صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

"الكِسيرة"!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



من الكسر والإنكسار , وتعني الهزيمة والسقوط والإنهيار أيضا.

وكانت جدتي تحدثني عن "الكِسيرة" والتي أطلقت على هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى , ودخول الإنكليز بغداد بقيادة "مود" , حيث تركها الكثير من الأهالي خوفا من الإحتلال , ومنهم جدتي , التي شدت الرحال وزوجها وطفليها إلى أعمامهم في سامراء , التي كانت مدينة مسورة ذات أبواب تغلق ليلا , فينام الناس آمنين.

قالت جدتي " إنهزمنا سيرا على الأقدام بمحاذاة نهر دجلة متجهين إلى سامراء , وعند الإقتراب منها قررنا أن نستقر في منطقة عند الماء تسمى " إمْعيجل" , والكلمة ربما من العَجَل السرعة , وهي تصغير لها.

تذكرت الكسيرة ونحن نعيش الذكرى السابعة والأربعين للإنكسار العربي المروع في 5\6\1967 , والذي غيّر مسيرة الحياة العربية , وأرداها في عقود من التخبط والإضطراب والتداعيات , التي لا تزال تتفاقم وتتعاظم وتمعن بالإنكسار والإنهزام والتداعيات.

ففي ذلك اليوم إستيقظ العرب من سرابات تصوراتهم وأحلام أهوائهم , فاكتشفوا بأنهم الأضعف , وصاروا المنهزمين المنكسرين أجمعين , أمام دولة واحدة أصغر من أية دولة بينهم , لكنها الأقوى والأعقل والأحكم والأقدر بالمقارنة بهم جميعا.

إنكسر العرب , فازدادوا تمزقا وتفتتا وخرابا واضطرابا , حتى استخدموا ثرواتهم الوفيرة لتحقيق أعلى درجات الخراب في ديارهم والصراع فيما بينهم , وكأن في أعماقهم صوت ينادي فيلقي باللائمة على كل واحد منهم , وذلك الواحد يريد التبرؤ من المسؤولية فيلقيها على غيره وهكذا صاروا منزهين ولا مسؤولين  , فالفاعل والمفعول به تقديرهما هو وهو!!

إنكسر العرب ولايزالون يتكسرون كالأحطاب اليابسة المنخورة بالأُرضة , فلا يقوَ الواحد منهم أن يكون عمودا في خيمة وجودهم أو وتدا متمسكا بخيمة العروبة والدين , بل أن الأعمدة تتساقط والأوتاد تتحارب , والحريق يتأجج وسط الخيمة , وكل منهم قد لجأ إلى خيمة أخرى يحتمي بها من أخيه العربي , الذي يستحضر ما يستطيعه من طاقات العدوان والإنتقام للنيل منه وإبادته.

وبعد ما يقرب من نصف قرن على تلك الكسيرة , يبدو أن براعمها قد أينعت , وأفكارها قد تطورت , ووجدتنا في القرن الجديد نتهاوى في مطبات إنكسارية إنتحارية ترفع رايات الحرية والديمقراطية , حتى صار الجار لا يعرف جاره , وإبن الوطن ينكر بلاده وينتمي إلى ما يعزز التناحر والفرقة والتشرذم والضياع والتبعية والهوان.

تلك إنجازات "الكِسيرة" العربية المتوالدة المتظافرة المتنامية , التي يتحقق فيها أعظم الإستثمار المربح في تفريغ الأوطان من قدراتها , وإستعبادها ومصادرة قيمها وأخلاقها وسيادتها وحريتها  , وبيعها في أسواق المزادات الإفتراسية السكرى بالنفط.

والعجيب في أمر العرب أنهم أوجدوا طاقات إنكسارية في أعماقهم وأكدوها بسلوكهم المتواصل , حتى تمكنوا من تحقيق متوالية من الحطامات والتراكمات المتعفنة التي تبعث روائح سامة وخانقة.

فالعرب كسروا أنفسهم وحطموا وجودهم وبإختيارهم ومؤازرتهم للطامعين بهم , فلا يكسر الشعوب إلا أهلها!!

ودامت الكِسيرة , فأكثر العرب ينامون على الحصيرة , وعاشت المسيرة!!
 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/06/06



كتابة تعليق لموضوع : "الكِسيرة"!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net