صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

معمودية التوبة . هل كان المسيح مذنبا ؟
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بداية نقرأ: أمر السيد المسيح تلاميذه قائلا : (( فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم بإسم الآب والابن والروح القدس)). (1)
في هذا النص يأمر السيد المسيح تلاميذه الحواريين بان يذهبوا إلى جميع الامم مبلغين لهم بالدين  الجديد. 
ولكن في نفس الإنجيل يقول : (( أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا: إلى طريق الامم لا تمضوا.. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضال)).(2)
في هذين النصين تتضح لنا امور ، منها: أن يسوع امر الحواريين بان ينشروا رسالته لكل العالم. عن طريق التعميد (وعمدوهم). 
ولكن في النص الثاني يقول بأن يسوع منعهم من نشر رسالته إلى كل العالم ومنعهم من دخول مدن الامم وإنما أمرهم ان ينشروا دعوته فقط بين  اليهود.إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.  
فما هي القصة بالضبط ؟ 
هناك اشكالات تطرح نفسها بقوة من خلال نصوص الكتاب المقدس استفتينا فيها أكثر من رجل دين مسيحي ومن مذاهب مختلفة . فجاءت الأجوبة لتزيد من حيرة السائل حيث تضاربت بشكل مثير للشفقة وكانها لم تصدر من مصدر واحد (الوحي) حتى يخال إليك أن المجيبين على هذه الأسئلة ليس لهم علاقة بهذا الدين الذي يُدينون به.او على الاقل ليسوا على اطلاع على ما فيه.
 
اليوم نطرح اشكالا لعله الأخطر من بين كل الإشكالات التي طرحناها وعالجناها في مواضيع سابقة . تلك هي (شعيرة المعمودية) وهي الركيزة الاساس في هذه الديانة. 
 
قبل الدخول في الموضوع علينا أن نعرف ما هي المعمودية . 
تشير الكلمات اليونانية المترجمة إلى (عمد) ، (معمودية) وما يتبعها من مفردات إلى (التغطيس) أو الغمر الكامل في الماء .
 يقول قاموس سميث للكتاب المقدس في مادة عمّد أن معنى المعمودية الحرفي والصحيح هو التغطيس . ومن هنا فقد أطلق على يوحنا بأنه (يوحنا المغطِّس) . 
ويقول أوغسطس نياندر في مؤلفه تاريخ الدين المسيحي والكنيسة ، خلال القرون الثلاثة الأولى: كانت المعمودية في الأصل تُجرى (بالتغطيس) . 
كما يعلق المرجع الفرنسي المشهور لاروس القرن العشرين، باريس (1928 ) فيقول : اعتمد المسيحيون الأولون (بالتغطيس) حيثما وجد ماء . 
وتذكر دائرة المعارف الكاثوليكية الجديدة فتقول : من الواضح أن المعمودية في الكنيسة الباكرة كانت تجري (بالتغطيس) . (3) ولذلك فإن المعمودية الكاملة التي تطهر صاحبها من الذنوب والآثام هي بالتغطيس الكامل وأي جزء لم يمسه الماء ، فهذا الجزء يبقى مصدر عذاب لصاحبه لأنه لم يتطهر. 
 
 
إذا كانت المعمودية واحدة ،هي رمس كامل الجسد بالماء ولكن لم يمض زمن عليها حتى أصبحت معموديات تُمارس بطرق مغايرة لما موجود في كتابهم المقدس .
 
فبينما نرى أن يوحنا (4) كان يُعمّد الناس في النهر بأن يغطسهم فيه ـ كامل الجسد ـ ، وجاء عيسى وتلاميذه ليفعلوا ذلك أيضا فلم نجد في الكتاب المقدس إي اشارة إلى أن التعميد حصل في أحواض أو آنية أو أجران . 
ويبدو من خلال النص أن الماء يجب أن يكون جاريا لتحصل الطهارة الكاملة . المسيح نفسه عُمّد بهذه الطريقة . ولكننا نراها وبمرور الأيام تتغير فتصبح رمسا في الأحواض الكبيرة ثم تتطور لتصبح قطرات تُصب على رأس الطفل مأخذوة من اناء موجود أمام المذبح . 
بينما في نصوص الإنجيل نجد أن السيد المسيح تم تعميده في نهر الأردن على يد إيليا النبي ، ثم أخذ المسيح يُعمد الناس في الأنهار والعيون الجارية كما نرى في هذا النص : ((يوحنا ايضا يعمد في عين نون بقرب ساليم لانه كان هناك مياه كثيرة)).(5)
لقد طبق التعميد في حياة السيد المسيح عليه السلام وشطرا من الفترة التي جاءت بعد رحيله ولكن فجأة تغير النص من التعميد بالماء إلى التعميد بالثالوث ! فمتى قال السيد المسيح ذلك وهذه بعض المخطوطات الأقدم من الإنجيل لم تذكر ذلك . لابل أن الكثير من علماء المسيحية رفضوا أن يكون السيد المسيح قد أمر أن يُعمد المسيحي بالثالوث. 
 
