بسم الله الرحمن الرحيم
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ{54}
تنعطف الآية الكريمة لتنقل شيئا من خبر لوط "ع" وقومه ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ) , الفاحشة المعروفة , ( وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ) , فيها رأيان :
1- وانتم تعلمون فحشها وخبثها وضررها وعدم جدواها .
2- مما يروى انهم كانوا يمارسون الرذيلة علنا , امام الانظار , فيزدادون اثما الى اثمهم .
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{55}
يستمر كلام لوط "ع" في الآية الكريمة ( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء ) , واقع الحال ان النساء خلقن لذلك , وهذا هو المسار الطبيعي للحفاظ على النسل , ( بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) , سفهاء , تجهلون عاقبة امركم .
تجدر الاشارة الى ان هذا النوع من الرذائل ينفرد بها الانسان دون المخلوقات الاخرى , تترفع وتنفر ذكور الحيوانات من ممارستها , وكذلك ذكور الطيور , بل حتى ذكور الحشرات لا تفعلها , وفعلها الانسان صاحب العقل واكتمال الخلقة برغبة وشهوة واشتياق .
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ{56}
تروي الآية الكريمة ردة فعل القوم ازاء كلام لوط "ع" ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ) , فما كان ردة فعلهم على كلامه "ع" , ( إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ) , انفوهم من القرية , والسبب ( إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) , يترفعون عن فعلنا .
يلاحظ ان جواب القوم لم يكن مع لوط "ع" , بل كان لبعضهم البعض , وذلك انهم يدركون فساد فعلهم ادراكا عقليا تاما , وهذا مما لا سبيل لمجادلته ومحاججته معه "ع" , ففعلوا فعل العاجز عن المجادلة , واتفقوا على نفي آل لوط "ع" .
فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ{57}
تبين الآية الكريمة ( فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ ) , انجى الله تعالى لوطا "ع" وبناته وكل من سار معه , ( إِلَّا امْرَأَتَهُ ) , باستثناء امرأته , ( قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ) , قدر الله تعالى لها ان تكون من الباقين , فقد كانت راضية عن فعال القوم .
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ{58}
بعد ان ذكرت الآية الكريمة السابقة نجاة لوط "ع" واهله , تأتي الآية الكريمة لتبين ما حلّ بالقرية ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً ) , مطر من الحجارة , ( فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ) , بئس وقبح مطرا كمطر من سبق انذاره بالعذاب القادم .
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ{59}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" , وقد تضمن ثلاثة محاور :
1- ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ) : الحمد لله على كل حال , وكذلك على اهلاك الامم الكافرة , ومنها قوم لوط "ع" .
2- ( وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) : عباد الله تعالى المصطفين , من الرسل والانبياء "ع" , وفي اراء اخرى هم النبي الكريم محمد "ص واله" واهل بيته "ع" .
3- ( آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) : تسفيها لرأي كفار مكة بعبادتهم غير الله تعالى .
أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ{60}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) , خلق السموات والارض بقدرته وتدبيره وحكمته جل وعلا , ( وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ) , بقدرته وتدبيره وحكمته جل وعلا انزل المطر , ليتنبت البساتين السارة للناظرين , ( مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ) , لم يكن بمقدوركم ان تنبتوا شجرها , لولا تدبير الله تعالى وحكمته , ( أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ) , أغيره جل وعلا يقرن به ويتخذ شريكا له , وهو المتفرد بالخلق والتكوين , ( بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) , من الحق الى الباطل , من التوحيد الى الشرك .
أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{61}
تستكمل الآية الكريمة في موضوع سابقتها ( أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ) , لا تميد بسكانها , ( وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً ) , انهارا جارية , حيث لا حياة من غير ماء { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30 , ( وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ) , جبال ثوابت , تستقر الارض بوجودها , وايضا احتوت على المعادن , وتفجرت منها الينابيع , ( وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً ) , العذب والمالح , فلا يمتزجان ولا يختلطان ببعض ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} ) سورة الرحمن الشريفة , ( أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ) , مع كل تلك البينات على صنعه وقدرته جل وعلا , ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) , الحق والهداية , فيشركون .
أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ{62}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) , بيانا الى دعوة الكفار لأصنامهم , فهي لا تسمع الدعاء , ولا تكشف عنهم السوء والبأس , لكن الله تعالى يسمع يجيب لذوي الدعاء ( لحاجة او لشدة ) , ويكشف عنه السوء وفقا الى ما تقتضيه حكمته جل وعلا , ( وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ ) , حيث مكن الله تعالى الانسان من استعمار الارض , والتصرف فيها , وتسخير مخلوقاتها لمنافعه , وعلى بعض الآراء هي استخلاف قوما مكان قوم , ( أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ) , بعد كل هذا البيان , تتخذون اله غيره سبحانه وتعالى , ( قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) , تذكرون آلائه تذكرا قليلا , او انكم قليلا ما تتعظون .
أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{63}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها ( أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) , من يهديكم ويرشدكم الى مقاصدكم بالنجوم ليلا , وبعلامات الارض , ( وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) , اغلب المفسرون يرون انه المطر "الغيث" , واثبت العلم الحديث ان الرياح لها منافع اخرى كثيرة غير المطر , كحملها البذور ولقاحات النباتات , وتبريدها لسطح الارض بعد ان سخنته اشعة الشمس ... الخ , ( أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ) , بعد هذا البيان تنسبون لله تعالى الشريك تعالى عن ذلك علوا كبيرا , وهل من اله يقدر على مثل هذا التدبير والحكمة ! , ( تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) , تنزه وتعظم وتقدس ان يشرك به جل وعلا غيره .
أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{64}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها ( أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) , للمفسرين رأيين في النص المبارك :
1- يبدأ الخلق بالإنشاء , ثم يعيده بعد الموت .
2- يبدأ الخلق في الارحام من نطفة , ثم يتكامل مخلوقا ناضجا , ثم يعيده بالموت .
( وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) , مما فيهما من منافع , ما علم منها وما لم يعلم , ( أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ) , مع كل ذلك , مع كل تلك البينات , التي تدركونها في قرارة انفسكم لا زلتم تشركون به جل وعلا غيره , ( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , اذا هاتوا برهانكم او حجتكم على الشريك القادر على ان يفعل ويصنع ويخلق ويدبر مثل ذلك , ان كنتم صادقين في دعواتكم ومزاعمكم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat