بسم الله الرحمن الرحيم
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ{75}
نستقرأ الاية الكريمة في اربعة موارد :
1- ( ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ ) : يشير النص المبارك الى ان الله تعالى ارسل من بعد هؤلاء الرسل موسى وهارون (ع) .
2- ( إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا ) : يبين النص المبارك الجهة التي يقصدها موسى وهارون (ع) بما لديهم من المعجزات البينات فكانت فرعون وحزبه ( قومه ) .
3- ( فَاسْتَكْبَرُواْ ) : موسى وهارون (ع) كانا يرتديان ملابس الرعاة , فأستكبر فرعون وحزبه من اتباعهما .
4- ( وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ) : كان فرعون وقومه مجرمين , منكبين على المعاصي , لذلك تهاونوا في ما جاءهم به موسى وهارون (ع) , وتجرئوا عليهما .
فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ{76}
تبين الاية الكريمة امرين :
1- ( فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا ) : يدل النص المبارك على امرين :
أ) ان ما جاء به موسى وهارون (ع) كان حقا ثابتا من الله تعالى .
ب) ادرك فرعون وقومه بما لا يقبل الشك ان ما جاء به موسى وهارون (ع) لا يمكن دحضه او حتى تفنيده , لذا لجأوا الى اسلوب الضعيف العاجز امام البينات الساطعة , فعمدوا الى اتهامه (ع) بالسحر .
2- ( قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ ) : التهمة ( الاتهام ) سبيل العاجزين والضعفاء , اكتشف فرعون وحزبه ان لا سبيل لدحض ما جاء به موسى (ع) فلجأوا الى اتهامه بالسحر , كون السحر هو السائد في ذلك الزمان .
ينبغي الاشارة الى ان كل الانبياء والرسل اتهموا بتهم مختلفة , منها السحر , ومنها الجنون وغير ذلك .
قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ{77}
تروي الاية الكريمة جواب موسى (ع) وكان على محورين :
1- ( قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا ) : اتطعنون بالحق وتقولون انه سحر ! .
2- ( وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ) : يقرر النص المبارك ان الساحر لا يفلح ابد , لا في عمله , ولا في الفوز في الدنيا والاخرة .
قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ{78}
تروي الاية الكريمة جواب فرعون وقومه لموسى (ع) وفيه ثلاثة محاور :
1- ( قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا ) : لتبعدنا وتصرفنا عما توارثناه عن ابائنا من عبادة الاصنام .
2- ( وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ ) : يكون لكم الملك والسلطان في مصر والاراضي التابعة لها .
3- ( وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ) : لا نصدق بما جئتما به .
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ{79}
تبين الاية الكريمة ان فرعون طلب حضور كل ساحر بارع وماهر في صنعته , بناءا على اقتراح قومه , لعلهم يهزمون موسى وهارون (ع) .
فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ{80}
تبين الاية الكريمة ان عند حضور السحرة في الموعد , بادرهم موسى (ع) ( أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ ) حبالهم وعصيهم , ويستفاد من ذلك , ان موسى (ع) اراد ان يبدأ السحرة ويستعرضوا كل ما لديهم من مهارات , ومن ثم يقوم (ع) بابطالها والتغلب عليها , فلا يكون للحاضرين من حجة او عذر .
فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ{81}
تبين الاية الكريمة ( فَلَمَّا أَلْقَواْ ) حبالهم وعصيهم , ( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ ) , قال لهم موسى (ع) ان سحركم هذا سيمحقه الله تعالى وسيثبت لكم بطلانه وعدم جدوته , ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) , يبين النص المبارك ان الله تعالى لا يؤيد ولا يقوي ولا يثبت اي عمل فاسد يصدر من مفسدين .
وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{82}
تبين الاية الكريمة ان الله تعالى يؤيد ويثبت الحق بأوامره , فيظهره وان كره المجرمون ذلك .
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ{83}
تبين الاية الكريمة ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ ) قومه هنا فيها رأيان :
1- قوم موسى (ع) وهم بنو اسرائيل ."تفسير الصافي ج2 للفيض لكاشاني" .
2- ثلة من قوم فرعون , اهل مصر . "تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج2 للفيض لكاشاني ".
كانوا قد امنوا بما جاء به موسى (ع) لكن ( عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ) , يخشون فرعون وحزبه ان يصرفونهم بالتعذيب , ( وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ ) , متجبر طاغ , ( وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) , في الكفر والبغي والظلم وادعائه الربوبية .
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ{84}
اوردت الاية الكريمة ما قاله موسى (ع) لقومه ( من امن به ) ( إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ ) لتكن فيه ثقتكم واسندوا كل اموركم اليه جل وعلا , بعد ان شاهد ورأى تخوفهم من فرعون وحزبه , ( إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ) , ينبغي للمسلم ان ينقاد الى الله تعالى وطاعته , ويفوض جل اموره له جل وعلا .
فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{85}
تروي الاية الكريمة جواب قوم موسى (ع) عليه ( فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا ) , وثقنا واسندنا كل امورنا اليه جل وعلا , ( رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) , يسألون الله تعالى ان لا يسلط قوم فرعون عليهم فيفتنون بهم وفي ذلك رأيين :
1- قد يصرفوننا عن ديننا تحت طائل الحبس والتعذيب .
2- يتبادر الى ذهان ال فرعون عند تسلطهم على قوم موسى (ع) انهم على حق , وان قوم موسى على باطل , ولو لا ذاك لما سلطهم الله تعالى عليهم , وهذا ما حدث فعلا , حيث جاء في تفسير الصافي ج2 للفيض لكاشاني ( والقمي : عن الباقر عليه السلام إن قوم موسى استعبدهم آل فرعون وقال لو كان لهؤلاء كرامة كما يقولون ما سلطنا عليهم ) .
وايضا ما اورده السيد هاشم الحسيني البحراني في تفسير البرهان ج3 ( العياشي : لا تسلطهم علينا فتفتنهم بنا ) .
وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{86}
تستمر دعوة قوم موسى (ع) في الاية الكريمة , فيسألون الله تعالى النجاة من كيد ال فرعون , حيث كانوا يستعبدونهم , ويسخرونهم في الاعمال الشاقة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat