صفحة الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي

النظام المحاسبي المعاصر دراسة تحليلية في الاعجاز التشريعي في السنة النبوية الشريفة
د . رزاق مخور الغراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مقدمة
حديث المعصوم سواء كان قد صدر من الرسول الاكرم محمد (ص)أو من غيره من الائمة المعصومين (ع)،فهو يمثل نص وحكم ودستور يجب التعبد والاقتداء به فهو دستور الأمة الإسلامية بعد القرآن الكريم، وهو منهج رباني شامل لكل مناحي الحياة قاطبة مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى :  وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ  [ النحل : 89 ]  وهذا المعنى ورد فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما ، كتاب الله وعترتي أهل بيته " وسائل الشيعة ) .
إن الالتزام بالحديث الشريف دستوراً ومنهاجاً يقود إلى الخيرية والفلاح والصلاح فى الدنيا والآخرة لأنه من عند الخالق –ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحيا يوحى-الذى يعرف ما يصلح خلقه كما ورد فى قوله سبحانه وتعالى : أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ [ الملك : 14] 
ويتسم التشريع المستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالشمولية حيث يتناول العبادات والمعاملات والشعائر والشرائع والروحانيات والماديات ، لم يدع جانباً من جوانب الحياة إلاّ ووضع له القواعد والأحكام والمبادئ والضوابط سواء كانت مجملة أو مفصلة ، فهو يجمع بين الثبات والمرونة ، وبين الأصالة والمعاصرة . 
ولقد تناولت العديد من الاحاديث الشريفة أحكام  المعاملات الاقتصادية والمالية مثل : الإنفاق والكسب ، والزكاة والصدقات والخراج والفيء والعشور ، والعقود والتوثيق   والإشهاد ، والضمانات والكفالات والرهونات  والإجارة والوكالة والربا والغش والجهالة .......  ونحو ذلك . 
وتعتبر هذه الأحكام والمبادئ والضوابط بحق من نماذج الإعجاز المالي والاقتصادي ويضيق المقام لتناولها في ورقة بحثية مثل هذه ، لذلك رأينا أن نركز على بعض ما ورد في آحاديث المعاملات من أحكام ومبادئ شرعية تعتبر إعجازاً في نظر علماء الاقتصاد والمحاسبة والتدوين والتوثيق في الوقت المعاصر ويمكن الاستفادة منها في إثراء الفكر الاقتصادي والمالي المعاصر وللتأكيد على شمولية الإسلام وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان . 
وندعو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الورقة البحثية نافعة وصالحة ولوجه الله خالصه ، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل . 
 
وقد جاء البحث الحالي في مبحثين وخلاصة ونتائج وتوصيات، و كالآتي: 
المبحث الأول( الاطار المفاهيمي للمحاسبة المعاصرة) وفيه عرض موجز للمحاسبة  في التشريع الإسلامي ،والتشريع الوضعي.
المبحث الثاني(المحاسبة المعاصرة في الإعجاز التشريعي في السنة الشريفة) فيتم فيه تفحص وتحليل واقع المعايير المحاسبية  المعاصرة والصادرة من جهات ودولية ، وبالتحديد المعايير الصادرة عن( (INTOSAI, ويعتبر هذا المبحث جوهر البحث ومحوره حيث تم فيه استخراج الضوابط والمعايير والاحكام والقواعد المحاسبية والاقتصادية والمالية من حديث الاحكام المعاملاتية بما يتلاءم مع المصطلحات المعاصرة في العلوم الاقتصادية[1].
 
 
المبحث الاول: الاطار المفاهيمي للمحاسبة المعاصرة
يتناول المبحث الحالي الاطار المفاهيمي العام للمحاسبة المعاصرة في التشريع الاسلامي والتشريع الدولي ،وفيه مطلبين:
المطلب الاول: نظام المحاسبة في التشريع الإسلامي
المطلب الثاني: نظام المحاسبة المعاصرة في التشريع الدولي.
 
المطلب الاول: نظام المحاسبة  في التشريع الإسلامي
  إن وضع (الصحيفة) الذي قام به النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة هو أول تنظيم إداري له صفة الشمولية ، والتي عبرت عن نشوء المجتمع السياسي الإسلامي في المدينة بقيادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقضت الضرورة بتنظيم العلاقات بين سكان المدينة ،وتحديد الواجبات والحقوق للجماعات المتعايشة في المدينة ،وتحديد مرجع أعلى للحكم فيما يقع من اختلافات وحاكم في الوقت نفسه وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ووضعت التقسيمات الإدارية بحيث لا تؤدي إلى الإخلال بالتلاحم الاجتماعي ولا يجوز أن تتم بصورة كيفية ، ويلاحظ في الصحيفة إنها لا تجيز التنوع في القضايا ذات الطابع الشمولي الذي يستوعب الأمة كلها (الحرب والسلم والجيش والقضاء والأمن العام والاقتصاد والمرافق الكبرى كالسوق والنقد ) أما القضايا الخاصة داخل التكوينات الاجتماعية فان الصحيفة تشير إلى السماح بالتنوع فيها (التنظيم البلدي الخاص، تنظيم الموارد المحلية غير الإستراتيجية وما شابه ذلك)(شمس الدين،1423هـ  :351-352).
ويمكن تتبع نشاط المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي(في الدولة الإسلامية ) من خلال استعراض المقومات التالية باعتبارها الدعائم الأساسية المكونة لنشاط المحاسبة الحكومية في الدولة الإسلامية وهي:
1)    بيت المال.
2)    ديوان بيت المال.
3)    نظام الحسبة.
أولا: بيت المــال 
     يمكن القول إن المحاسبة الإسلامية قد أسست منذ زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حيث نزلت نصوص قرآنية تبين أحكام مفصلة بشأنها أحيانا، وأحيانا أخرى تكون على شكل قواعد نظامية مجملة ، ،فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من فصل وبين هذه القواعد المحاسبية ، فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ،كما بين طرق الإنفاق العام و أحكامه وكان يبعث إلى الأقاليم بأمرائه وعماله على الصدقات ويوضح لهم طرق هذه القواعد والأحكام ،كما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاسبهم على المستخرج(الإيرادات) والمنصرف منها وكيفية ذلك(الجوهر،1999: 10) وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما أسلمت قبيلة بعث العامل لجمع زكاة مالها ، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من انشأ لها ديوان خاص في مركز الدولة ،وكان كاتبه على الصدقات الزبير بن العوام وجهم بن الصلت أما كاتبه على خرص النخل  فهو حذيفة ابن اليمان،وكان له كاتبان آخران على المداينات والمعاملات، وهذا يبين إن الدواوين قد وضعت في زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)   ( الخياط، 1990: 932).
ويعني ذلك بداية نشوء النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي،فضلا عن ذلك فان من النتائج الأساسية لحروب التحرر التي قام بها المسلمون تدفق الأموال على المسلمين بشكل وفير ومستمر وازدياد عدد الجند ونفقاتهم فأصبح من الصعب ضبط تلك الأموال دون تدوين، مما استدعى ذلك وجوب وجود نظام يتحكم في تلك الأموال وينظم توزيعها ويحفظ ما زاد منها (اليوزبكي،1988: 132)،لذلك بدأت التنظيمات الإسلامية بالتشكل والظهور نتيجة الحاجة إليها،فاتخذت نظما تنسجم مع واقع الشريعة الإسلامية فاستحدث ديوان بيت المال(الدجيلي،1976 :26)،فكان ذلك بداية لضبط الأموال وأساس توزيع الأعمال المالية وتفرعها إلى عدة دواوين فيما بعد(النواوي،1973:17)، ثم تبعتها خطوات متلاحقة تتمثل في تقنين النظم وتحديد الأعطيات، كما تم إجراء تصنيف عام للمسلمين لتحديد مستحقاتهم ومقدراتهم من بيت المال وتبع ذلك القيام بأعمال المتابعة والمراقبة للقائمين على بيت المال للتأكد من قيامهم بواجباتهم(عفيفي،1980: 138).
     ويمثل بيت المال بمصطلح عصرنا الحاضر الخزينة العامة أو وزارة المالية، وهو عنوان اعتبره الشارع مالكا ولا ينحصر عنوان بيت المال في نطاق ملكية الدولة العامة بل يعمم ملكيتها الخاصة(سند، 2003 :115) ومن ثم فان جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية والتجارية ...الخ التي تقوم بها  الدولة والتي تدر أموالا وأرباحا ، فإنما تتملكها الدولة باعتبار إنها لبيت مال المسلمين ،وكذلك جميع مصادر الدخل للدولة فانه يدخل ضمن بيت مال المسلمين، وتصرف الدولة بهذه الأموال يكون نيابة عن المسلمين كافة وليس لفرد دون آخر ، والشارع المقدس اقر ذلك القصد و أمضاه(سند، 2003 :111 )، ويترتب على ذلك وجوب احترام الخزانة المالية للدولة الوضعية وان مال الدولة هو مال غير مباح ولا يجوز أخذه - بدون وجه حق- كما لا يجوز التلاعب به لوجوب حفظ النظام .لذلك يكون بيت المال عبارة عن الجهة التي يسند إليها العناية بأمر المال  الذي  يستحقه المسلمون – دون تعيين مالك منهم – سواء أكان داخلا إلى حرزه(خزانته) أم لم يدخل ، لان بيت المال عبارة عن الجهة لاعن المكان وكل حق وجب  صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال(عفيفي، 1980 :138)، ويعتقد أن المحاسبة نظاما قد ابتدأت مع إنشاء الدواوين ، لغرض تسجيل إيرادات ونفقات بيت المال ((ZAID,2003.
ثانياً: ديوان بيت المال
     إن من أهداف نظام الدواوين مراقبة إيرادات الدولة الإسلامية ونفقاتها وضبطها والتصرف بها وفقا للسياسة المالية في الإسلام(خرابشة، 1990: 1314) ،   وبذلك فان ديوان بيت المال كان يمثل الجهة التي تنظم فيها العلاقات المالية بين الدولة ورعاياها (عبد الوهاب، 1984 :255) ، فهو يهدف إلى ضبط إيرادات بيت المال ونفقاته ومحاسبة القائمين على أمور هذه الأموال ، وكان يقسم ديوان بيت المال على عدة دواوين منها(يحيى،2004: 130):-
1.     بيت المال الخاص بالصدقات و عشور الأراضي  وما يأخذه الوالي من تجار المسلمين.
2.     بيت المال الخاص بالجزية والخراج(خراج الرأس).
3.     بيت المال الخاص بالغنائم والركاز(الكنوز).
4.     بيت المال الخاص بالضوائع (الأموال التي لا يعرف مالكها).
ثالثاُ: نظام الحسبة
 إن نظام الحسبة تشريع يهدف إلى مراقبة سلوك وتصرفات الأفراد في المجتمع الإسلامي على جميع فئاته وطبقاته في القول والفعل لصبغها بالصبغة الإسلامية وكذلك تعديل ومنع ما قد يقع من تصرفاتهم المضرة بالفرد والمجتمع، والحسبة تتسم بكونها نظام رقابي انضباطي أكثر من كونها نظام قضائي ، والرقابة على الأموال العامة تعتبر حاليا أحد الوظائف الرئيسة للمحاسبة الحكومية.
  وبتتبع موارد الاستعمال للحسبة في فتاوى الفقهاء نجد نظام الحسبة يشمل المراقبة والشهادة الطوعية بلا ادعاء (شهادة الحسبة) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشراف والتصرف والجباية والتسليم والولاية على أموال المحجور عليهم والقاصرين والمال الذي لا مالك له ، وحضانة الأطفال وحضانة اللقيط ، والتصرف باللقطات والودائع وحفظها من التلف، فهي نظام يتضمن مجموعة ضوابط وإجراءات تنظيمية وإصلاحية تقوم بها الحكومة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة المالية والمحاسبية والاقتصادية والدينية والثقافية...الخ ، وذلك لغرض صبغها بالصبغة الإسلامية وصيانة الأمن والاستقرار التام وتحقيق الدولة الإسلامية . وهذا يعني إن بيت المال وديوان بيت المال يخضعان لإشراف ومراقبة جهاز الحسبة أيضا ،ويكون الاحتساب اصطلاحا القيام بتنفيذ تلك الضوابط والإجراءات بتكليف من الدولة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده. 
لذا يمكن تعريف الحسبة إجمالا بأنها وظيفة الحاكم المسلم حيف فقد الحاكم الشرعي المخول أو من ينوب مقامه لحفظ نظام المجتمع بما فيه من تحقيق الفائدة(المصلحة) ومعالجة الانحرافات، والتخلص منها من دون تعارض مع الشارع المقدس.
المطلب الثاني: المحاسبة المعاصرة في التشريع الدولي
أولا)مفهوم المحاسبة المعاصرة
     إن موضوع المحاسبة لم يلق ذلك الاهتمام من قبل الأنظمة الوضعية إلا بعد تعرضها لعدة أزمات ومرورها بعدة عقبات وبالتحديد بعد الأزمة المالية العالمية الحادة التي وقعت في عام 1929م أو ما تسمى بأزمة الكساد العالمي، وما أعقبها من حدوث تطورات كبيرة في أنظمة الدول السياسية والاقتصادية ، وتوسع حجم النشاط الذي تزاوله الدولة وتضاعف حجم الخدمات التي توفرها للمواطنين وتنوعها، فأدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بموضوع المحاسبة الحكومية وبأهمية الدور الذي تقوم به في الاقتصاد. لقد أصبحت الدولة الحديثة تقدم خدمات عامة متعددة ومتنوعة أخرى –فضلا عن الخدمات الأساسية والتقليدية التي لابد أن توفرها كالدفاع الخارجي والأمن الداخلي والقضاء –وهي ضرورية لحياة المجتمع واستقراره الاقتصادي والاجتماعي من قبيل الصحة والتعليم والمواصلات وتوفير فرص العمل للعاطلين وإعانة العجزة والأرامل واليتامى، ومن الطبيعي إن هذه الخدمات تحتاج إلى موارد وإمكانيات هائلة ومتنوعة لكي يتم توفير تلك الخدمات وتقديمها للمواطنين، فانعكس ذلك بالمقابل على حجم الإنفاق العام والموارد والإمكانات اللازمة لتمويله بزيادة الإنفاق العام وموارده كما ونوعا،لذا فقد ارتبط مفهوم المحاسبة بتطور النشاط الحكومي حيث أصبحت المحاسبة الحكومية تهتم بشكل كبير في تقديم البيانات والمعلومات المالية والمحاسبية اللازمة والضرورية إلى الجهات المعنية، كما أنها تعتبر أداة مهمة من أدوات الإدارة المالية العامة في فرض الرقابة على تحصيل الأموال وأوجه إنفاقها، فضلا عن كونها وسيلة مهمة لتقييم أداء الحكومات ومصدراً أساسيا لأغراض ويمكن أن تعرف المحاسبة الحكومية على أنها "القواعد التي تلتزم بها الجهات الإدارية في تنفيذ الموازنة العامة للدولة وتأشيراتها وتسجيل العمليات المالية التي تجريها وقواعد الرقابة المالية قبل الصرف ونظم الضبط الداخلي وإظهار وتحليل النتائج التي تعبر عنها المراكز المالية والحسابات الختامية لهذه الجهات وبحيث تعطي صورة حقيقية لها".
ثانيا)الملامح المميزة للمحاسبة الحكومية: 
   تلتقي المحاسبة الحكومية مع المحاسبة التجارية في كثير من النقاط المهمة خصوصاً ما يتعلق منها بقواعد التسجيل ، ومع ذلك فإن هناك ثلاث عوامل طبعت النظام المحاسبي الحكومي بطابع خاص يتميز به عن بقية فروع المحاسبة ، وهذه العوامل هي: 
1)    تحكم التشريع والقانون في النظام المحاسبي الحكومي: إن للقانون والتشريعات تأثير مهيمن على المحاسبة الحكومية،وهناك علاقة وثيقة بين المحاسبة الحكومية والتشريعات، حيث تحدد أحكام التشريعات(الدستور والقانون والنظام) في الدول القيود التي يتوجب على المحاسبة الحكومية التقيد بها(الحجاوي،2004: 19)،بالتالي فإن جميع مراحل النشاط المالي الحكومي تكون خاضعة للسلطة التشريعية،وتنظيم التصرفات المالية والحسابية في الدوائر الحكومية تحكمها قواعد مسننة تحدد أساليب العمل الحسابي فيها،وهذه القواعد قد تأخذ شكل قانون أو تعليمات صادرة من جهة مخولة بموجب نص في قانون تملي على المحاسبة ما يجب أن تؤديه وتضع عليها القيود والمحددات التي تهدف إلى تحقيق المصالح العامة. 
2)    أهداف المحاسبة الحكومية: ويمكن تلخيصها بالآتي(هلالي،2002: 21):
•        إمكانية التعرف على الإيرادات الفعلية والنفقات الفعلية ومقارنة ذلك مع الإيرادات والنفقات المقدرة للوحدات الإدارية الحكومية، والتعرف على أسباب الفروق بين الفعلي والمقدر واتخاذ الإجراءات المصححة له.
•        تحقيق الرقابة الإدارية الفعالة على إيرادات ونفقات الدولة، وإظهار سلامة عمليات التحصيل والإنفاق من حيث مطابقتها للقوانين واللوائح والتعليمات الصادرة بشأنها.
•        إحكام الرقابة على الأصول المملوكة للوحدات الإدارية الحكومية لحمايتها والحفاظ عليها من الضياع أو الاختلاس أو سوء الاستخدام.
•        توفير البيانات والمعلومات اللازمة لرسم السياسات والتخطيط واتخاذ القرارات والمتابعة لأداء الوحدات الإدارية الحكومية لتقييم أدائها.
•        الإفصاح عن النتائج المالية والاقتصادية للأنشطة والبرامج التي تنفذها الوحدات الحكومية من حيث الالتزام بنفقات هذه البرامج والأنشطة ،وكذلك إظهار حجم ما حققته من أنشطة وعمليات.
•        تزويد أجهزة الإحصاء بالبيانات التي تساعد على عمل الإحصاءات المختلفة للقطاعات المتعددة للاقتصاد القومي.
 
 
3) مجال تطبيق المحاسبة الحكومية، تقسم الدوائر الحكومية من الناحية الحسابية على مجموعتين(رشيد، 1975: 6-7):
•        الدوائر الحكومية الرسمية وهي الدوائر التي تدخل حساباتها في موازنة الدولة الاعتيادية وتكون مصروفاتها وإيراداتها جزءا من مصروفات وإيرادات الميزانية العامة وترتبط من الناحية الحسابية بفروع الخزينة العامة وتخضع للنظام الحكومي.
•        الدوائر الحكومية شبه الرسمية وهي الدوائر التي لاتدخل حساباتها في موازنة الدولة الاعتيادية وتكون لكل منها موازنة مستقلة خاصة بها كالبنوك الحكومية والمصالح الحكومية وغيرها من المشاريع الحكومية ذات الصبغة التجارية أو الصناعية.
     وتطبق المحاسبة الحكومية في المجموعة الأولى من الدوائر الحكومية وهي الدوائر الحكومية الرسمية التي تسمى أيضا بالدوائر الحكومية الخدمية غير الهادفة إلى تحقيق الربح وتدخل حساباتها ضمن الموازنة العامة للدولة.
    وفي العراق تخصصت بالنشاط الحكومي الخدمي دواوين ودوائر الوزارات كافة ودوائر الدولة الأخرى التي تدخل ميزانيتها ضمن موازنة الدولة العامة ووحدات الحكم المحلي وأمانة بغداد والبلديات ، ويطبق في هذه الوحدات النظام المحاسبي الحكومي الذي يحكمه قانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940 المعدل وتعليماته الحسابية الملحقة، وهذا النظام يعكس طبيعة نشاط الوحدات الحكومية والذي تم التأكيد عليه في قانون الموازنة العامة للدولة رقم 107 لسنة 1985، الذي عدل أخيرا بقانون الإدارة المالية. 
4)التمييز بين النشاط الحكومي الخدمي والنشاط الاقتصادي(الحجاوي،2004: 16):
أ)أوجه الشبه بين المحاسبة الحكومية والمحاسبة المالية(التجارية)، هناك الكثير من نقاط التشابه فيما بين المحاسبة الحكومية والمحاسبة المالية أهمها:
•        الاتفاق في الأهداف العامة حيث يتفقان في المفاهيم والمبادئ المحاسبية.
•        يعتمدان على طريقة القيد المزدوج في عمليات الإثبات.
•        يعتمدان على مجموعة من الدفاتر والسجلات والتقارير في عملية الإثبات والترحيل والتقرير.
•         
ب)أوجه الاختلاف بينهما:
•        تهدف المنشآت التجارية إلى تحقيق الأرباح بينما الوحدات الحكومية تهدف إلى تقديم خدمة، وعليه فإن الهدف يختلف بالنسبة للمحاسبة المالية عن المحاسبة الحكومية.
•        تطبيق مبدأ الاستحقاق في المحاسبة المالية بينما يطبق الأساس النقدي في المحاسبة الحكومية.
•        المحاسبة المالية تفرق بين المصروفات الإيرادية والرأسمالية[2] بينما لا تهتم الوحدات الحكومية بتلك التفرقة.
•        تعتمد المحاسبة المالية على نظرية الشخصية المعنوية، بمعنى أن الأصول ملك للمنشأة، والخصوم التزامات على المنشأة، أما المحاسبة الحكومية تعتمد على نظرية الأموال المخصصة (الاعتماد المالي) بمعنى أن كل مصدر مالي(اعتماد) مخصص للصرف على غرض معين.
 
المبحث الثاني: نظام المحاسبة المعاصرة في الإعجاز التشريعي في السنة النبوية الشريفة
تمهيد:
   سيخصص هذا المبحث لإثبات الاعجاز التشريعي للسنة النبوية الشريفة  في تقويم وتهذيب وتأصيل للأنظمة الاقتصادية والمحاسبية المعاصرة في النظام الاقتصادي الإسلامي ،من خلال التعرف على مفهومها وأحكامها وأساليبها في السنة النبوية المطهرة وآراء الفقهاء الأعلام ، وسيتم ذلك على أساس مقارنة المعايير الاقتصادية والمحاسبية  المعاصرة مع ما يشابهها أو يوافقها من مفاهيم ومبادئ وأسس وأحكام في التشريع الإسلامي من الحديث النبوي باعتباره المصدر الثاني للتشريع.
ولأجل عملية المقارنة تلك فقد تم اختيار مجموعة المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة ، وهي المعايير المحاسبية الحكومية الدولية الصادرة عن INTOSAI. 
   كما تم اضافة بعض نماذج الاحكام التشريعية المتنوعة في المعاملات الشرعية .
اثبات الاعجاز التشريعي للقران الكريم  لمعايير المحاسبة الحكومية الدولية 
أصدرت INTOSAI أربعة بيانات أساسية تشكل إطارا عاما للمعايير المحاسبية الحكومية الدولية،وهي[3]:
1.     مستعملو التقارير المالية الحكومية.
2.     أهداف التقارير المالية الحكومية.
3.     الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية .
4.     تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية(الرقابة المالية والمحاسبية).
 
1) معيار مستعملو التقارير المالية الحكومية
     إن التقارير المالية من أي نوع كان تكون غير كافية إن هي لم تستجب لاحتياجات مستعمليها ، ويتطلب الأمر عندئذ تحديد – قدر المستطاع- أهم الفئات أو الأطراف التي تستخدم تلك التقارير في عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بهم، وتتعدد الفئات المستخدمة للمعلومات المحاسبية ، كما تختلف طرق استخدامها لهذه المعلومات ، فمنها من تستخدمها بصورة مباشرة، ومنها تستخدمها بصورة غير مباشرة،ومن الأمثلة على مستعملي المعلومات المحاسبية الملاك الحاليون والمحتملون والدائنون، والمحللون الماليون، والموظفون، والجهات الحكومية، ثم الجهات التي تهتم بالشؤون الاجتماعية وغيرها (مطر،2004: 337)، 
وقد تم تحديد مستعملي التقارير المالية الحكومية والمعلومات التي يحتاجونها من قبل العديد من التنظيمات المهنية في مختلف أنحاء العالم، وقد ركز تقرير لجنة INTOSAI على أن التقارير المالية الحكومية لابد أن توفر معلومات عن المطابقة والأداء ، والتقارير المالية الخاصة بالدوائر والكشوف المالية ذات الأهداف العامة، أما مستعملي هذه التقارير فقد عرفهم التقرير بأنهم هم الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الحكومة (السلطة التنفيذية) ويحتاجون إلى معلومات مالية عنها ، أو إلى معلومات مفهومة بطريقة واضحة وفي لغة عادية وغير تقنية، وأهم هؤلاء الأشخاص:ــ
•        الساسة أعضاء السلطة التشريعية الذين تم انتخابهم لفترة نيابية في السلطة التشريعية ،أو باللجان التابعة للهيئة التشريعية أو بالهيئة ذاتها.
•        المقرضون ويدخل ضمنهم الخبراء المحللون في شؤون الحكومة العاملون لدى المصارف التجارية وكذلك أخصائيو الأوراق المالية وشركات الائتمان وشركات تسعير السندات.
•        علماء الاقتصاد.
•        محللو السياسات وجماعات المصالح الخاصة.
•        وسائل الإعلام.
مستعملو التقارير المالية الحكومية في التشريع الإسلامي 
      تركز الشريعة الإسلامية على أن كل ما يتعلق بالمعاوضات والمعاملات المالية ينبغي أن يتسم بالشفافية والوضوح التامين ، كما في قوله تعالى:" و لا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله" ( البقرة، 282) ، ويهدف الإفصاح هنا إلى بيان شرعية المعاملات وخلوها من حالات الغش أو الإخفاء أو التدليس، لأن الاعتماد على المعلومات المحاسبية - من قبل مستخدميها – في صياغة القرارات الاقتصادية يتوقف على صحة ومصداقية المعلومات التي يتحمل مسئوليتها معد التقارير المالية( العيساوي، 2003: 220).
    فضلا عن ذلك ، فإن من أهداف التقارير المالية في الشريعة الإسلامية إظهار أو الإفصاح عن الثروة الخاضعة للزكاة ، ويتطلب ذلك التمييز بين عروض القنية( الأصول الثابتة) وعروض التجارة(الأصول المتداولة) والأرباح المتحققة وغير المتحققة ، وما يخضع منها لاحتساب الزكاة وما يخضع لتوزيع الأرباح ، وبالتالي فإن أهم الفئات المستفيدة من التقارير المالية عموما هم المستثمرون وأجهزة الدولة وواضعي السياسات والباحثون والإدارة ومستحقو الزكاة ، حيث يدخل مستحقو الزكاة في الاقتصاد الإسلامي طرفاً مستفيداً في عمليات الإفصاح فضلا عن بعض الأطراف(العيساوي، 2003: 221).
أما فيما يتعلق بتحديد نوعية مستعملي التقارير المالية الحكومية ، فالأمر لا يختلف كثيرا عن ما ذكر ، فمبدأ الإسلام واضح في هذا الشأن وهو توفير المعلومات الملائمة الكافية عن أنشطة الحكومة ، والتأكد من شرعية تلك الأنشطة وتوافقها مع أحكام الشريعة المقدسة ، وقياس مدى كفاءتها وفاعليتها في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في المجتمع الإسلامي بشكل كلي.
وقد اهتم التشريع الإسلامي بمسألة تحديد نوعية مستعملي التقارير المالية عامة وركز على ضرورة توفير المعلومات الكافية والملائمة لهم المتسمة بالشفافية والوضوح التامين اللذان ينفيان الغموض والشك والريبة عن قارئ أو مستعمل تلك التقارير، ويمكن القول أن المستعملين الأساسيين للتقارير المالية الحكومية هم كل من له علاقة ومصلحة أو شأن بتلك التقارير سواء أكانت علاقة مباشرة أم غير مباشرة بها ،واللذين يمكن تحديدهم أساسا بأجهزة الدولة  وعى رأسها السلطة التشريعية وإدارة الوحدات الحكومية والجمهور عامة.  
2) معيار أهداف التقارير المالية الحكومية
    طبقا لINTOSAI فان أهداف التقارير المالية الحكومية خمسة هي:
‌أ-   إمداد المستعملين بما يحتاجونه من معلومات،ويتعلق ذلك بتوفير المعلومات الملائمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية المختلفة لعدة فئات تستخدم التقارير المالية الحكومية ،وتتضمن تلك الفئات - كما ذكر سابقا - السلطة التشريعية والمقرضون والمحللون المصرفيون وعلماء الاقتصاد ومحللو السياسات وجماعات المصالح الخاصة ووسائل الإعلام(السعبري،  2000 :84).
‌ب- إدراك حجم أعمال الحكومات وطبيعة نشاطها ونطاقها ووضعها المالي،ويتم ذلك من خلال عدة إجراءات مثل تحديد طريقة تصنيف الموازنة التي تتماشى مع النظام المحاسبي الحكومي لان وظائف الموازنة والحسابات يعتبران من عناصر الإدارة المالية ،ومن تلك الإجراءات أيضا السماح بعمليات المراجعة الخارجية و إمكانية استخراج البيانات الضرورية للمراجعة الفعالة منها ووضع نظام للرقابة الفعالة على الأموال والعمليات و إدارة البرامج والمراجعة الداخلية وتقييم الأداء(الصائغ،1989: 21).
‌ج-  كيفية تمويل الحكومة لنشاطاتها،ومن ذلك تحديد مصادر الإيرادات المالية العامة وكيفية تحصيلها وتنظيمها وطرق ومواضع تخصيصها وصرفها وتوزيعها ،وكذلك إظهار الأهداف والأغراض التي خصصت من اجلها الإيرادات و الاعتمادات المالية والمستويات الإدارية التي لها سلطة إنفاق الاعتمادات ،علاوة على تحديد طرق الرقابة على استخدام هذه الاعتمادات.
‌د-   وهل أنجزت الحكومة ما خططت له.، حيث يرتبط ذلك بتقديم البيانات الأساسية اللازمة لأغراض التخطيط وعمل البرامج،واستخراج البيانات المالية اللازمة لأغراض التحليل الاقتصادي ،وكذلك إعادة تصنيف العمليات الحكومية والمساعدة في تطوير الحسابات القومية ،وتوفير البيانات اللازمة لتقويم الأداء والفاعلية.
‌ه-   إظهار الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية للنشاطات الحكومية ،لقد أدى ظهور ما يسمى بالمحاسبة البيئية[4] والمحاسبة الاجتماعية[5]ونحوها إلى ضرورة التوسع في عرض المعلومات ،بحيث تشمل أهدافا تتضمن خدمة المجتمع والعمل على تقديم ما يحقق رفاهيته والمحاسبة البيئية هي المحاسبة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة ، فلكي نحافظ على البيئة فإننا بحاجة إلى رؤوس الأموال أو ما يسمى بالتكاليف البيئية ،وحسابها يدخل في تخصص المحاسبة البيئية كما إن حماية البيئة مسؤولية الشركات والمؤسسات كافة تجاه البيئة(السعد، 2005: 142) ،ويعني ذلك ضرورة الإفصاح عن الآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية التي تتركها أنشطة الوحدات الاقتصادية على المجتمع وعلى البيئة عموما .وتعتبر المحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية احدث مراحل التطور المحاسبي ،الذي نشأ نتيجة الازدياد المطرد في حجم وقدرات الوحدات الاقتصادية (الشيرازي،1990 :27 )، كما إن توسع نشاطاتها وتنوعها وتأثير نتائجها على مكونات عديدة في المجتمع والبيئة سبب آخر لهذا التطور، لذلك تولد اعتقاد بالحاجة الملحة والضرورية للإفصاح عن معلومات حماية البيئة ووجود أدلة مرشدة لإنجاز عمليات المقارنة ما بين الوحدات الاقتصادية من خلال استخدام مؤشرات الأداء البيئي إضافة إلى تمكين مستعملي التقارير من إدراك الجهود المبذولة من قبل الشركات في مجال الإدارة البيئية ومخاطرها(السعد،2005: 127). 
    وفي واقع الأمر إن هذا الاتجاه الحديث للمحاسبة الوضعية،ظهر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي ،وذلك بعد إن أدرك الإنسان الغربي إن مجتمعه وبيئته و أرضه في خطر نتيجة التلوث والنفايات السامة والأضرار المادية والمعنوية الخطيرة التي  تتركها أنشطة وبرامج الشركات والوحدات الاقتصادية على المجتمع بفئاته المتنوعة وعلى البيئة بمكوناتها المختلفة ،وانه إذا لم يتم الإفصاح عن مثل تلك الأنشطة والبرامج المضرة والمفسدة للبيئة وإيقافها ومنعها ،فان دمار وفناء البيئة والكرة الأرضية هو النتيجة والعاقبة الحتمية لا محالة . ونتيجة لذلك أصبح على المحاسب أن يلتزم بوجهة النظر الاجتماعية ،أي إن التقارير المحاسبية ينبغي أن تأخذ منهجا شموليا بحيث تغطي احتياجات كافة الفئات في المجتمع ،وهذا الأمر ينطبق على جميع الوحدات المحاسبية سواء أكانت حكومية أم غير حكومية .
  ولم يلتفت الإنسان الغربي لهذا الأمر ولم يأخذه بالحسبان لأسباب أهمها المصلحة الفردية (الخاصة) والأنانية في تحقيق اكبر أرباح ممكنة ولو على حساب الآخرين أو على حساب البيئة وما تحتويه من كائنات حية ،وهذا كما مر بنا هو أساس فلسفة النظام الرأسمالي، وإذا تتبعنا مدى اهتمام الجهات المسئولة في الدول الغربية وأمريكا ودورها في وضع وصياغة معايير محاسبية تتعلق بالأداء البيئي للشركات والمؤسسات ،فإننا نلاحظ اهتماما متفاوتا يكاد ينعدم في بعض الدول ، ففي ألمانيا على سبيل المثال لا توجد متطلبات محاسبية محددة على البيئة باستثناء بعض المتطلبات المتعلقة بالالتزام بإعداد تقارير عن الأنشطة الاستثمارية والمسؤولية عن تسجيل المطلوبات المحتملة عن الخسائر المحتملة الناتجة عن قوانين حماية البيئة(السعد،2005: 127) ، وكذا الحال في ايرلندا وهنغاريا وإيطاليا والنمسا والبهاما وبلجيكا ،أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن المعايير المحاسبية فيها لم توضح بشكل محدد استخدامات المحاسبة البيئية باستثناء بعض القواعد لعدد من التقارير وتسجيل التكاليف والمتطلبات ذات العلاقة بالبيئة[6].
  ويكون الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية لأنشطة الوحدات الحكومية إلى جانب إظهار (الإفصاح) الآثار الاقتصادية والمالية لتلك الأنشطة ،ويكون ذلك إما عرضها ضمن القوائم والتقارير المالية أي إدماج المعلومات المالية والاجتماعية في تقرير واحد ، بحيث تصبح المعلومات الاجتماعية جزءا من المعلومات المالية التي توفرها نظام المحاسبة المالية ، أو إدراجها في تقارير منفصلة تعرض التكاليف والمنافع الاجتماعية فقط .
     إن الأهداف السابقة الذكر التي لابد أن توفرها التقارير المالية الحكومية نجدها واضحة وجلية في النظام المالي الإسلامي ،وقد وضعها المشرع الإسلامي قبل أن يقترحها ويفكر بها واضعي المحاسبة التقليدية بعدة قرون من الزمان ،وهذا ما سنستعرضه بشيء من التفصيل مع التركيز على الهدف الأخير باعتباره من الاتجاهات الحديثة للتطور المحاسبي الوضعي.
أهداف التقارير المالية في التشريع الإسلامي
     يقول الله تعالى في محكم كتابه المجيد :" لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" (الكهف، 49)، كما يقول عز شانه :" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" (النحل،89)،إن الإسلام دين البشرية جمعاء ،الذي وضع لكل أمرا حكما ولكل مشكلة حلا ولكل ظاهرة تفسيرا ولكل مرضا علاجا ،فالشريعة الإسلامية تتميز بالشمول والسعة في تناولها مختلف أبعاد الحياة الإنسانية ،وتناول هذا الشمول السلوك الفردي والجماعي للإنسان سواء أكان في عبادته أم معاملاته أم مأكله ومشربه و ملبسه ومسكنه وكل أشكال سلوكه أم في علاقته مع الطبيعة أو أخيه الإنسان الآخر وسواء أكان في الحكم أم السياسة أم الاقتصاد أم الأسرة أم المجتمع إلى غير ذلك مما يعرفه الإنسان (الحكيم ،2003: 271).
علاوة على ذلك فالشريعة السمحاء تتميز بالمرونة بحيث تكون قادرة على الاستمرار ومواكبة الظروف المتطورة والمستجدات في الحياة الإنسانية الثابتة والحاجات المتغيرة أو المتحركة في حياة الإنسان حيث تم تغطيتها تشريعيا بمراعاة هذا التغيير في موضوعات الأحكام وربطها بعللها ومصالحها ،وتشخيص العناوين الثانوية (الاستثنائية الطارئة) وتقديمها ومنح الصلاحيات المطلوبة لولي الأمر (الدولة) في إطار القواعد العامة واتجاهات الحكم الإسلامي ومقاصده(الحكيم ،2003 :372).
ومن هنا فان للتقارير المالية في النظام المحاسبي الإسلامي أهدافا وغايات لا تقل شانا عن تلك التي حددتها ألINTOSAI  في بيانها المذكور أعلاه ،وقد أوردنا في الفصل السابق أهداف النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي وهي:
1.     تنظيم عملية جباية الأموال الداخلة إلى بيت المال(الخزينة العامة للدولة)وتصنيفها .
2.  حصر ما يستحق على الأفراد المكلفين للدولة من أنواع الأموال التي تتعلق بها العبادات المالية كالزكاة والخمس واحتسابها وتقديرها بصورة صحيحة.
3.  تحديد نوعية الملكية للأموال الموجودة في الخزينة الوطنية وموارد تحصيلها ،كأن تكون أموال تتعلق بها الملكية العامة أو تتعلق بها ملكية الدولة ، وما يترتب على ذلك من استحقاقات والتزامات.
4.  تحديد الفترات الزمنية التي يتم على أساسها جباية كل نوع من أنواع الأموال المختلفة الواردة إلى بيت المال ،وتحديد معدلات تقدير وتقييم هذه الأموال وأساليب تحصيلها وجمعها ،ومواضع صرفها.
5.     قياس المصروفات وتوفير المعلومات حول أساليب ومواضع صرف الأموال.
6.  المراقبة المستمرة لإيرادات بيت المال ونفقاته وضبطها والتصرف بها وفقا للشريعة الإسلامية،وكذلك محاسبة القائمين على أمور هذه الأموال.
7.  تحقيق مفهوم إمكانية المحاسبة الاجتماعية أو ما يمكن تسميته بالمساءلة المحاسبية التي تبدأ من الرقابة الذاتية للنفس والشعور بالمسؤولية تجاه الله أولا ثم تجاه الناس.
8.   توفير الإفصاح الكامل لجميع أنشطة الوحدات الحكومية التي لابد أن تتم وفق الشريعة الإسلامية ،بمعنى إن الأهداف السابقة تتعلق جميعها بقياس الأنشطة المشروعة من وجهة النظر الإسلامية،ومن ثم فان الأنشطة المحرمة (غير المشروعة) إسلاميا سواء أكانت أنشطة مالية كاحتساب الفوائد على القروض(الربا) أم غير مالية كالإضرار بالبيئة والمجتمع، فانه لابد من الكشف عنها واستبعادها.ويعني ذلك أن المحاسب مسئول عن التحقق من مشروعية كل ما يتعلق بأداء واجباته وخدماته الوظيفية والمهنية ، ويترتب على ذلك وجوب إلمام المحاسب بالأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تتعلق بفقه المعاملات والمعاوضات المالية ، كما أن ذلك يتطلب وجود جهات يناط بها تأهيل المحاسب بالقدر الكافي له في فقه المعاملات المالية(جمعة، 2000: 386).
         ويمكن القول إن الأهداف الستة الأولى هي الأهداف التقليدية المشتركة للتقارير المالية في أي نظام محاسبي ،مع الأخذ بنظر الاعتبار الاختلافات البيئية والسياسية والثقافية والاقتصادية لكل نظام . أما الهدفين الأخيرين فإنهما من خصوصيات  النظام المالي الإسلامي  فحسب ،فلم نجد نظاما وضعيا اهتم بمجال المحاسبة والرقابة الاجتماعية كما اهتم بها التشريع الإسلامي ،وسيمر بنا –إن شاء الله- كيفية معالجة التشريع الإسلامي لمسالة الرقابة.
    أما فيما يتعلق بالإفصاح الكامل والشامل عن كل المعلومات المتعلقة بأنشطة الوحدات المحاسبية(الحكومية وغير الحكومية)،وبالأخص فيما يتعلق بالأنشطة المحرمة في الإسلام كالأنشطة الضارة بالبيئة  أو المفسدة للمجتمع،فان ذلك يبين إن  المجتمع والبيئة يعتبران من القضايا الكبرى والمهمة التي لم يهملها الإسلام ولم يغفل عن وضع الحلول الناجعة لمظاهرها السلبية وأمراضها العديدة.
لقد وضع الإسلام القواعد العامة واتجاهات الأحكام الشرعية المتعلقة بالبيئة وكيفية الحفاظ عليها وحمايتها وحرمة تلويثها أو الاعتداء عليها وعقوبة من يقوم بذلك ،وقد عد الإسلام تلويث البيئة نوع من الاعتداء الذي حرمه الإسلام ونهى عنه القران الكريم ،يقول الله تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " (المائدة،2)،فالعدوان حرام سواء أكان على البيئة أم الدماء أم الأعراض أم الأموال ،لان الاعتداء على البيئة عدوان على الطبيعة، لقد بين الإسلام أحكام البيئة سلبا و إيجابا ،وجوبا وحرمة،ندبا و كراهة ،تكليفا ووضعا ، وتضمن مصدر التشريع الإسلامي القرآن الكريم العديد من المفاهيم والمبادئ والأحكام حول  البيئة وكيفية حمايتها وإدامتها . 
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول البيئة
    كما وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) تؤكد على ضرورة التوقي وحماية البيئة وعدم تلويثها والإضرار بها ،فعن الصادق(ع) قال:"نهى رسول الله (ص) أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها " (التهذيب ج1: 353)، وقد أمر الشارع بجعل فاصلة بين البئر والبالوعة حتى لا تسري ما في البالوعة إلى البئر ،فقد سال الراوي الإمام الصادق(ع) : كم أدنى ما يكون بين البئر ؟ فقال (ع):" إن كان سهلا فسبع اذرع ،وان كان جبلا فخمسة اذرع" (الكافي ،ج3: 80 والبالوعة).وهناك روايات كثيرة في منزوحات البئر تنزح المنزوحات منها حتى ينتهي الماء كلا لبعض الوساخات أو تنزح منها دلاء كثيرة أو قليلة لبعض المنزوحات الأخرى حتى تذهب عنها آثار التلوث على حسب اختلاف الموارد والاختلاف وجوبا واستحبابا (الشيرازي،2000: 97)،والمتأمل لقول الإمام علي (ع) إلى عامله مالك الاشتر(رض):" وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ،لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا" (نهج البلاغة،ج3: 96) ،يلاحظ الارتباط الوثيق بين كلام أمير المؤمنين ومفهوم إدامة البيئة حيث يعتبر الأخير من المفاهيم الحديثة والمعاصرة المرتبطة بحماية البيئة وصيانتها والحفاظ عليها و إدامتها للأجيال القادمة.  
ويتضح لنا من ذلك كله إن التشريع الإسلامي يحتوي على أحكام وقواعد ومعايير تتعلق بإظهار الآثار السياسية والاجتماعية والبيئية التي يتركها سلوك الإنسان سواء أكان سلوكا فرديا أم جماعيا ،وتتضمن هذه الأحكام والمعايير إجراءات وطرقا وأساليب ونظما تساعد في الحفاظ على استقرار المجتمع وحماية البيئة وصيانتهما من جميع الأضرار والأخطار المادية منها والمعنوية ، وألزم بالتخلص من الأعراض الناشئة من التلوث من خلال عدة أمور منها (الشيرازي، 2000:  82 ): 
•        ضبط الموازنة بين الصحة والاقتصاد ،فلا يجوز إهمال الجانب الصحي لصالح العامل الاقتصادي ،والاهتمام بالإنسان وجعله هدف والمحور في سياسة  الحكومات .
•        الانتقال من دليل التنمية البشرية –الذي يعتمد على مؤشرات :طول العمر والمعرفة والقدرة على التحكم في الموارد اللازمة للحياة الكريمة –إلى دليل الرفاهية الاقتصادية – الذي يعتمد على متوسط الاستهلاك والتدهور البيئي-،فيفترض في تقويم الأداء الاقتصادي ،التقويم بين التنمية والبيئة ،بمعنى ملاحظة حساب الموجودات البيئية – خامات طبيعية وموجودات مادية ونفايات ومواد ضارة – وتقدير الخسائر البيئية – تكاليف الخسائر والأضرار للمواد غير المتجددة والخسائر الناجمة عن تلوث الماء والهواء والأرض والضرر البيئي الطويل الأجل كتغيرات الدفء العالمي وتلف طبقة الأوزون وتكاليف الوقاية لتجنب الاستنزاف وتكاليف التخطيط والدراسات لحماية البيئة – وحساب استهلاك رأس المال الطبيعي – حساب النقص الحاصل في رأس المال الصناعي على شكل اهتلاكات – والاستثمار في مجال حماية البيئة – وجود مواد لم يؤخذ ثمنها بالحسبان عند حساب الأرباح والخسائر أو الدخول. والاعتماد على دليل الرفاهية يحتاج باستمرار إلى بيانات شاملة عن حالة التلوث وعن فعالية المجتمع في تحقيق أهدافه التواصلية كإشراك الناس في اتخاذ القرارات وما شابه .  
•        إيجاد توصيلات لنقل المياه الملوثة من أماكن تواجدها إلى المنخفضات .
•        الإكثار من حملات التشجير التي لا تحتاج إلى سقي .
•         الحفاظ على النظافة قدر الإمكان سواء أكانت نظافة البيت أم المدرسة أم المدينة .
    وتستلزم هذه الأمور بالضرورة إيجاد نظام محاسبي متقن يكفل توفير المعلومات المتعلقة بتكاليف إيجاد النظم البيئية الكفيلة بحماية البيئة والمحافظة عليها بجانبيها الإيجابي كتشجير الطرق وتوصيل مياه الشرب الصحية إلى الناس ،والسلبي كالتخلص من النفايات والمواد الملوثة والسامة، وقد مر بنا تفسير الآية الكريمة " ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة" ، فهنا إشارة إلى ضرورة الإفصاح عن كل المعلومات المتعلقة بالآثار والنتائج التي تتركها المعاملة أو الحدث الاقتصادي على المتعاملين (المتعاقدين) خصوصا وعلى المجتمع والبيئة عموما، فالشارع المقدس لم يحدد كون هذه المعلومات أن تكون مالية فقط ،و إنما يتوجب عرض كل المعلومات سواء كانت صغيرة أم كبيرة ،وذلك يعني عرض حتى المعلومات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية ..الخ لتلك المعاملات ،ومن ثم يصبح من الأهداف الرئيسة للنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي إظهار تلك الآثار وعرضها على ذوي العلاقة ،وقد تم تطبيق ذلك في الدولة الإسلامية من خلال نظام الحسبة المذكور سابقا ، فان من جملة مهامه مراقبة السوق ومنع المعاملات المالية المنكرة كالربا والبيوع الفاسدة والغش والتدليس وبخس الكيل والميزان وتحديد الأسعار ومنع الاحتكار والاستغلال ، فالحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكذلك الأمر بالبديل الصالح شرعا عن الطالح المعمول به فعلا ، أي الأمر بما ينبغي بل يجب عمله طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ،إذا ظهر انه غائب عن الممارسة والتطبيق والنهي عن التصرفات الخاطئة عند ظهورها فالحسبة عنوان إصلاح الأمة من داخلها (السامرائي، 1991: 187). 
   ويتبين لنا إن الإسلام الخالد قد تناول موضوع البيئة والمجتمع بجميع أبعاده ،وقبل أن تظهر مشاكله وعوائقه ،وسن القوانين والقواعد والمعايير المتعلقة بهذا الموضوع ووقف موقفا حازما وقويا أمام كل المشاريع والفعاليات التي قد تسبب التلوث والضرر للبيئة ،ووضع القوانين الخاصة بحماية البيئة ومكافحة جذور التلوث من أي مصدر كان ، يقول الله تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ( المائدة،2).
 
 
3 )معيار الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية الحكومية
  إن من الأهداف العامة للمحاسبة ،توفير معلومات مفيدة لغرض استعمالها في اتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة ،ولكي تكون المعلومات مفيدة لابد من توافر مجموعة من الخصائص في هذه المعلومات .وتمثل هذه الخصائص ،أو ما تسمى بالخصائص النوعية معايير يمكن على أساسها الحكم على مدى تحقيق المعلومات المحاسبية لأهدافها ، كما يمكن استعمالها أساسا للمفاضلة بين الأساليب المحاسبية البديلة لغرض قياس بنود القوائم المالية أو الإفصاح عنها (العادلي وآخرون،1986: 74).
وقد حدد البيان الثالث لهيئة أل INTOSAI الخصائص النوعية الواجب توافرها في المعلومات الواردة بالتقارير المالية الحكومية ب : القابلية للفهم ،والملائمة ، و إمكانية الاعتماد عليها ، والأهمية النسبية ، والاستمرارية في تطبيق الأسس المحاسبية، والقابلية للمقارنة، والكلفة/المنفعة، وتغليب الجوهر على الشكل (السعبري،2000: 84 ).
‌أ-             القابلية للفهم : تحدد خاصية القابلية للفهم نوعية المعلومات المقدمة في القوائم المالية ،التي لابد أن تتسم بإمكانية الفهم وعدم الغموض أو اللبس[7] ،وقد تم التأكيد على أهمية توفير الفهم والإدراك العام للبيانات المالية في التقارير المالية حتى يتمكن مستعمل المعلومات من اتخاذ قراراته بصورة رشيدة تؤدي إلى فائدته ومصلحته ،وتبدو أهمية هذه الخاصية بصورة اكبر بالنسبة للقارئ غير المتخصص (العادي) الذي لا يمتلك أي خبرة أو دراية بالأمور المحاسبية ،ولا يمتلك قدرة على الفهم والتفسير الملائم للمصطلحات والعبارات المستخدمة في التقارير المالية(نعمة،1996: 17). ونظرا لتعدد مستويات الإلمام بتفسير استخدام المعلومات من جانب مستخدمي القوائم المالية ،فلا يمكن التوقع أن تفيد المعلومات جميع فئات المستخدمين بنفس الدرجة ،لذا يستلزم الأمر في هذه الحالة السعي نحو تحسين مستوى إدراك القارئ وقدرته على استخدام المعلومات المالية حتى يمكن تعظيم الفائدة من استخدام المعلومات المحاسبية المفيدة(العادلي وآخرون، 1986: 79).
‌ب-        الملائمة : تبين خاصية الملائمة قدرة المعلومات في التأثير على القرارات المتخذة من قبل مستعملي المعلومات (نعمة،1996: 16)، كما تمكنهم من تقييم الأحداث الماضية والحالية والمستقبلية ،أو تساعد في تأكيد أو تصحيح التوقعات السابقة(العيساوي،2003: 30)،وقبل تحديد ما إذا كانت معلومات معينة ملائمة أو غير ملائمة ،ينبغي تحديد أولا الغرض الذي ستستخدم فيه ،فقد تكون المعلومة ملائمة لمستخدم معين في غرض معين ،إلا أنها قد لا تكون بالضرورة ملائمة لغرض بديل أو لمستخدم بديل(مطر،2004: 341)، وهناك ثلاث خصائص يجب أن تتوفر في المعلومات لكي تكون ملائمة (العادلي و آخرون ، 1986: 75): 
•        أن تتميز بقدرة تنبؤية :أي أن تتميز المعلومات بقدرتها على مساعدة متخذ القرار أن يحسن احتمالات التوصل إلى تنبؤات صادقة عن نتائج الأحداث.
•        إمكانية التحقق من التوقعات المستقبلية أو تصحيحها: وتعني أن تقارير الأنشطة الماضية تفيد في تخفيض حالات عدم التأكد وتصحيح التنبؤات المستقبلية.
•        التوقيت الملائم: أي توفر المعلومات في الوقت المناسب ،للاستفادة منها في اتخاذ القرارات
‌ج-          إمكانية الاعتماد على (الثقة ) المعلومات: وهي تعني إعطاء الثقة والضمان بان المعلومات المقدمة خالية من التحيز أو الخطأ ،أو أنها تمثل ما يجب تمثيله بصدق وموضوعية ، ولكي تتسم المعلومات بهذه الخاصية لابد من تحقق الآتي:
1)    القابلية للتحقق: وهي تمثل إمكانية التحقق من صحة المعلومات، ولهذه الخاصية علاقة قوية بمشكلة القياس المحاسبي، كما أنها على صلة وثيقة بمبدأ الموضوعية(مطر، 2004: 324)، وتوصف الموضوعية عموما بأنها الخاصية التي تعكس إجماع خبراء متمرسين على نتائج قياس الأنشطة الاقتصادية ،أو الطريقة التي يتم الإفصاح بها عن تلك الأنشطة في القوائم المالية(نعمة ،1996: 16).
2)    الحيادية: وهي تعني تجنب التحيز عن طريق قياس النتائج أو عرضها بطريقة لا تغلب مصالح فئة معينة من فئات مستخدمي القوائم المالية على غيرها من الفئات .
3)    المصداقية(عدالة التمثيل): إن إمكانية الاعتماد على المعلومات ترتبط بمدى كونها تمثل بصدق طبيعة الأنشطة والعمليات الاقتصادية التي تقوم بها المنشاة، وصدق التمثيل يعني وجود درجة عالية من التطابق بين المعايير والظواهر المراد التقرير عنها ،ويتطلب صدق التمثيل الأمانة في القياس والابتعاد عن التحيز سواء أكان مقصودا أم ناتجا عن قلة الخبرة ،ولكن صدق التمثيل يبقى نسبيا وليس مطلقا(العيساوي، 2003: 31).
‌د-            الأهمية النسبية: وهي تعتبر بمثابة المعيار الكمي  الذي يحدد حجم أو كمية المعلومات المحاسبية واجبة الإفصاح (مطر،2004: 340) فهي تعني إن العمليات ذات الأثر الاقتصادي غير المهم أو غير الجوهري ،يمكن معالجتها بطريقة سهلة أو غير دقيقة وبصورة استثنائية ،وان لم تنسجم مع المبادئ المحاسبية المقبولة قبولا عاما. وتتشابه الأهمية مع خاصية الملائمة من حيث إن المعلومات التي لا ترتبط بأهداف الكشوفات المالية لا تعد مهمة وكذلك غير ملائمة لذا لا ينبغي الإفصاح عنها ،من جهة أخرى قد تكون المعلومات ذات أهمية عالية إلا انه لا يتم الإفصاح عنها ،فليس كل ما هو مهم يمكن الإفصاح عنه ،فكثير من الشركات تمتنع عن الإفصاح عن التكاليف التفصيلية والمعلومات الخاصة بها خشية استخدامها من المنافسين أو من قبل عامة الناس إلا إذا ألزمها قانون بالإفصاح عنها (العيساوي، 2003: 92). ولتحديد درجة الأهمية النسبية فان ذلك يتطلب تقديرا لاعتبارات كمية واعتبارات وصفية (العادلي و آخرون ،1986: 99) ، حيث تشير الاعتبارات الكمية إلى حجم البند ومدى أهميته النسبية إلى المجموعة التي ينظم إليها ،أو نسبة إلى عنصر آخر كنسبة الدخل غير العادي إلى الدخل الصافي ، أما الاعتبارات الوصفية فهي تشير إلى طبيعة البند ذاته ،فهناك بعض البنود التي يجب الإفصاح عنها حتى ولو كان حجمها النسبي غير هام نسبيا .
‌ه-             الاستمرارية والتناسق في تطبيق الأسس المحاسبية: تعني الاستمرارية عموما إن المنشاة سوف تستمر في نشاطها لفترة زمنية طويلة نسبيا ما لم توجد أية أدلة عكس ذلك ،كالتصفية وإنهاء أنشطة الوحدة في المستقبل القريب ، والاستمرارية فرض يعتقد به المحاسب ويبني عليه نموذجه المحاسبي ويقيم عليها الكثير من المبادئ والإجراءات والقواعد المحاسبية (العيساوي،2003: 47)،لذا فان هذا الفرض يساعد على تبرير تطبيق تلك المبادئ و الأسس والقواعد المحاسبية كالمتعلق منها بتوزيع بعض البنود بين الفترات المختلفة كالاندثار وتخفيض الأصول غير الملموسة (العادلي و آخرون، 1986: 86)، فعند افتراض الديمومة للمشروع فان سياسة الاندثار والإطفاء تكون مبررة وملائمة ،حيث إن المركز المالي ما هو إلا قيم مرحلة للمستقبل لغرض الاستمرار بالنشاط وتوزيع تكلفة الأصل على سنوات الاستفادة والتمييز بين النفقات الرأسمالية والنفقات الإيرادية واعتبار المصروفات المدفوعة مقدما أصلاُ من الأصول على الرغم من أنها ليس لها قيمة بيعية في المستقبل عند التوقف عن النشاط (العيساوي،2003: 48).
‌و-           القابلية للمقارنة: لاشك إن فائدة المعلومات المحاسبية سوف تزداد إذا أمكن إجراء مقارنات بين المنشاة ومنشاة أخرى بناء على تلك المعلومات ،وتسمى تلك الخاصية بإمكانية إجراء المقارنات ، ولكي تكون المعلومات المفصح عنها قابلة للمقارنة ، ينبغي توفر عنصرين أساسيين هما(مطر،2004: 325):
1)    عنصر التوحيد،أي توحيد الأساليب والطرق المتبعة في إعداد البيانات المالية المنشورة،سواء أكان في مجال القياس أم في مجال الإفصاح، 
2)    عنصر الاتساق،وهو مكمل للعنصر السابق،ويعني ضرورة توفر التماثل في إتباع الأسس والمبادئ نفسها طوال الفترات المالية المتتالية ،وأيضا ذلك يشمل مجالات القياس والإفصاح. 
‌ز-           الكلفة / المنفعة: إن إنتاج المعلومات المحاسبية كأي سلعة اقتصادية لا يتم بدون تحمل تكلفة سواء أكان على مستوى الوحدة الاقتصادية أم على مستوى المجتمع ، ولتحقيق اقتصاديات الإنتاج(التكلفة / المنفعة) يفترض ألا تزيد تلك التكلفة –سواء أكانت المتعلقة بإنتاج السلعة أم توصيلها أم استخدامها من جانب القراء- عن المنافع التي تعود من استخدام تلك المعلومات ،والتي تتمثل أساسا في تحسين عمليات اتخاذ القرارات سواء على المستوى الفردي أو على مستوى السوق أو على مستوى المجتمع(العادلي و آخرون، 1986  : 104). وتقسم تكلفة المعلومات على جزأين رئيسيين هما(مطر،2004: 322): 
1)    تكاليف مباشرة ، تشمل نفقات جمع وتصنيف البيانات، ثم بعد ذلك نفقات تشغيلها وصولا إلى المعلومات .
2)    تكاليف غير مباشرة، تتضمن نفقات نشر البيانات المالية ، وما يلحق بها عادة من إيضاحات.
     إلا إن قياس وتحديد تكاليف إنتاج واستخدام المعلومات المالية والمنافع المترتبة عليها يعد من الأمور التي يصعب تطبيقها من الناحية العملية ،فاهم مشكلة تواجه اعتبارات التكلفة /المنفعة هي تكميم وقياس كل من المنافع والتكاليف ،وإذا كان بالإمكان قياس التكاليف فان المشكلة الأصعب تتمثل في قياس المنافع بسبب سعة الانتشار واختلاف درجات الاستفادة من المعلومات ،لذلك يقال عن قياس المنفعة بأنها مسالة ضبابية ومغلوطة لأنها غير واضحة وغير قابلة للقياس(العيساوي، 2003: 89)). وعليه فان موازنة التكلفة بالمنفعة هو اعتبار يضعه المحاسب بحسب أحكامه وتقديراته الشخصية ،لذا فانه يتميز بعدم الدقة لان المحاسب إن استطاع أن يقيس التكاليف فانه عاجز عن قياس المنافع ،وبسبب كل هذه الصعوبات ولاستمرارية المحاسبة فيعتقد بان منفعة المعلومات المحاسبية اكبر من كلفتها وإلا ما كان الإنسان قد استمر في تحمل أعباءها.
الخصائص النوعية للمعلومات الواردة بالتقارير المالية الحكومية في التشريع الإسلامي
  وردت إشارات واضحة في التشريع الإسلامي تبين قواعد و أصول ومعايير الكتابة والتسجيل الخاصة بالمعاملات والمعاوضات والأحداث المالية والاقتصادية ،وبدءاً من عملية جمع البيانات وإدخالها وتسجيلها ،وانتهاءً بإنتاج المعلومات المفيدة الملائمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة المختلفة .
  وقد تطرقنا في الفصل السابق إلى المرحلة الأولى من عملية الكتابة والتسجيل المحاسبي المتمثلة بتدوين وتسجيل البيانات في الدفاتر والمستندات والسجلات المحاسبية في النظام المحاسبي الإسلامي، لذا سنقتصر هنا على بحث المرحلة الأخرى المتممة لتلك العملية أي ناتج العملية المحاسبية والمتمثلة بتوفير معلومات مفيدة لاتخاذ القرارات الاقتصادية ،وقد تحدثنا قبل قليل عن الخصائص النوعية للمعلومات التي حددتها لجنة INTOSAI الدولية لكي تكون هذه المعلومات مفيدة ،وهي ما سيتم بحثها الآن لإثبات إن تلك الخصائص لها جذور إسلامية وإنها أو ما يشابهها موجود في مصادر التشريع الإسلامي الأساسية .
أ) الملائمة  
     ذكرنا إن خاصية الملائمة تعني مدى قدرة المعلومات في التأثير على القرارات المتخذة من قبل مستخدمي المعلومات ،ولكي تكون المعلومات كذلك ،فإنها لابد أن تتسم بالقدرة على التنبؤ والتحقق من التوقعات المستقبلية وان تتوفر في الوقت المناسب وقبل اتخاذ القرار.
  إن عملية اتخاذ القرارات تعني التفكير في اختيار التصرف المناسب لمشكلة ما ،والتفكير عملية عقلية تتعلق بتذكر الحقائق والمعلومات المناسبة والاستدلال بالأشياء والأحداث والصفات والعلاقات وغيرها التي تخدم عملية اختيار التصرف الصحيح (أبو العينين ، 2002: 63)، والاختيار يكون بين البدائل المتاحة أي المفاضلة بين هذه البدائل ،التي لا تتم بنجاح إلا بوجود معلومات مفيدة - ملائمة- لذلك ، يقول الله تعالى :" قالوا يا موسى أما أن تلقي و إما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا" (الأعراف، 115- 116)، ويقول جل وعلا أيضا :" قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و إني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" (النمل، 39- 40)فهنا إشارة لعملية اتخاذ القرار والتي أساسها اختيار أو تفضيل بديل على بديل آخر من بديلين أو أكثر  . وقد وردت في القران الكريم والسنة النبوية المطهرة ،مفاهيم و أحكام وقواعد ومعايير حول جوانب وشروط عملية اتخاذ القرارات بما فيها توفير واستخدام معلومات ملائمة لهذه العملية.
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول الملائمة
   ويقول أمير المؤمنين علي(ع) :" الساعات تنهب الأعمار " (غرر الحكم : 94) فهناك سباق بين الزمن والعمر فأيهما يسبق الآخر؟ ويقول أيضا :" ما أسرع الساعات في الأيام ،و أسرع الأيام في الشهور ،وأسرع الشهور في السنة ،و أسرع السنة في العمر"(نهج البلاغة ،ج2: )،إن قول الإمام (ع) ينقل لنا صورة مثيرة للزمن تجعل الفرد في عجلة من أمره في استثمار الوقت ،فأنفاس الإنسان محسوبة ومحدودة ،وكل شهيق وزفير سينقص من هذه الأعداد،وفوت الفرصة يبعث على الحسرة وتجر الندامة (الموسوي، 1998: 128) من ذلك قول الإمام علي (ع):" إضاعة الفرصة غصة" لان الفرصة إذا ذهبت لن تعود وإذا عادت فهي تعود بطيئة ،يقول أمير المؤمنين (ع):" الفرصة سريعة الفوت وبطيئة العود" فكان لابد من استثمارها والتعجيل بذلك والاستفادة منها قبل ضياعها أو فواتها ،وكما يقول الإمام (ع) :" إن الليل والنهار يأخذان منك فخذ منهما " فالإنسان في سباق دائم مع الزمن مع كل ساعة بل مع كل لحظة فكان لابد أن يغلب عليه(الموسوي، 1998 : 129).      
من هذا يتبين أهمية الزمن والحساب في التشريع الإسلامي ،فالزمن له دور رئيس في كيفية احتساب الأموال وجبايتها وتنظيمها ،لان بعض الموارد المالية الرئيسة في الدولة الإسلامية يعتمد جبايتها على عنصر الزمن كالزكاة والخمس ،والإلمام بالحساب (المحاسبة) وعلاقته بالزمن سوف يفيد في قياس الأموال وبالتالي معرفة المقدار الواجب إخراجه من تلك الفريضتين الماليتين، ولا تتوقف أهمية الحساب والمحاسبة في التشريع الإسلامي على الحياة الدنيا ،و إنما يكون ذلك مقدمة لتحضير حساب الإنسان ومحاسبته يوم القيامة كما مر بنا. 
 
