صفحة الكاتب : بشير العتابي

الفرق بيننا وبين امريكا
بشير العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندما تعرضت الولايات المتحدة لهجمات ارهابية في الحادي عشر من سبتمبر قامت باجراءات استثنائية ربما اعتبرها البعض مخالفة للقانون الدولي ولحقوق الانسان مثل معسكر غوانتنامو ومايجري فيه من اجراءات لانتزاع الاعترافات ومثل استخدام الطائرات بدون طيار لقتل من تشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة .الولايات المتحدة لم تبالي بمن يتباكى على حقوق الانسان (الارهابي) ولسان حالها يقول حقوق الانسان الامريكي اهم من حقوق الارهابي . والاهم من ذلك كله ان امريكا لم تعلن لحد الان انها تشن هجمات بطائرات بدون طيار لان المهم هو حماية الشعب الامريكي بالافعال لا بالاقوال ولكي لاتتعرض للمسائلة القانونية .أن استخدام الطائرات بدون طيار يعني ان امريكا قد اصدرت حكما باعدام مشتبه بهم بناء على معلومات استخباراتية دون ان تحصل امريكا على موافقات قضائية وبدون ان يكون للمشتبه بهم محامين يدافعون عنهم وبدون محكمة وبدون حق الاستئناف وبدون مرسوم جمهوري ومع ذلك فلم نسمع احدا يقول ان امريكا تنتهك حقوق الانسان . اتذكر عندما حدثت اعمال شغب في لندن قبل سنتين سال البعض رئيس الوزراء كاميرون لماذا هذه القسوة من الشرطة ضد المشاغبين فأجاب كاميرون : عندما يتعرض الامن القومي البريطاني للخطر فلاتسألوني عن حقوق الانسان .أتذكر ان كاميرون امر المحاكم البريطانية ان تعمل على مدار الساعة وذلك لاصدار الاحكام على المشاغبين. هكذا كان رد الفعل والمشاغبون لم يقوموا بأعمال قتل وتفخيخ بل قاموا باعمال حرق وسلب لبعض المحلات  .ان من ابسط الامور التي اتفق عليها العقلاء ان الظروف الاستثنائية تتطلب حلولا استثنائية  . في الدين الاسلامي هناك قاعدة الضرورات تبيح المحضورات .فمثلا أكل لحم الخنزير محرم في الظروف الطبيعية ولكن اكله يصبح واجبا اذا كانت هناك مجاعة تهدد بالموت ولم يكن هناك طعام اخر , وهل هناك ضرورة اهم من ضرورة حفظ حياة الناس ؟ . في الدول المتحضرة يعد ضرب الاشارة المرورية (الترفك لايت) جريمة يعاقب عليها القانون ولكن في الحالات الطارئة يجب اهمال الاشارة الضوئية من قبل الشرطة والاسعاف واطفاء الحريق واذا حاول احد سائقي السيارات الذي له الاشارة الخضراء ان يمارس حقه بالمرور فانه يعاقب ويعتبر مخالفا للقانون  اي ان القانون يصبح معكوسا والسبب هو ان القانون وجد لخدمة الناس فاذا كان تطبيق القانون يهدد حياة الناس فينبغي وقف العمل بذلك القانون . وبعد انتهاء الحالة الطارئة يعود العمل بالقانون فلايحق للشرطة خرق الاشارة الضوئية في الظروف الطبيعية . في الدول الاوربية يعاقب ولي امر الطالب اذا لم يرسل ولده للمدرسة او غاب عن المدرسة بدون عذر مقبول . واتذكر ان ابني كان عنده صداع ومع ذلك أرسلته للمدرسة وبعد ساعات اتصلت بي أدارة المدرسة تعاتبني لماذا ارسلت ابنك للمدرسة ؟ قلت لهم اني اتبع القانون فقالوا ان القانون يطبق في الظروف الطبيعية وان من مصلحة ابنك ان يبقى في البيت وان ذلك من مصلحة الطلاب الاخرين حتى لايوثر عليهم  وان علي ان احضر للمدرسة لكي اعيد ابني الى البيت . 

اما في العراق الذي يمر بظروف اشتثنائية اكثر مما حدث في امريكا وبريطانيا فان حقوق الانسان تعني حقوق الارهابي واهمال حقوق الضحايا وهم اغلبية الشعب العراقي .فالارهابي لايعتقل الا بعد حصول اوامر قضائية يوقع عليها قاض من نفس طائفة الارهابي حتى لايقال ان هناك استهداف طائفي وبعد اعتقال الارهابي متلبسا بالجرم المشهود تراعى كل حقوقه فلاينبغي ان يتعرض للتعذيب لانتزاع الاعترافات ويحق له توكيل محامين للدفاع عنه ثم يودع السجن الذي هو بمثابة فندق خمسة نجوم مقارنة بما يتوفر لبقية الشعب العراقي من خدمات .وبعد محاكمات عديده وحق الاستئناف اما ان يفرج عنه او يحكم باحكام خفيفه اذا قتل عشرة عراقيين او اقل ليفرج عنه بعدها ليعاود الارهاب من جديد . وفي بعض الحالات يحكم بالاعدام اذا ثبت انه قتل مئة عراقي او اكثر ولكن حكم الاعدام لاينفذ لان رئاسة الجمهورية لاتصدر مرسوما جمهوريا بذلك او لان جهات اخرى لاتوافق لانه ينبغي ان يكون هناك توازن في الاعدام فاذا اعدمت عشرة من السنة فينبغي ان تعدم عشرة من الشيعة . وبعد ذلك بتم تهريب الارهابي من السجن ليعاود الارهاب من جديد . في العراق نواب ومسؤولون يمارسون ويدعمون الارهاب ولكن لااحد يستطيع محاسبتهم بسبب الحصانة التي منحهم اياها القانون . فمثلا الدولة تعرف ان طارق الهاشمي والدايني متهمان بالارهاب وقد خرجوا من مطار بغداد علنا لان الدولة لاتستطيع عمل شيء لهم بسبب الحصانة . لنفرض ان اعتقالهم ومنعهم من السفر يعد مخالفا للقانون فهل السماح لهم بالهرب من البلاد لايعد مخالفا للقانون وايهما اشد مخالفة للقانون ؟ وهذا ينطبق على ايهم السامرائي وعدنان الدليمي والجنابي وغيرهم .في العراق صحف ومجلات وفضائيات تدعم وتحرض على الارهاب ولكن لااحد يحاسبها لان حرية الصحافة والاعلام مكفولة للجميع وفق القانون . في العراق خطباء وعلماء دين يستلمون رواتبهم من الدولة العراقية وهم يحرضون على القتل والارهاب من المساجد  ولكن لااحد يحاسبهم لان حرية الدين والعقيدة مكفولة للجميع . وبعد كل ذلك لو سالت اصحاب ساحات الاعتصام عن هذه الحكومة لقالوا انها حكومة دكتاتورية طائفية تقتل شعبها بدم بارد ولاتراعي حقوق الانسان . وكنت قد نشرت مقالا في صوت العراق عنوانه " ماذا لو كان متظاهروا الانبار في برلين " ووضحت فيه كيف ستتعامل الحكومة الالمانية مع متظاهرين بقطعون الطريق العام ويطلقون شعارات ضد طوائف اخرى ويرفعون السلاح بوجه الشرطة وكيف ستتعامل الدولة مع الصحف والفضائيات المؤيده لهولاء المتظاهرين . وعلى هؤلاء ان يحمدوا ربهم انهم ليسوا في مصر وقد راى العالم كيف تم  فض الاعتصامات في رابعة العدوية وغيرها .  

ان الحكومة العراقية لم تستطع القضاء على الارهاب بعد عشر سنوات من التغيير ولن تستطيع القضاء عليه بعد اكثر من مئة سنه اذا بقيت تستخدم الاساليب التقليدية لمواجهة ظرف طارئء وعدو شرس لايرحم حتى الطفل الصغير او الرجل العجوز او المراة المسكينة , عدو لايراعي حرمة لكنيسة او مسجد ولا لشهر من الاشهر الحرم التي كانت حتى الجاهلية تحرم فيها القتال , عدو اكبر همه قتل اكبر عدد من العراقيين دون تمييز . وربما يرى البعض ان الحل هو باستقالة المالكي وكأن الارهابيون سيرضون بحكومة يراسها شروكي اخر من التيار الصدري او من المجلس الاعلى , القوم يعلنونها صراجة انهم لن يتوقفوا حتى يعيدوا الامور الى ماكانت عليه قبل التغيير في 2003.

يجب على الحكومة العراقية ان تستفيد من تجربة سجن غوانتنامو فتقوم بافتتاح سجن نكرة السلمان ولايهمها الضجيج حول عدم توفر حقوق الانسان في هذا السجن للارهابيين او لاهلهم لان الاولوية هي لحقوق الشعب العراقي . وينبغي الاستفادة من تجربة الطائرات بدون طيار . لان عمل هذه الطائرات يسبقه جهد استخباري قوي يعتمد على المخبر السري الموثوق . فاذا توفرت المعلومة الدقيقة والموثوقة عن مكان تواجد الارهابيين فينبغي قتلهم فورا دون الحاجة الى سلسلة الاجراءات الروتينية وهذا سيوفر الجهد والاموال وسيعطي رسالة قوية للارهابيين بان القتل سيكون مصيرهم وليس فندق خمس نجوم . مشكلتنا في العراق ليست مشكلة مالية فلدينا اموال كثيرة ولكن كيف نصرف الاموال بحكمة ونزاهة . مشكلتنا في العراق ليست عدم وجود كفاءات بل عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. مشكلتنا ليس في عدد رجال الجيش والشرطة بل في نوعية تدريبهم وكفاءتهم واخلاصهم .ينبغي تسريح نصفهم وتحويلهم الى رجال امن ومخابرات .اذا استطاعت الدولة ان تزرع في كل شارع رجل مخابرات فلتفعل. كل شخص مشكوك بولائه للدولة يفصل من الجيش والشرطة. البيت الذي يعثر فيه على ارهابي او اسلحة غير مرخصة ينبغي ان يهدم فوق رؤوس اصحابه فورا .الصحيفة او القناة التي تؤيد الارهاب او تنشر اخبارا ملفقة او تحريضية يجب ان تغلق فورا ويسجن صاحبها او يغرم غرامة كبيرة . رجل الدين الذي يحرض على الكراهية والارهاب ينبغي ان يفصل من وظيفتة كأمام مسجد ويودع السجن .حراس السجون يجب ان يكونوا من الاكفاء ومن ذوي شهداء العمليات الارهابية حصرا .تسجيل كل السيارات تسجيلا دقيقا وكل سائق لايلتزم بذلك تصادر سيارته ويسجن  . تلغى حصانة البرلمانيين المتهمين بالارهاب فورا وتتم محاكمتهم. الاستعانة باحدث الاجهزه  لكشف المتفجرات  وبالتعاون مع خبراء عالميين وتوقيع اتفاقات امنيه مع الدول الاوربية  . تفتش كل السيارات مهما كان صاحبها مسؤولا او برلمانيا وتلغى كل الحصانات والاستثناءات. وقد حدتني موظف رفيع في الخطوط الجوية لاحدى الدول العربية ان احد الوزراء طلب منه ان يأخذ موافقة سلطات مطار لندن على ان لايتم تفتيشه او حقائبه عند وصوله لندن فجاءه الجواب ان هذا غير ممكن وان ملكة بريطانيا هي الشخص الوحيد الذي لايجوز تفتيشه.

ربما سيقول قائل ان التجاذبات السياسية وصراع الاحزاب واعضاء البرلمان ووزارة حقوق الانسان لايقبلون بهذه الاجراءات . واقول اذا كان رئيس الحكومة لايستطيع حماية الشعب بسبب هولاء السياسيين فامامه حلان لاثالث لهما. الحل الاول ان يستقيل من منصبه لكي لايتحمل مسؤولية هذه الدماء الغزيرة التي تسيل والا فما فائدة البقاء في المنصب اذا كان مكتف اليدين لايستطيع خدمة الشعب وتوفير الامن له . الحل الاخر هو ان يعمل كما عمل السيسي في مصر فيقوم باعلان حالة الطوارئ ويجمد الدستور ويلغي البرلمان ويقوم بتشكيل حكومة مصغرة ليس على اساس المحاصصة . من ماذا يخشى رئيس الوزراء ؟ هل يخشى ان يقولوا عنه دكتاتورا ؟ هل يخشى ان يقولوا انه وضع كل السلطات في يديه ؟ هل يخشى ان يقولوا انه صادر ارادة الشعب ؟ هل يخشى ان يقولوا انه انقلب على العملية السياسية ؟ هل يخشى ان يقولوا انه طائفي ؟ هل يخشى ان يقولوا انه انتهك حقوق الانسان ؟  الجواب كلا. لانهم قالوا كل ذلك . هل يخشى ان تقطع المساعدات عن العراق ؟ الجواب كلا فالعراق بلد غني ليس بحاجة لمساعدة احد . هل يخشى فقدان دعم دول الخليج ؟ الجواب كلا ومتى كانت دول الخليج مع العملية السياسية في العراق . هل يخشى فقدان دعم المحافظات السنية ؟ الجواب كلا لان هذه المحافظات ترفض وجوده ولاتعترف به وتعمل على اسقاطه . هل يخشى فقدان دعم المحافظات الشيعية ؟ الجواب كلا لان اهل هذه المحافظات سيقفون معه اذا حقق لهم الامن والخدمات كما وقفوا معه بعد صولة الفرسان وزادت شعبيته بسبب ذلك . 

ربما سيقول قائل ان ذلك سيؤدي الى تقسيم العراق . الجواب وهل ان العراق بلد موحد الان ؟ فاقليم كردستان يعتبر شبه مستقل عن العراق وهنيئا لهم بذلك فقد تناسوا خلافاتهم الحزبية وهم يقتربون شيئا فشيئا من تحقيق حلم الدولة الكردية . اما اهل المحافظات الغربية السنيه فهم يريدون اقليمهم الخاص وهم لايريدون ان يحكمهم حاكم شيعي صفوي عميل لايران (مانرضة بحكم العتاكة) ولهم الحق بذلك . والشيعه في الوسط والجنوب لايريدون حاكم سني يعيد اليهم التهميش والاقصاء والمقابر الجماعية (ماننطيهه) ولهم الحق بذلك . التقسيم حاصل وهو امر واقع ولكن المشكلة هي في حدود هذه الاقاليم الثلاثة . 

ان الحكومة مطالبة باتخاذ كل الاجراءلت الاستثنائية لحماية الشعب وينبغي ان تكون كالطبيب الذي يريد علاج المريض ولايهمه ان يكون الدواء مرا , فان لم تفد كل الادوية والعمليات الجراحية  فان اخر الدواء الكي .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بشير العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/18



كتابة تعليق لموضوع : الفرق بيننا وبين امريكا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net