صفحة الكاتب : محمد الحمّار

الإسلام والديمقراطية في مفترق الطرقات
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


من العوامل التي خلقت التفرقة – أو كادت- في المجتمع العربي الإسلامي الواحد، على غرار مجتمع تونس، وضعُ الإسلام والديمقراطية وجها لوجه في نزاع متواصل.
كيف حصل ذلك وهل هنالك مقاربة لتقريب الصورة من المسلمين حتى يكونوا على بيّنة من حقيقة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية بمنآى عن السياسة الآنية – التي يبدو أنها محكومة بالرتابة والتكرار واللف والدوران – بسبب اعتماد المجتمع السياسي لصورة أكثر غموضا حتى من الصورة المتوفرة لدى العامة؟
 إنّ مجتمعات مثل تونس ومصر، وبدرجة أخطر العراق وسوريا وليبيا - دون اعتبار أفغانستان والسودان وغيرهما- فرضت نخبها على شعوبها العيش بلا اجتهاد. وأعني نمطا من الاجتهاد يمكّنهم من أن يكونوا ديمقراطيين في نفس الآن الذي هم فيه مسلمون. و قد نتج عن هذا الوضع تضخيم للديمقراطية إلى أن تحوّلت بمرور الوقت إلى مدخل وحيد متبقٍّ للحداثة بعد انفلات الواقع المعاصر من حياة الإسلام ومن حياة المسلمين. وكانت النتيجة أن اخترعت الشعوب المخدوعة بواسطة نخبها آلية التخريب الذاتي التي اسمها الإسلام السياسي.
والآن وقد سجلنا انحسار الإسلام السياسي (من خلال التجربة في مصر وفي تونس على وجه الخصوص) أعتقد أنّ الوقت قد حان لتحرير الفكر الإسلامي من الحشر القسري في المجال السياسي الذي عانى منه طوال عقود، إذ إنّ الإسلام زادنا إثباتا أنه أكبر من أن يُسجن في حزبٍ سياسي. ولعلّها مناسبة – يوفرها لنا هذا التحرر- لمراجعة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية.
يلاحَظ في هذا الصدد أنّ محاولات التوفيق بين الإسلام والديمقراطية قد تحوّلت، في الفترة ما بين صعود الإسلام السياسي إلى غاية انحساره، من نعمة – مفترضة- إلى نقمة. أما السبب في ذلك فهو برأينا سوء تقدير العلاقة بينهما. ففي حقيقة الأمر، لا يصح الادعاء لا بأنّ الإسلام والديمقراطية متوافقان ولا بأنهما متناقضان قبل اكتشاف طبيعة هذه العلاقة أو بالأحرى قبل إنجاز تصوّر لهذه العلاقة. وقد بان بالكاشف أنّ التصرف خارج هذا السياق إنما هو ضربٌ من ضروب العبثية حيث إنّ الذي حصل على الميدان كان، من ناحية، الجزم بتوافق المنظومتين (بعض النخب المستنيرة ومراكز تهيئة الرأي العام سياسيا لقبول مبدأ التوافق)، ومن ناحية ثانية، الجزم بتعارضهما (الأطياف الأصولية والسلفية).
وكانت نتيجة الموقفين المتباينين إزاء الثنائي إسلام/ديمقراطية أنّ ما حدث هو مواجهة بين المنظومتين أكثر منه تشارك ووفاق. والأدهى والأمرّ هو أنّ المواجهة بين الدين الحنيف والديمقراطية اتسمت بالشراسة. ذلك لأنّها كانت غير متكافئة ومع هذا وضعت على قدم المساواة منظومتين، واحدة عملاقة و كاملة وشاملة وأخرى بشرية وقابلة للنقد والمجادلة. وهذا مما حكم على الجهود – الناعمة- الرامية إلى التوفيق بينهما، وعكس كل انتظار، بأن تفرز كل أصناف التباين والتعارض وحتى الإقصاء والتكفير.
 فلنعد إلى العلاقة بين المنظومتين ولنحاول رسم صورة لما عسى أن تكون. ولنلتجئ إلى الواقع المادي فنستأنس به للتشبيه والمقارنة.