ب)إمكانية الاعتماد على المعلومات (الوثوق بها) 
    حددت المحاسبة الوضعية ثلاثة شروط يجب توافرها في المعلومات حتى تتسم بالموثوقية و إمكانية الاعتماد عليها ،وهذه الشروط تتمثل بالقابلية للتحقق، وصدق التمثيل(المصداقية) ،والحيادية .
  وفي واقع الأمر إن هذه الخصائص تعتبر من المبادئ الأساسية في الإسلام عامة ومن الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي الإسلامي خاصة ذلك الاقتصاد الذي يتميز وينفرد عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى ، من حيث كونه اقتصادا أخلاقيا في أهدافه وغاياته وكذلك أخلاقيا في وسائل وطرق تحقيق تلك الأهداف والغايات.وإتباع الحق والسير عليه والتقيد به وكذلك الصدق في التعامل والحديث سواء أكان مع النفس أم مع الآخرين أم مع الله ،هو من ضمن الأخلاق والصفات الحميدة التي انتهجها الإسلام الحنيف وسار عليها، بل اعتبرها الإسلام من مقاصد التشريع فقد جاء عن النبي(ص) قوله:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي واقع الأمر إن الأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها المحاسب المسلم والتي يستمدها من أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية هي التي تحقق دقة وموثوقية المعلومات المحاسبية التي تحتويها القوائم المالية مما يضفي عليها المصداقية و إمكانية الاعتماد على المعلومات الواردة في هذه القوائم لاستخدامها في اتخاذ القرارات المختلفة. ،وفي القران الكريم شواهد كثيرة على ذلك منها قوله تعالى:
    " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون" (البقرة،42)
    "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه" (البقرة، 213)
    "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون" (آل عمران،71)
     " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن و الإثم والبغي بغير الحق " (الأعراف،33)
    " ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته" (الشورى، 24)
    "قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" (المائدة، 119)
    "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (التوبة ،119)
    "ليسأل الصادقين عن صدقهم" (الأحزاب،8)
     " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (النحل،9)
    " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" (الحجرات،9)
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول الاعتمادية والموثوقية
   وردت أحاديث وروايات كثيرة تبين فضل وضرورة اللجوء إلى  الكتابة والكتاب[8]من حيث استخدامها حجةً وسنداُ قانونياً وشرعياً ،وكذلك من حيث الاستعانة بها لتذكر شيء معين أو الاعتماد عليها لاتخاذ قرار أو موقف معين أو تعلم شيء معين ...وما شاكلته، وقد ورد عن الإمام علي(ع) أحاديث عدة تدعو إلى ضرورة الاهتمام بالكتابة شكلا ومضمونا وخاصة فيما يتعلق بكتابة الحقوق المالية وتوثيقها فقد كتب الإمام علي(ع) إلى عماله:"ادقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركم واحذفوا عني فضولكم واقصدوا قصد المعاني وإياكم والإكثار فان أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار"( وسائل الشيعة ،ج13 :404)،وقد ورد عن أبي عبدالله الصادق(ع) قوله:"من الله على الناس برهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولولا ذلك لتغالطوا"( وسائل الشيعة ،ج13 :404)،كما ورد عنه (ع) قوله:" القلب يتكل على الكتابة" وقوله(ع) :" اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا" وأيضا :" اكتب وبث علمك في إخوانك.." (الكافي، ج1: 52)،كما بينوا عليهم السلام شروط تلك الكتابة ونوعية وخواص المعلومات والبيانات الواردة في تلك الكتب والتقارير والرسائل من حيث التأكيد والتشديد على الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمبادئ الأساسية للتشريع المقدس كالعدل والصدق  وحفظ الأمانة وعدم الخيانة أو طلب التعاون على نصرة الباطل يقول الرسول (ص) : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " "( البخاري،3/ 115)(مسلم، 6/8) ويقول أيضا:" أد الأمانة إلى من ائتمنك" ( الطبراني في المعجمين الكبير والصغير، فيض القدير 1/223)،ويقول الإمام علي (ع) :"العدل رأس الإيمان وجماع الإحسان " و :" حسن العدل نظام البرية " وكذلك :" من أفضل الاختيار وأحسن الاستظهار أن تعدل في الحكم وتجريه في الخاصة والعامة على السواء" (غرر الحكم : 446).
ويتبين مما سبق إن الأركان الثلاثة لإمكانية الاعتماد على المعلومات واعتبارها معلومات مفيدة لاتخاذ القرارات الاقتصادية المختلفة ،- نقول إن هذه الأركان - موجودة في التشريع الإسلامي وقد اقرها وبينها بأحكام وقواعد ومعايير واضحة وصريحة في مصادره الأساسية.
ج)الاستمرارية  
     تتطلب خاصية الاستمرارية من المحاسب أن يقوم بعمليات قياس الأحداث الاقتصادية وعرض المعلومات ذات الصلة وذلك على أساس إن الوحدة الاقتصادية مستمرة في ممارسة نشاطها وان عملية إنهاء هذا النشاط أو التصفية لن تتم حتى في المستقبل القريب، وقد ذكرنا إن تطبيق مبدأ الاستمرارية يبرر تطبيق العديد من الممارسات المحاسبية كاحتساب الاندثار على الأصول الثابتة ونحوها.
    ونجد في مصادر التشريع الإسلامي ما يؤيد فرض الاستمرارية، بل انه يعتبر من الأبعاد الأساسية لموضوع خلافة الإنسان على الأرض ،قال الله تعالى:" يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.." تلك الخلافة التي تعني إدارة شؤون الأرض و إعمارها والتصرف فيها، و إدارة الإنسان لنفسه وللكون المحيط به ،كما تعني مسؤولية الإنسان عن سلوكه وعمله تجاه هذه الأمور (الحكيم ،2003: 16) .
   فهي خلافة لله تعالى في الأرض في السلوك والعمل في علاقة الإنسان مع الله تعالى ومع أخيه الإنسان ومع نفسه ومع الطبيعة والكون المحيط به ،وهي خلافة أيضا في عمارة الأرض واستثمارها من إنبات الزرع و إخراج الثمار والمعادن وتفجير المياه وشق الأنهار وغير ذلك (الحكيم ،2003: 62)، ومن المنطقي إن تلك الأمور لا تتم بدون عمل و إنما لابد من بذل الجهد والسعي الحثيث المستمر كما إنها لا تتم بين عشية وضحاها و إنما تستغرق وقتا طويلا نسبيا لظهور نتائج هذا العمل.
  من جهة أخرى فان الاستمرارية في الإسلام تمثل وسيلة لتحقيق هدف وغاية سامية إلا وهي طلب الكمال والحصول على الحياة الحقيقة في الدار الآخرة، فتكامل الإنسان وحصوله على رضا الباري عز وجل لا يتم إلا باستمرارية الإنسان على القيام بالعبادات و الطاعات وفعل الواجبات والخيرات، فالغاية من خلق الإنسان العبادة " وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون" (الذاريات، 56)وان يفعل ما يستوجب به رحمة الله فيرحمه " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية" ( البينة، 7)  وهناك العديد من النصوص والروايات التي تدل على هذه الخاصية.
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول الاستمرارية
  من الروايات المروية عن أهل البيت (ع) الدالة على فرض الاستمرارية والسعي المتواصل المستمر هو قول الإمام الحسن بن علي(ع):" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " وهذا الحديث يروى أيضا عن الإمام موسى بن جعفر(ع) (من لا يحضره الفقيه،ج3: 157)،وفي هذا الحديث إشارة إلى عدم جواز ترك الدنيا ووجوب الاجتهاد والسعي الحثيث والعمل المتواصل لطلب الرزق والكسب وعدم القعود والكسل ، وقد مر بنا قول الإمام علي (ع) إلى واليه مالك الاشتر(ع) :" ليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ،ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد" ،بمعنى إن العمارة و الإعمار من شروط إدامة واستمرارية الحصول على الخراج (الإيرادات العامة )،والعمارة لا تدرك إلا بالعمل المستمر المتواصل والسعي الحثيث .
  ومن الشواهد على  تطبيق خاصية الاستمرارية في النظام المالي الإسلامي وفي التقارير المالية الإسلامية هي تبويب المال حسب أغراضه والانتفاع منه إلى نقود (أثمان) وعروض،حيث يقصد بالنقود المعاملة (المبادلة)بها في جميع الأشياء لا الانتفاع ، أما العروض فينعكس فيها تأثير فرض الاستمرارية فتنقسم إلى عروض قنية (أصول ثابتة) وعروض تجارة (أصول متداولة) ويعتمد التقسيم على أساس النية من اقتناء الأصل ،فالأصول المقتناة بهدف الاستعمال واستمرارية نشاط  المشروع هي عروض القنية كالمباني والآلات والمعدات والأثاث ( العيساوي، 2003: 184). 
د)الأهمية النسبية   
     تشير هذه الخاصية في المحاسبة الوضعية إلى درجة أهمية بند معين أو مجموعة من البنود طبقا لملاءمتها لاحتياجات مستخدمي القوائم والتقارير المالية،فيعتبر البند من المعلومات مهم نسبيا إذا كان إهماله أو أخذه بالحسبان سوف يؤثر على أو يؤدي إلى تغيير في التقدير الذي يتوصل إليه الشخص العادي الذي يعتمد على المعلومات (العادلي وآخرون،1986: 99). بمعنى إن تقدير تلك الأهمية سوف يؤثر على القرارات المتخذة من قبل المعني بالأمر ،وبالتالي يتطلب ذلك وضع أو تحديد - تقدير- الأهمية النسبية للمعلومات بشكل دقيق .
  ولا يختلف التشريع الإسلامي مع ما سبق في إن لهذه الخاصية تأثير كبير على القرارات المختلفة المتخذة سواء أكان على صعيد الفرد أم الجماعة أم الأمة ،إلا إن التشريع وفي إطار معالجاته لكل أمور وجوانب الحياة الإنسانية المختلفة يجعل تلك المعالجات عبارة عن تفاعل بين الحاجات المادية والمعنوية(الروحية) وبشكل متوازن ،بحيث نظم الشارع المقدس سلوكيات وتصرفات الإنسان وطريقة اتخاذه للقرارات فحدد مستوى الأهمية بمعايير وقواعد ليست مادية فحسب و إنما بقواعد ومعايير روحية معنوية وبنفس مستوى المعايير المادية ،والتي نجدها في مصادر التشريع. 
خاصية الأهمية النسبية في القرآن الكريم 
   نعود إلى الآية الكريمة (282) من سورة البقرة المباركة حيث يقول تعالى :"... ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا.." وقوله تعالى :" ولا يبخس منه شيئا" ،ويفسر السبزواري(قده) هذه الآية بقوله (  1404هـ: 499 ) :"السام هنا بمعنى الملالة ،فالآية تؤكد على التثبيت في الديون وحقوق الناس وعدم التهاون فيها فإنها مظنة النزاع والضياع والمعنى لا تملوا عن كتابة الدين صغيرا كان أو كبيرا ذاكرين اجله وشؤونه ،و إنما قدم الصغير للاهتمام به أي لا تكون القلة مانعة عن الكتابة ". إن ذلك يعني ضرورة تدوين كل المعلومات المتعلقة بالآثار والنتائج التي تتركها المعاملة أو الحدث الاقتصادي على المتعاملين (المتعاقدين) خصوصا وعلى المجتمع عموما، فالشارع المقدس لم يحدد كون هذه المعلومات أن تكون مالية فقط ،أو إنها ذات قيمة مالية كبيرة ،و إنما يتوجب عرض كل المعلومات سواء أكانت صغيرة أم كبيرة ،وذلك يعني عرض حتى المعلومات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية ..الخ لتلك المعاملات كما مر  ،ومن ثم يصبح من الأهداف الرئيسة للنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي إظهار تلك الآثار والإفصاح عنها وعرضها على ذوي العلاقة،وهذا الأمر أكدته لجنة INTOSAI في تقريرها الصادر عام 1995 ، حيث ورد فيه " إن من الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية الحكومية أن تكون تلك المعلومات أساسية وهي المعلومات التي يتوقع أن تؤثر على الأنشطة التي يقوم بها مستخدمي المعلومات ، وقد تتوفر هذه الصفة في أحد البنود نظرا إلى حجمه أو إلى طبيعته". 
    ويبين القران الكريم الغاية والهدف من الكتابة والتسجيل الشامل للمعلومات الذي يتناول كل الجوانب الموضوعية ذات الصلة بالمعاملات والمعاوضات المالية، وذلك بقوله تعالى:" ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا" ، فالتشريع الإسلامي يؤكد ويشدد تكرارا ومرارا على إن الهدف الأسمى والأول الذي يريد تحقيقه هو إقامة العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي للمجتمع الإسلامي وللبشرية جمعاء وليس مجرد تحقيق أهداف دنيوية رخيصة ، من خلال إقامة البينة والحق ودفع المنازعات والخلافات التي قد تنشا بين الناس، ولهذا فإن عرض المعلومات الشاملة لبسط الشفافية والوضوح ودفع الشك والغموض والريبة 
   ويلاحظ تطبيق مفهوم الأهمية النسبية في النظام المالي الإسلامي من خلال تصنيف الديون بحسب طبيعة استخدامها ،فالديون لشراء أصول متداولة تعتبر خصما متداولا والديون لشراء أصول ثابتة تعد خصما ثابتا وهذا ما تتطلبه محاسبة الزكاة ،أما في المحاسبة الوضعية فان تصنيف الديون يكون على أساس مدة السداد وفي بعض الأحيان نلاحظ ديونا كبيرة و أمدها طويلا هي لتمويل المخزون السلعي(العيساوي،2003: 235). 
ه)الكلفــة – المنفعــة  
     إن تقدير التكلفة وربطها بالعائد مطبق بشكل أكثر اتساعا في النظام المالي الإسلامي،ويعتبر متطلبا حيويا يجب العناية به قبل تقدير النفقة سواء كانت عامة أو خاصة ،وسواء أكانت التكلفة مالية أم اجتماعية(الابجي،1990: 1200)،وتحرص الشريعة الإسلامية على استخدام الموارد بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويستوجب الشكر على النعمة وعدم كفرانها ،وقد تحدثنا عن أسباب المشكلة الاقتصادية كما حددتها الشريعة المقدسة التي تتمثل بظلم الإنسان وكفرانه للنعمة، وتضمنت مصادر التشريع مفاهيما ومبادئا وأحكاما حول ه\ه الخاصية .
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول الخاصية
   نجد الإمام علي (ع) في كتابه إلى مالك الاشتر(رض) يقول :"... فان العمران محتمل ما حملته" حيث ترتبط هذه القاعدة العلوية بإحدى قواعد التشريع المالي الحديث التي مفادها : (تتحرى الحصيلة الكبرى بالنفقة الصغرى)،ومعناه انه يجب على الحكومة إن تتجنب الأعمال التي تجشمها النفقات الفاحشة لقاء فوائد تافهة ،وان تتحرى منافع الجباية التي تدر عليها خيرا كثيرا بإنفاق قليل (الفكيكي،2003: 214)،وقال ابن خلدون في مقدمته(واعلم إن السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها إنما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك ،فبذلك تنبسط آمالهم وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها فتعظم منها جباية السلطان ،و أما غير ذلك من تجارة أو فلح فإنما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة )[9] ،  فالمنفعة وعلاقتها بالتكلفة في النظام المالي الإسلامي مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية ،والمنفعة المادية ليست المعيار الوحيد للمقارنة بالتكلفة بل هناك المنفعة المعنوية والأخلاقية ومراعاة ما تجيزه وما لا تجيزه الشريعة المقدسة ،إلا إن المعلومات المحاسبية تبقى منفعة غير قابلة للقياس ،وعندما تتعارض منفعة المعلومة المحاسبية مع ما هو محرم فان قياسها (حتى لو كان ممكنا) يصبح غير ذات أهمية لان زيادة المنفعة على التكلفة لا تبرر الاستفادة من المعلومة المحاسبية (العيساوي، 2003: 231).
الخصائص النوعية الأخرى للمعلومات  
     فيما يتعلق بقابلية المعلومات المحاسبية على إجراء المقارنات فهي من الأمور المنطقية التي يمكن التوصل إليها من قوله تعالى :" كما علمه الله" ،أي إن الكاتب(المحاسب) عليه أن يتقيد بإجراءات وأساليب معينة حددتها الشريعة المقدسة في تدوين وتسجيل هذه المعلومات ،ويعني ذلك ضمناً التقيد بمبدأ الاتساق (الثبات) الذي يمكن من خلاله إجراء المقارنات المنطقية. 
  مما سبق يتضح إن الخصائص النوعية للمعلومات المحاسبية الواردة في التقارير المالية الحكومية والتي حددتها لجنة INTOSAI موجودة في التشريع الإسلامي بمصادره الأساسية ،إلا إن التشريع المقدس لم يكتف بتناول الجوانب المادية والكمية لهذه المعلومات فحسب و إنما تناولها بنظرة شمولية بحيث امتدت نظرته ومعالجته لها لتشمل الجوانب الروحية والمعنوية والأخلاقية للمعلومات.     
4) تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية
   تناول هذا البيان ثلاثة مواضيع ضرورية لتحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية وهي: تعريف الوحدة المسئولة، وتحديد الأسس المحاسبية، والتعاريف الخاصة بالأصول والخصوم والإيرادات والنفقات والتعرف عليها وقياسها ،كما حدد هذا البيان أربعة تقارير رئيسة لتحقيق هذه الأهداف وهي: تقرير المطابقة وتقرير الأداء والتقارير المالية الخاصة بالدوائر الحكومية والكشوف المالية العامة،وسنقتصر هنا على بحث موضوع المعايير الرقابية باعتبارها من الوسائل الأساسية اللازمة لتحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية.
تتكون المعايير الرقابية للجنة  INTOSAI من أربعة أجزاء هي[10]
1-    المبادئ الأساسية
2-    المعايير العامة
3-    المعايير الميدانية
4-    معايير إعداد التقارير
وفيما يلي استعراض سريع لهذه الأجزاء:
أولا: المبادئ الأساسية
    وهي عبارة عن افتراضات أساسية ومنطلقات متسقة ومتطلبات ومبادئ منطقية تساعد كلها على تطوير المعايير الرقابية وتساعد المدققين في تكوين آرائهم وصياغة تقاريرهم خاصة في الحالات التي لا توجد فيها معايير محددة، وتنص المبادئ الرقابية الأساسية على :
1.  إن الجهاز الأعلى للرقابة عليه أن يتابع تطبيق المعايير الرقابية INTOSAIفي جميع المسائل التي يتم تعريفها بأنها هامة .
2.  يصدر الجهاز الأعلى للرقابة حكمه الخاص على المواقف المختلفة التي تطرأ خلال عملية الرقابة الحكومية .
3.  إن زيادة الوعي العام الذي أدى إلى أن يكون الطلب على المساءلة العامة على الأفراد أو على الهيئات التي تدير الموارد العامة أصبح أكثر وضوحا بحيث ازدادت الحاجة إلى عملية المساءلة والى تشغيلها بصفة فعالة.
4.  إن تطوير أنظمة ملائمة بخصوص المعلومات والمراقبة والتقييم وصياغة التقارير داخل الحكومة يسهل عملية المساءلة حيث تكون الإدارة مسئولة عن صحة وكفاية شكل التقارير المالية ومحتواها وعن غيرها من المعلومات.
5.  إن سن القوانين يسهل تعاون الهيئات الخاضعة للرقابة في الحفاظ على كافة البيانات الملائمة الضرورية لإجراء تقييم شامل للأنشطة قيد الرقابة وفي توفير إمكانية الوصول إليها. 
  ويشمل النطاق الكامل للرقابة الحكومية رقابة الأداء والرقابة النظامية ، وتشمل الرقابة النظامية:
•   شهادة المساءلة المالية للهيئات المسئولة ،ويتضمن ذلك فحص السندات المالية وتقييمها وإبداء الرأي بخصوص البيانات المالية .
•        شهادة المساءلة المالية للإدارة الحكومية بكاملها.
•        رقابة الأنظمة والمعاملات المالية بما في ذلك تقييم مطابقتها للقوانين واللوائح السارية .
•        رقابة المراقبة الداخلية والوظائف الرقابية الداخلية.
•        رقابة أمانة ولياقة القرارات الإدارية المأخوذة داخل الهيئة الخاضعة للرقابة.
•        إعداد التقارير بشان أي مسائل أخرى تنجم عن عملية الرقابة أو تتعلق بها .
أما رقابة الأداء فهي تهتم برقابة الاقتصاد والكفاءة والفاعلية وتتضمن :
•        رقابة اقتصاد الأنشطة الإدارية وفقا للمبادئ والممارسات الإدارية السليمة ورقابة السياسات الإدارية.
•   رقابة كفاءة استخدام الموارد البشرية والمالية وغيرها ،بما في ذلك فحص أنظمة المعلومات وإجراءات الأداء وترتيبات الأشراف والإجراءات التي تتبعها الهيئات الخاضعة للرقابة لعلاج النقائص التي يتم التعرف عليها .
•   رقابة فعالية الأداء فيما يتعلق بتحقيق أهداف الهيئة الخاضعة للرقابة ورقابة التأثير الفعلي للأنشطة مقارنة بالتأثير المقصود.
ثانيا: المعايير العامة في الرقابة الحكومية 
   وهي معايير تصف المؤهلات التي ينبغي أن تتوفر لدى المدقق أو المؤسسة الرقابية ،حتى يتسنى لهما تنفيذ المهام المتعلقة بالمعايير الميدانية والمعايير الخاصة بإعداد التقارير بطريقة كفء وفعالة ،وهي تتبنى عدة سياسات وإجراءات تتعلق ب:
1.     انتداب الموظفين ذوي المؤهلات المناسبة.
2.     تأهيل وتدريب موظفي الجهاز الأعلى للرقابة لتمكينهم من أداء مهامهم بصورة فعالة .
3.     إعداد الكتيبات وغيرها من الأدلة والتعليمات المكتوبة المتعلقة بتنفيذ العمليات الرقابية.
4.     تدعيم المهارات والخبرات المتوافرة داخل الجهاز الأعلى للرقابة .
5.     مراجعة الكفاءة والفعالية المتعلقتين بالمعايير وبالإجراءات الداخلية للجهاز الأعلى للرقابة.
وتتضمن المعايير العامة بالنسبة إلى الأجهزة العليا للرقابة ما يلي:
    تبني سياسات وإجراءات لتطوير وتدريب الموظفين ليتمكنوا من أداء واجباتهم بصورة فعالة وان يحدد أسس ترقية المدققين وغيرهم من الموظفين.
    تبني سياسات وإجراءات لإعداد توجيهات وغيرها من الأدلة والتعليمات المكتوبة المتعلقة بتنفيذ العمليات الرقابية.
    تبني سياسات وإجراءات لمراجعة كفاءة المعايير وفعاليتها وكذلك الإجراءات الداخلية للجهاز الأعلى للرقابة.
    كما تتضمن معايير ذات أهمية أخلاقية كالاستقلالية وعدم تضارب المصالح وإبداء العناية اللازمة عند تخطيط الإثباتات وتحديدها وجمعها وتقييمها وفي إعداد التقارير بشان النتائج والاستنتاجات والتوصيات.
ثالثا: المعايير الميدانية في الرقابة الحكومية  
  تهدف المعايير الميدانية إلى تحديد المقاييس أو الإطار الشامل للخطوات والأفعال المتوازنة والمنظمة والهادفة التي ينبغي أن يتبعها المدقق،وتحدد هذه المعايير الإطار لتأدية العمل الرقابي و إدارته ،كما أن لها علاقة بالمعايير الرقابية العامة التي توضح المتطلبات الأساسية للقيام بالمهام التي تغطيها المعايير الميدانية، كما ترتبط هذه المعايير بمعايير صياغة التقارير والتي تغطي أوجه الاتصالات الخاصة بالرقابة،حيث تشكل نتائج تنفيذ المعايير الميدانية المصدر الأساسي لمحتويات التقرير أو الرأي. وتتضمن المعايير الميدانية سياسات وإجراءات تتعلق بالتخطيط للعملية الرقابية بصورة اقتصادية وفعالة ،والإشراف على عمل الموظفين الرقابيين في كل مستوى وفي كل مرحلة من مراحل العملية الرقابية،وكذلك دراسة وتقييم مصداقية المراقبة الداخلية عند تحديد مدى المراقبة ونطاقها ،ومطابقة تلك المعايير مع القوانين واللوائح المتبعة.
رابعا: معايير صياغة التقارير في الرقابة الحكومية 
  يهدف هذا المعيار إلى مساعدة المدقق على الحكم الحذر عند تكوين رأي أو إعداد تقرير وليس أن يحل محله، ويتضمن ذلك رأي المدقق وغيره من الملاحظات المتعلقة بمجموعة من البيانات المالية نتيجة لرقابة نظامية (مالية) وكذلك تقرير المدقق عند الانتهاء من رقابة الأداء.
  هذا ملخص لما ورد في تقرير لجنة الأنتوساي حول المعايير  التي تحكم العملية الرقابية ،ومما لاشك فيه إن الرقابة بأنشطتها واتجاهاتها المتنوعة ضرورة لابد منها في أي مجتمع إنساني ،لأنها تمثل القواعد والإجراءات التي تعتمد لضمان السيطرة على تصرفات وسلوكيات الأفراد،وبخاصة فيما يتعلق بالأنشطة الاقتصادية والمالية والإدارية التي ينجم عنها تبعات مالية.
  وفي هذا السياق ،تخضع أنشطة الوحدات الحكومية الخدمية أيضا لأنشطة الرقابة المختلفة ،والرقابة بشكل عام عبارة عن "وسيلة يمكن بواسطتها التأكد من مدى تحقيق الأهداف بكفاية وفاعلية في الوقت المحدد لها وهي بذلك تستهدف قياس الجهد بالنسبة للأهداف المراد تحقيقها"(الجوهر،1999: 14)، فهي بذلك ضرورة لا غنى عنها لاستكمال ومتابعة إنجاز الأعمال بدقة وفاعلية ,كما تعد الرقابة على المال العام أحد الأنظمة الفرعية لنظام المحاسبة الحكومية، الذي يهتم بالرقابة على المال العام ، ومفهوم الرقابة على الأموال العامة يتعلق بالوظيفة التي تقوم بها وحدات حكومية أو غير حكومية من أجل تتبع المال العام وحراسته وحفظه، استنادا إلى مرجعية تشريعية،وتعتبر الرقابة وظيفة من وظائف المحاسبة الحكومية ،لا تكتمل الأخيرة إلا بوجود هذه الوظيفة(احمرو،2003: 219).   ومع تطور الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ظهرت ثلاثة اتجاهات للرقابة (خرابشة،1990: 1303):
الاتجاه الأول: يهتم بالجانب الوظيفي للرقابة ،وتمثل الرقابة هنا أداة للتحقق من تنفيذ الأهداف المقررة والتعليمات الصادرة والمبادئ المعتمدة ،فهي تكشف عن مدى الالتزام بالخطط الموضوعة و تقوم بمعالجة الأخطاء إن وجدت وتحاول تجنبها ،وتقسم الرقابة طبقا لذلك إلى:
          أ‌-          الرقابة المالية: وغرضها الحفاظ على الأموال العامة من السرقة والاختلاس وصيانتها من الهدر والضياع.
       ب‌-       الرقابة على الأداء : وغايتها التأكد من تحقيق الأهداف الموضوعة و عدم الانحراف عن معدلات الأداء المنصوص عليها في الخطة.
       ت‌-       الرقابة على الكفاية : وهدفها التعرف على فرص تحسين معدلات الأداء المرسومة وما يتبع ذلك من إدخال التعديلات في الخطة.
الاتجاه الثاني: يهتم بالرقابة من حيث كونها إجراءات تتعلق بمتابعة الأهداف ،وهي تتضمن الإجراءات الآتية:
                      ‌أ-          تقييم الكفاية
                    ‌ب-       مقارنة الكفاية الفعلية بأهداف الخطط والسياسات والمعايير الموضوعة
                     ‌ج-        تحليل الانحراف عن هذه الأهداف والسياسات والمعايير
                      ‌د-         اتخاذ الإجراء التصحيحي نتيجة للتحليل
                      ‌ه-         متابعة فاعلية الإجراء التصحيحي 
                     ‌و-         مد عملية التخطيط بالحقائق لتحسين مستويات الأداء مستقبلا
وفيما يتعلق بالرقابة من خلال الموازنة فتكون كالآتي:
1.     وضع الموازنة المقدرة
2.     نشرها والتعريف بها 
3.     وضع معايير التنفيذ
4.     المقارنة بين مستويات التنفيذ الموضوعة والمحققة
5.     وضع التقارير الخاصة بذلك
6.     القيام بالإجراءات التصحيحية
الاتجاه الثالث: فيهتم بالأجهزة التي تقوم بالرقابة والفحص والمتابعة وجمع المعلومات وتحليل النتائج ،وهذه الأجهزة تقوم بمجموعة من العمليات للتأكد من تحقيق الوحدات لأهدافها بكفاية ،مع إعطاء هذه الأجهزة سلطة التوجيه باتخاذ القرارات المناسبة. 
 الرقابة على الأموال العامة في التشريع الإسلامي 
   كما قلنا تمثل الرقابة في أي مجتمع إنساني ضرورة لا غنى عنها ،فبواسطة أنشطة الرقابة المتنوعة على المجتمع يدفع عدوان الناس بعضهم عن بعض ويدرأ عنهم المفاسد ويجلب لهم المنافع ،وتتأكد هذه الضرورة في التشريع الإسلامي ،وذلك لتضمنه مجموعة من الأحكام والقواعد الشرعية التي لا يتصور تنفيذها دون وجود جهة مسئولة ومشرفة عليها تأخذ بها وتعمل على تنفيذها .
   فالقران الكريم ،يتضمن أحكام الحدود كقتل القاتل وقطع يد السارق ومعاقبة الذين يسعون فسادا- أي يخلون بأمن الدولة والمجتمع- وغيرها من العقوبات التي لا يتصور تطبيقها إلا بوجود دولة وحكم وجهة مشرفة ومتابعة لهذا الأمر ،،كما إن القران الكريم يتضمن أحكاما مالية تتعلق بالنفقة الواجبة بين الأقارب وبالميراث وتوزيعه وبالزكاة والخمس وطرق صرفهما ،ولا يتصور أن تكون هذه الأحكام ملزمة لمن تجب عليهم إلا إذا كان ثمة سلطة مجبرة تلزمهم جبرا إذا امتنعوا عن أداء ما عليهم من حقوق واجبة ،بل إن أحد مصارف الزكاة (العاملين عليها) وهم الذين يجمعونها والذين يتولون توزيعها ،والعامل في الاصطلاح الإسلامي هو الموظف في اصطلاحنا ،ولا يتصور وجود هؤلاء إلا في جهاز دولة قائمة تتخذ من القواعد المالية أساسا وتعمل على تطبيقها وتنفيذها (المبارك،1997 :20)،كما تضمن القران أحكاما وتوجيهات تتعلق بواجبات الحكام ومسئولي الدولة كقوله تعالى:" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس إن تحكموا بالعدل"(النساء،58-59)،فهذه الآية المباركة تمثل أمرا إلهيا بضرورة توصيل جميع ما أتمن عليه المؤمنون من الله أو من الناس إلى أصحابها ،فضلا عن أحكام وقواعد تشريعية أخرى.
    لهذا فان ولاية أمر الناس في النظام الإسلامي من أعظم الواجبات ،لأنه لا قيام للدين إلا بها ،وقد حرص الإسلام على تأكيد هذه الحقيقة(عبد الوهاب،1984 : 250)،فقد أكد الرسول الأكرم (ص) ضرورة تنظيم الجماعة أي جماعة بقوله(ص):" لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" (مسند احمد،5:م)،ويقول (ص) أيضا:" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم" (أبو داود،6:م)  ،ويعني ذلك انه إذا كان الإسلام يوجب بذلك إقامة الولاية أو السلطة في اقل الجماعات واقصر الاجتماعات ،كان هذا تأكيدا على وجوب ذلك فيما هو اكبر من الجماعات والاجتماعات وقد اقتضى قيام الدولة الإسلامية أن يكون لها تنظيمها الإداري وجهازها الإداري والمالي والمحاسبي الذي يضطلع بتنفيذ سياساتها العامة والقيام على تطبيق وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بين الناس ،والمحافظة على الشريعة الإسلامية في المجتمع الإسلامي(عبد الوهاب،1984: 250).
   وعليه فان وجود سلطة مراقبة ومتابعة سياسات الدولة وخاصة المالية منها وما يتعلق بأموال الدولة وأموال المسلمين عامة هو أمر مؤكد ولازم لتحقيق أهداف النظام الإسلامي المتمثلة بإقامة العدل والقسط عامة ونشرهما في المجتمع الإسلامي ،واحد أدوات إقامة العدالة الاجتماعية المحافظة على أموال المسلمين من سوء التصرف وصيانتها وتنميتها وحفظ حقوق الناس ومتابعة ومراقبة تنفيذ الأحكام والقواعد المعنية بهذا الأمر.
    وقد وردت العديد من التوجيهات المتعلقة بالرقابة في الإسلام، بل إن التشريع الإسلامي لم يضاهه ولم يجاره أي نظام وضعي ، فهو قد شدد على أهمية الرقابة وضرورتها ليس فيما يتعلق بتأدية العمل ظاهره وإنما تعداها لتشمل كل حركات و سكنات الإنسان ،وكل فعل أو قول أو حتى ولو مجرد خاطرة ،واعتبر أن كل عمل يكلف به الإنسان إنما هو أمانة في يده وعنقه مطالب أن يؤديها كما يجب ،وعليه أن يؤدي حقها (أبو العينين، 2002: 257)،ويعتقد أن الكثير من المفاهيم والأنواع والمبادئ المتعارف عليها حديثاً ،كان قد تم الأخذ بها من قبل أجهزة الرقابة المالية في الدولة الإسلامية عبر عصورها المختلفة، وأن أهم ما يميز أجهزة الرقابة المالية في الدولة الإسلامية هو أنها كانت بنظر الاعتبار – وبشكل كبير – العوامل السلوكية والنفسية والروحية التي توجد في دواخل الإنسان ، من خلال افتراض إدراك الفرد لرقابة الله 
(عز وجل) وكذلك رقابته الذاتية لنفسه ، فضلا عن العوامل الأخرى التي غالباً ما تؤكد عليها الدراسات الحديثة في مجال الرقابة المالية(يحيى وأيوب،1427هـ)[11]. لذا نلاحظ أن الرقابة في الإسلام  تتميز بتنوع تطبيقاتها واتجاهاتها ،فهي لم تقتصر على رقابة الدولة ،أو رقابة أجهزة الدولة ،وإنما شملت حتى رقابة الفرد لنفسه ،وقد أوضح القران الكريم والسنة النبوية المطهرة القواعد العامة التي وضعت  أسس الرقابة ،ويمكننا أن نلاحظ الكثير من النصوص والروايات الواردة بهذا الشأن .
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول الرقابة
 
