صفحة الكاتب : ادريس هاني

الفايس بوك...ذلك اليوتوبيا الفوضوية من أجل دعوة لاحترام الواقع
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا زال الواقع يترنّح بأهله..ولا زالت مهمة العقل والروح لم تكتمل..ولا زال التواصل يعاني أعطابا، قبل أن تحصل ثورة الاتصالات..فأصبج مجالا افتراضيا بمثابة منفى للمحبطين في الواقع..لمن ضاق بهم الواقع..لمن قصر بهم الوضع في الواقع..وفجأت أصبح الافتراضي بديلا عن الواقع..والصورة بديلا عن ملامح الجبل والشاطئ والبحر كما هو هناك..إنها حالة شخصين ضربا موعدا ليتواصلا ولما التقيا أخذ كل منهما جهاز تلفون أو لابتوب وبدأ يتواصل في مكان ما وفي كل مكان إلا التواصل الواقعي مع صديقه الماثل أمامه في الواقع..الشاشة سرقت العيون من الطبيعة..وأصبحت اللعبة جادّة..وبات الواقع هو الوهم..بات الواقع مستضعفا أمام هول الصورة وجبروت الزّيف..التحليل النفسي المرضي يسعفنا هنا..هناك حالة هروب جماعية من الواقع..هروب إلى الخيال..وتعويض عن الحرمان..الشجاعة هنا لا حدود لها..قد يكون المواطن الافتراضي لا يقدر على القول فإذا به أبو عنترة في عالم افتراضي لا يتطلب منه سوى أنامله ودماغه بينما كامل جسده مسجى تحت الغطاء..لكنه قادر بخيال الحمقى أن يخرب كل العالم..الأبطال والشجعان في الواقع لن يقدروا على مجارات الأبطال المزيفين في جمهورية وهمية أسست هويتها على الثرثرة والقول لا على الفعل ومواجهة تحديات الواقع..كم من بطل واقعي هو خائف من لعبة المواطنة الافتراضية في جمهورية الفوضى والوهم..كيف تستطيع أن تركل معتديا يعتدي عليك من بعيد وهو ينفش ريشه من داخل جزر الوقواق الخرافية؟ كيف تستطيع أن تنطح ضلالي هنا أو هناك يعربد بالقول الجبان على بعد مسيرة من الوهم الفلكية؟ كيف تعيد الصغار إلى مربّعهم الأول وتنتصر للكبار والكبرية؟ في هذا العالم يستفيد العقلاء..ولكنهم أيضا يتعرفون على جنون البشر والبقر..الاستنزاف الكبير للمعقول..
الغفلة والنسيان وغسيل الدماغ وحدها تجعل رواد الفايس ينسون أنهم في عالم افتراضي غير ممضى من الواقع..الواقع القابع كوحش مخيف خلف الواجهة الجميلة والمجملة لعالم افتراضي أشبه بشذر مدر..في هذا العالم الافتراضي نحن أمام شكل من اليوتوبيا النكوصية..عالم بلا ضوابط وبلا حقائق وبلا دستور..لكنه عالم جعل مهمة الحقيقة صعبة بعد أن ساوى بين التحقيق واللاتحقيق..بين الواقعي والموهوم..بين الصحة والتدليس...في اليوتوبيا النكوصية عودة إلى البرية الافتراضية بكل ملامحها الغابوية..الباطل يتسرب ويتدفّق مثل شلال..والمتلقي في زمن اليوتوبيا النكوصية الافتراضية هو مستهلك كبير لما فسد من الأخبار والحقائق..والغريب أن العقلاء يفقدون عقولهم فورا بفعل قوة التأثير..زمان الروية والعقل والتأمل والتحقيق والمقارنة ولّى..وحلّ محلّه النزق الفكري والسطحية وأحكام القيمة والمعلومات الفاسدة والادعاءات المتشاقية.....العقلاء تصاغروا أكثر ليجدوا لهم مكانا في جمهورية التنابلة الافتراضيين..الذين أصبحوا حكماء أكثر من سقراط ومنطقيين أكثر من أرسطو وأهل دين أكثر من الأنبياء والصالحين وأهل ثورة أكثر من غيفارا وأهل إصلاح أكثر من جمال الدين وأهل تصوف أكثر من الحلاج وأهل وفاء أكثر من الكلب......في جمهورية التنابلة الافتراضيين ـ ونستثني من لهم عمران في الواقع ـ لا يوجد منحنى توتري لقياس المواقف والنبوغ..الكل جاهز..والكل على قلب نضال واحد..لو كان هذا في الواقع لتغيرت الكرة الارضية في ظرف 24 ساعة ثم لدارت في الاتجاه المعاكس..الواقع ليس كذلك..الواقع فيه صح وباطل..فيه وضوح وتلبيس...على الأقل في الواقع تستطيع أن تستند إلى قواعد ضبط المنافقين من خلال آية السماة ولحن القول وووووووو بينما في جمهورية التنابلة الافتراضيين لا يمكن تطبيق هذه القواعد.....الشيء اليقيني الذي لا أعتقد أن أحدا يمكن أن يخالفني فيه هو: إن عالم التنابلة الافتراضيين هو عالم نقي ونظيف خالي من الجواسيس والفضوليين وقطاع الطرق الافتراضيين والمدعين والمنافقين وأهل اللغو والتقليد..إنه عالم الابداع والابتكار والعبقرية والاستقامة والنضال والولاء.......لا يوجد مستحمر هنا ...إنه عالم في مزاعمه يذكرنا في رائعة التلفزيون السوري: ضيعة ضايعة.......
الدعوة هنا قائمة على منح الواقع والواقعي بعض الاعتبار..فالطريق الأسلم أن نجعل العالم الافتراضي امتدادا للواقعي وليس العكس بأن نجعل الواقع امتدادا للافتراضي..أن يكون الافتراضي مأصولا بقواعد عامة تصله بالواقع..ولا شكّ أن الواقع يظل حاضرا في جمهورية التنابلة الافتراضيين، لكنه واقع مزيّف وضلالي..واقع متعسّف يراد له أن يكون صورة خادعة..هم يريدون واقعا يحتلونه من مواقع تقع في الافتراضي..احتلال الواقع بالوهم والزيف..احتلال الحقيقة بالباطل..احتلال الواقع بالتدليس والتعسف..إنه الشكل الجديد للأيديولوجيا..الأيديولوجيا الرّثة التي تفوق كلّ عصور الانحطاط..الأيديولوجيا التي تعمل على تحريف الواقع واستبداله بالزّيف

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/01



كتابة تعليق لموضوع : الفايس بوك...ذلك اليوتوبيا الفوضوية من أجل دعوة لاحترام الواقع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net