صفحة الكاتب : ايفان علي عثمان

قراءة فلسفية لقصيدة الشاعرة العراقية سلوى فرح ( لا يكفي ان تجن بي )
ايفان علي عثمان

سلوى فرح الشاعرة العراقية المتألقة التي انطلقت من اعماق مملكة الشعر لكي تكتب قصيدة استثنائية بلغة فصيحة وبليغة قل مثيلها في هذه الايام عند معظم الشاعرات العربيات بصورة عامة والشاعرات العراقيات بصورة خاصة حاولت بكل دقة وصف حالة التمرد التي تعيشها الانثى بداخلها في كل اشكال الحياة خاصة عندما يتعلق الموضوع بالرجل او الحبيب فقصيدتها ( لا يكفي ان تجن بي ) برغم كونها استثنائية فهي قصيدة متميزة لها بريقها الخاص المنبعث من كيان روح الشعر فليست كل قصيدة تكتبها الانثى تحظى بالاهمية والخصوصية في عالم الشعر لأنني مؤمن بأنه لا توجد شاعرة اوكاتبة تستطيع ان تكتب بواقعية قصيدة محصنة بمفردات اللغة والقواعد لأن الانثى بطبيعتها كائن فوضوي وعشوائي وطفيلي ومتسلق والاسباب متعددة وهي ليست متعلقة بالبيئة او بنشوء الحضارة او بالمراحل التي تطور فيه الشعر بل ان السبب الرئيس لعدم كفاءة الانثى في اي مهنة او وظيفة تعود الى العقلية المتحجرة والرجعية التي تسكن ذاكرتها ولكن لكل قاعدة شواذ فأمبراطورة الشعر العربي سعاد الصباح والشاعرة اللبنانية المتميزة رانية سربية والكاتبة العظيمة احلام مستغانمي فهن يعتبرن علامة مميزة في الادب العربي ولا تخضعن لأي قانون بأستثناء قانون التميز والمثالية في عالم الابداع والثقافة والادب واليوم لحسن الحظ اصادف بين الكثير من اسماء الشاعرات اسم هذه الشاعرة العراقية المتألقة التي يتساقط من قلمها حبر برتقالي ممزوج برائحة القرنفل فقصيدة ( لا يكفي ان تجن بي ) لسلوى فرح قلبت موازين كل قواعد الشعر بالنسبة للأنثى المبدعة .....

فتقول الشاعرة المتألقة في قصيدتها .....

 

هل تَعتَقد أن كُلَّ الطُيورِ خَفافيش؟

أملِكُ قِلادَةً ضِدَّ النُّسور

فلا تُغلِّفْ الحَريرَ بِأَشواكٍ تُدمِينِي

أنا صَقرٌ يُبعَثُ عِندَ كُلَّ مَوْت

ومُهرةٌ جامِحةٌ لا تُرَوَّضْ

 

في هذا المقطع من قصيدتها تحاول الشاعرة وبكل جدارة ان تجد تعريف علمي للأنثى وهي تحاور الرجل المستبد فهي هنا تستخلص تجربتها الشعرية بمفردات في غاية النعومة وبكل شفافية تحاول استخراج المعاناة والالم من خلال كومة من الاحاسيس والمشاعر لكي تبعثرها تحت امجاد وبطولات الرجل المستبد فهي تقوم بتشخيص كلمة ( صقر ) و ( مهرة ) في وصف حالة القوة التي تجتاح اعماق فلسفتها فهي محاولة جادة لتحويل معادلة القوة والتحدي والتمرد الى صورة شعرية مزركشة بصفاء الانوثة .

 

 

وفي مقطع اخر من قصيدة الشاعرة سلوى فرح ( لا يكفي ان تجن بي ) تقول .....

لا تَعبُرْ مَجَرَّتِي من كُوَّةٍ ضَيِّقةٍ

أنسابُ كَما الدُخان

وتَبقَى أنتَ شَظايا كَواكِب

وَمُذنَّبَاتِ حُلم

ما بينَ اِعتِذارٍ وآخرَ..

أَخشَى أَن تّنوسَ رُوحِي 

شَيئاً فَشَيئاً

وتَفِرُ الفَراشَاتُ منْ نَبضِي

عند سقوط أَول ورقَة خَريف

درَّبتُكَ على اِصْطِيادِ اَلرِّيحِ

فَهَبطتَ.. وَهَبَطتَ

تَلتَجِئ إلى صَقيع القَاعِ!