   كما نلاحظ ورود أحاديث عديدة عن النبي الأكرم(ص) ،تحث على القيام بهاتين الفريضتين (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ،يقول النبي(ص):" من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه" ويقول :" لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ،وتدعو خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون ، وتستغيثون فلا تغاثون وتستغفرون فلا تغفرون"، وذلك لان ترك النظارة العامة على ما يجري في المجتمع يلازم خروج الأمر من قبضة الصالحين والإفساح للأشرار بان يتسلموا أزمة الأمور ومقدرات المجتمع ويحكموا فيه بأهوائهم ،فيقع ما يقع من الماسي وتصاب الجماعة بما ذكره الحديث المتقدم من المفاسد والتبعات، ويقول الإمام علي (ع):" وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثه في بحر لجي"، كما يقول الإمام الباقر(ع) :" إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر ".
   إن كل هذه التأكيدات إنما هو لكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الرقابة بمصطلحنا الحاضر) خير ضمان لإجراء وتنفيذ بقية الوظائف الفردية والاجتماعية ،و لأنهما بمثابة الروح لها ،فبتركهما تندرس كل الأحكام والقيم الأخلاقية وتفقد قيمتها وتجد طريقها إلى الاختفاء عن حياة المجتمع ،فالرقابة لها دور كبير في النظام الإسلامي عامة ،والنظام المالي الإسلامي خاصة ،من حيث المحافظة على تنظيم جباية الأموال وضمان صرفها وتوزيعها في مواضعها المخصصة لها وفق الأحكام الشرعية. ويرى الدكتور كاشف الغطاء أن نظام الرقابة المحاسبي في الإسلام له ثلاثة أركان أساسية هي[12]:ـ
1.  النظام الرقابي الاجتماعي العام ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر فرض من فروض الإسلام.
2.  النظام الرقابي الحكومي، ويتمثل بنظام الحسبة الذي يقوده المحتسب المعين من قبل الحكومة الإسلامية ( سبق شرح نظام الحسبة في الفصل الثاني).
3.     النظام الأخلاقي الإسلامي الذي يعتبر الأخلاق جزء من المنظومة العقائدية للفرد المسلم. 
صور الرقابة في النظام المالي الإسلامي 
1)الرقابة المالية والمحاسبية 
   يتمثل الغرض العام للرقابة المالية والمحاسبية في المحافظة على الأموال العامة من سوء التصرف ،أي إنها تستهدف ضمان سلامة التصرفات المالية والكشف الكامل عن الانحرافات ومدى مطابقة التصرفات المالية مع القوانين والقواعد النافذة،وقد عرفت الدولة الإسلامية الرقابة المالية والمحاسبية ،وتعرف الرقابة المالية والمحاسبية في التشريع الإسلامي بأنها" الرقابة على طرق الكسب والموارد المالية وطرق التصرف فيها أو إنفاقها ضمن إطار الشريعة الإسلامية"(السامرائي، 1991: 186)كما تعني الاطمئنان على صدق تنفيذ الأهداف الاقتصادية المرسومة من قبل الشارع من جانب سلطة أعلى لها هذا الحق ،وكذلك الإشراف والفحص والمراجعة للتأكد من حسن استخدام الأموال في الأغراض المخصصة لها ،ومتابعة الممارسات الخاطئة المرتبطة بالمال من أجل تقويمها وتصحيحها (السامرائي، 1991: 186)،وتدخل في ذلك كله مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي كانت تسمى "ولاية الحسبة" التي كانت تقوم مقام جهاز الرقابة في إدارة الاقتصاد الإسلامي كما مر بنا ،إذ يعتبر نظام الحسبة الأساس في الرقابة المالية والمحاسبية في الاقتصاد الإسلامي[13] ،حيث يعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المحتسب الأول في الدولة الإسلامية الذي كان يطوف الأسواق ليطلع على أحوالها، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وباقي الخلفاء المسلمين من بعده "فإذا ما شغلوا عنها بإدارة شؤون الأمة وتجهيز الجيوش أسندوها إلى من يثقون به من المسلمين، فضلا عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين والخلفاء المسلمين من بعدهم كل يقوم بنفسه باستيفاء الحساب على العمال (المحصلين) فيما بينهم على المستخرج (الإيرادات) ونفقات جباتها ، ويوضع في بيت المال صافي القيمة المحصلة لتوزيعها على المستحقين ويلاحظ أن مفهوم الرقابة المالية في الإسلام هو مفهوم شامل للرقابة بمفهومها العام، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الأنظمة الرقابية في الإسلام قد شهدت ممارسة العديد من أنواع الرقابة المالية التي تتشابه – إلى حد بعيد – الأنواع المتعارف عليها في الوقت الحاضر والتي يمكن تقسيمها إلى مجاميع رئيسية ثلاث هي :الرقابة المالية من حيث التوقيت  ،و الرقابة لمالية من حيث الجهة التي تتولاها ، و الرقابة المالية من حيث طبيعتها  (يحيى وأيوب،1427هـ)[14].
 وهناك الكثير من الشواهد والمظاهر حول أنواع وأساليب هذا النوع من الرقابة التي تم تطبيقها حينه ،واهم هذه المظاهر الآتي:
‌أ.              وضع قواعد خاصة لعملية جباية الأموال وكيفية التصرف بها ومحاسبة المسئولين في ضوء هذه القواعد (الجوهر،1999: 10) ، حيث يتم محاسبة عمال الجباية على ما قاموا بتحصيله من إيرادات عامة أنيط بهم تحصيلها،إذ يلزم أن يقدم عمال الخراج حساب بهذه الإيرادات على أن يقوم كاتب الديوان بمحاسبتهم على صحة ما قدموه (الابجي،1990: 1187) ،وكان النبي(ص) أول من وضع هذه القواعد فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ، كما بين طرق الإنفاق العام و أحكامه وكان يبعث إلى الأقاليم بأمرائه وعماله على الصدقات ويوضح لهم طرق هذه القواعد والأحكام ،كما كان (ص) يحاسبهم على المستخرج (الإيرادات) والمنصرف منها وكيفية ذلك (الجوهر،1999: 10)،وهكذا كان يفعل الإمام علي(ع)حيث نراه يوصي من يستعمله على الصدقات (جباية الزكاة) بجملة من المواعظ والقواعد الخاصة بعمله ،حيث يقول :"انطلق على تقوى الله وحده لاشريك له ولا ترو عن مسلما ولا تجتازن عليه كارها ولا تأخذن منه اكثر من حق الله في ماله، ...، ولا تأخذن عودا ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار،ولا تامنن عليها إلا من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليم فيقسمه بينهم ولا توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا مجحف ولا ملغب ولا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به،..."(نهج البلاغة ،ج3 :23)،ونلاحظ من هذه الوصية إن الأمام (ع) قد حدد لعامله القواعد والإجراءات الخاصة بجباية الزكاة ،وفي هذا السياق أيضا ،يقول (ع)في عهده إلى مالك الاشتر(رض):" .. وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ،ولا صلاح عن سواهم إلا بهم ،لان الناس كلهم عيال على الخراج و أهله.." (نهج البلاغة ،ج3: 96 ).إن لفظ تفقد بمعنى الإشراف وهو يتم أولا بالمراقبة لمعرفة ما يجري في أمر الخراج ،كما ويضع الإمام معيارا هو إن الخراج يجب أن يكون مناسبا بحيث يصلح أهله ،فإذا اختل هذا الميزان كانت النتيجة فساد حال الناس ،حينذاك لابد له من التدخل لإصلاح هذا الخلل ،وهذا هو معنى الإشراف والرقابة بالمنظور الإداري الحديث ،واحد طرق الإشراف والرقابة هو مساءلة الناس عن عمل الموظفين وسلوكهم ومدى قيامهم بأداء الواجب. بعث أمير المؤمنين (ع) برسالة إلى أحد ولاته يأمره فيها :" أما بعد فاستخلف على عملك واخرج طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة بعد كورة فتسألهم عن عمالهم وتنظر في سيرتهم" (الموسوي، 1998: 133). 
‌ب.         إنشاء أجهزة متخصصة تتولى عملية الرقابة ، حيث يتم تخصيص جهاز رقابي للتفتيش على عمال الجباية ،فيتم إرسال مراقب للتفتيش عنهم ومعاقبتهم عند الإخلال بواجباتهم ،وقد ورد عن الرسول (ص) انه كان يرسل مفتشا يكشف عن أحوال هؤلاء العمال ومدى إتباعهم لأوامره عند جباية المال وإنفاقه(الابجي،1990: 1187)،يقول الإمام علي (ع) في عهده إلى الاشتر :"...ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق في الرعية ،وتحفظ من الأعوان فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت العقوبة في بدنه ،و أخذته بما أصاب من عمله ،ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة"(نهج البلاغة،ج3:  96 )،ويمكن اعتبار العيون بمثابة جهاز للمحاسبة والمراقبة والتدقيق في وقتنا الحاضر. إن القول السابق للإمام (ع) يدل على صحة تشكيلات دوائر التفتيش والرقابة وحتى دوائر التحقيقات الجنائية التي تقوم الحكومات الحالية بتأسيسها كدائرة التفتيش الإداري والمالي والعدلي والعسكري و الطابو ودائرة ضباط الشرطة،حيث إن المراقبة السرية والعلنية على سيرة الموظفين وتصرفاتهم تدفعهم وتسوقهم إلى تصحيح سلوكهم واعوجاجهم والقيام بوظيفتهم وهي (الأمانة) خير قيام ،كما تساق الإبل من قبل حاديها وراعيها إلى السير في الأرض المستوية الصالحة ،وقد بين (ع) وجوب محاسبة الأعوان والموظفين عما يجترحونه من ارتكاب الخيانة في تصرفاتهم السيئة الشائنة ،وهذه التعليمات العالية السديدة التي مر على وضعها أكثر من أربعة عشر قرنا، نراها واضحة وملموسة في قانون انضباط موظفي الدولة (العراقي)لسنة(1936) في المادة السادسة منه(الفكيكي، 2003: 142).
‌ج.          التأكيد على السمات الشخصية للأشخاص المسئولين في أعمال الرقابة ووضع نظام لمحاسبتهم بعد أن يتم عزلهم ،وقد مر بنا قول الإمام علي(ع) إلى واليه مالك الاشتر (رض) حول طريقة انتخاب الموظفين وفصلهم ،وخاصة عمال الخراج والصدقات (الإيرادات) حيث يقول (ع):"ثم انظر في أمور عمالك ،فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة ،وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة ،والقدم في الإسلام المتقدمة ،فإنهم أكرم أخلاقا واصح إعراضا واقل في المطامع إشرافا وابلغ في عواقب الأمور نظرا ، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك "(نهج البلاغة،ج3: 95 )، لقد لفت الإمام (ع) نظر مالك الأشتر (رض) إلى كيفية انتخاب(اختيار) موظفيه ،فقد أرشده إلى الطبقات التي ينتقي أشخاصهم من صفوتها ويرشحهم للمناصب اللائقة بهم بعد اختبارهم وان لا يوليهم محاباة لهم ولمن يشفع فيهم ولا أثرة ولا إنعاما عليهم ، ثم اشترط أن يختارهم من المجربين لان التجربة هي الأصل الأكبر لكفاءة الموظف في إتقان العمل و أداء الواجب الذي يعهد إليه وهي دليل علمه بالأعمال والولايات التي يتولاها ومقياس إطلاعه ومعرفته بقواعدها وشؤونها، وفضلا عن ذلك، فان الموظف المختار لابد أن يتصف بالحياء لان الحياء أساس المروءة(الفكيكي،2003: 135).
      وقد تطورت وسائل الرقابة المالية في الدولة الإسلامية ،واستحدثت دواوين وأساليب أخرى للرقابة ،ففي عهد الدولة العباسية كان هناك مركزا إداريا متخصصا في التدقيق والرقابة المالية ،يقوم بمراقبة حسابات ديوان النفقات وتدقيقها وذلك ما عرف باسم "ديوان زمام النفقات" فهو كغيره من دواوين الأزمة كانت عليه مهمة الإشراف المباشر على ديوان النفقات ومراقبة الحسابات والعمل على تدقيقها ،لذلك فقد اعتبر منصب متولي الزمام أحيانا أهم من منصب متولي الديوان نفسه(الزهراني،1986: 111)،كما إن ديوان الجهبذ وهو أحد الدواوين التابعة لبيت المال كان يقوم عليه كتابا اختصوا بالحسابات والأمور المالية يطلق عليهم الجهابذة ،وتنحصر مهمة هؤلاء في القيام بتدقيق حسابات الوارد إلى بيت المال والمصروفات الفرعية التي لا تندرج ضمن الأموال الرئيسية مثل أموال الكسور والكفاية والوقاية والرواج وما يجري مجرى ذلك من توابع أصول الأموال(الفكيكي،2003: 114).
2)الرقابة الإدارية 
  من الطبيعي أن تكون ثمة رقابة على عمل الإدارة لضمان انضباطها وحسن سيرها ،وقد أدى تطور النظام الإداري في العصور الحديثة إلى إنشاء ما يسمى " التفتيش الإداري" وهو جهاز خاص ضمن الجهاز الإداري العام(شمس الدين، 1423 : 355)، ويقصد بالرقابة الإدارية قيام جهات الإدارة بمراجعة أعمالها ذاتيا لتصحيح ما قد يشوبها من أخطاء تتعلق بمخالفة المشروعية أو بعدم الملائمة من خلال سحبها أو إلغائها أو تعديلها أو استبدالها بأخرى تكون سليمة(عبد الوهاب، 1990: 245)، وهي تستهدف المحافظة على حسن سير الأعمال والمرافق العامة وضمان نزاهة وكفاءة العمال ،علاوة على حماية حقوق وحريات الأفراد من تجاوزات العمال للاختصاصات المنيطة بهم أو إساءتهم استعمالها.كما تهدف إلى الكشف عن الانحرافات أو الأخطاء وسوء التصرف والإهمال والإسراف وما إلى ذلك من أمور للعمل على تلافيها أو إزالتها ,والتعرف على المعوقات أو الصعوبات التي تواجه تنفيذ الخطط(أبو العينين،2002: 263). 
     وقد عرف النظام الإسلامي أسس الرقابة الإدارية ومنذ الصدر الأول للإسلام ،إلا إنها لم تتحقق دفعة واحدة و إنما ارتبط ذلك بالنمو والتطور الذي لحق بالنظام الإداري الإسلامي من حيث اتساعه وتشعب أعماله ،وعلى المستوى التطبيقي فقد أنشأ الإمام علي(ع) جهاز للتفتيش الإداري وأقر مبدأ العقوبة للمخالفين(شمس الدين، 1423 :355)، وقد اتخذت الرقابة الإدارية الصور الآتية:
      ‌أ.     تخصيص فئة من أهل الصلاح والعفاف ليقوموا بالتفتيش على سيرة العمال وسلوكهم في معاملاتهم مع أفراد المجتمع ،فإذا ثبت مخالفتهم للسلوك الإداري القويم عوقبوا بالعقوبات الموجعة والنكال حتى لا يتعدوا ما أمروا به وما عهد إليهم به(الابجي،1990: 1190)، فمن المهام الرئيسة للإدارة  فرض الرقابة الشديدة على الموظفين والنظر في أعمالهم ومدى قيامهم بالواجبات ، فان أهملوا ذلك وجب إقصاؤهم وتقديمهم للقضاء إن ارتكبوا ما ينافي العدل،وقد روي أن الخليفة عمر بن الخطاب قال: ( أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرنه بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا نعم ،قال: لا حتى أنظر في عمله بما أمرته أعمل به أم لا)(البيهقي،ج8: 163) ويعتبر الإمام علي(ع) أول من وضع أسس الرقابة الإدارية في دور حكومته (القرشي،1966: 390) ،فقد مر بنا قبل قليل عهده لمالك الاشتر الذي يقول فيه :"ثم تفقد أعمالهم –أي الموظفين والعمال- وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم،..." ، )، والعيون هم الذين يقومون بأعمال الرقابة على الإدارات والوحدات وبيت المال ،ويتم تعيينهم من قبل الوالي ويكون ارتباطهم معه ،وهناك شروط يجب أن تتوفر فيهم (الموسوي،1998: 262):
•        أن يكونوا من أهل الصدق حتى تكون تقاريرهم واقعية صادقة.
•        أن يكونوا من أهل الوفاء حتى يكون هدفهم هو الإخلاص للدولة.
          ‌ب.            وبعد تقديم التقارير، على الوالي أن يثبت بدقة في هذه التقارير ولا يسرع في الحكم على الأفراد.
     ‌ج.     منع العمال من قبول الهدايا ونحوها ،إذ لا يجوز للعامل أن يأخذ رشوة أرباب الأموال ، ولا يقبل هداياهم فإن رسول الله(ص) قال:" هدايا العمال غلول" أي خيانة(أحمد علي، 1969: 380)،و يعد التهاون في ذلك مدخلا للرشوة والفساد كما يضع العمال في مواضع الشبهات ،وقد روي إن الرسول (ص) استعمل رجلا على الصدقات ،فلما حاسبه الرسول قال الرجل: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي ،فقال له رسول الله(ص) :" ما بال العامل نبعثه فيقول :هذا لكم وهذا اهدي لي ،أفلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه فينظر هل يهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منهم بشيء إلا جاء به على رقبته يوم القيامة " (الابجي، 1990: 1190), وقد بعث الإمام  علي(ع) برسالة توبيخ إلى أحد عماله على البصرة وهو عثمان بن حنيف الأنصاري حيث بلغه إن الأخير قد دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها ،فكتب (ع) إليه" أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني إن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان ،وما ظننت انك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو ،فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ،ألا وان لكل ملموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه ،ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد" (نهج البلاغة، ج3: 70).
