صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح207 سورة الكهف الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً{94} 

تستمر الآية الكريمة بسرد تفاصيل قصة ذي القرنين , وتروي على لسان القوم (  قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ) , يختلف المفسرون والمؤرخون في معنى (  يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ) , فذهبت بهم الآراء وتعددت الرؤى , ننقل بدورنا عدة اراء في هذا المضمون :      

1- اسمان لقبيلتين من ولد يافث بن نوح , ( عن الهادي عليه السلام جميع الترك والسقالب ويأجوج ومأجوج والصير "الصين"  من يافث ) . "كتاب العلل" . 

2- التسمية صينية ( كوك ) وتعني قارة شعب الخيل وهم من المغول والدول المجاورة للصين . 

3- اسمان أعجميان منعا من الصرف للعلمية والعجمة ، وعلى هذا فليس لهما اشتقاق , يذهب الى هذا الرأي جملة من المفسرين ومنهم السيوطي في تفسير الجلالين والفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 . 

4- بعض الآراء تشير الى انهما كلمتين عربيتين , لكن الاختلاف يقع في الاشتقاق : 

أ‌) اشتقا من أجيج النار وهو التهابها . 

ب‌) أشقتا من الأج وهو سرعة العدو . 

ت‌) اشتقا من الأجة بالتشديد وهي الاختلاط والاضطراب . 

5- وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجبل . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

فليكونوا من يكونوا الا انهم (  مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ) , بالقتل والنهب والتخريب واتلاف المزروعات وغير ذلك , (  فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً ) , يعرض القوم على ذي القرنين ان يعطوه المال او ان يدفعوا له الخراج , (  عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ) , حاجزا يمنعهم من الوصول الينا .         

 

قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً{95} 

تروي الآية الكريمة رده عليهم , وكان في محورين : 

1- (  قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ) : بين النص المبارك عدة امور منها : 

أ‌) يدل النص المبارك على موافقته , وعدم رفضه لطلبهم . 

ب‌) اشار لهم بأن ما مكنه الله تعالى فيه من المال والملك خير وافضل مما سيدفعون له من الخراج .  

ت‌) يشير النص المبارك ان ذو القرنين بنى السد تبرعا من دون اي مقابل . 

2- (  فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ) : يسترسل ذي القرنين بكلامه معهم قائلا (  فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ) , اعينوني بما تملكون من العدة والعدد , (  أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ) , يلاحظ في الآية الكريمة السابقة ان القوم طلبوا منه ان يبني لهم سدا , لكن ذي القرنين رأى ان السد غير كاف , لذا قرر ان يبني لهم ردما , اما الفرق بين السد والردم  فتختلف فيه الآراء , نذكر بعضا منها :          

أ‌) الردم : حاجز حصين . "تفسير الجلالين للسيوطي".

ب‌) الردم : حاجزا حصينا وهو أكبر من السد . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" . 

ت‌) السد يبنى على شكل حائط بين جانبين , لكنه غير منيع ازاء الهزات الارضية والظروف الجوية الاخرى , وبذا يكون عمره قصير , اما الردم , فيبني على شكل حائطين بين جانبين , يملأ ما بينهما بالتراب , وبذا يكون اكثر منعه وصمودا امام الكوارث الطبيعية , ويدوم طويلا . 

 

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً{96} 

يستمر كلام ذو القرنين في الآية الكريمة مخاطبا القوم (  آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ) , قطع الحديد , (  حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ) , جانبي الجبلين , (  قَالَ انفُخُوا ) , امرهم بنفخ الاكوار , (  حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ) , حتى انصهر الحديد وصار كالنار , (  قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ) , يبين النص المبارك ان ذو القرنين طلب منهم احضار النحاس , افرغه بين قطع الحديد المحمي , فتداخل مع بعضه وتماسك , حتى صار قطعة واحدة .          

تنبغي الاشارة هنا الى : 

1- ان ذو القرنين هو اول من بنى الردم . 

2- ان عمل ذو القرنين كان بمثابة المهندس المشرف والمخطط للعمل , وعمل القوم كان يقتصر على تنفيذ وصاياه واوامره .  

 

فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً{97} 

تبين الآية الكريمة ( فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ  ) , لم يستطع يأجوج ومأجوج ان يعبراه , والسبب ارتفاع الردم , ولم يتمكنوا من تسلقه لملاسة جداره , (  وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً ) , وايضا لم يستطيعا خرقه , لصلابته وسمكه .  

 

قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً{98} 

تروي الآية الكريمة على لسان ذي القرنين ونستقرأه في خمس موارد : 

1- (  قَالَ هَذَا ) , يختلف المفسرون ان الاشارة هنا الى : 

أ‌) السد . 

ب‌) الاقتدار على بناءه . 

ت‌) كلاهما معا .

لا تنافي بين الرأيين ولا اعتراض , فكلاهما يتفقان ولا يتقاطعان .

2- (  رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ) , النص المبارك يترك المجال مفتوحا لكثير من الآراء منها : 

أ‌) ان ذو القرنين قال ( ربي ) ولم يقل ( ربنا ) مثلا , في ذلك دعوة للقوم ان يؤمنوا بما يؤمن هو به . 

ب‌) (  رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ) ان ذو القرنين يعترف بفضل الله تعالى عليه ورحمته , بأن هيأ له من الاسباب ومكنه منها , فيظهر ذلك شكرا وبيانا لعجزه من دون رحمته عز وجل . 

ت‌) (  رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ) : نعمة لأنه مانع من خروجهم  . "تفسير الجلالين للسيوطي".

ث‌) (  رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ) : على عباده . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

3- لكن هذا الردم سوف يمنعهم مدة من الزمن ( فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي ) , بخروجهم قبل يوم القيامة .

4- (  جَعَلَهُ دَكَّاء ) , مدكوكا مسوى بالأرض . 

5- (  وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً ) , كائنا لا محالة , والوعد هنا بخروج يأجوج ومأجوج قبل يوم القيامة .  

 

وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً{99}

تبين الآية الكريمة حال يأجوج ومأجوج يوم خروجهم (  وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ) , يختلط بعضهم في بعض مزدحمين , وعبر عنهم انهم (  يَمُوجُ ) لكثرتهم , (  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) , لقيام الساعة ( البعث ) , (  فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً ) , يجمع الخلق جميعا للحساب دون استثناء .    

 

وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً{100} 

تبين الآية الكريمة ان الله تعالى سيعرض جهنم للكفار , تبرز لهم , فيتمكنوا من مشاهدتها .   

 

الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً{101}

الآية الكريمة السابقة ذكرت الكافرين ولم تبين حالهم , فبينت الآية الكريمة حالهم او ما كانوا عليه : 

1- (  الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي ) : كانت اعينهم تغشاها الحواجب والحواجز ( الاغطية ) فلا ترى آياتي .  

2- (  وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ) : كانت اذانهم تستثقل سماع الحق مما جاء به الرسول الكريم محمد (ص واله) , بغضا وتعنتا وعنادا .         


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/09



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح207 سورة الكهف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net