صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الثورة التي ثارت!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني عام ألفين وإحدى عشر , ثورة جماهيرية حقيقية ذات تطلعات إنسانية صادقة , تمكنت من بلورة الطاقات الوطنية والتعبير عنها بمظاهرات عفوية ,  إنطلقت بعنفوان الإرادة الكامنة المكبوتة في أعماق الأجيال التي عانت من الحرمان والخسران.
 
وبعد أيام ثائرة متوهجة منيرة ساطعة الأفكار والعبارات والإجراءات , تغير النظام الحاكم , ودخلت الجماهير في متاهات ما بعد التغيير , الذي تولدت عنه تفاعلات وإنحرافات وظهور قوى وأزمات , أثمرت عن فراغ قيادي وسياسي زعزع القيم والمعايير والتصورات.
 
وكان من أهم أسباب الصعوبات التي أعقبت الثورة , التفاعل البطيئ من قبل القيادة العسكرية التي تولت الأمر , وفقدان الإنجازات اللازمة لتوظيف الطاقات الثائرة , وعدم تشكيل الشباب الذي قام بالثورة لكيان قيادي جدير بتصدر الساحة السياسية , وخلو البلد من القوى والأحزاب المنظمة القادرة على التأثير , فانفرد في الأمر حزب عريق معروف , لم يكن له دور حقيقي في الثورة , وإنما ركب موجتها , وتمكن منها وبها.
 
وبما أن تطلعات الجماهير لم تكن تجري نحو روافد تستوعبها , بل انحبست في أحواض وبرك ومستنقعات , فأنها اضطربت وتزعزعت وتصاخبت , وانطلقت من جديد للتعبير عن إرادتها , التي اتخذت مسارات ما جاءت بها الثورة , ولا خطرت على بال الثائرين الشباب ,  فعاشت مصر مرحلة من التخبط والتفاعلات العصيبة , وتأسنت القدرات وانكمشت المسيرة , وأصبحت وكأنها في زنزانة عقيدة وقبضة تصور ومنهج لا يسمح بفرصة ودور لسواه. 
 
وفي خضم المشهد المحتدم بالإضطرابات والإختناقات , وضعف القيادة وقلة الخبرات , والإنزواء في صندوق الرؤية التي تضعف المعاني الوطنية وتؤكد على الآفاق العقائدية , وجد الشعب أنه بلا هدف وكأنه يسير في طريق مغلق , فتفاعل من جديد وأعلن ثورته الثانية , التي ساندها وقادها الجيش بحنكة وكفاءة , لإخراج مصر من طريقها المسدود المتعثر , لكن هذه الثورة أدت إلى إنقسامات وصراعات دامية وإنفجارات , ووضعت الشعب أمام خيار مصيري , فأمّا عليه أن يستوعب فئة حزبية كبيرة أو يتخلص منها تماما , وفي الحالتين القرار مكلف وعسير.
 
ولا بد من الإشارة إلى أن الدرس الأكبر والأهم الذي أكدته الثورة المصرية التي ثارت , أن المجتمع العربي يعيش جهلا ديمقراطيا , فمعرفته بالديمقراطية كمنهج حياة وطنية إنسانية ومسؤولية فردية وجماعية , يكاد يكون مفقود , بل والأخطر من ذلك أنه منحرف ومشوه , مما جعلها وسيلة لتدمير البلاد والعباد.
 
فالديمقراطية لا تعني الإنفلات والحرية السائبة , وإنما هي ذات معايير وثوابت وطنية وإنسانية لا يمكن إغفالها , وما يحصل للناس في مجتمعاتها الجديدة , أنهم يحسبون الديمقراطية صندوق إنتخاب وحسب , وهذا أفظع ما أصابها وحولها إلى جحيم وإضطراب.
 
تحية لثورات مصر , وثقتنا عالية بأن شعبها العربي الحضاري الأصيل , سيشق طريقه الديمقراطي الواعي المنير , وسيقدم مثلا صائبا للديمقراطية التي تصلح لمجتمعاتنا , فمصر قدوة عربية حضارية إنسانية أصيلة.
 
وتحيا مصر!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/26



كتابة تعليق لموضوع : الثورة التي ثارت!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net