صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الجواهري والمكان!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

 
فاجأني أحد الأخوة الإعلاميين بسؤال : لماذا كتب الجواهري شعرا عن مدن الدنيا العربية والأجنبية؟!
فقلت أن إلتصاق الجواهري بمدينة النجف , وتشربها في عروق خياله وأعماق وجدانه , أهّله لإمتلاك الطاقات التعبيرية عن المكان الذي يحلّ فيه.
فلا يمكن للإنسان أن يرى الأماكن ويستوعب جمالها , وقيمتها الإنسانية , إذا لم يعرف قيمة المكان الذي وُلد وترعرع فيه. 
فلكي تمتلك إبداع المكان ووحيه الفياض , لا بد من إلتصاق حقيقي بمكان النشأة والتخلّق والصيرورة الأولية , لأنها تبني رؤية دفاقة , وترابطات عُصيبية ما بين خلايا الدماغ اللازمة لإستحضار آليات الإبداع والعطاء الجميل.
فالعلاقة ما بين الدماغ والمكان , كعلاقته باللغة , فالذي لا يتعلم اللغة الأم بصورة صحيحة وسليمة في طفولته , لا يمكنه أن يفكر بوضوح وقدرة على التأثير والتفاعل مع المحيط , والتطورات والتفاعلات الحاصلة من حوله , ويبقى يمتلك درجة خفية من العوق التعبيري والتواصلي مع المنبهات القادمة إليه.
فالعلاقة ما بين الإنسان والمكان , إبداعية وتأهيلية لإطلاق القدرات الكامنة في العقل والنفس والروح , والتي تؤسس لمعاني (وعي المكان) وإدراك مفرداته , وعناصره المؤلفة للوحة الحياة الخالدة.
وأكبر المبدعين في تأريخ البشرية , هم الذين أوجدوا هذه العلاقة , أو توفرت لديهم فرصة التفاعل الحي المتوقد , مع مكان إنطلاقهم منذ الطفولة وحتى الصبا , بكل ما تعنيه وتشير إليه من طاقات إنفعالية وإدراكية وثقافية , لازمة لصناعة إرادة ووحي المكان في الأعماق , وحالما يتحقق ذلك , يكون الشخص مؤهلا لتوظيف أدواته المكانية في التواصل مع أي مكان يحلّ فيه.
فحبّ المكان سلوك يتعلمه الإنسان في بداية عمره , ويحمله إلى أرض الدنيا الواسعة , ويكون تفاعله مع أية بقعة أرضية , منبثقا من تلك الآليات الراسخة في دنياه , والمتنامية بنضجها وقدرتها على التعبير , بالممارسة والتكرار.
فالجواهري , إنطلق متغنيا بالنجف بما تحويه من طاقات تاريخية وثقافية وروحية وبيئية وإجتماعية , فأنشد لسامراء وبغداد والعراق بأسره , ولدمشق ومصر وغيرها , وأبدع كثيرا في (براغ) , المكان الذي أحبّه , فتواشج عشقه النجفي بعشق مدن الدنيا بأسرها , لأنه حقق التواصل ما بين المكان الذي ولد فيه والذي يعيش فيه.
وفي هذا الترابط علاقة نفسية وفكرية وعاطفية ذات قيمة إبداعية متميزة.
وكثيرا ما يتحقق الإبداع المكاني وفقا لآليات التمني والمقارنة بين الأماكن , التي يكون مقياسها مكان النشأة وبدء الحياة الواعية بمحيطها.
فلكي تكون مبدعا حقيقيا عليك أن تتعلم كيف تلتصق بمكان وجودك الأصيل!!
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/07/21



كتابة تعليق لموضوع : الجواهري والمكان!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net