صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

من دخلهُ كان آمنا ؟
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وردني سؤال من احد الاخوات تقول فيه ((كيف يقول الله تعالى عن بيته: {من دخله كان آمنا} وقبل يومين اكثر من 100 قتيل وجريح راحوا نتيجة سقوط رافعة عليهم داخل الحرم؟!!)).

أولا : يجب ان يكون السؤال استفهاما وليس تشكيكا بعهد الله لمن دخل بيته ، فيُقال مثلا لماذا يموت مائة من الحجاج سحقا تحت الاعمدة الفولاذية لرافعة هوت عليهم اثناء ادائهم مراسم الحج في هذا العام؟

ثانيا السؤال وجيه ومنطقي لمن لم يُتابع تفاسير القرآن او ملاحقها أو التدبر العقلي فيما وراء الآيات ـــ إن كان السائل يمتلك القدرة على ذلك ـــ ولربما كثرة مشاغل البعض وعدم توفر الوقت هي التي تعيق وصولهم إلى الجواب في أكثر الأحيان. اضافة إلى اعتماد بعض من يسألونهم من الشيوخ ورجال الدين على بعض التفاسير النمطية او الكلاسيكية السطحية التي تفتقد إلى رؤية الوجه الآخر للجواب، الذي تتجلى فيه حكمة الله تعالى من وراء قوله في سورة آل عمران 97 : (فيه آياتٍ بيناتٍ مقامُ إبراهيمَ من دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا).

واقول باختصار:
قال الله تعالى في سورة آل عمران (من دخله كان آمنا) ، ولم يقل تعالى (من دخله سيكون آمنا).وقال تعالى كذلك في سورة قريش 3 ـ 4 : (فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) . فإذا كان الخطاب هنا موجها للحجاج فيأتي المعنى هنا : أي اطعمهم من جوع يوم القيامة وآمنهم من خوفها لما عاناه الحجاج من مشقة وجوع وخوف الطرق الصحراوية الموحشة.

وأما إذا كان الخطاب موجه إلى اهل مكة فهذا يعني ان الله امرهم بعبادته لما تفضل به عليهم من وفود الحاج التي توفر لهم المال الذي يؤمن لهم الحياة الخالية من الجوع لما يبذلونه من طعام وذبائح الاضاحي وغيرها ، او آمنهم من خوف الوقوع في الفقر بتوفر الزائرين طيلة أيام السنة. كما أنهم آمنهم من العطش ببئر زمزم التي لازالت تتدفق طيلة آلاف السنين حيث يستقي منها اهل مكة وآلاف الحجاب لا بل ملاييهم وكلما زاد عددهم فإن الماء في هذه البئر يطغى فيسد حاجتهم.

ولكن التفسير المنطقي لهذا الآية يقول أن قصد الله من قوله (من دخلة كان آمنا) فهذا يعني أيضا في أقوى الوجوه كان آمنا (يوم القيامة)، لأن هناك مواطن في مكة اذا وصلها الحاج غفر الله له ذنوبه فأمن من العذاب يوم القيامة. وإلا لو كان المقصود من الآية الامان الجسدي، لماذا يقول الرسول (ص) عندما دخل مكة (من دخل دار ابو سفيان كان آمنا)! أليس بيت الله آمنا؟ فإذا كان بيت الله آمنا وهو حرم آمن فما الحاجة إلى بيت ابي سفيان؟.
إذن المقصود كان آمنا من فزع وأهوال يوم القيامة . وهي دعوة النبي إبراهيم التي استجابها الله تعالى .
ولذلك فإن الله تعالى لم يقل من دخله آمن او آمنا ، بل تكلم في صيغة الماضي من دخله (كان) آمنا . اي آمنا بالدعوة التي سبقت من أبينا إبراهيم عليه السلام والعهد الذي قطعه الله معه بأن هؤلاء الذين يأتون البيت من كل فج عميق متحملين هذه الاهوال والمشقات سوف يستحقون الامان يوم القيامة. فلو كان المقصود بالامان الدنيوي ، لما سمح الله تعالى مثلا أن تغرق بيته السيول وهدمه مرات ومرات. او تشب فيه الحرائق على مر العصور أو تموت اعداد غفيرة من الحجاج نتيجة تدافعهم أثناء رمي الجمرات اواندلاع حرائق الخيام بمنى التي حصدت ارواح عشرات الألوف من الحجاب على مر السنين وكذلك موت الألوف في نفق أبي جهل اختناقا بعد ان تعطل نظام التهوية (1642) حاجا اختنقوا:
أو ان يقوم القرامطة بالاغارة على بيته وقتل ألوف الحجاج ، وسلب وسرقة أموالهم وكذلك سرقة الحجر الاسود ونصبه في البحرين. او تسلط آل سعود والوهابية عليه يسومون الحجاج انواع العذاب والتخويف والترهيب. ولو كان آمنا بالمعنى الذي يذهب إليه البعض لما قام آل سعود باقتحامه بالاسلحة للقضاء على جهيمان العتبي الذي لجأ إلى البيت لائذا باكنافه فتم سحقه وسحق من لجأ معه من الناس. (1)
وهناك أقوال وتفاسير اخرى لعلها تصرف معنى الآية عن قصده الحقيقي وتسلبه الحكمة التي كان يقصدها الله من وراء قوله هذا. ومن هذه التفاسير مثلا قول البعض ان معنى قول الله تعالى : (من دخلهُ كان آمنا) ان بعض الهاربين إليه من جرائم ارتكبوها او الخائف من السلطان سوف يكون آمنا من بطش الناس به نظرا لحرمة المكان ـ تقدم الحديث في ذلك ــ ولكن هذا المعنى وإن كان فيه شيء من الصحة إلا أنه يبقى بلا غطاء عقلي ، لأن اكثر العلماء يقولون : إذا لاذ المجرم او الهارب بالحرم وجب التضييق عليه بالجوع والعطش حتى يخرج وتنفيذ قضاء الله فيه. وهنا تظهر مشكلة أخرى وهي التصادم مع قول الله تعالى (الذي أطعمهم من جوع).فيبقى التفسير الذي أوردناه هو المقصود (أمان يوم القيامة، وهنا تتجلى الحكمة الإلهية من وراء الحج وهي غفران ذنوب من يدخلون بيته فيكسبون الامان يوم القيامة).