 

هنا تصف الشاعرة حالتها ومعاناتها في صورة الكون الذي يعتبر محور هذا العالم الميتافيزيقي فتحول نفسها الى شيء اخر بعيد كل البعد عن واقع العقل والفكر والفلسفة بأستعمالها كلمة ( الدخان ) فهي بهذه الكلمة تحاول الربط ما بين طغيان عقلية الرجل المتحول الى كواكب ومذنبات فمقدار قوة وعظمة هذه الاشياء التي تسكن الفضاء فهي استخلصت من كل هذه القوة شيئا غامضا في نفس الوقت يتميز بالسطحية في عقلية الرجل فهي تعتبر حربها ومعركتها مع الرجل المستبد الى لحظة خارجة عن التفسير الذهني للرجل بأستعمالها كلمة ( دخان ) وتتلاحق سطور الابداع في القصيدة فهنا الصورة الشعرية تختزل جمال وروعة الاطلال والفصول في ايحاءات نبضات القلب التي تفر منها الفراشات بعد سقوط وريقات الخريف هنا تحاول الشاعرة ازاحة الستار عن خفايا واسرار قوتها وتمردها في ثورة ناعمة فتجعل من الرياح صفة توصف بها حالة الثورة التي تعيشها وهي امام معركة حاسمة ضد الرجل او الحبيب فيهبط غرور وعنجهية الرجل في غفلة من الزمن وفي لحظة خالدة يقع في قاع الصقيع وهذا هو المعنى المرادف لعبارة (تَلتَجِئ إلى صَقيع القَاعِ! ) فاللجوء هنا هو يعني الهروب واذا ما استخدمت الشاعرة كلمة لتوصف حالة معينة فهي بذلك تحاول النيل من كبرياء الرجل لكي تصطاد مخيلته المليئة بخزعبلات جنون العظمة هنا استطيع تفسير هذه الحالة ان هنالك ترابط وتجانس بين مخيلة الشاعرة وبين ظاهرة ما وراء الطبيعة اي الميتافيزيقية فبرغم كون هذه الظاهرة فلسفية بحتة وتخضع للمعايير العلمية والفكرية ولكن من خلال هذه الظاهرة تحاول الشاعرة الانجراف وراء الاحاسيس والمشاعر بأعتبارها انثى لكي تستنتج عدة حلول ومعطيات لكي تجتاز عقلية الرجل وطغيانه بفلسفة معقدة 

 

 

وفي المقاطع الاخيرة من قصيدة ( لا يكفي ان تجن بي ) تقول الشاعرة المتألقة سلوى فرح .....

 

