صفحة الكاتب : ياس خضير العلي

كتابة المذكرات أو السيرة الذاتية
ياس خضير العلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعتبر كتابة المذكرات من أقدم الفنون بالكتابة الأدبية ,امتيازها  الأغراء للأعلام بنشرها وأهتمام الجمهور بها لتوقع التعرف على أسرار جديدة عن الشخصيات والأحداث المهمة لأهمية الشخصية التي تتناولها المذكرات أو السيرة الذاتية لها , ويزداد الأهتمام بها كلما كانت الشخصية مؤثرة وممتعة لتفصح عن صور البطولة التي جعلتها لامعة وسلكت طريق الشهرة والنجاح أو الفشل بعض الأحيان لأنها تمثل الشخصيات الناجحة أو التي تسببت بكوارث للبشرية, وهنا ينشد القارىء ويذهب بخياله بعيدآ ليتوقع ماسيقرأه  فيها, ولاشك في ان كتابة المذكرات الشخصية من أقدم فنون التاريخ وأن كانت كتبت من قبل أصحابها كتدوين يومي أو رويت عنهم بأسلوب الكتاب المتخصصين .
ومميزات كتابة المذكرات هي أنها جامعة للمادة التاريخية الوثائقية وتقديم الشخصية في أنصع مظاهرها وأبراز البطولات والمواقف التي أثارت اهتمام الناس بها لتصبح مهمة لهم و لنه ذلك محبب للنفس البشرية وتتمتع بالأطلاع عليه لعله يحقق جزء من أحلامها النائمة التي عجزت هي عن تحقيقها , حتى لو كانت أقرب للخيال ز
ومنذ اقدم العصور تأخذ المذكرات والسيرة الذاتية مكانتها عند اليونان والرومان الذين وثقوا التاريخ بأسلوب أدبي مميز , فكانت نماذجهم بديعة, ومنها ماوصل ألينا مثل ( تراجم فلونتارخوس) و وهي مجموعة من سيرة ذاتية ومذكرات حياة عظماء الرومان و أراد بها كاتبها الفيلسوف العرض لبطولة  اتسمت بالقيم الأخلاقية و لتعتبر على مر العصور أبدع المذكرات والسيرة الذاتية لشخصيات تاريخية و ومن المذكرات الشخصية التي وصلتنا منفردة لشخصية مشهورة هي ( حياة الأسكندر الأكبر ) لكاتبها كورتيوس روفوسو و كتاب أخر أسمه ( حياة الأباطرة الأثنى عشر ) للكاتب لتراتكويلوس , وفي العصور الوسطى كتب الرهبان والعلماء بكتابة السيرة الذاتية و ومن أشهر ها المنفردة كانت  عن ( حياة كارل الأكبر ) لكاتبها لانهارت .
وتنبه الأدباء العرب لهذا الفن الأدبي المميز وبدوا من السيرة النبوية الشريفة كحاجة ملحة وطلب متزايد عليها من الأجيال للأطلاع عليها لأرتباطها بالعقيدة الأسلامية للعرب , ويعتبر المؤرخون أن القرن الهجري الثاني كان بداية كتابة السيرة النبوية الشريفة , وأهتموا كذلك بكتابة  السيرة الذاتية لباقي شخصيات الأمة و ولم يتوقفوا عند نوع واحد من الكتابات هذه وأنما تناولوا رجال السيف والقلم , والملوك والأمراء والوزراء , والقادة والمفكرين و والكتاب والشعراء و ومنها موسوعات عامة لمجموعة شخصيات ومنها منفردة لشخصية مميزة , وكانت بعضها لكتاب والبعض الأخر بأقلام الشخصيات صاحبة السيرة , والتنوع بالتراث العربي الأسلامي جعلها ميزة تنعم بها وتمتاز بها عن باقي الأمم .
وكانت السيرة النبوية الشريفة هي تاج هذه المذكرات والسيرة الذاتية التي كتبت والتي بدأ تدوينها في القرن الهجري الثاني على يد محمد بن اسحاق , ثم تأسست الدولة الأسلامية في الشام فتقدم هشام بن عبد الملك وتناولها بأعادة الكتابة في نهاية القرن نفسه الهجري .
وأصبحت هذه النسخة مرجع للكتابة عن السيرة النبوية الشريفة بالرغم من تشكيك البعض ببعض ماثبته من أحداث لتطور الحالة العامة عند المسلمين والصراع على السلطة والحكم وحدوث ثورات و خلافات  على مبدأ الحكم الوراثي لبني أمية وألخ من احداث قد يكون البعض كتب السيرة بما يتلاءم ومصالحه .