توضيح.
1- وهو الحادث الذي وقع في 20 /نوفمبر/تشرين الثاني 1979 إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز. والذي ترك أكثر من (153) قتيلا و(560) جريحا أثناء تصدي قوات الأمن السعودية لمسلحين تحصنوا لمدة أسبوعين في المسجد الحرام بمكة المكرمة. وقد تم توزيع الاسرى على اربع مدن رئيسية وتم اعدامهم في ميادينها تخويفا للناس. وقد كان بالامكان حل المشلكة من غير قتال ولكن آل سعود ادخلو المدرعات والدبابات إلى باحة الحرم المكي واستخدموا القوة المفرطة في قتل المعتصمين.وقد صرح الامام الخميني بان ما حصل في الحرم هو من تدبير المخابرات الامريكية لأن جهيمان كان من ضمن قيادات الحرس الوطني السعودي ولكن البذخ والفساد واستهتار ابناء الاسرة السعودية المالكة وتبديدهم للثروات هو الذي ادى إلى الثورة وفي مطالعة سريعة لكتاب ياروسلاف تروفيموف وهب بعنوان (حصار مكة، الانتفاضة المنسية في أقدس الأماكن الإسلامية وولادة القاعدة) اعتمد فيه الكاتب على مقابلات شخصية، ووثائق كانت محظورة وسرية من وزارة الخارجية الأميركية وغيرها، وخلص المؤلف فيها إلى أن الأسلوب الذي تم التعامل به من قبل آل سعود مع (الحركة الجهيمانية) هو الذي أفضى في نهاية الأمر إلى ولادة القاعدة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/17



كتابة تعليق لموضوع : من دخلهُ كان آمنا ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 5)


• (1) - كتب : منير حجازي ، في 2022/02/03 .

السلام عليكم . الاخ ابو فاضل الياسين حياكم الله . نعم أنا معكم من أن آل البيت عليهم السلام هم البيت الذي من دخله كان آمنا. لأن في ولايتهم الامان من العذاب والنار. وفي الحديث : (ولاية علي حصني من دخل حصني امن عذابي).وقوله تعالى (إنما يريد الله ليُذهب عنك الرجس آل البيت). هو مصداق ذلك لأن الله هو من اطلق عليهم لقب (آل البيت). تحياتي

• (2) - كتب : ابو فضل الياسين ، في 2022/01/17 .

الاية التي حيرت المفسرين وتاهوا واختلفوا في معناها وضلوا ضلالا بعيدا
لنقرا تفسيرها عن اهل القران المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم من تفسير البرهان للسيد البحراني

بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ومَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً 96- 97)
من سورة ال عمران


1-عن عبد الخالق الصيقل ، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: (ومَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).

فقال: «لقد سألتني عن شي‏ء ما سألني عنه أحد ، إلا ما شاء الله- ثم قال-: إن من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمر الله به ، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا والآخرة».

2-عن علي بن عبد العزيز ، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ، قول الله: (آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ومَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) وقد يدخله المرجئ والقدري والحروري والزنديق الذي لا يؤمن بالله؟

قال: «لا ، ولا كرامة».

قلت: فمن جعلت فداك؟
قال: «من دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف له ، خرج من ذنوبه وكفي هم الدنيا والآخرة».

3-عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله عز وجل: (ومَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً).

قال: «في قائمنا أهل البيت ، فمن بايعه ، ودخل معه ، ومسح على يده ، ودخل في عقد أصحابه ، كان آمنا».



• (3) - كتب : حيدر عبد الكريم مهدي ، في 2020/04/11 .

السلام عليكم
هل تفسيركم لآيات الأمان منقولة عن تفسير الميزان للطباطبائي أمن من تفسيركم الشخصي
شكرا جزيلا

• (4) - كتب : مصطفى الهادي ، في 2015/09/21 .

نعم اخي العزيز ابراهيم ، انا معك .
وكثير من الظلمة والجبابرة والطغاة أيضا يصومون ويُصلون ، فهل ينفعهم ذلك يوم القيامة.
المقصود من الامان هو لمن اجتمعت فيه شروط الحاج الصالح الذي لم يهلك العباد ويسفك الدماء او نشر الفساد. فليس كل من دخل البيت دخل ضمن هذا المعنى كما انه ليس كل من صلى وصام تُقبل منه صلاته ، وصيامه.
تحياتي

• (5) - كتب : ابراهيم الرمضان ، في 2015/09/19 .

السلام عليكم وشكرا لكم على كل ماقدمتموه.

إن كان معنى ( من دخله كان آمنا ) اي دخله بجسده لكن الأمان سيكون يوم القيامة فقط،
كثير من الظلمة دخلوه وحجوا البيت، هل سيكونون آمنون (بدخولهم) يوم القيامة ايضاً؟

لكم خالص الشكر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net