ففي مخطوطة شيم توف لإنجيل متى الإصحاح 28 الفقرة من 8 ـ 20 والتي عُثر عليها قبل سنين لم يرد اي ذكر للثالوث فالنص واضح لا غبار عليه وهو يقول : ((اذهبوا وتلمذوا الأمم وعمدوهم بإسم المسيح)) . (6)
فلم يمض إلا زمن قصير حتى يفاجئنا نفس الإنجيل بعبارة مغايرة تماما وهي : (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بإسم الأب والابن والروح القدس ثلاثة في واحد) . 
الغريب أن نص المعمودية بالثالوث الوارد في متى لم نراه في إنجيل مرقص ! فقد أورد مرقس فقرة مغايرة جدا حيث قال : ((اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا للإنجيل للخليقة كلها )). راجع إنجيل مرقس الإصحاح 16 : 15.
وأما لوقا في إنجيله فقد قلب النص بشكل غريب بحيث انقطعت الصلة بينه وبين النصوص الأخرى التي ذكرناها فلم يورد ولو أي اشارة صغيرة إلى ذكر الثالوث . فقال : (( وأن يكرز بإسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع لامم مبتدأ من أورشليم)) إنجيل لوقا الإصحاح 24 : 47.
 
وأما يوحنا في إنجيله فقد تصرف تصرفا مريبا حيث سكت عن مسألة التعميد فلم يورد أي حرف مما ذكرته الاناجيل قبله. 
 
ونتساءل هنا .
 إذا كانت المعمودية هي المدخل للإيمان المسيحي يعني مثل (شهادة لا إله إلا الله ) في الاسلام.  وأنها المطهرة للناس من الآثام والخطايا كما نرى ذلك واضحا في إنجيل متى 3: 6 ((واعتمدوا منه في الأردن، معترفين بخطاياهم )). فلماذا لم يحصل اتفاق بين كتبة الأناجيل حول الصيغة التي ذكرها السيد المسيح في خاتمة إنجيل متى ؟ ولماذا هذا التضارب والاختلاف المريع بين الأناجيل الثلاث حول كيفية التعميد هذا إذا اضفنا سكوت يوحنا عن ذلك فلم يورد ولو اشارة صغيرة إلى مسألة التعميد ولا الثالوث. 
المشكلة أن النصارى وفي عملية (انتقائية) اختاروا التعميد بالتثليث ولا ندري السبب الذي جعلهم يعزبون عن الأناجيل الثلاث التي لم تذكر مسألة التثليث لا بل ويعزبون عن قول بولص الذي نفي التعميد والتثليث جملة وتفصيلا. 
 
أليس في ذلك إنهيارا لشريعة التطهير والدخول إلى الإيمان المسيحي ؟
 
يضاف إلى ذلك مراجع كثيرة نفت أن يكو السيد المسيح أمر بأن يُعمد الناس بالثالوث ومنها على سبيل المثال تفسير العهد الجديد لتيندال الجزء الأول ص 275. والذي ذكر فيه حرفيا تلك الأضافة وانها ليست من السيد المسيح فقال : ((أن من المؤكد أن الكلمات : بإسم الأب والابن والروح القدس)) ليست النص الحرفي لما قال عيسى ولكن اضافة دينية لاحقة.
 
هذا النص الغريب الدخيل بان زيفه من خلال قول بولص الذي نفى تماما أن يكون المسيح قد أوصاهم بالتعميد ناسفا بذلك هذا النص برمته حيث يقول : ((المسيح لم يرسلني لاعمد بل لابشر)). بولص هذا ا لذي ابطل شريعة الختان فأطاعه النصارى برمتهم وإلى يوم الناس هذا. فلا ندري لماذا لم يُطيعوه في مسألة إبطال شريعة التعميد ؟ 
 
يضاف إلى ذلك أن شعيرة التعميد نفسها لم تثبت من خلال الإناجيل . وذلك للتضارب أيضا بين الأقوال حول هل أن السيد المسيح عمّد المهتدين بيديه أم لا وهل قام المسيح بالتعميد أولا. 
فمثلا هناك نص يقول بأن السيد المسيح كان( يُعمد الناس بيده ). فيما نرى وعلى رمية حجر من هذا النص هناك نص آخر يُفند ذلك ويزعم أن (المسيح لم يُعمد) ، بل التلاميذ هم الذين كانوا يُعمدون. والله غريب عجيب أمر هذا الانجيل. 
 