لنتصور محولا ("كُبرِي") لتسهيل تدفق السيارات من صنف المحوّلات العصرية التي توجد في المدن الكبرى. و لنتصور أنّ السلطة العمرانية في مدينةٍ معينة قررت - لسبب أو لآخر- بناء محوّل آخر في نفس المكان لكن دون أن يُهدم المحوّل الموجود، و تبعا لمثال هندسي مغاير تكون له مواصفات مختلفة و تصميم مختلف وحجم أصغر – للضرورة المعمارية.
أمامنا الآن مشهد سريالي لا محالة لكنه مفيد لنفهم إشكالية لا تقل عنها سريالية: التأليف(ولا نقول التوفيق) بين الشمولي والنسبي . ويثير المشهد مجموعة من التساؤلات: هل بالإمكان أن تتطابق كل مكونات المحوّل الجديد مع مكونات المحوّل القديم؟ هل ستكون المسالك والمعابر والأرصفة والسبل والمنعطفات المكوّنة للمحوّل الجديد نُسَخًا طبق الأصل للمسالك والمعابر والأرصفة والسبل والمنعطفات التي يشتمل عليها المحوّل القديم، ومنتصبة في نفس البقاع وماسحة لنفس المساحات، لكي لا يحدث صدام بين البناء القديم والبناء الجديد؟ بل هل بالإمكان تمثّل المحوّل الجديد - المشروط  بعدم هدم القديم - من دون أن تلبَّى كل متطلبات الدمج بين المحوّلين ضمن المخططات والرسوم الهندسية المعدة لإنجاز المثال الهندسي؟
لكي نحصل على إجابات عن هذه التساؤلات يسجل الراصد لحركات وسكنات النخب المثقفة أنّ هذه الأخيرة لم تدرك أنّ للإسلام مدارُه وللديمقراطية مدارُها وبالتالي لم تتمثّل ماهية كِلا المدارين فكانت النتيجة أن وقعت في مطبّات عديدة  أضرّت بالبنايتين – القديمة والجديدة – ووفرت ظروف التنابذ والتنافر بين مكونات البنايتين. ولم يتسنَّ للنخب أن تقوم، على عكس ذلك، بما يلزم لإيجاد مخارج ممكنة من هذه المتاهة، والتطرق إلى إمكانيات المزاوجة بين المثال الهندسي الجديد و المثال الهندسي المتعارف، كأن تحفر الطرقات الجانبية وتهيّأ الممرات الرابطة بينهما وتبلّط المسالك المحفرة التي من شأنها أن تصل كلاهما بالآخر. ما فعلته هذه النخب أنها عجزت عن تجنب الصدام بين البنايتين.

بكلام آخر، إنّ الخلط بين بناء إسلامي وبناء ديمقراطي كان من الصنف الموَلد للانقسام وللصدام بين طرف علماني تواق إلى الديمقراطية لكنه مستبعِد للإسلام من مشروعه الاجتماعي لا لشيء سوى لأنه لا يملك تصورا لِما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الدين الحنيف والديمقراطية، وبين طرف إسلامي تواق إلى التجذر الهوياتي لكنه لم يكن يملك القدرة التأصيلية الضرورية لترجمة رغبته في قيادة الشعوب المعنية نحو الرقي والازدهار إلى مشروع قابل للتنفيذ.

بالنهاية، ما اشترك فيه العلمانيون والإسلاميون السياسيون هو أنّ الطرفين الاثنين استنكفا من تقدير الحجم الحقيقي لكُلٍّ من الإسلام والديمقراطية ومن تقصي طبيعتهما و من رصد مسارهما ومن قياس المسافات بينهما، وبالتالي لم يفعلا أيّ شيء لتحديد علاقة ممكنة بينها وبين الإسلام. مع ذلك، أليست السياسة فنّ الممكن؟
 
.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/09



كتابة تعليق لموضوع : الإسلام والديمقراطية في مفترق الطرقات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net