صفحة الكاتب : فالح حسون الدراجي

الحسين والعراق..
فالح حسون الدراجي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ثمة ارتباط وثيق بين الإمام الحسين عليه السلام، وبين العراق. وهذا الارتباط القوي الذي يصل أحياناً حد التشابك بين أغصان وجذور وأفياء وأثمار هاتين الشجرتين العظيمتين، وأقصد بهما شجرة الإمام الحسين العالية، وشجرة العراق الوارفة، هو ارتباط سريالي، يحتاج فيه المرء الى ثقافة خاصة، ودراية متقدمة، ومشاعر صافية، وإيمان وطني وعقائدي كبير، كي يعرف سر الوصول لمفتاح هذه العلاقة الحميمية، بين سيدنا العظيم الحسين، وسيدنا العظيم العراق..!!
ولكي أكون دقيقاً فإني أحتاج الى أكثر من رأي، وأكثر من جواب على سؤال يراودني كثيراً، وهو كيف نسجت هذه العلاقة بين هذين الحبيبين في دمي، وهل أن غيري من الناس قد تنبه لهذه العلاقة المتينة مثلي، ولهذا الحب الفريد أيضاً؟
لماذا العراق والحسين دون غيرهما يمشيان معاً في دمنا، ويسريان سوية في عروق حياتنا دون أن يفارق أحدهما الآخر كل هذه السنين التي لاتعد ولا تحصى. فأية صحبة، ورفقة مباركة جمعت بين هذين المقدسين، وهما يقيمان الى الأبد في أرواحنا الطاهرة؟
صحيح أن هناك كثيرا من المعشوقين، والعظماء في حياتي، فأمي مثلاً التي هي عندي أغلى من روحي، وأبي الذي يحبه الناس أكثر منا، والحزب الشيوعي الذي أعطيته زهرة شبابي، وعلي بن أبي طالب، الذي لا يقاس حبه عندي، وعند أفراد عائلتي بمقياس قط.. حتى أن ابنتي (زهراء) التي تسكن مع أخوتها في الولايات المتحدة، قد تعرضت قبل فترة لسؤال مفاجئ من أحدى زميلاتها الأمريكيات، التي زارتنا في البيت، عن صاحب الصورة الكبيرة جداً، المعلقة في الصالة - والصورة للإمام علي عليه السلام - فأجابتها ابنتي زهراء (بالإنجليزية طبعاً) دون تأخير أوتفكير: (هذه صورة ربنا الثاني)!
فقلت لها بغضب: كيف تقولين هذا يا بنتي.. إنه حرام؟
فضحكت، وقالت رغم صغر سنها: أي حرام هذا يا بابا؟!
ثم أكملت: صحيح أنا أعرف أن ربنا هو الله وحده لا شريك له، لكني لم أجد في الإنجليزية كلمة مناسبة ومقاربة لعظمة علي بن أبي طالب غير هذه الكلمة.. وأعتقد يا أبتي أن كل كلام فخم عن علي بن أبي طالب، حتى وإن كان مبالغاً فيه، فهو لن يغضب الله أبداً، لأن الله سبحانه وتعالى يعرف قيمة وعظمة، ومكانة علي!.
فصمتُ، ولم أجبها بكلمة واحدة، فقد كان كلامها صحيحاً..
أذن..! فمكانة علي العظيمة عندي، ومحبة أمي التي لا تضاهيها محبة وحجم والدي في نظري، ونظر الناس، (وغلاوة) الحزب الشيوعي عندي، فضلاً عن مساحة الحب الواسعة في قلبي لزوجتي وأولادي، وأصدقائي فهي كلها كبيرة ومهمة، لكني صدقاً لا أعرف لماذا يرتبط عندي الحسين بالعراق؟
ولماذا يحضر الحسين في وجداني حين أبكي على العراق.. ويحضر العراق في عيني عندما أبكي على الحسين.. ولماذا أشتاق لرؤية قبة الحسين، ومرقد الحسين، وشباك ضريح الحسين بمجرد أن يهزني الشوق الى العراق لما أكون بعيداً عنه..؟ ولماذا أيضاً أشتاق لرؤية العراق عندما أشتاق الى كربلاء.. ما سرِّ هذا التداخل العجيب بين هذين الرمزين الحبيبين. وما سرِّ هذا التلاقي بين حب هذين الشيئين؟ فاليوم مثلاً، وأنا خارج العراق في زيارة للأولاد بأمريكا، تذكرت أربعينية الحسين، فتمنيت أن أكون هناك في هذه الأيام الحزينة، وأمشي مع الماشين على الأقدام الى كربلاء مثلما مشيت معهم في العام الماضي، ولكن سرعان ما حضر العراق في هذا التذكر، وأشتبك الأسى في عيني، فبكيت دمعتين، واحدة على العراق وواحدة على الحسين!!
أيها العراق المقدس، سيُلعَن قتلتك الى يوم القيامة، كما يلعن اليوم وغداً قتلة الحسين، ولا فرق في أن يكون قتلة العراق من أهل الشام، أو من أهل الكوفة، فالناس تلعن يزيد كل ساعة، وتلعن معه الشمر دون تمييز بينهما. فشكرا لمصيبة العراق التي تذكرني بالحسين كل حين، وشكراً لفاجعة الحسين التي تذكرني بفاجعة العراق كل يوم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فالح حسون الدراجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/08



كتابة تعليق لموضوع : الحسين والعراق..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net