صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الديمقراطية لا تلدها الأنظمة الدكتاتورية؟!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المجتمعات التي تحكمت بها أنظمة دكتاتورية على مرّ العصور والأجيال , لا يمكنها أن تبني  الديمقراطية , بمجرد تغييرها لتلك الأنظمة.

 

فمجتمعاتنا لا تمتلك خبرة ومعرفة بنظام حكم غير دكتاتوري!

 

فما عرف الديمقراطية أجدادنا , ولا آباؤنا وأمهاتنا , وما شممنا رائحتها في البيت والمدرسة ومكان العمل , ولا نمتلك أبسط  مهاراتها , كالحوار وتبادل الآراء وتحملها واحترامها , والقدرة على التوافق والبحث عن الحل.

 

ولا أظننا نمتلك (جينا) ديمقراطيا واحدا (صبغة وراثية) , فكروموسوماتنا خالية تماما من أي حامض أميني ديمقراطي الملامح والتأثيرات!!

 

فكيف ندّعي الديمقراطية هكذا بين ليلة وضحاها؟!

 

البارحة كنا في الديكتاتورية , واليوم نحسب أننا في الديمقراطية!

 

هذا إدّعاء وسلوك لا يتفق وبديهيات الأمور على الإطلاق!

 

فالديمقراطية تربية متواصلة عبر أجيال وأجيال , والدكتاتورية كذلك , وتربيتنا الدكتاتورية أطول بمئات القرون من تربيتنا الديمقراطية التي ما عهدناها حتى اليوم , لكننا نتصورها ونتوهمها ولا ندركها كمنهاج عمل وحياة.

 

وهذا يعني أن مجتمعاتنا غير مؤهلة للإنتقال الفوري من حالة إلى حالة مغايرة لها , وهذا ما يفسر النتائج الوخيمة التي أدت إليها هذه الإنتقالة الخطيرة , الغير مدروسة , والأشبه بالفوران أو الهيجان الذي أوجده الشعور الأليم بأن الكيل قد طفح , وأن لا بد من التغيير.

 

فعندما صدحت الحناجر "الشعب يريد" , خلت الساحة من المفكرين والمنظرين والستراتيجين الذي يرسمون خرائط تحقيق الإرادة الجماهيرية , وإنما وجدت الجموع الثائرة أنها تواجه المجهول بكل ما يترتب على ذلك من مخاوف وتوجسات وحيرة وإضطراب وشعور بغياب الأمان.

 

جموع خرجت من أسر الدكتاتورية , لتجد نفسها أمام حالة غريبة عنها وغير مؤهلة للتفاعل معها , كأسرى الحروب والمعتقلات الذين أقاموا عقودا في زنازين الإعتقال , وعندما أفرج عنهم بغتةً  , فضل الكثير منهم العودة لزنزانته لأنه لا يمتلك مهارات صناعة الحياة.

 

فمجتمعاتنا وكأنها تعاني من التمعهد الدكتاتوري , وليس من السهل عليها أن تتشافى من هذا العوق الحضاري , الذي جردها من المسؤولية وأفقدها الإحساس بقيمتها ودورها الإيجابي في المجتمع.

 

والعلة التي واجهتها أنها ما حظيت بقيادة واعية ديمقراطيا , وذات خبرات وتجارب تساهم في تأهيل المجتمع للدخول في المرحلة الجديدة , مما دفع إلى التشظي والتمحور والتخندق والإنتماء لفئات ومسميات , وعناوين ترضي حاجاتها النفسية الأساسية للشعور بالأمان , وعدم التيهان في بيداء المجهول , الذي إنفتحت أبوابه وهبّت عواصفه وأعاصيره التي لا قِبَل لها بها.

 

فالمشكلة أن المجتمع فقد نظام المرحلة الإنتقالية التأهيلي اللازم لإمداده بالمهارات والآليات الضرورية لدخول مدن الديمقراطية ومجتمعاتها وكياناتها الحضارية المعاصرة.

 

وتقع المسؤولية على المثقفين والمفكرين الذين أغفلوا مسؤوليتهم في إعداد برامح التأهيل والتثقيف والتوعية المكثفة , وعدم إطلاق النظريات الديمقراطية المتفقة وخصوصيات المجتمع , وما فيه من المكونات التي تستدعي الدراسات والأبحاث , وهذا أدى إلى كتابة دساتير أو كُتِبَت , بسرعة غير معهودة في المجتمعات التي بنت تجاربها الديمقراطية العريقة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/31



كتابة تعليق لموضوع : الديمقراطية لا تلدها الأنظمة الدكتاتورية؟!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net