صفحة الكاتب : ادريس هاني

طه عبد الرحمن في الميزان
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   يظن طه عبد الرحمن أن نقده للمنطق الأرسطي استنادا إلى نقض ابن تيمية على المنطقيين سيرقى به إلى كبير المنطقيين المعاصرين ..ولكن علينا أن نؤكّد بأنّ هذا يصحّ فقط إذا طبقنا وجهة نظر أبي يعرب المرزوقي الذي ارتقى بابن تيمية في مشروعه الإسمي إلى فصل المقال حيث العالم وجب أن يكون تيميا أو لا يكون، ولكن هذا لا يصحّ لأنّ طه عبد الرحمن لن يغفر لأبي يعرب المرزوقي أن انتقده وزعم أن منه أخذ مفهوم فقه الفلسفة الذي ملأ بها الدنيا وشغل الناس ، بينما سبقهما إليها الشيخ البهائي من منطقة لجباع ..أتساءل بدوري: لماذا سينتقد أبو يعرب طه عبد الرحمن وقد جسد ما تطلبه إسميته، أي العمل بمقتضى التيمية في الميتاـ اعتقاد و الخلدونية في الميتا ـ تاريخ ..لقد اعتبر ابن تيمية كبير المنطقيين في نظر طه عبد الرحمان الذي سلفن الفلسفة وفلسف التسلفن كما استلهم من بن خلدون فكرة الإنسانية المكتسبة برسم التخلق ..كما أتساءل: لماذا انتقد طه عبد الرحمن الجابري مع أنّ الجابري ارتقى بابن تيمية إلى مصاف معيار الحقيقة؟ الفرسان التيميون الثلاثة هم في الواقع تيميون كلّ على قدر مزاجه، لكنهم خصوم لبعضهم البعض..
يقدم طه عبد الرحمن نصوصه بنكهة المظلومية ..فهو الفيلسوف المظلوم الذي يقدم نفسه كدنكيشوت يقارع طواحين الهواء ..والصناعة المفاهيمية في هذا المصنع الطهائي تحيط نفسها بهالة الإعجاز ..مع أنها في كل محاولة لصناعة المفاهيم ، وهو شرطها لاقتحام حرم الفلسفة، تنتهك كل حدود الفلسفة ..ومع ذلك نقول بأنّ نصوص طه عبد الرحمن تصلح للدرس البيداغوجي ولكنها لا تصلح للإبداع..فالإبداع يجد طريقه للعقول من دون الحاجة إلى إحاطته بالمظلومية ..ترى : من ظلم طه عبد الرحمن؟ ومن له المصلحة في ذلك؟ في رأيي أن طه عبد الرحمن هو ظالم لنفسه في الممارسة الفلسفية التي حوّلها إلى ممارسة داعشية لقطع الرؤوس وتخريب البنية التحتية للقول الفلسفي ..لم يمنعه أحد من أن يكون ناقدا فلسفيا يتناول هذه النصوص، فهذا أمر مشروع وكان منتظرا..ولكن الملاحقات المافيوزية للتقريب التداولي وقمع الأسئلة التي تريد أن تحبك علاقة نقدية مع مشروع يطرح نفسه أصلا بروح نقدية هو الذي جعل اللعبة التداولية دارقة لتمرير المشروع التيمي فوق رؤوس الفلاسفة.. انتقد طه عبد الرحمن ابن رشد ولكنه رفع ابن تيمية الى ما بعد الرشدية..بل إن نقد طه عبد الرحمن لابن رشد كان نقدا خاطئا..فمع أننا نعتقد بأنّ ابن رشد لم يكن خاتمة المطاف في القول الفلسفي العربي ولا هو صاحب ابتكارات فلسفية تاريخية ولكنه ممارس للفسلفة وناشر لها ومنافح عنها بل ومعلم لها وملخص لمطالبها..لكن طه عبد الرحمن اتهمه بالتأسيس للعلمانية في مغالطة تاريخية عجيبة، مع أنّ ابن رشد في هذا الأمر خفف فقط من وطأة التنافر بين الحكمة والشريعة.بما أنه لم يبدع طريقة غير تلفيق الموجود..ومن هنا فالمسار الذي أتبعته الحكمة بلغ ما بعد بن رشد منازل حلّت فيها إشكالية العلاقة المذكورة..وبهذا يكون طه عبد الرحمن أساء فهم الحداثة كما أساء فهم التراث، ولكن برياضة لغوانية أسقطت ضحايا كثر، وها هو بعد أن طغى فلسفيا مرّر لحوارييه شهادة علي حرب بريادته، مع أنّه سبق وسحب منه صفة النظر الفلسفي مع أن علي حرب كثير التمسك بوصف نفسه مهنيا بالفيلسوف..