صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح159 سورة يوسف الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ{91}
تكمل الاية الكريمة الحوار , حيث كلاما لاخوة يوسف (ع) كان يصب في محورين : 
1- (  قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا ) : بحسن الصورة , وكمال السيرة , بالعلم والحلم والاحسان . 
2- (  وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ ) : حيث كنا خاطئين مذنبين في حقك , ورفعك الله تعالى علينا , فاعزك , واذلنا .   
 
قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{92} 
تروي الاية الكريمة رده (ع) على اخوته , وكان في محورين : 
1- ( قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ) : لا تعيير ولا تأنيب , لا لوم ولا عتب . 
2- ( الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) : ما فعلتم .     
 
اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ{93} 
يستمر كلامه (ع) في الاية الكريمة , وفيه منحنيين : 
1- ( اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) : يتبين من النص المبارك ان يوسف (ع) اعطاهم قميصه وامرهم ان يلقوه على وجه يعقوب (ع) , فيعود اليه بصره , وهكذا كان ! , لذلك الكثير من المفاهيم وحوله الكثير من الاراء فمنها :
أ‌) ان ذلك كان بمعجزة ربانية , قد لا تكرر في اشخاص غيرهم ( يوسف ويعقوب "ع") , لكن هناك اراء تفيد ان كل معجزة الهية لابد وان يكون لها مدلولا ماديا . 
ب‌) جواز التبرك بأثار الصالحين والاستشفاء بها من ملابس وغيرها .  
ت‌) لم يكن للقميص اي مفعول في رد بصر يعقوب (ع) , انما البشارة عن خبر يوسف ( ع) والفرحة التي غمرته هي التي كان لها التأثير الكبير على رد بصره , اما القميص فكان وجوده للتأكيد على سلامة يوسف (ع) وصحة خبر البشارة .
ث‌) سر خاص في القميص نفسه , حيث اشار السيوطي في تفسير الجلالين انه كان من الجنة , اتى به جبرائيل (ع) , وكان ابراهيم (ع) يرتديه حين القي في النار , وكان ايضا في عنق يوسف (ع) حين القي في الجب , وقيل ان فيه ريحا , لا يلقى على مبتلى الى عوفي . 
ج‌) تشير بعض الاراء الحديثة الى ان عرق يوسف (ع) الذي كان في القميص هو السبب في شفائه , بينما هناك اراء اخرى تعترض على هذا الامر , كون المسافة من مصر الى بلاد كنعان بعيدة , ومعها سيجف العرق من القميص , اذا فلابد ان يكون الشفاء كان في امرا اخر , وهو ريح يوسف (ع) التي كانت في القميص , وهذا ما اشار اليه يعقوب (ع) حين قال ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) .   
2- ( وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) : يأمر يوسف (ع) اخوته ان يأتوا بجميع الاهل , بدون استثناء .    
 
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ{94}
تستمر الاية الكريمة بسرد تفاصيل القصة , ( وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ ) , لما خرجت من مصر , ( قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) , يروي النص المبارك ان يعقوب (ع) قال لمن حوله ( إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ) , فيبدو ان لتأثير ريح يوسف (ع) الموجودة في القميص التأثير الاكبر , يلاحظ انها ( الريح ) وصلت اليه في هذه اللحظة بالذات , بينما لم تصل اليه قبل ذلك , ولذلك مداليل كثيرة لعل ابرزها : 
1- ان القميص كان مخبأ في مكان ما , ولم يخرجه يوسف (ع) الا في تلك اللحظة , وهذا الامر فيه عدة اراء منها : 
أ‌) يوسف (ع) وهو عزيز مصر , لم يكن بحاجة الى ان يرتدي القميص , فأحتفظ به في مكان ما . 
ب‌) الحكمة الربانية دعته (ع) ان يحتفظ بالقميص للامر المعلوم . 
2- ان القافلة سلكت طريقا حتى وصلت الى مكان معين , يتمكن فيه يعقوب (ع) ان يشم ريح يوسف (ع) , فيبدو ان هذا المكان في مصر , فالاية الكريمة تشير ان القافلة لا زالت تسير في اراضيها , وكل اراضي مصر كانت تحت حكم يوسف (ع) , وكان بأمكانه (ع) ان يصل الى كل زاوية فيها , فيعلم ان يوسف (ع) كان يتجنب الوصول الى هذا المكان بالذات , كي لا تصل ريحه الى ابيه , حسب ما تقتضيه الحكمة الربانية من القصة   
( لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ) , لولا ما تنسبون اليّ من نقصان العقل نتيجة التقدم بالسن .  
 
قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ{95} 
تروي الاية الكريمة ان الحاضرين عند يعقوب (ع) قالوا انك لا زلت في خطئك وتيهك وخروجك عن الصواب في افراط محبتك ليوسف (ع) وكثرة ذكره , وتوقعك للقائه . 
 
فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{96} 
نستقرأ الاية الكريمة في موردين : 
1- ( فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً ) : يروي النص المبارك ان البشير هو يهوذا جلب القميص والقاه على يعقوب (ع) فأرتد بصيرا , وكان يهوذا هو الذي جاء بقميص يوسف (ع) ملطخا بالدم , فأراد ان يفرحه هذه المرة بعد احزنه في المرة السابقة . 
( قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) : يروي النص المبارك ان يعقوب (ع) قال لمن حوله والذين فندوا قوله في الاية الكريمة السابقة , الم اخبركم اني اعلم من الله تعالى ما لم تعلموه انتم , من حياة يوسف (ع) , وحصول الفرج بلقائه , اي اراد ان يثبت لهم عكس ما تصوروه حين قالوا (  قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ{95} ) .  
 
قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ{97} 
تضمنت الاية الكريمة طلبا من الحاضرين عند يعقوب (ع) ان يستغفر لهم الله تعالى , بعد ان ادركوا خطأهم .  
 
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{98}
تروي الاية الكريمة رده (ع) على طلب الاستغفار ( قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ ) , في النص المبارك مدلول على انه (ع) لم يستغفر لهم في حينه , بل اخر الاستغفار الى وقت اخر وهذا ما يدل ويشير عليه قوله ( سَوْفَ ) , وتختلف الاراء عن ذلك الوقت , فمنها ما يقول انه كان :  
1- السحر ( السحر من كل ليلة ) . 
2- ليلة الجمعة . 
3- السحر من ليلة الجمعة .
 
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ{99} 
تروي الاية الكريمة لقاء يوسف (ع) بأبويه  ( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ) , ضم اباه يعقوب (ع) وامه راحيل , وايضا خالته ياميل , ( وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ) , يشير النص المبارك الى ان اللقاء كان خارج مصر , حيث كان يوسف (ع) قد اعدّ مكانا خارجها لاستقبالهم فيه . 
مما يروى في هذا الشأن , ان يعقوب (ع) ترجل لمقابلة يوسف (ع) , بينما يوسف (ع) لم يترجل لملاقاة ابيه , فنزل جبرائيل (ع) على يوسف (ع) فقال له ( يا يوسف إبسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء فقال يوسف يا جبرئيل ما هذا النور الذي خرج من راحتي فقال نزعت النبوة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي ) . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .        
 
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ{100}
نستقرأ الاية الكريمة في سبعة موارد : 
1- (  وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ) : اجلسهما معه على السرير . 
2- (  وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً ) : لهذا السجود عدة اراء نذكر منها : 
أ‌) كان السجود عبادة لله تعالى , من قبيل سجدة الشكر ونحوها . 
ب‌) سجود انحناء لا وضع جبهة ، وكان تحيتهم في ذلك الزمان . "تفسير الجلالين للسيوطي" . 
3- (  وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) : عند ذاك وفي ذلك الموقف قال يوسف (ع) مخاطبا ابيه (ع) : 
أ‌) ( وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ) : تأويل الرؤيا التي رأها (ع) في صباه . 
ب‌) ( وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ) : ويلاحظ ان يوسف (ع) لم يذكر الجب لئلا يخجل اخوته , وقد قال لهم فيما سبق ( قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) الاية 92 .     
ت‌) ( وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ) : من البادية , حيث كانوا اصحاب مواشي , من بعد ان افسد الشيطان بيني وبين اخوتي . 
ث‌) ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ) : ان الله تعالى لطيف في تدبير شؤون عباده , يهون ويسهل لهم العسير . 
ج‌) ( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) :  ( الْعَلِيمُ ) , بالمصالح والمنافع والتدابير والتصريفات , ( الْحَكِيمُ ) , الذي يفعل كل شيء في وقته وعلى وجه . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/16



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح159 سورة يوسف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net