وظهر النقد الأدبي للسيرة الذاتية وكتابة المذكرات كفن ادبي ألا بعد قرنيين مئتين عام بعد ذلك و وفي القرن الهجري الخامس أتسع هذا الفن الأدبي كثيرآ و ووضعت موسوعات كبيرة منها ماكتبه الخطيب البغدادي بموسوعته المعنونة (  تاريخ بغداد  ) و وفيها شخصيات كثيرة من عصره , وفي القرن الهجري السابع وضع القاضي الأجل شمس الدين بن خليكان موسوعته الشهيرة ( وفيات الأعيان )  وهي سيرة لكثيرين زادت عن 800 شخصية ز
من اهم مميزات هذه السيرة الذاتية أو المذكرات التي كتبت من كتاب عن شخصيات هي _
تمتاز بالتحقيق ة ودقة التصوير , وقوة العرض ة ونستطيع القول أن ابن خلكان كان أول مؤرخ عربي جعل من هذا الفن الأدبي فن حقيقي والدليل أن ماكتبه لازال لليوم مرجع لنا .
وبلغ أعلى مستوياته تاريخيا هذا الفن الأدبي في القرن الثامن الهجري والتاسع كذلك و وظهرت كتب منه كثيرة وأختصت بأعلام العصر أنذاك وأقطاب الطوائف المشهورة , ومنها كتاب ( أعيان العصر وأعوان النصر ) للكاتب صلاح الدين الصفدي المتوفي سنة ( 764 هجري) وله كتاب اخر عنوانه ( الوافي بالوفيات ) وهو موسوعة لسيرة ذاتية لشخصيات من أيان الصحابة الى زمانه , وقد ذيل عليها  مؤرخ مصري ( أبو المحاسن بن تغري) بمعجمه ( المنهل الصافي ) و( المستوفي بعد الوافي ) فيه  كتب لسيرة أهل عصره , ومن أشهر الكتب التي تناولت السيرة والمذكرات بالقرن الثامن والتاسع الهجري هي ( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ) لحافظ أبن حجر , ثم ( الضؤ اللامع ) لشمس الدين السخاري , وهو من انفسها , ثم كتاب ( الكواكب السائرة بمناقب اعيان المائة العاشرة )  لنجم الدين الغزي و  ثم ( خلاصة الأثر في اعيان القرن الحادي عشر )  للمحبي الحموي  ,  ثم ( سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر ) لبي الفضل المرادي.
وأستمر العرب بهذا الفن حتى في المغرب العربي  والأندلس ونجد من ذلك على سبيل المثال ( جذوة المقتبس ) للحميدي ,  و( الصلة ) لأبن بشكوال ,  ثم ( تكملة الصلة والحلة السيراء)  لأبن الأبر القضاعي و وكذلك ( بغية الملتمس)  للضبي
و ثم (الذخيرة 9 لبن بسام و  (الأحاطة) لأبن الخطيب و  ( التكملة ) لأبن عبد الملك المراكلي .وتميزت السيرة الذاتية بكتابتها بواسطة كتاب كسيرة منفردة منها ماكتبه محمد بن عبد الحكيم بكتابه  ( سيرة عمر بن عبد العزيز ) , وكذلك ( سيرة المعز لدين الله ) لكاتبها أبن زولاق المتوفي بالقرن الرابع الهجري , و ( سيرة عمر بن الخطاب ) لأبن الجوزي , بالقرن السادس الهجري و و ( تاريخ تيمور لينك ) المسمى ( عجائب المقدور ) لكاتبه أبن عرب شاه الدمشقي , بالقرن الثامن الهجري , و ( أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض )  للكاتب المقري , و( أخبار الحكماء ) للكاتب القفطي .
وممن تميزوا بكتابة سيرتهم الذاتية بخط أيديهم الفيلسوف أبن خلدون فيما أسماه ( التعريف ) ,
ولم يستطع هذا الفن الأدبي من مجارات النهضة الفكرية الحديثة لأننا نجد المقومات الأساسية لكتابة السيرة الذاتية تقوم على التحقيق العلمي والتحليلي , وأبراز الشخصية صاحبة السيرة على ضوء الحقائق المتعلقة بحياتها , وبالمرفقات من الوثائق التي تثبت ذلك , وبعيدآ عن التحيز والأعجاب والتأييد لها للتأثر بها , واليوم نحن نجد الصور وربما التسجيلات الصوتية والصورية وأية وثائق رسمية تدعم صحة ما نذكره عن الشخصية و وعندما نسرد الأعمال والحوادث  نحتاج للكثير من الصدق بعرضها كما   وقعت , لأنه الأمانة تستوجب ذلك , وعلى الكاتب أن  يقوم بالتحليل النفسي للبواعث والتصرفات و وهذا ماوجدناه تميز به كاتب السيرة الذاتية فلوتارخوس في العصر القديم و حيث كتب عن الأسكندر الأكبر سيرته حيث كتب بالمقدمة يقول ( أنه يهمل التفاصيل لأنه لايريد أن يكتب تاريخآ لأنه يريد أن يكتب حياة ) .
