صفحة الكاتب : حسن عبد راضي

مــــــا أشبـــــه الليلــــــة بالـــــواق واق
حسن عبد راضي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
(يمعودين).. قبل كل شيء أقول: هذا مقال من نسج الخيال، وعلى غرار الخيال العلمي سأسميه خيالاً أدبياً، ولإتمام المتعة والفائدة سأقول إن البلد المقصود هو الواق واق
فلا لا يزعلنْ أحدٌ علينا (كولة عمرو بن كلثوم)، وتعالوا نتخيل لو أننا الآن خيّرنا مواطناً عاطلاً عن العمل بين أن يعمل في وزارة الزراعة أو وزارة الكهرباء، فهل سنحتاج إلى وقت أو ذكاء لندرك أنه سيختار مغمض العينين وزارة الكهرباء؟!! ولو خيرنا مواطناً يحمل شهادة عليا (ماجستير أو دكتوراه) بين أن يعمل في أي وزارة وبين العمل في وزارة التعليم العالي أو وزارة التربية؟ فهل نتوقع أنه سيختار شيئاً سوى إحدى الحسنيين؛ التعليم العالي أو التربية؟؟ أتدرون لماذا؟
ببساطة لأن القوانين الواقواقية تقوم على فكرة «عبقرية جداً» هي التمييز بين المواطنين على أسس غير صحيحة وغير منطقية، وتؤتي في النهاية نتائج غير مرضية على الصعيدين المرحلي والاستراتيجي، ذلك أنها تعطي للموظف الذي يحمل شهادة البكالوريوس مثلاً ويعمل في وزارة الكهرباء راتباً أعلى بأضعاف مضاعفة من راتب نظيره الذي يحمل الشهادة نفسها في الاختصاص نفسه ويعمل في وزارة أخرى، ومثل هذا التمييز (الطبقي) يسري على الموظفين من حملة الإعدادية نزولاً إلى من لا يقرأ ولا يكتب.
أما في ما يتعلق بالتعليم العالي (والتربية لاحقاً)، فإن بلاد الواق واق الموقرة عمدت إلى إصدار قانون الخدمة الجامعية، ولا أحد يعترض على أهمية دعم الجامعات وأساتذتها، لكنها شملت به حملة الشهادات العليا الذين يعملون في وزارة التعليم العالي فقط، ثم بعد إلحاح كبير ومطالبات عديدة جرى شمول حملة الشهادات العليا في وزارة التربية أيضاً بالقانون والامتيازات التي يتيحها، وهكذا بقي حملة الشهادات في الوزارات الأخرى (يتكرضمون) ويعضون على أصابع الندامة لأن حظهم العاثر جاء بهم إلى وزارات أخرى تعمل في المريخ، ولا تقدم خدمات للناس. ثم إنك تجدهم يتحينون الفرص والواسطات والمسؤولين والأحزاب لينتقلوا إلى التعليم العالي بأي ثمن (حتى أنه لا بأس من بعض الرشى)، تاركين شواغر لا يمكن ملؤها في وزاراتهم «الشحيحة»!
يخيل لي أحياناً أن مشرعي القوانين أو مُعدي التعليمات ينظرون إلى الوضع على نحو مقلوب، فهم يفكرون بإعطاء من لا يحتاج بشدة، أو من حظي بعطاء أو عطاءات سابقة، ويتجاهلون الآخرين الذين يحتاجون بشدة ولم يسبق أن حصلوا على شيء، ولكي لا يضيق بي وبكلامي أحد، سأعطي بعض الأمثلة :
تأتي إلى الدوائر بين حين وآخر تعليمات تخص توزيع الأراضي من الدولة، فتجد هذه التعليمات قد صُممت لتخدم أناساً دون آخرين، فالتعليمات (التي يقال إنها من زمن صدام .. ولا أدري لماذا غيّرناه ولم نغير تعليماته!!) تنص على أن المشمولين بالحصول على قطع الأراضي هم من يملكون خدمة فعلية خمس سنوات فأكثر، ولا أدري ما هذا الشرط؟ وما الحكمة فيه؟ ثم أليس مَن لديهم خدمة خمس سنوات أو عشر أو عشرين يُحتمل جداً أنهم سبق لهم أن حصلوا على قطع أراضٍ في السابق، فلماذا نعطيهم مرتين أو أكثر؟ قد يقول قائل إن التعليمات تنص على أخذ التعهد من الموظف بعدم تسلم قطعة أرض من الدولة سابقاً، حسناً ومن يثبت ذلك؟ أتظنون أن ورقة التعهد كافية؟ أليس أكثر هؤلاء يملك وحدة سكنية هي ملك له؟ ثم مَنْ أولئك الذي ليست لديهم خدمة خمس سنوات فأكثر؟ أليسوا الشباب المقبلين على الزواج أو الذين تزوجوا حديثاً، وما أحوج هؤلاء للاستقرار وتأسيس حياة جديدة في زمننا الصعب هذا.