 لا يَكفِي أن تُحِبَّنِي

لا يَكفِي أن تُجّنَّ بِي

عندما تَلمحُ فَراشَةَ 

الخُلودِ في الغَسَق

عليكَ أن تُعلِنَ البعثَ ألفَ مَرَّة

وتعدمَ الموتَ الغَافِي

على شَهقاتِكَ ألفَ مَرَّة

وتُقَبِّل السَّماءَ ألفَ مَرَة

كنتُ أظنُّ

أنَّنِي سَأهجُر كُلَّ الطيورِ

إلا عَينَيكَ

ووَدَدتُ أن تَملِكَ مَفاتيحَ جَنَّتي

وَتَشُمَّ عِطري بعد المَطر

لَمْلِمْ ريشك

قَبلَ غُروبِ الشَّمس

إن كانَ جلجامش 

طَمَحَ إلى الخُلودِ

فأنا أَطمَحُ إلى 

ما وراءَ الخُلود

هنا تظهر ملامح القصيدة في ابهى صورة وفي حلة ذهبية حيث تقول للرجل ان حبك غير كافي وعشقك غير كافي وفي نهاية المطاف جنونك لا يكفي وهذا دليل واضح وقوي على ان المرأة بحاجة الى مشاعر واحاسيس دسمة في الحب والعشق والغرام فهي هنا تصف جنون الرجل بالشيء الخفي اللامتميز لأن الغرام والعشق يقاس بالتحدي والتمرد والقوة للوصول الى وجع الحب فهي تقول للرجل مهما كانت تضحياتك فهي لا تقاس بالامجاد والبطولات بل تقاس بنظرتك الانسانية لي وبأعترافك في محكمة الشعر ان انوثتي  بحاجة للرعاية والعطف والمحبة بعيدا عن الانانية والشهوة الجنسية والنظرة السطحية للأنثى وبعدها تستجمع الشاعرة كل قواها في لب القصيدة حيث تستخدم عبارة (عليكَ أن تُعلِنَ البعثَ ألفَ مَرَّة ) فالبعث هنا بمعنى الولادة او احياء الروح من جديد في سبيل ان تحظى الانثى بالطمأنينة والهدوء والصمت في حياتها العاطفية وتسرد  قصة وحكاية اخرى في عبارتها (وتُقَبِّل السَّماءَ ألفَ مَرَة ) هنا هنالك ترابط مابين العبارة السابقة الذكر وهذه العبارة حيث تتبدل الادوار فتقول المرأة للرجل انت المكمل لي ولست انا وانت الذي بحاجة لي ولست انا وهذا بحد ذاته يعتبر وصف لحالة نادرة في تبادل الشعور بالحب بين الرجل والمرأة ولكي اكون اكثر واقعية في تحليلي وقراءتي اعتقد ان الشاعرة تعبر عن تمردها تجاه قوانين الرجل ومتطلباته وحاجاته وفي مقطع اخر للقصيدة تستخدم عبارة (لَمْلِمْ ريشك ) هنا لأبد من الاشارة الى ان الشاعرة تعتبر الرجل نسر او طائر فالنسور تحلق في السماء ولها اعين ثاقبة ترى كل شيء على اليابسة من الاعالي فبصر النسور يرى ابعد نقطة واقرب نقطة ولكن الشاعرة لم تعتمد على قوة البصر ولا على القوة التي يمتلكها هذا الطائر في اقتناص فريسته بل تعمدت ان تحول صورة الرجل الى طائر او نسر بحجة عدم استطاعته الدفاع عن كيانه وروحه وبالتالي سلطته وهي بهذا الوصف تجرد النسر من كل صفاته فأستعمالها لكلمة ( لملم ) توضح ان النسر جريح اي بمعنى ان الرجل جريح رغم ما يمتلكه من قوة ولكنه بدون الانثى فهو جريح وفي نهاية القصيدة يتنتهي فصول هذه الاسطورة والصورة الشعرية حيث ان كلكامش يعتبر رمزا لأسطورة تأريخية التي بمجملها تحكي عن قصة الخلود ولكن الشاعرة هنا هزمت كبرياء الرجل بقولها (فأنا أَطمَحُ إلى ما وراءَ الخُلود ) اي للمرة الثانية تحاول الشاعرة الانجراف بمخيلتها في طقوس الميتافيزيقية وهذا يدل على ثورة وانتفاضة وتمرد الانثى ضد الرجل ليس لكونه عدوا لها وليس نظيرا لها بل مكملا لها لابد ان يعترف بمكانة المرأة في الحضارة البشرية .

 

انتهت قصيدة ( لا يكفي ان تجن بي ) ولكن لم تنتهي رحلتي مع طقوسها لأنها قصيدة متميزة لشاعرة متميزة استطاعت توظيف الكلمة في محلها لكي تجعلها في ابهى صورها الشعرية بأستخدام مفردات بسيطة متزنة مرنة وسلسة تدخل الى العقل بشفافية ونعومة فأذا ما كانت الشاعرة العراقية شهد الشمري ملكة الشعر الشعبي العربي فأن الشاعرة العراقية سلوى فرح هي وريثة امبراطورة الشعر العربي سعاد الصباح وتستحق وبكل جدارة لقب الشاعرة البرتقالية المزركشة بنفحات عطر زهرة القرنفل لأنها شاعرة وانثى متميزة لما تملكه من فصاحة اللغة وبلاغة الكلمة ونعومة الوصف لذات الرجل المستبد .

شاعر وكاتب 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ايفان علي عثمان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/27



كتابة تعليق لموضوع : قراءة فلسفية لقصيدة الشاعرة العراقية سلوى فرح ( لا يكفي ان تجن بي )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net