وهذا الانتهاك الذي يقوم به طه وحوارييه بالاستشهاد بعلي حرب إنما هو من باب ما آل إليه بؤس هذه الممارسة الفلسفية التي لم تجد لها من طريق إلى أهل الفلسفة إلاّ بالتهويل الذي يصنعه مريدو الطريقة الطهائية التي تتوفّر على فرقة نحاسية وأمداح طهائية..وهذا الكلام يدفعني إليه كلما وجدت نصّا من أحد حوارييه يسرف في الأحكام ويتخبّط في ممشى الحكمة..في كل التشقلبات المفاهيمية التي اجترحها طه عبد الرحمن كنا أمام حالة من لغونة الفكر..وطريقته كما فعل دائما حتى معي هو تجنيد حوارييه الأيتام في تمرير نقده لأنه لا يجرأ على المنازلة الفكرية إلا بوسائط من حواريين حديثي عهد بالتجربة يحسبون المزايدة بالجدل برهانا، وهم في حالة قابلية للانتحار بين يديك..لا يحيل طه عبد الرحمن على مصادره حتى أنه لم يحل على كانط ولا شبنهور ولا على أي ممن أخذ عنهم آراءهم في الأخلاق..وحتى عبارة فقه الفلسفة التي زعم أنها من ابتكاراته أخذها من القدامى، وقد ذكرت أنّني وجدتها في أحد نصوص الشيخ البهائي..وكان قد دخل على تشقلب اصطلاحي آخر ما بين أيديولوجيا جرى بها التداول وبين أدلوجة العروي وفكرلوجيا الحبابي فوجد عبارة ملقية في البين: الفكرانية، فجعلها في مقام المنافس اللغواني الذي لم يحلّ جوهر الإشكال الذي يطرحه المفهوم، فأعادنا إلى ما قبل الممارسة الفلسفية وعلاقتها بالترجمة، تلك العلاقة التي أعاد تفجيرها بأدوات تيمية بعد أن كان بنيمين وكذا دريدا قد أشبعاها بحثا، ليعيدنا إلى الإشكال الذي انطلق منه دريدا من بعد بنيمين وهي الترجمة البابلية، او لنقل في المحصول إنها الترجمة المستحيلة..لطش أحد تلامذته من الذين أصيبوا هم أيضا بمرض التشقيق والشقاوة مني صفة اللغونة لشيخه طه وجعلها صفة لي، في نوع من الصبيانية الفلسفية مع أنّي كنت ولا زلت أعتقد أنّ فلسفة طه عبد الرحمن لا تصلح إلاّ في بيئة متطرفة، وهي اليوم تصلح أن تكون المذهب الفلسفي لتنظيم الدّولة، فلا أستبعد إن وقف طه عبد الرحمن أمام أبي بكر البغدادي أن يصفه بفيلسوف الجهاد(أيضا) .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/08



كتابة تعليق لموضوع : طه عبد الرحمن في الميزان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : نوره سعيد عبدالرحمن ، في 2019/07/25 .

بعد قراءتي لمقال الاستاذ ادريس استنتجت ثلاثة نقاط وهي كالتالي:
1- ان مواضيع د.طه عبدالرحمن في الفلسفه قد أخذها من غيره لذا فان انتاجه الفكري لا يستحق قراءته وفي هذا نظر بل كان طه عبدالرحمن له الاسبقية في ترسيخ فكر روح الحداثه بمفهومها الاسلامي وهذا لم تتطرق له يا استاذ ادريس.
2- اطلاق مصطلح المظلومية على فكر طه عبدالرحمن لايليق بمفكر ناقد ان يقول هذا المصطلح بغض النظر عن مكانة طه عبدالرحمن وتأثيرة على الفكر العربي.
3-رائحة الطائفية تنبعث بشكل واضح من مقالك لذا نصيحتي لك ان اردت نقد اي انتاج فكري عليك ان تتحلى بالانتقاد العادل الذي يبرز ايجابيات الموضوع المتناول وسلبياته حتى يستفيد القاريء من مقالك.
وشكرا




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net