صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

الاولاد والبنات
حيدر الحد راوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ريسان رجل فقير , متقدم في السن , لا يقدر على العمل , غير ان لديه راتب تقاعدي بسيط , لا يكفيه الا لعدة ايام , ولا يكفي عائلته الكبيرة , المكونة من اولاد اثنين , ذوي سبع وثمان سنوات ,  واربع بنات , اصغرهن ذات اربع سنوات , فوجد حلا كي يطعم نفسه وولديه , ويترك زوجته وبناته يعانين الم الجوع ليال طوال , فلا يجدن ما يسد الرمق غير قليلا من الخبز والشاي او الماء , فقد سئمن من كثرة تناول ذلك , في كل يوم , في كل وجبة . 
يصطحب ريسان ولديه , ليبحث عن ولائم غير مدعوا اليها , او مأاتم ( فواتح ) هنا او هناك , فيضمن له ولولديه الحصول على الطعام لثلاث ايام مجانا , ويترك خلفه من في البيت يتضور جوعا , ويحن الى القد . 
ذات يوم , بينما كان ريسان جالسا في البيت , وقد ارسل ولديه للبحث والكشف عن فواتح او اعراس او مناسبات فيها مأدبة كبيرة , فجاء راشد مسرعا , فرحا , قد جلب خبرا جيدا , كهدهد سليمان .
راشد : ابي .. ابي .. لقد توفي شيخ ريكان ! .
ريسان : الحمدلله ... لقد ضمنا الاكل والشرب ثلاث ايام مجانا . 
ارتدى ريسان ابهى ما لديه من ثياب , وكذلك ولديه , وهمّا بالخروج , غير ان البنت الصغيرة اعترضت طريقهما , وطلبت الذهاب معهما , لعلها تصيب شيئا من الرز واللحم , فقد سئمت من اكل الخبز مع الشاي والماء , رفض ريسان اصطحابها , واحتج بأنه من غير اللائق اصطحاب البنات في مثل هذه المناسبات , من جانبها , طلبت زوجته منه ان يصطحبها هذه المرة فقط , فقد اخذ منها فقر الدم مأخذه , واعتلت صحتها بسبب سوء التغذية , فاشتد النزاع , بينما هم في اخذ ورد , بادر صبيح الى حل النزاع , فجلب كيسا صغيرا , واخبر اخته الصغيرة بأنه سيجلب لها شيئا من الرز واللحم , ووعدها بذلك , مقابل ان تبقى في البيت , اقتنعت الفتاة , وبدا الحل جيدا . 
                  ***************************************** 
تأخر الطهاة في اعداد الطعام , لانشغال الناس بأمور غسل وتشييع الجنازة , طال الانتظار على الفتاة الصغيرة , فاستسلمت لنوم عميق , وبدأت تحلم بديك مشوي , او أي شيئا مقلي , او ربما تحلم بمسئول يشوى في النار , او مديرا يقلى في زيت جهنم , المهم , قد عاد ريسان وولديه , وفي يد صبيح كيسا صغيرا مليئا بالرز واللحم , فأسرعت الام بأيقاظ الفتاة , التي لم تصدق نفسها امام كيس الرز , وشرعت بالتهامه بكلتا يديها الصغيرتين , وتمسح الام على رأسها وتقول ( كلي ... كلي ...) , بينما اخواتها يربتن على ظهرها بحنان , ويقلن ( كلي .. كلي .. ) , كان الكيس صغيرا , حيث التهمته برمته , وبعد ان فرغت , نظرت الى اخيها صبيح , وابتسمت له ابتسامة عريضة , كأنها تريد ان تعبر له عن شكرها , واستسلمت لنوم عميق , كي تحلم هذه المرة , بحدائق ذات ورود , او مجموعة من الالعاب الجميلة ! . 
بعد ان نامت العيون , وهجعت الاصوات , تناولت الام قدرين كبيرين , واتجهت نحو المزبلة , حيث يتم رمي فضل الرز والعظام , مما تبقى من مأدبة العشاء , فأغترفت من الرز في قدر , وملئت القدر الاخر بالعظام , وعادت بالغنيمة الى البيت , حيث ينتظرنها البنات الجائعات , فما ان دخلت البيت , حتى هرعن اليها , وتناولن القدرين , واعادن تسخينه والتفنن بطبخه , ومن ثم برعن في تناوله ! . 
هذه الليلة من ليال الحظ الوافر للبنات وامهن , ليست كباقي الليالي , فهي لا تتكرر الا مرة في الشهر او في الشهرين .
هكذا كانت حال ريسان وعائلته , حيث اهتم بأشباع الاولاد , وترك زوجته و بناته فريسة لاشد المفترسين في هذا العالم , ( الجوع) . 
                  ***************************************** 
ذات صباح , لم يستطع ريسان النهوض من فراشه , فقد اعترته بعض الاعراض , فظل حبيس الفراش , حينها تركه ولديه ليبحثوا عن موائدهم المجانية , ولم يكن لديه ما يكفي من المال ليزور الطبيب , فقامت زوجته وبناته برعايته , رغم تجويعه لهن ( ربما كان تجويعه لهن غير مقصود , بل كان بسبب الفقر ) , بعيادته وتمريضه , فاقترحت عليه البنت الكبرى , ان يبيعوا جزءا من البيت , فيبنوا دكانا في الجزء المتبقى , ليكون مصدرا لرزق العائلة , وما يتبقى من المال يصرفونه على العلاج , استحسن ريسان الفكرة , ورحب بها اشد ترحيب , وقال بحسرة وهو يلتفت يمينا ويسارا , فلا يرى ولديه بجواره في هذه الساعة , ساعة المحنة : 
              (( لقد اشبعت الكلاب ... وجوّعت الذئاب )) 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/11



كتابة تعليق لموضوع : الاولاد والبنات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net