صفحة الكاتب : حيدر نعمان العباسي

التنظيمات المتطرفة والمعالجة القانونية داعش نموذجا
حيدر نعمان العباسي

 تتصور بعض الأنظمة، في ذروة العجرفة السياسية، أن اجتياح الخيار الأمني بتروسه الغليظة، حل ناجع للأزمات السياسية حين تبلغ حدَّاً حرجاً من حدود الاستعصاء. و تتعاظم هذه الغواية حين نكون بإزاء قطر مهيض من أقطار العالم الثالث عصفت به الفاقة و طوح به التسلط السياسي عقوداً و تفتت قسم من نسيجه الاجتماعي بتأثير الأزمات المتلاحقة. و قد تمضي الميديا والاعلام  التعبوي، بأذرعه المتغلغلة، ليزكي هذا الخيار الأمني و تدعمه خضوعاً لحسابات رأس المال السياسي، كما يحدث في العراق  تحديداً، و لا تتورع هذه الميديا أن تجعل هذه الماكينة الأمنية المجتاحة في غير تبصر مرادفة لمعنى الاستقرار؛ الكلمة السحرية التي وظفتها  الانظمة الدكتاتورية لعقود من الزمن لتمرير أسوأ صور القمع و التسلط و أقبح نماذج القهر، بمستوياتها. و لا جدال أن أحشاد المدرعات و الدبابات في الشوارع و الضواحي في استعراض كرنفالي مهيب للعضلات العسكرية ربما أفرز لدى هذه الأنظمة المتعجرفة خدراً يغريها بالمواصلة. و هذه النوع من الخدر المرضي من شأنه أن يجعل هذه الأنظمة تنظر، بغطرسة، إلى فكرة الحلول السياسية بوجه عام، أو فكرة "العقد الاجتماعي" الجامع بين الأطياف و التيارات التي اعتبرها فلاسفة علم السياسة و منظروه ألف باء الحضارات المعاصرة التي رسخت الخيار الديمقراطي هذا من جانب ما تفعله الانظمة المتسلطة اما افرازات تلك الانظمة فهو نموذج داعش الارهابي  ومعالجة هذا الملف بنموذج المعالجة القانونية يتم عن طريق الجهات التي تقع على عاتقها هذه المسؤولية كالامم المتحدة ومجلس الامن الدولي  اذ

كان ومازال ملف التنظيمات الإرهابية على طاولة الأمم المتحدة ومجلس الأمن. حيث أصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات ضد تنظيم القاعدة الإرهابي والتنظيمات التابعة لها، ابتداء من قرار مجلس الأمن 1267(1999) وحتى قرار2199 (2015). وقد تضمنت هذه القرارات إدانات واضحة ضد تنظيم القاعدة وجميع التنظيمات والأفراد المنبثقة عنه منها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة، وما يرتبط بتنظيم القاعدة من الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات لما ترتكبه من أعمال إرهابية إجرامية متواصلة ومتعددة تهدف إلى قتل المدنيين وغيرهم من الضحايا وتدمير الممتلكات والمواقع الثقافية والدينية، وزعزعة الاستقرار وتقويض دعائمه.

وبحسب الأمم المتحدة تتكون قائمة العقوبات والجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة من فرعين: ألف –الجزاءات المتعلقة بالأفراد المرتبطين بتنظيم القاعدة (229 فردا) باء– والجزاءات المتعلقة بالكيانات وغيرها من الجماعات والمؤسسات المرتبطة بتنظيم القاعدة (71 كيانا)

وقد تضمنت هذه القرارات عددا كبيرا من العقوبات والجزاءات منها إلزام الدول بعدم توفير الملاذ للإرهابيين الدوليين ومنظماتهم وتدريبهم، وأن تتخذ التدابير الفعالة الملائمة لضمان عدم استخدامها الأراضي التي تسيطر عليها كمنشآت ومعسكرات للإرهابيين أو الإعداد لإعمال إرهابية موجهة ضد دول أخرى أو مواطنيها أو تنظيم تلك الأعمال، وأن تتعاون مع الجهود المبذولة لتقديم الإرهابيين المتهمين إلى العدالة.

وألزمت جميـع الـدول أن تتخـذ إجـراءات عاجلـة لمنـع وقمـع جميـع أشـكال الدعـــم الإيجابـــــــــي والدعـم السـلبي للإرهـاب، حيث يتعـــين عليــها بصفــة خاصــة الامتثــال التــام لجميــع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأن تقدم إلى العدالة، وفقا للقـانون الـدولي وبالاسـتناد بصفـة خاصـة إلى مبدأ "إما التسليم وإما المحاكمة" كل من يمول الأعمــال الإرهابيـة أو يدبرهـا أو يدعمـها أو يرتكبها أو يوفر الملاذ الآمن للإرهابيين؛

