أن يفصلوا بين الإنسان وقيمه بين وجوده الحاضر وتراثه النيِّر ؛ ليقطعوا عليه الطريق أن يكون إنسانا ، وأن يرفعوا صوت الغوغاء والضوضاء من حوله لكي يضلَ الطريق ويكون فارغاً من كل انتماء إلا صوت الحيوانية فيكون سهل الانقياد وتبقى لهم الغلبة ،   ليس عليك أن تبصر الطريق ، لأننا سنكون مرآتك ، نَمْ قرير العين وما عليك إلا الإطاعة .
   استيقظ من سباتك يا من خُلقِتْ من أجلك الأكوانُ ومعها سبع سموات ، إنك لم تكُن لتُقاد كما تُقاد الدَّوابَ والبهائم  وإنما لتُقادَ بين يديك ، أنفض غبار الشهوة عن فطرتك ، وعُد إلى عهدك الأول واسترجع هويتك من المجهول ، والتحق بركب الإنسانية قبل فوات الأوان ، فإنك بين قوسين أو خيارين لا ثالث لهما كمال العقل واستحقاق الخلافة أو سبيل الحيوانية كما قال تعالى : ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ  - ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ  )) [ التين: 4 - 5 ] إنك بين قوسي الصعود والنزول بين خلافة الله أو ضياع الهوية  ولك الخيار .   

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رضي فاهم الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/25



كتابة تعليق لموضوع : خليفةُ اللهِ : من تسنُّمِ الذاتِ إلى ضياع الهوية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net