      ‌د.     توسع جهاز الحسبة ليتضمن أعمالا تتعلق بالرقابة الإدارية،فأصبح يقوم بمراقبة أوجه المرافق العامة وتوفير الموارد المالية اللازمة لها ومراقبة الحالة الاقتصادية ،وفرض الرقابة على التجار وذوي الصناعات لمنعهم من الاحتكار والتسعيرة المجحفة للبضائع ومنع الغش والربا ونحوها، يقول الإمام(ع) في عهده لمالك: ".. واعلم مع ذلك إن في كثير منهم –التجار وذوي الصناعات- ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه واله منع منه وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع ،فمن قارف حكره بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير إسراف" (نهج البلاغة، ج3: 100)،ونلفت النظر إلى إن هذه الأعمال هي أحد صور تدخل ولي الأمر وإشرافه على الحياة الاقتصادية ،التي اقرها التشريع الإسلامي ،وطبقت في النظام الاقتصادي الإسلامي.
      ‌ه.     قيام والي المظالم بكثير من المهام الإدارية مثل تقييم أداء العاملين على الشؤون المالية واستبدال الخائنين منهم ورد الأموال المغصوبة إلى أصحابها ،ومنع الجور والتعدي من الولاة ،كما ينظر في التظلمات التي ترد من العامة ويسترجع الحقوق لأصحابها  (الابجي، 1990: 1191)،ويذكر أن عمر بن عبد العزيز عندما تولى خلافة المسلمين كان يشجع الناس على رفع تظلماتهم إليه ،مؤكدا لهم أن من له مظلمة فلا إذن له عليه ،وخطب في الناس فقال: (أيها الناس ، إني قد استعملت عليكم عمالا، لا أقول هم خياركم،فمن ظلمه عامل بمظلمة فلا إذن له علي)،كما قال: ( أيها الناس ألا لا سلامة لامرئ في خلاف السنة و طاعة لمخلوق في معصية الله ألا وإنكم تسمون الهارب من ظلم إمامه العاصي ، ألا وإن أولاهما بالمعصية الإمام الظالم)( عبد الوهاب،1984: 281). )، ويلاحظ أنه في عصور الدولة الإسلامية المختلفة كان هناك مجموعة من الدواوين المتخصصة بمهام الرقابة الإدارية ،كديوان الحسبة،وديوان النظر،وديوان الأزمة،وديوان الاستيفاء(يحيى وأيوب، 1427هـ)[15] .
   وقد أخذت بمبدأ الرقابة الإدارية أغلب حكومات العالم وجعلته من أهم الأمور التي تعني بها الإدارة ،وقد أسماها الفقه الفرنسي باسم (الوصاية الإدارية)،وعلى الرقابة الإدارية أن لا تندفع وراء العواطف والأهواء ،وأن تراقب الله تعالى فيما ترفعه من التقارير بشأن الموظفين فتسجل ما تراه وما تتيقن به ،فلا تحاب ولا تظلم أحدا ،وعليها أن تسجل الواقع مشفوعا بروح الإخلاص والأمانة (القرشي،1966: 391)،وذلك ما يبينه قول الإمام (ع):"... وتحفظ من الأعوان فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت العقوبة في بدنه ،وأخذته بما أصاب من عمله ،ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة".
3)الرقابة الذاتية 
   قامت الإدارة البيروقراطية على تحقيق هدف السيطرة من خلال المراقبة ،فكان أصحاب الشركات والمصانع بحاجة إلى أساليب للرقابة يستطيعون من خلالها ضبط الموظفين والعمال فاخترعوا أسلوب التسلسل الوظيفي المقيد بالأوامر والتعليمات والمقررات وقد حددت هذه القواعد الصارمة من حرية الموظفين ،وكان لها آثار وخيمة في موت الإبداعات وضياع الإمكانيات والأوقات ،وبالرغم من هذه الإجراءات لم تستطع الإدارة البيروقراطية من ضبط الأفراد بدليل تصاعد حالات الرشوة والاختلاسات والانحرافات الإدارية التي تشهدها الدوائر الرسمية خاصة في الدول النامية(الموسوي،1998: 274).وقد ظهر أخيرا نتيجة لذلك ما يسمى بالسبرنطيقية[16] ( نظام الضبط الذاتي) والرقابة الوقائية أي الرقابة التي تعني بالأخطاء قبل أن تقع ،فتوفر الجهد والمال اللازم لتصحيح الأخطاء كما تحمي المؤسسات من الفشل.
    إلا إن الإسلام الخالد بمنهجه القويم أوجد هذا الأسلوب قبل هذا الوقت بأربعة عشر قرنا وهي الرقابة الذاتية هذا النوع من الرقابة الذي لا نجده إلا في ظل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ،والذي يدور حول رقابة الإنسان على نفسه ومحاسبتها أولا بأول، وقبل أن تساءل وتحاسب، بما يؤدي إلى خلق الدافع الذاتي لدى الفرد بضرورة الالتزام بالمنهج السوي. وهذه الرقابة من أقوى الرقابات تأثيرا على المجتمع،حيث أثبتت التجربة الإسلامية إن الرقابة الذاتية انفع بكثير من الرقابة الخارجية التي تدفع بالموظف إلى دائرة الخوف فيفعل ما لا يجب فعله (الموسوي،1998: 275).
  إن هذه الرقابة يمارسها الإنسان على نفسه في جميع أوقاته وفي جميع أماكن تواجده ،فالرقيب الأول الذي يراقبه في جميع سكناته وحركاته هو الله سبحانه وتعالى العالم بكل شيء والعارف بكل الأمور،وتنبع هذه الرقابة من التقوى والإيمان بالله الذي يعلم السر وأخفى ،وأنه سبحانه مطلع على كل حركات و سكنات الإنسان ولذلك نجد أن تعاليم وأحكام التشريع الإسلامي التي لا تضاهيها أي تعاليم لأي أنظمة وضعية  تبعث في الإنسان الوازع الذاتي الذي هو أهم من أي وازع خارجي،فإذا ما وجدت الرقابة الذاتية هانت أمامها كافة أنواع الرقابة لأنها تمثل رقابة الضمير النابعة من خشية الله (أبو العينين،2002: 265) إن ذلك يعني أن يقوم المحاسب بما يجب عليه أو يطلب منه دون مراعاة رقابة الناس ورؤسائه عليه في تصرفاته وهذه رقابة ذاتية لا يختلف أثرها بين وقت وآخر وشخص وغيره سواء أكان قادرا على استيفاء حقوقه أم غير قادر، كما إن اعتقاد المحاسب أن الله تعالى رقيب على أعماله كلها وسوف يحاسبه يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة فيتخذ الحيطة والحذر من ذلك بتجنب ما يستوجب العقاب وهذا ما يسمى بالمحاسبة الذاتية(جمعة، 2000: 383) . ،وعليه فهناك رقابة مالية ومحاسبية ذاتية ورقابة إدارية ذاتية ورقابة اقتصادية ذاتية وهكذا .
نماذج الاعجاز في السنة النبوية الشريفة حول الرقابة الذاتية
   كما أكدت السنة المطهرة على سلوك هذا المنهج ،وشددت على إن كل إنسان هو رقيب على نفسه،فقد أكدت على وجوب محاسبة النفس كل يوم وملاحظتها ومراقبتها وحمد الله على الحسنات وتدارك السيئات ،عن النبي(ص):" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتجهزوا للعرض الأكبر" ( وسائل الشيعة، ج16: 59)، ويقول (ص):" لا يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه والسيد عبده" (المصدر السابق: 99)،ويقول الإمام علي(ع):" لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له"،ويقول :" رحم الله امرأًً راقب ربه وخاف ذنبه"( الموسوي، 1998: 274)،ويقول أيضا:" أنصف الناس من أنصف نفسه من غير حاكم عليه" ( غرر الحكم، 1366هـ. ش[17].  :236).
مراحل الرقابة في التشريع الإسلامي
  يقول الله تعالى:" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون "..." فلنسئلن الذين أرسل إليهم و لنسئلن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" (الأعراف،3، 6-9)من هذه الآيات المباركات يمكن التوصل إلى خطوات أو مراحل الرقابة، التي يجب أن تتم حتى تتم وظيفة الرقابة بشكل صحيح وكامل ،ويمكن وضع هذه المراحل في أربعة نقاط أساسية (أبو العينين،2002: 343):
1.  تحديد معايير للأداء(المعايير الرقابية): وهي المرحلة الأولى من مراحل الرقابة التي على أساسها يمكن تقييم الأداء الفعلي،ومن ثم التعرف على مدى تطابق ما تم إنجازه مع ما هو مرغوب إنجازه،والمعايير الرقابية عبارة عن مقاييس للأعمال تمثل في أساسها الأهداف المرغوب في تحقيقها مترجمة بصورة قابلة للقياس الكمي،يقول الله تعالى:" إنا كل شيء خلقناه بقدر" (القمر،49) ويقول عز شأنه:" قد جعل الله لكل شيء قدرا" (الطلاق،3) كما يقول سبحانه:" وخلق كل شيء فقدره تقديرا" (الفرقان،2)، فهذه الآيات تشير إلى أن الله سبحانه قد خلق كل شيء وقدره تقديرا دقيقا بنواميس تكفل له أداء مهمته بنظام ،كما إن قوله تعالى:" "ألا تطغوا في الميزان " (الرحمن، 8)، يمثل خطابا لبني الإنسان الذين يشكلون جزءا من هذا العالم العظيم ويلفت انتباههم إلى إنهم لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي في هذا العالم إلا إذا كان له نظم وموازين ،ولذلك فلابد أن تكون للبشر نظم وموازين أيضا حتى يتلاءموا في العيش مع هذا الوجود الكبير الذي تحكمه النواميس والقوانين الإلهية ،خاصة إن هذا العالم لو زالت عنه القوانين التي تسيره فانه سوف يفنى ،ولذا فان حياتكم إذا فقدت النظم والموازين فإنكم ستتجهون إلى طريق الفناء لا محالة،ويؤكد رب العزة مرة أخرى على العدل والوزن حيث يقول سبحانه"و أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"(الرحمن،9).
2.  قياس أو تقييم الأداء: تأتي هذه المرحلة بعد أن يتم تحديد المعايير الرقابية ،حيث يتم فيها قياس ما تم إنجازه من عمل فعلا ومقارنة هذا الإنجاز بالمعايير التي حددت في المرحلة الأولى ،ويمكن أن تتم عملية قياس الأداء بطريقتين ؛الأولى: عن طريق الملاحظة المباشرة ،والثانية من خلال التقارير سواء كانت شفوية أم مكتوبة،ويشير قوله تعالى :" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة أتينا بها وكفى بنا حاسبين" (الأنبياء،47) إلى عملية قياس الأداء ،كما يبين قوله تعالى:" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" (الإسراء،13- 14) إلى قياس الأداء عن طريق التقارير المكتوبة.
3.  تصحيح الانحرافات: بعد قياس النتائج ومقارنتها بالمعايير فإن نتيجة المقارنة قد تكشف وجود انحرافات ،فإذا ما كانت هذه الانحرافات سلبية وكبيرة ، ظهرت الحاجة إلى ضرورة الإسراع في تصحيح تلك الانحرافات ،لذا يعتقد أن هذه المرحلة هي الهدف الأساس للرقابة،إن دور التغذية العكسية يعتبر دورا مهما ومكملا للمراحل التي يمر بها النظام ،حيث أنها تعمل على تزويد المستفيدين من النظام بالمعلومات اللازمة في الحكم على مدى مساهمة هذا النظام بكافة عناصره في تحقيق الأهداف المرغوبة مثل الانحرافات الموجبة أو غير المرغوبة (الانحرافات السالبة) التي يمكن أن تحدث خلال عمل النظام،ومن ثم الكشف عن وجود الانحرافات وتحليلها وتفسيرها ومعالجتها، وقد حض التشريع المقدس على تصحيح الانحرافات أو الأخطاء سواء قبل وقوعها أو أثناء وقوعها،أم بعد وقوعها وفقا للحدود التي بينتها الشريعة المقدسة،بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (التدخل الإيجابي لتصحيح الأخطاء) يعتبر من الواجبات المكلف بها الفرد المسلم يقول الله تعالى:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران،104) وأيضا :" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (الأعراف، 157).كما أكد الرسول(ص) على ضرورة تصحيح الانحرافات السالبة وهو ما يؤكده الحديث الشريف:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطه فبقلبه ،وذلك أضعف الإيمان" 
4.  إثابة المجد ومعاقبة المقصر : ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تبين ضرورة التفرقة بين المجد والمقصر لأجل مكافئة الناس على قدر أعمالهم بعد تقييمها حتى لا يتساوى المجد منهم  مع المقصر،كما في قوله تعالى:" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " (النجم، 39-40) ،وقوله تعالى:" لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة" (النساء،95)، فهنا إشارة واضحة إلى ضرورة التفرقة بين المجد وغير المجد فلا يعقل أن يتساويا في الأجر أو المكافأة ، بل لابد من تمييز الأول عن الثاني حتى يزداد الأول اجتهادا ،وفي نفس الوقت يتخلص المقصر من تقصيره،ومن الآيات التي تشير إلى إثابة المحسن والمجتهد ومعاقبة المقصر قوله تعالى:" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" ( الأعراف، 8-9)، 
     وقد كانت معايير ومؤشرات قياس وتقييم الأداء في الدولة الإسلامية تعتمد بالدرجة الأساس على مدى الالتزام بما ورد في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة فيما يتعلق بكافة المعاملات المالية،  و من أهم المعايير والمؤشرات التي كان يعتمد عليها في تقييم أداء القائمين على أمور المسلمين بما يتعلق بالنواحي المالية الآتي(يحيى وأيوب،1427هـ)[18] :
•   ينبغي تحصيل الأموال العامة وإنفاقها وفقاً لما منصوص عليه شرعاً ، كالأموال المتعلقة بالزكاة ، والخراج ، والجزية ، و الفيء ونحوها.
•   ينبغي استثمار الموارد المتاحة خلال الفترة الزمنية المعينة، كاستغلال الأراضي الزراعية من قبل مالكيها، بحيث إذا لم يتم استغلالها خلال ثلاث سنوات فيجب مصادرتها إلى بيت مال المسلمين وإعطائها إلى من يمكنه استغلالها وبشكل سليم.
•   عدم إلحاق الضرر بالمجتمع نتيجة ممارسة النشاطات الاقتصادية والمالية ، التزاما بالحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار" فان كان هناك ضرراً للمجتمع ناتجاً عن استغلال الموارد ، فيجب على الوالي معالجة وتوجيهه بما يمكن أن يحقق المنفعة للمجتمع والبيئة. 
•   ينبغي ترشيد النفقات والتحقق من عدم استخدام أموال المسلمين في غير الأوجه المنصوص عليها شرعاً دون محاباة أو طاعة لولي فيها من قبل القائمين عليها.
  مما سبق  نلاحظ أن هناك تكاملا وترابطا في العملية الرقابية في التشريع الإسلامي بين المستويات المختلفة وهي الفرد والجماعة والمجتمع مما يتيح الفرصة لتأكيد حسن سير العمل وتجنب الأخطاء قبل وقوعها وتصحيحها إن وقعت ومحاسبة المسئولين،وقد أعطى الإسلام للدولة دورا بارزا ومهما في مجال الرقابة وحفظ النظام وخصوصا فيما يتعلق بمراقبة الأنشطة الاقتصادية والمالية والمحاسبية.
     يستخلص من محاولة تأصيل معايير المحاسبة الحكومية الدولية على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي ، أن تلك المعايير لها ما يناظرها ويماثلها من مفاهيم ومبادئ وأسس وحتى أحكام وقواعد في التشريع الإسلامي.
    فبالنسبة للمعايير المتعلقة بمستعملي التقارير المالية الحكومية ، فقد حرص النظام الإسلامي على توفير المعلومات الملائمة في التقارير المالية الحكومية للجهات ذات الشأن بالحكومة مع بسط الشفافية والوضوح التامين اللذان ينفيان الشك والغموض واللبس.
    أما بالنسبة للمعايير المتعلقة بأهداف التقارير المالية الحكومية فقد حددت  INTOSAI مجموعة من الأهداف التي ينبغي أن تحققها التقارير المالية الحكومية ، ووجدنا أن تلك الأهداف قد نادى بها التشريع الإسلامي قبل هذا الوقت بعدة قرون . 
   فقد لاحظنا أن من المسائل المستحدثة في عصرنا الحالي ما يعرف بالمحاسبة البيئية(والمحاسبة الاجتماعية) التي يقصد بها إظهار وعرض المعلومات المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها الوحدة الاقتصادية وأثر تلك الأنشطة على البيئة والمجتمع، وهذا الأمر تناولته الشريعة المقدسة بشيء من التفصيل والتركيز، وتميز النظام الاقتصادي الإسلامي بوضع الأحكام والقواعد اللازمة لحماية البيئة والمجتمع . 
    ولكي تؤدي التقارير المالية عامة والحكومية خاصة وظيفتها في تحقيق الأهداف المطلوبة منها ، فإن المعلومات الواردة في هذه التقارير لابد أن تتصف بمجموعة من الخصائص النوعية ، كالقابلية على فهمها ومقارنتها بمعلومات مشابهة ، والملائمة وإمكانية الاعتماد عليها والوثوق بها عند اتخاذ القرارات ، وهذا ما حرص عليه التشريع الإسلامي وشدد على ضرورة توافر هذه الخصائص في كل الكتب المتعلقة بالمعاوضات والمعاملات المالية الحكومية وغير الحكومية.
  ولضمان تطبيق تلك الأهداف فقد وضعت INTOSAI عدة طرق ووسائل للتأكد من ذلك ، ولم يغفل النظام الإسلامي هذا الأمر ، فقد وضع الطرق الناجعة الكفيلة بتحقيق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية ، كاستخدام أساليب مختلفة للرقابة وتقييم الأداء مثل الرقابة المالية والمحاسبية والرقابة الإدارية والرقابة الشعبية والرقابة الذاتية التي تعتبر أهمها،   ، وقد ناقشنا موضوع المحاسبة البيئية التي تعتبر من القضايا والمشاكل المعاصرة وقد تناولها التشريع الإسلامي وعالجها بجانبيها الإيجابي والسلبي .
 
