صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

صاحبة الجلالة المتوّجة بالضاد!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


اللغة العربية الرائعة البديعة , تعاني ما تعانيه على يد أبنائها , المتاثرين بآليات ومهارات التغرير الإنقراضي والتكنولوجي , الساعي لتفريغهم من محتوياتهم الإنسانية والحضارية , وتحويلهم إلى موجودات بلا هوية , وبملامح إتلافية خلاقة المواصفات.

وهكذا تجدنا أمام محنة إنقلاب تاج الضاد إلى الضد!!

فالعرب وكأنهم على خصام مع لغتهم , وإهمال لها وإزورارٍ عنها , ولا تخلو الخطب والكتابات من العثرات والأخطاء ونزرة المفردات , حتى لتحسب المتكلمين بلا قدرة على قول ما يريدونه , مما يتسبب في إنهيارات تواصلية ذات تداعيات وخيمة.

ويتعرض العرب لهجمة شرسة على عروبتهم , تتمثل في تجهيلهم بلغتهم , ودفعهم إلى إستخدام لغات أخرى , تساهم في إضعاف قدراتهم التعبيرية باللغة العربية.

وأصبحنا نتواصل مع بعض الزملاء والأصدقاء , ونستغرب من قولهم بأنهم يفضلون التحاور بغير العربية , لأن قدرتهم على التعبير بها ضعيفة , وبعضهم يحسب ذلك نوع من التحضر والمعاصرة , وعندما تكاتبهم بالعربية يجيبونك بلغة أخرى , وإن كررت ذلك توقفوا , لأنهم يحسبونه إعتداءً عليهم , فالعربية ما عادت لغتهم الأم!

وفي بعض دولنا لا تحتاج للعربية في التعامل مع الناس , وإنما اللغات الأجنبية هي السائدة , وأنت تتجول في شوارعها وأسواقها , تتوارد إلى مسامعك محادثات بلغات أخرى , ذلك أن هذه الدول لا تفرض على العاملين فيها تعلم اللغة العربية , بل تتباهى بأنها تتعلم لغتهم.

فالعاملة الأجنبية في البيت لا تتعلم لغة أهل البيت , وإنما يتفاخرون بأنهم قد تعلموا لغتها , وصاروا يخاطبونها بها , بل أنها تعلم الأطفال لغتها , فيفقدون إرتباطهم الأساسي باللغة العربية.

ومن المحزن أن تكون في دولة عربية , وتجد أنك تستخدم لغة أجنبية للتخاطب والتفاهم مع الناس , من سائق التاكسي إلى العاملين في الفنادق وغيرها من مرافق الحياة.

وفي معظم الدول العربية , لا تحظى لغة الضاد بالإهتمام الذي تحظى به لغات الدنيا الأخرى في دولها , كالفرنسية والإيطالية والألمانية والصينية واليابانية والكورية والتركية والفارسية , وهذا خلل حضاري مروّع وإنهيار فكري وكياني , يستهدف الهوية , ويسعى لقتل العروبة والقضاء على أسس ومعاني الوجود العربي.

ولو حصلت مقارنة بالمخزون اللغوي (مفردات اللغة) ما بيننا وبين أبناء اللغات الأخرى , لتبين أننا نتفوق عليهم بالإفتقار للمفردات , فالمجتمعات تسعى لرفد أدمغة أبنائها , ومنذ ما قبل الروضة والإبتدائية , بأقصى عدد من المفردات اللغوية , لتعينهم على إمتلاك أدوات التعبير عن أفكارهم , والتواصل مع عصرهم , بأعلى درجات الإبداع والتفاعل الإبتكاري الأصيل.
ذلك أن إثراء العقول بالمفردات يساهم في زيادة قدرات التفكير السليم , وينمي آليات التخاطب والتحاور بالعقول لا بالأيادي والعواطف والإنفعالات.

ومن الواضح أن الطفل في المجتمعات المتقدمة يمتلك القدرة على التعبير عن نفسه بلغته , أفضل من الطفل في مجتمعاتنا , لأننا نهمل تعليم المفردات , وهم يستثمرون فيها , ومنذ بداية العام الثالث للطفل.

فصاحبة الجلالة هي  لغة الفرقان ويتكلم بها الملايين ويرتلون القرآن , و تعاني في مَواطنها , وبإرادة أبنائها الذين وكأنهم يريدون التخلي عنها.

وبمناسبة اليوم العالمي لصاحبة الجلالة الموقرة , فأنها تناشدكم  وتنادي بالتواصل معها وتحقيق غاياتها.
فالعالم يريد أن يتعلمها , وهي من الحصص الدراسية الأساسية في العديد من جامعات الدنيا ,  وكل مسلم يريد من العرب الغيارى على لغتهم أن يساهموا في زيادة معرفته بها.

فالعربية لغتنا وهويتنا وتنادينا , وعلينا أن نلبّي نداءها ونكون بها ومعها.

فاللغات لسان حال الأمم , فإن ضعفت الأمم تضعف لغاتها , وإن إرتقت ترتقي لغاتها!

وتتجسد رسالتنا الحضارية في نشر العربية وتعليمها ,  فلنخرج إلى فضاءات العطاء والمساهمة الإنسانية المعاصرة.

إن العربية تخاطبنا , أن هيا أطلقوا مفرداتي , وارفعوا رايتي ما دمتم في أرجاء الدنيا تنتشرون.
 
وهذه الراية يحملها المثقفون المهاجرون , فهم مشاعل مضيئة تساهم بتعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات  والمتديات والجمعيات .
وعليهم تقع مسؤولية تاريخية كبيرة للتعبير عن حضارتهم وثقافتهم وإنسانيتهم , بتعليم لغة الضاد والمشاركة الفعالة في بناء الثقافة العربية أينما حلوا.

عاشت لغتنا التي تكمن الدرر في أعماقها , وسيبقى الضاد تاجها الوهاج الساطع المنير في آفاق الإبداع الحضاري المطلق.

فضعوا تاج الضاد على رؤوسكم لكي تزهو بكم الأيام!!

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/12/17



كتابة تعليق لموضوع : صاحبة الجلالة المتوّجة بالضاد!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net