تأتي تعليمات القروض فتكون مصممة أيضاً لنفس الأشخاص، الذين لديهم خدمة أطول، فتبتكر شرطاً جديداً، لا ينص على العمر صراحة، بل يلمح إليه إلماحاً، إذ يجب أن يتراوح راتب المقترض بين كذا وكذا، وفي هذا المعدل من الرواتب لا تجد أحداً من الموظفين الجدد.. وإذاً لا جديد تحت الشمس.
من يتذكر معي زيادات الرواتب التي طالما وُعد بها المتقاعدون؟ جاءت تعليماتها لتنص على منح الموظفين في الدرجات العليا زيادات تقدر بالنسبة المئوية من رواتبهم الاسمية، وتكون لهم النسب العليا، ثم تـتدرج النسب لتصل أدنى حدودها عند المتقاعدين، وتعالوا نحتسب زيادة تطرأ على راتب متقاعد وموظف كبير في الخدمة (ولا بد لي من التذكير بأن الأرقام والأسماء والمناصب في هذه الحكاية هي من نسج الخيال وإذا توافق منصب نشير إليه هنا مع منصب في الواقع فإن هذا من باب الصدف) تقول تعليمات الزيادة أن المدير العام مثلاً يحصل على زيادة 60% من راتبه الاسمي، ويحصل المتقاعد على 30% من راتبه الاسمي، وتعالوا نترجم هذه النسب إلى أرقام، فإذا كان راتب المدير العام الاسمي مليوني دينار، فإن مقدار الزيادة (بحساب العرب) سيكون ببساطة مليوناً ومائتي ألف دينار! وإذا كان راتب المتقاعد مائة ألف دينار، فإن مقدار الزيادة التي طرأت على راتبه ستكون 30 ألف دينار !!
ألا ترون معي كيف تطبق العدالة بين المواطنين؟! إن الزيادة في راتب الموظف الكبير تعادل 40 ضعفاً من الزيادة التي حصل عليها المتقاعد، وتعادل عشرة أضعاف راتب المتقاعد مع الزيادة... يحيى العدل!
وكان الإنصاف أن يُجرى (كيرف عكسي) أي أن تُعطى النسبة العالية للرواتب القليلة، والنسبة الضئيلة للرواتب الكبيرة، وبهذه الطريقة تُردم الهوة الطبقية الشاسعة بين أبناء الوطن الواحد، لا أن نعمل على توسيعها وتعميقها.
في عام 2006 أعلن عن فتح باب التقديم للبعثات لمن يريد أن يُكمل دراسته العليا، وجاءت الشروط كالعادة، مناسبة أكثر لمن ليسوا بحاجة ماسة لها، لمن حصلوا على فرصة أو أكثر في السابق، وتـُرك الآخرون بلا أية فرصة، وتفصيل ذلك أن التعليمات فضّلت المتقدمين الذين هم موظفون أو تدريسيون في الجامعات على غير الموظفين ممن لديهم المؤهلات نفسها، وهكذا فاز الأولون بفرصة التعيين، وبقيت وظائفهم مضمونة لهم (مع أنها شغرت ووجب على الجامعات أن تعوض عنهم بمن يؤدي الوظائف التي كانوا يشغلونها)، وأخذوا فرصتهم لإكمال دراساتهم العليا في جامعات عالمية، أما عباد الله غير الموظفين، فقد خسروا فرصة العمل وفرصة الدراسة معاً إن الأمر يبدو لي مضحكاً مبكياً، إذ يبدو كل شي هنا يسير على رأسه، وما هذه إلا شذرات من مرارة الواقع،... ما أشبه الليلة بالواق واق، ما أشبه العراق بالبارحة!
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن عبد راضي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/09/25



كتابة تعليق لموضوع : مــــــا أشبـــــه الليلــــــة بالـــــواق واق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ----- ، في 2012/10/09 .

#####






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net