المصادر والمراجع
أولا: المصادر 
-         القرآن الكريم
1.           نهج البلاغة (مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)،شرح الشيخ محمد عبده ،4 أجزاء،المكتبة الأهلية- بيروت.
ثانيا: تفاسير القرآن
1.           السبزواري،السيد عبد الأعلى الموسوي(1404 هـ.ق)." مواهب الرحمن في تفسير القرآن"، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.
2.           الشيرازي، ناصر مكارم( 1413 هـ.ق). "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل" ، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
ثالثا: مصادر الحديث والأحكام الفقهية
1.          الآمدي التميمي، ناصح الدين ابو الفتح بن عبد الواحد بن محمد( 1366هـ.ش)." غرر الحكم"، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران.
2.           السيستاني، آية الله السيد علي الحسيني ( 1423هـ.ق). " المسائل المنتخبة- العبادات والمعاملات" ، دار الهدى، بيروت، لبنان.
رابعا: الوثائق والنشرات الرسمية
1.     القانون ذو العدد 28 لسنة 1948 وتعديلاته، وزارة المالية، دائرة المحاسبة.
2.     القانون ذو العدد 107 لسنة 1985 وتعديلاته.
3.     المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(الأنتوساي)، تقرير لجنة الأنتوساي عن الرقابة، المعايير الرقابية،القاهرة، مصر، 1995.
خامسا: الكتب 
1.                 أبو العينين، د. أحمد حلمي( 2002م)." أصول الإدارة من القرآن والسنة"، دار ومكتبة الهلال، دبي.
2.                 أحمرو، د.إسماعيل حسين(2003م)." المحاسبة الحكومية، من التقليد إلى الحداثة"،دار المسيرة للنشر والتوزيع،عمان، الأردن.
3.                 الآصفي، الشيخ محمد مهدي(1973م)ط3." النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام"،دار الغدير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
4.                 جمعة، د.أحمد حلمي ( 2003م)." المدخل الحديث لتدقيق الحسابات"، جامعة الزيتونة الأردنية، عمان، الأردن.
5.                 الجوهر، د.كريمة علي كاظم (1999م)ط2."الرقابة المالية"، المكتبة الوطنية، بغداد ، العراق.
6.                 الحكيم، آية الله السيد محمد باقر(قده) (2003م)ط1ج1." دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة"، دار الحكمة، ،قم إيران.
7.                 الدجيلي، خولة شاكر (1976م)." بيت المال- نشأته وتطوره من القرن الأول حتى القرن الرابع الهجري"، مطبعة وزارة الأوقاف، بغداد ، العراق.
8.                 سند،الشيخ محمد ( 2003م)." ملكية الدولة"، بقلم السيد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزي، دار الغدير للطباعة والنشر والتجليد، قم، إيران.
9.                 عفيفي، محمد الصادق (1980م)ج2."المجتمع الإسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية"، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.
10.            عناية، د. غازي حسين(2006)." النظام الضريبي في الفكر المالي الإسلامي", مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر.
11.            الفكيكي، توفيق ( 2003م)ط1." الراعي والرعية"، المكتبة الحيدرية، قم، إيران.
12.            الموسوي، د. محسن باقر ( 1998م)ط1." الإدارة والنظام الإداري عند الإمام علي عليه السلام"، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت، لبنان.
13.            النواوي، عبد الخالق(1973م)ط2." النظام المالي في الإسلام"، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، لبنان.
14.            اليوزبكي، د. توفيق سلطان( 1988م)ط3." دراسات في النظم العربية الإسلامية"،المكتبة الوطنية، بغداد، العراق.
سادسا: البحوث والمقالات 
1.     الأبجي، د. كوثر عبد الفتاح ( 1990م)." الموازنة في الفكر المالي الإسلامي - دراسة تحليلية معاصرة"،الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص : 1129- 1218.
2.     خرابشة و عدينات، د. عبد، د. محمد ( 1990م)." دور الدولة في الرقابة على النشاط الاقتصادي والحياة الاقتصادية"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 1301- 1333.
3.     الخياط، عبد العزيز(1990م)." الزكاة"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 925- 1012.
4.     شمس الدين، محمد مهدي( 1421هـ.ق)." النظام الإداري في الحكومة الإسلامية"، ترجمة خليل العصامي، تنقيح د. صادق حقيقت،مدخل إلى الفكر السياسي في الإسلام- مجموعة مقالات، مكتب الدراسات الثقافية الدولية ، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع،إيران،ص ص: 349- 374.
5.     عبد الوهاب، د. محمد طاهر( 1984م)." الرقابة الإدارية في النظام الإداري الإسلامي"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة النظم الإسلامية للفترة من ( 11- 13 تشرين الثاني/ 1984)، مكتب التربية العربي لدول الخليج، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة.
سابعا: الرسائل الجامعية
1.     الإبراهيمي،، أمل عبد الحسين ، معايير المحاسبة الحكومية في الإسلام-محاولة لتأصيل معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي،أطروحة دكتوراه مقدمة إلى جامعة البصرة،العراق 2007م.
2.     السعبري، إبراهيم عبد موسى ، المعايير المحاسبية الحكومية- دراسة نظرية وتطبيقية في إحدى الدوائر المطبقة للنظام المحاسبي الحكومي (المؤسسات البلدية في محافظة النجف)، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى - جامعة بغداد ،العراق 2000م.
3.     العيساوي، عوض خلف دلف ، الفرضيات والمبادئ والمحددات للإطار الفكري المحاسبي المعاصر في ميزان الشريعة الإسلامية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى- الجامعة المستنصرية،العراق2003 م.
ثامنا: النشرات الأجنبية
1.     World Bank Institute, “Intergovernmental Fiscal Relations & Local Management Program- Appendix A: Twelve Accounting Principles”, 2005.
تاسعا: أوراق مسحوبة من الإنترنت
1.     يحيى وأيوب،د. زياد هاشم، لقمان محمد(1427هـ)." الرقابة المالية في الإسلام", www.minshawi.com.
2.      ZAID, OMAR ABDULLAH ‘ Accounting Procedures And Recording Procedures In The Early Islamic State’, 2003. http// www. iiu edu.my
 
