صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

سمفونية الصباح: عبد الباسط.. وفيروز
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في كل صباح، سواء في العراق كنت ام في أمريكا..! او أوربا او البرازيل، او الهند، او في قارة أفريقيا، أو قارة (عفج)، لا أبدأ يومي إلاَّ بسماع آيات من القرآن الكريم، وتحديداً بصوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد. فهذا الصوت الشجي، والأداء القرآني الساحر مرتبط عندي بذاكرة طقسية صباحية عطرة. ذاكرة أسرية وبيئية لا يمكن لها ان تنسى المناخ النقي، والبيت العائلي العفيف، بيت والدي الحاج (حسون أبو خيون) الطيب المفعم بالحب، والإيمان الجوهري السليم، ولا أقصد الإيمان بالدين، والخالق العظيم، والأئمة الأطهار فقط، إنما أقصد أيضاً الأيمان المتكامل، الذي يمثل منظومة متراصة من القيم والتقاليد التي تبدأ من الأخلاق والمحبة والتعاون والسلام والتواصل، وتنتهي عند نقطة الحفاظ على حياة وممتلكات وسمعة وشرف الآخر.. لذلك فإني أهتز بطربية أخاذة، ونشوة عذبة حين يقرأ عبد الباسط صباحاً آيات من (سورة الحشر). ولما يصل الى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل).. أكون قد وصلت الى اللحظة السريالية التي أقف فيها خارج قوانين المنطق، ومدار المعقول، فأتحرر تاريخياً من أدران الحاضر، ومخاوف المستقبل معاً.. وأعود الى الماضي حراً من كل قيود الزمان والمكان والأكوان. متحرراً من نفسي، وذاتي، وهواجسي، بل وكلي، وأعود في تلك اللحظة الخرافية الى تلك الغرفتين (الملبوختين)، ولذلك الحوش (المصبوب) الواسع، والسطح الترابي المرشوش، والشمس التي كانت تشاركنا (الخبز والشاي) في فطور تلك الصباحات الشريفة. أعود فتى الى أحضان أمي الرسولة، والى طيبة أبي التي باتت مثالاً يضرب بين الناس. والى حيث يقف أخي أبو سلام بقامته المديدة ووسامته الجنوبية، وكرمه الفريد، وشجاعته الباسلة التي أتت به الى حبل المشنقة مناضلاً وطنياً. ولعطفه الكبير عليَّ، وعلى كل فرد في بيتنا الجميل. سأعود على جناحي صوت عبد الباسط الى ذلك الزمن النبيل، لأعيد لأخوتي طفولتهم، بعد أن شابت رؤوسهم قبل الأوان بكثير .. نعم هكذا أكون عندما أسمع عبد الباسط بصوته الساحر وهو يقول: (لو أنزلنا هذا القرآن) فأصابُ بالدهشة السحرية، وتتعطل عندي لغة الكلام، وكل اللغات الأخرى.. ولا أستطيع بعدها التعبير عما أريد بكامل إرادتي، وقدرتي الطبيعية، وسأكتفي بإطلاق صوتي الصارخ بلا وعي، مردداً لحظتها:- الله .. الله .. الله .. أي جمال هذا، وأية روعة هذه يا ألهي!!

ثم أصرخ مرة اخرى، وأترنم مرات ومرات، ولا انتهي إلاَّ عندما ينتهي عبد الباسط من تلاوته المباركة.. فأشعر بسعادة خاصة، ومزاج فريد.. وأسأل نفسي : ياترى، هل ثمة صوت، او كلام، او جمال آخر، يمكن أن ينافس هذا الكلام العظيم، وهذا الصوت الفريد، فيصنع لي مثل هذا الجمال مرة اخرى، ويشيع في صباحي مثل هذا المزاج الباذخ؟

وقبل ان أغلق كل المنافذ التلفزيونية، والإذاعية، (والأنترنيتية) كي لا أسمع أصواتاً أخرى قد تفسد مزاجي الذي صنعه كلام الله، وصوت عبد الباسط في هذا الصباح الباهر.. وقبل ان أبادر لتنفيذ ذلك، يتحرك البحر فجأة، وتهتز الجبال (فترقص الأضواء كالأقمار في نهر)، وأشعر كأن ستائر نوافذ بيتي تعزف على أنغام الموسيقى المنبعثة من حديقة البيت، أو كأن البلابل القريبة من غرفة النوم ترسل رسائل خاصة تنبئنا فيها عن مطر ملائكي يهطل الساعة، وإن عطراً مستحيلاً قد بث قبل قليل من قنينة عطر خرافية فسال منها أريج الجمال المذهل على ثياب الزمن، وتعطرت مساماته بهذا الأريج الباهر.. لذلك كان من الواجب عليَّ ان أتوقف عن غلق أي منفذ صوتي، ففعلت، وتوقفت عن الغلق.. إذ كيف أغلق منفذاً، يأتي منه صوت فيروز؟

فهمس الصباح بأذني مغنياً: (سألوني الناس عنك ياحبيبي)!! فقلت له: (كتبوا المكاتيب.. وأخذها الهوى)!!

وأستمر الجمال يهطل كالمطر، ويسري كالعطر في كل كياني.. وكان من الطبيعي أن أتوقف عن الحركة، والفعل،..فتوقفت كالمسحور في مكاني، ورفعت من درجة الصوت، لا من أجلي فقط، إنما من أجل الله أيضاً.. لقد أردت أن يسمع الذي خلق فيروز، جمال ما صنع! نعم فقد أردت أن يرى الله فيروزته كيف ترسم الدهشة، وتصوغ الحياة كقلادة ربانية لا مثيل لها.. اليست فيروز من صناعة الله؟

وكلما (تجود) فيروز بصوتها النعمة وهو ينطلق من المذياع، أرفع من درجة الصوت ليصل الى آخر بني آدم في الكون. نعم لقد أردت أن يسمع الكون كله صوت فيروز، فأنا أحب الله كثيراً، وأحب الناس كثيراً، وأريدهم أن يستمتعوا معي بهذا الجمال .. ولأني لست أنانياً، ولا لئيماً، فقد فتحت الصوت عن آخره، وفتحت نوافذ البيت كلها .. عسى أن يسمع البحر، وتسمع السماء صوت فيروز وهي تغني الآن: شايف البحر شو كبير .. كبر البحر بحبك .. شايف السما شو بعيدة .. بعد السما بحبك .. كبر البحر .. وبعد السما بحبك .. .يحبيبي يحبيبي بحبك 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/05



كتابة تعليق لموضوع : سمفونية الصباح: عبد الباسط.. وفيروز
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net