أن السيرة التي تقرأها تجد أنها بنيت على الأسس العلمية والفنية والنفسية و تقدم أوضح الصور وأدقها عن شخصية الكاتب الذي كتب عن الشخصية و وهي تملآ ذهنك بالصور والخيال , وتشعرك حينما تستعرض مراحل حياتها , وظروف عصرها أنك كأنما كنت تعيش هذا العصر و هنا أعتقد أن الصحافة اليوم شيء وكتابة السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية لشخصيات  معروفة لايتفقان لأنه   فن كتابة السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية فن ادبي مستقل له محترفون لهم المميزات التي ذكرناها أعلاه ,
وكتابة هذا الفن الأدبي لدينا غير مايكتبه الغرب لأننا لدينا أسلوب أخلاقي ملتزم بالحرية المسؤولة وتحمل أثار ماسيذكره لأننا نضع الموازين الأخلاقية على  الرغم من الحرية لدى الغرب بكتابة تفاصيل نحن لاندخل أليها من باب واسع بسرد السيرة وهذا جعلهم يتميزون عنا قليلا لكثرة العرض والتحليل والتفاصيل ومن الأمثلة المشهورة للمذكرات الغربية المعروفة مثلآ _
( المصورين والمثالين) لفاساري , و (حياة الدكتور جونسون )  لبوسويل , وأعتبرها النقاد أبدع ماكتب بهذا الفن و  ( حياة جيته) بقلم لويس , و ( حياة نابليون ) بقلم لو كهارت , و (حياة جيبون ) بقلمه , و( حياة لويس الرابع عشر) بقلم فولتير , و ( حياة السيد) بقلم بيدال  وهذه الكتب تميزت بالأكتمال الفني الأدبي ومن دقة البحث والتصوير , ومن قوة العرض وبراعة المنهج وروعة الأسلوب .
وظهرت لدينا بالدراسات الأكاديمية الحديثة عند العرب ما نسمية البحوث التاريخية كرسائل تخرج للطلبة منها ما يقوم على التحقق والأقتباس والعرض دون تحليل أو تمييز أو ترابط لعرض السيرة لهذه الشخصيات بسبب المنهج العلمي بالبحث الذي يستخدم عمومآ والأشراف عليها من الأعالي .
ولو تسمحون لي بأن أستعرض لكم ما يعجبني شخصيآ من الأدب العربي الأسلامي الذي تأثرت به كثيرآ بل شكل أساس تقوية معتقدي الأسلامي ما أجده في كتاب ( نهج البلاغة ) من عرض للسيرة العظيمة للأمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث تناول الكتاب الذين عرضوا أجزاء من سيرته الشريفه بهذا الكتاب لكنها كانت بأسلوب أخر لم يعلقوا ويعطوا أراءهم أنما كانت بذكر الخطب التي قالها والأجابات التي رد بها على من سأله عن العلم والدين وكانت بحق توثيق لسيرة ذاتية رويت من أكثر من واحد منهم الشريف الرضي وأبن حديد ثم جاء بالعصر الحديث الأديب المصري محمد عبده فجعل هامشه عليها أكثر أيضاح ومواكبة للعصر.
واذا اعتبرنا ظاهرة نادرة في العراق كملت فن السيرة الذاتية  من المزج بين فن الكتابة للسيرة الذاتية والمذكرات الشخصية والرواة عبر الراوي صوتآ و وهؤلاء يتميزون بأجادة التجويد وأستعمال الأنغام السبعة مثل القراء للقرآن الكريم وهذا الفن الجديد ظهر بعد حادثة ثورة الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام واستشهاده بكربلاء  وأصحابه , واقصد تجربة قراء ماسمي بالمقتل و وهي سيرة ذاتية وتناول الأحداث كتبت بتسلسل تاريخي ووصف وكانما سيناريوا يوصف كل ما يحيط ببطل القصة من شخصيات يصفها واسلحة بالمعركة وأجواء وأكسسوارات أي الأثاث وكما يصفها الخيم والجود الذي ينقل به الماء كوعاء مصنوع من الجلد , وتميز بهذا الفن من الألقاء القارىء المرحوم عبدالزهرة الكعبي و وهو رجل تميز بالمنبر الحسيني لقراءة السيرة الذاتية للأم الحسين عليه السلام وهي جزء من حياته الشريفة وما يتعلق بثورته وقتاله بكربلاء لحين استشهاده .
وتميز استخدام اللحن بالأداء والنعي والأستعانة بالشعر الذي قيل بالشخصية بحياتها ورثاءها بعد رحيلها و هذا مالا نجده بالسيرة العالمية بينما هنا الأسلوب الجديد للقارىء أضاف لماكتب نكهة وتأييد لأستحقاقها المجد بالصفحات المكتوبة عنها .
هذا الفن الجديد عند العرب المسلمين لحد اليوم لم نسمع عنه بالعالم , فنحن نتشابه معهم في كتابة السيرة الذاتية على الورق وهم حولوها لأفلام سينمائية وتلفزيونية ومسرحية لكنهم لم يمارسوا فن الراوي بالألقاء وقارىء السيرة عندنا هذا يجعلك بأجواء القصة لصاحب الشخصية وتعيشها لدرجة التأثر ويعتبر مكمل للكاتب المبدع .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياس خضير العلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/11



كتابة تعليق لموضوع : كتابة المذكرات أو السيرة الذاتية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net