 
 
 
 
________________________________________
يقصد من العلوم الاقتصادية هي العلوم الجامعة لعلم المحاسبة والمالية والادارية .الباحث. 1. 
2.يقصد بالمصروفات الإيرادية : مصروفات التشغيل التي تخص الفترة أو المصروفات العمومية والإدارية لنفس الفترة وبالتالي تغلق هذه المصروفات في قائمة الدخل في نهاية الفترة دون أن ترحل لفترات تالية، أما المصروفات الرأسمالية فهي المصاريف التي تؤدي إلى زيادة رأس المال ،أي مصاريف تنفقها المؤسسة لتضيف شيئا جديدا إلى أصولها أو لكفايتها الإنتاجية، مثل نفقات شراء الموجودات الثابتة،وهذه المصاريف تغطي منفعة لأكثر من فترة محاسبية.
[3]  لمزيد من التفاصيل حول هذه المعايير ،يمكن الرجوع الى البيان الصادر من المنظمة الدولية للاجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(الانتوساي)، تقرير لجنة معايير المحاسبة ،اطار المعايير المحاسبية، 1995.وهي متوفرة على موقع المنظمة على شبكة المعلومات الدولية الانترنت.www.intosai.org
[4] تمثل محاسبة البيئية القدرة على تحديد القيم النقدية للعوائد والتكاليف الناتجة عن جهود الإدارة البيئية والقدرة على تطبيق الأدوات المالية التقليدية في اتخاذ القرارات البيئية ودراسة أثرها على الميزانيات.
[5] المحاسبة الاجتماعية عبارة عن مجموعة أنشطة تختص بقياس وتحليل الأداء الاجتماعي لوحدة محاسبية معينة، وتوصيل المعلومات اللازمة للفئات والطوائف المختصة ،وذلك بغرض مساعدتهم في عملية التقييم واتخاذ القرارات.
[6] يمكن التعرف على تفاصيل أكثر عن تلك المعايير بالرجوع إلى مقالة " مراجعة لأنظمة وقوانين المحاسبة البيئية" ل فاطمة السعد، مجلة العلوم الاقتصادية،العدد16ك1 ، 2005: 125-142.
[7] تتأثر القابلية للفهم بأمرين ، أولهما : مهارة وخبرة من يعد المعلومات، وثانيهما : مهارة وخبرة من سيستخدمها(مطر، 2004 : 322).
[8] يقصد به المعنى العام لجميع أنواع الكتب كالتقارير والقوائم والرسائل والبحوث والدراسات وغيرها.
[9] نقلا عن (الفكيكي، 2003 : 214).
[10] تقرير لجنة INTOSAI ،1995.
[11] مسحوبة من الانترنت.
[12] من تعليقات العلامة الدكتور عباس كاشف الغطاء على بعض الاسئلة الموجهة اليه .
[13] من تعليقات  العلامة الدكتور عباس كاشف الغطاء على بعض الاسئلة الموجهة اليه.
[14] مسحوبة من الانترنت.
 
[15] مسحوبة من الانترنت.
[16] السبرنتك منهج يدرس عمل أنظمة مكيفة، وآليات الضبط التلقائي(الذاتي) ، ونماذج السبرنتك تمكن من تأطير عمل نظام الإدارة سواء أكان ومن وجهة نظر استقرار(أي رقابة بواسطة التغذية العكسية للعمل الجيد للنظام)، أو من وجهة نظر ديناميكية، أي رقابة تطور النظام( مجموعة محاضرات في الرقابة لطلبة الدكتوراه في المحاسبة الفصل الدراسي الثاني2002/ 2003، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة البصرة).
[17] يقصد به التقويم الهجري الشمسي.
[18] مسحوبة من الانترنت.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رزاق مخور الغراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/05



كتابة تعليق لموضوع : النظام المحاسبي المعاصر دراسة تحليلية في الاعجاز التشريعي في السنة النبوية الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net