صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

ليلة الزكريا في سامراء!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كنا نتجمع مبتهجين حول صينية الزكريا عند أول أحّد من شعبان كل عام , وبعضهم يصوم ذلك اليوم.
والليلة نسبة للنبي زكريا  الذي نادى ربه طالبا منه ولدا , وهو في سن الثانية والتسعين من العمر , وزوجته السيدة إيشاع عاقر في سن الثامنة والتسعين , ولبى الله تعالى نداء زكريا ورزقه بإبنه (يحيى) النبي. 
 
"هنالك دعا زكريا ربه , قال ربِ هَب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء"3:38 
"يا زكريا إنا نبشرك بغلام إسمه يحيى لم نجعل له من قبل سَميا". 19:7
"قال ربِّ أنى يكون لي غلام وكانتِ امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكِبر عتيا"19:8 
"قال كذلك قال ربك هو عليّ هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا"19:9  
"قال ربي أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكِبر وإمرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء"3:40
 
 وإستعدادا لليلة الزكريا يتم شراء الأوعية الفخارية الصغيرة الحجم على عدد أبناء العائلة , فللولد يكون الإبريق وللبنت التُنكة , وكذلك تُشترى الشموع الحناء والبخور, وأنواع الحلويات كالجوكليت والحلقوم (لقم) , والحمص والكرزات.
 
وكانت مهمة الصبية إحضار "الآس" , فنذهب إلى حداق سامراء العامة التي كانت تزهو بأشجار الآس , خصوصا شارع البنك أيام زمان , والحدائق الزاهية المسورة بالآس في منطقة (الأعمار) , الواقعة ما بين البلدية القديمة وسدة سامراء , حيث الحدائق الوارفة التي تتباهى فيها أشجار اليوكالبتوس والدفلى , وتتغنى الأطيار.
ومن هذه الحدائق نقطع باقات الآس على عدد الأوعية الفخارية , حيث يوضع الآس بعد أن يسكب فيها الماء.
 
وفي الصينية توقد الشموع على عدد أفراد العائلة , بأحجامها وألوانها المتنوعة ,وتوضع عجينة الحناء في آنية صغيرة وتنغرز فيها عيدان البخور.
وتتعدد ألوان الطعام , كالمحلبي والحلاوة والزردة بالحليب والحلاوة الشكرية والسمسم المقلي المحلى بالسكر , وغيرها من أطباق المأكولات التي تعدها ربة البيت.
 
وبعد غياب الشمس , توقد الشموع , ويجتمع أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء , ويتلى القرآن  , وندعو الله أن يحقق "مُرادنا" , ويديم نعمته علينا  .      
وبعدها تجدنا نردد:
 
" يا زكريا ...عودي عليه 
كل سنة وكل عام
ننصب صينيه"
 
ونكررها مرارا , وقد إمتلأنا بالفرح والشوق لتناول الحلوى , فنأنس بالصينية والآس والشموع.
 
تلك عادة إجتماعية كانت على قدر من الأهمية والإنتشار في سامراء , ولها مواسمها الإقتصادية ,  وأظنها قد تلاشت وانحسرت أو فقدت ذلك الدور الإجتماعي الإيماني الفياض , خصوصا وأن أشجار الآس قد إختفت من المدينة , وما عادت تشكل حيزا في ذاكرة الأجيال على مدى أكثر من ثلاثة عقود , بعد أن خُرّبت المساحات الخضراء والحدائق العامة والوسطية في أرجاء المدينة.
 
تذكرت صينية الزكريا ورحت أشم رائحة الشموع والآس بأوراقه المتلامعة مع وميض ضوء الشموع , المحتفلة بليلة الزكرية وبالصينية المزدحمة بالحلويات الشهية.
 
هذه عادة إجتماعية متوارثة أسهمت في تواصل الأجيال وتماسك التفاعل الإنساني ورسوخ الوشائج العائلية , وبغيابها وأمثالها , ينتقل المجتمع إلى مرحلة الضعف والتهلهل , ومن القوة الإهتمام بالتقاليد والسلوكيات الإيجابية التي حافظت على بقائنا المعافى السليم. 
 
فهل بقيت عندنا زكريا , تجمعنا بصينيتها , وتطهّر قلوبنا من الأوضار؟!
 
تحية لسامراء مدينة المحبة والألفة والضيافة والإيمان والحضارة والتأريخ , وكل (زكريا) وهي بألف خير!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/06/07



كتابة تعليق لموضوع : ليلة الزكريا في سامراء!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net