صفحة الكاتب : علي علي

آخر الدواء.. الانعاش..
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  نسمع كثيرا -وقى الله القارئ- عن السكتة القلبية، وهي توقف القلب المفاجئ عن العمل، وعادة مايفارق الحياة كل من يصاب بها إلا من حباه الله فينجيه منها، لأسباب يعلمها وحده جل وعلا، فيعاود إذاك قلبه ضخ الدم الى أنحاء الجسم. والأطباء قطعا لا يقفون مكتوفي الأيدي إذا ما وقعت حالة مثل هذه أمامهم، إذ هم يفعلون كل ما بجهدهم لإنقاذ حياة المريض. وبما أن العضو المصاب بالسكتة هو القلب، الذي يتربع وسط الصدر يحيطه جدار يحميه من المؤثرات الخارجية، لذا فإن يد المسعف لايمكنها الوصول اليه وإجراء اللازم من الإسعافات الأولية ومحاولات إعادة الحياة اليه. الأمر الذي حث الأطباء وحفزهم على البحث عن حل لهذه المعضلة، فتوصلوا الى ابتكار طريقة، تتمثل باكتشاف جهاز جديد من شأنه توليد فولتية عالية جدا لجزء معلوم من الثانية، يوجه مباشرة على صدر المصاب بالسكتة، في محاولة لتنشيط عضلة القلب وإعادتها الى العمل -بإذن الله طبعا- وهي عملية يثاب عليها صاحب الفكرة وصانعو الجهاز ومستخدموه، في حال إنقاذ المصاب اوعدمه، إذ (الأعمار بيد الله). وتسمى هذه العملية بـ (Cardiopulmonary resuscitation) أي (الإنعاش القلبي) وهو آخر الدواء.
  ماتقدم ليس محاضرة طبية.. او درسا من دروس كلية الطب، بل هو تشبيه أراه قريبا الى حد ما مما يجري في ساحتنا العراقية، ولن أتناول ما كان يحدث قبل عام 2003 فشماعة الإخفاقات والتداعيات آنذاك كانت النظام الحاكم المتمثل برأس الحكم صدام.. بل سيكون حديثي مقتصرا عما جرى بعد ذاك العام، إذ الجميع هلل واستبشر خيرا بالتغيير الجذري الذي حصل فيه، وخال بعضنا أن العراق سيسابق الريح، ويعدو وسط أمم العالم المتحضرة ليكون أولها، كما كان قبل أربعة آلاف عام أولها. وأول بشائر ذاك الإحساس هو كمّ الحرية الهائل الذي أمطرته علينا سماء (عام السعد). كذلك شكل الحكومة وآلية انتقاء الحكام، هو الآخر كان صدمة للعراقيين بعد سنين القمع والدكتاتورية.
    إلا أن الرياح لم تكن لتأتي بما يشتهي الشعب، فبعد ان صار أمر الحكومة والرئاسات انتخابيا، حصل ما لم يكن يحصل في زمن الدكتاتور، إذ تلبست نعمة الحريات الممنوحة للمواطن العراقي بلبوس النقمة والوبال عليه، ولم يعد يرى من خيرها غير كثرة الاتصالات وأبراج الشبكات بمسمياتها العديدة، بين عنكبوتية وإلكترونية، ومن الفضائيات.. هلّت عليه من على شاشات تلفازه قنوات ماكان يراها في عالم الخيال، ومن الأجهزة المنزلية ما يسد عليه كل حاجاته وحاجات ربة بيته وأولاده، وكذلك من المركبات والعجلات والسيارات موديلات وماركات يحار في عدّها.
   ولكن في حقيقة الأمر كانت هناك مأساة تغرق فيها البلاد والعباد، أودت أخيرا الى مآل لايسر أي عراقي ينتمي لأرض العراق واسم العراق روحا وهوية وكيانا ووجودا، فالأرض احتلها أوباش.. والعرض هتكه رعاع.. والمال سلبه قراصنة.. والدين لوثه كفرة.. والرموز هدمها تكفيريون.. والحريات اغتصبها معتوهون لايعرفون معنى الإنسانية.
  هو نداء الى ساسة العراق الجدد.. فلتشكل لديكم هذه المصابات والانتكاسات والتداعيات جميعها صعقة كهربائية، كتلك التي يحدثها جهاز (الانعاش القلبي) لتشحذ فيكم طاقة العمل الدؤوب والنيات الخالصة، لحل المعضلات والعقد التي أصابت الجسد العراقي، لإعادة أمجاده وإنقاذه مما وصل اليه.. "لعلكم تنعشون".
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/18



كتابة تعليق لموضوع : آخر الدواء.. الانعاش..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net