النص الأول يقول بأن السيد المسيح كان يُعمد هو ويوحنا كل من يأتيهم من الناس فيغمسونه في النهر ليطرحو عنه ذنوبه فيعود كيوم ولدته أمه : ((وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه الى ارض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يعمد. وكان يوحنا ايضا يعمد في عين نون بقرب ساليم لانه كان هناك مياه كثيرة وكانوا ياتون ويعتمدون)).
 
ولكننا نرى أن النص في مكان آخر يتغير لينفي كون المسيح يعمد ، بل تلاميذه هم الذين يفعلون ذلك : (( مع ان يسوع نفسه لم يكن يعمد بل تلاميذه)) إنجيل يوحنا الاصحاح 4 : 1
 
تبدء حكاية التعميد أن السيد المسيح بزعمهم أنه أمرهم بأن يذهبوا ويعمدوا جميع الأمم . ولكننا عندما استعرضنا النص في إنجيل متى وجدنا أن السيد المسيح لم يأمر بتبشير جميع الأمم بل أمرهم أن يُتلمذوا بعض الناس من الأمم . والنص التالي يوضح ذلك : ((اذهبوا وتلمذوا أناسا من جميع الأمم وعمدوهم)) إنجيل متى الإصحاح 28 : 19.
(عمدوهم) فعل امر لازم يعني اكرهوهم أو اجبروهم. 
 
هذا النص جرّ الويلات على الناس حيث أن الكثير من الطغاة الذين حاولو ضم بعض المناطق تذرعوا بالمسيحية من أجل فرض سيطرتهم على هذه المناطق ففهموا كلمة (عمدوهم) وكلمة (الزمهم بالدخول) بأنها تعني اجبروهم على اعتناق المسيحية بالقوة . فقد أجبر الملك الفرنكي (شارلمان) ، السكسون الذين أخضعهم إلى سلطانه بالقوة أن يعتمدوا معمودية جماعية فغطسهم بالأنهار من سنة (775 ـ 777) وقد استمرت العملية سنتين في مطاردة مريعة راح فيهما الكثير من الضحايا ممن رفض التعميد وفضل البقاء على ديانته . 
 
وعندما تزوج الحاكم الروسي (فلاديمير الأول) أميرة من الأرثوذكس  سنة 987 بـ م وشرطت عليه أن يعتنق ديانتها وأغرته بما تملكه من مزايا فائقة في الجمال . قرر أن يصيّر رعاياه مسيحيين ولو بالاكراه . فأمر بإجراء معموديات جماعية لشعبه ، مهددا كل من يعصي هذا الأمر بالقتل ! وقد راح ضحية عملية التعميد القسري هذه الكثير من افراد شعبه إكراما لعيون زوجته اليونانية وبأمر من بابواتها بغية تحويل هذه الشعب إلى الارثوذكسية. 
 
الاشكال الأخير 
يعلم النصارى علم اليقين أن التعميد هو معمودية التوبة من الخطايا والذنوب فقد عمّد يوحنا الناس كرمز علني إلى ((توبتهم عن الخطايا )) راجع إنجيل لوقا الإصحاح 3 :3. 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :لماذا اعتمد السيد المسيح على يد يوحنا في نهر الأردن وأتباعه يزعمون أنه ولد بلا خطية ولا ذنب . بل جاء ليرفع عن الناس الخطايا والذنوب ؟
المصادر. 
1- إنجيل متى 28: 19.
2- إنجيل متى 10: 5.
3- راجع دائرة ا لمعارف الكاثوليكية الجديدة المجلد الثاني الصفحة 56 سنة 1967.
4- يدلنا تصرف الصابئة في معموديتهم على التزامهم الحرفي بتعاليم (يوحنا) يحيا المعمدان الذي يعتبرونه نبيا من انبيائهم حيث انهم إلى هذا اليوم لا يقومون بالمعمودية إلا في النهر الجاري تأسيا بيحيى ، بينما نرى المسيحية خالف ذلك.علما ان السيد المسيح لم تنزل عليه الرسالة إلا بعد أن قام يوحنا بتعميده بالماء في نهر الاردن حسب ما ورد في الانجيل. 
5- إنجيل يوحنا 3: 23.
6-  راجع الموسوعة الكاثوليكية المجلد الثاني ص : 238.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/04/20



كتابة تعليق لموضوع : معمودية التوبة . هل كان المسيح مذنبا ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net