وشدد قرار مجلس الأمن 2199 (2015) الأخير على أن الدول ملزمة بأن تكفل عدم إتاحة أي موارد اقتصادية، عن طريق رعاياها أو أي أشخاص موجودين في أراضيها، لتنظيم داعش وجبهة النصرة، بما في ذلك النفط وما يتصل به من مواد، والموارد الاقتصادية الأخرى. ويشجع القرار الدول الأعضاء على تقديم طلبات لكي تدرَج في القائمة أسماء الجهات من أفراد وكيانات المنخرطة في الأنشطة المتصلة بتجارة النفط مع تنظيم داعش وجبهة النصرة والجماعات الأخرى ذات الارتباط

والمحصلة النهائية لإجراءات الأمم المتحدة أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أصدرت في وقت سابق تقريرا جاء فيه: إن تنظيم الدولة الإسلامية " قد يكون ارتكب الجرائم الثلاث الأخطر دوليا وهي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة " وعدد التقرير جرائم قتل وتعذيب واغتصاب وتجنيد أطفال. ودعا المكتب مجلس الأمن الدولي إلى "إحالة الأمر إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الجناة". علاوة على ذلك، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يتصل بإنقاذ الممتلكات الثقافية، واعتبرت الجمعية أن تدمير تنظيم داعش الإرهابي للمواقع الثقافية بمثابة جريمة حرب، وقررت الاستنفار ضد الاتجار بالقطع الأثرية المسروقة

إلا أن الملفت للنظر، أنه مع حجم الجرائم التي ارتكبتها التنظيمات الإرهابية، لاسيما تنظيم داعش في العراق وسورية؛ ومع كل هذه القرارات الدولية الملزمة وغير الملزمة، ولكن تلك التنظيمات مازالت قوية، بل تزداد قوية ومنعة، وأن من يمارسون هذه الانتهاكات والتجاوزات من قيادات وأفراد هذه التنظيمات الإرهابية لم يقدموا للقضاء العادل وغالباً ما يفلتون من العقاب 

السؤال هنا؛ هل يمكن أن تتبنى المحكمة الجنائية تلك الجرائم الوحشية للتنظيم؟

ببساطة شديدة، تقول كبيرة المدعين (فاتو بينسودا) في المحكمة الجنائية الدولية في 8/4/2015 إنها غير مستعدة بعد لفتح تحقيق في الجرائم التي يتهم تنظيم الدولة الإسلامية بارتكابها في العراق وسوريا؛ ومن بينها جرائم الإبادة، لأنها لا تملك الصلاحيات القضائية للقيام بذلك، وسوريا والعراق من الدول غير الموقعة على ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية وهو ما يحرم المحكمة السلطة القضائية اللازمة، إلا أن بإمكانها محاكمة عدد من آلاف المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية الذين هم مواطنون في دول موقعة على الميثاق.

يتضح من ذلك كله، أن محاسبة ومعاقبة أفراد التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش في العراق وسوريا يتطلب الآتي :

  1--محاكمات وطنية: من خلال تفعيل وتنشيط المحاكم الجنائية الوطنية في الدول التي تنشط بها هذه الجماعات الإرهابية مثل العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن وغيرها. وفي هذا الصدد صوت مجلس النواب العراقي في جلسته الثلاثين التي عقدت السبت 18 /4/2015، وبحضور 230 نائبا، على قرار بإحالة ملف تنظيم داعش الإرهابي إلى المحكمة الجنائية العراقية العليا بعد تعديل قانونها، كون الجرائم التي ارتكبها داعش الإرهابي هي من الجرائم المحددة في قانون المحكمة المذكورة رقم 10 لسنة 2005 وهي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الواردة في المادة (1 /ثانيا) من القانون.

 2--محاكمات دولية: إن النظر في جرائم التنظيمات الإرهابية العاملة في الدول مثل العراق وسوريا يتطلب منهما الانضمام إلى معاهدة روما الدولية التي تلاحق مرتكبي الإبادة الجماعية والأعمال ضد الإنسانية لكي تتمكن المحكمة من استخدام السلطة القضائية اللازمة

 3--توصية مجلس حقوق الإنسان: يقول رئيس غرفة المحامين السابق في المحكمة الجنائية العراقية المركزية "علينا أن نأخذ بعين الاعتبار؛ أن عدم أخذ منظومة العدالة المحلية لدورها، أو عدم كفاية القوانين والإجراءات الوطنية، تتيح لمجلس الأمن الدولي، بتوصية من مجلس حقوق الإنسان، تحويل ملف الانتهاكات في العراق إلى المحكمة الجنائية الدولية. وبخصوص الجرائم التي ارتكبت من قبل تنظيم (داعش) على الأرجح ستفرض نفسها، في مرحلة ما، أمام المحكمة الجنائية لطبيعة تكوين التنظيم، من عناصر يحملون جنسيات متنوعة ويحظون بشبكات دعم وخلايا نائمة في العديد من البلدان .

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر نعمان العباسي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/08/11



كتابة تعليق لموضوع : التنظيمات المتطرفة والمعالجة القانونية داعش نموذجا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net