صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الثعبان إنسان!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
البارحة وقبل غروب الشمس بقليل , وأنا أخطو في حديقة الدار , وإذا بأفعى سوداء اللون وبطول مثر أو يزيد , مستلقية على الحائط المرصوف تحت أشجار الورد الفواحة بعطرها , وكانت تحرك رأسها وتطلق لسانها بنشوة , وهي مسترخية منبسطة ومتفاعلة مع جمال المنظر , وحسبتها تشكرني على النعمة التي هي فيها , أو على هذه المتعة اللذيذة التي تتنعم بها.
مضيت أتأملها , وكدت أن أقترب منها وأربت على بدنها , كنت هادئا ومتأملا المنظر , وأفكر بما تفكر به في هذه اللحظات الوادعة , حيث الأطيار تغرد ألحانها , والأنسام تترنم بنفحاتها المتهادية الرائعة الإحساس.
فكانت الحياة في إحتفالية الإعلان عن نفسها وتعريها أمام أنظار المدركين.
وفي هذه الأثناء  , ناداني صوت إنسان , فأجبته أن يحضر إلى المكان , ويرى ما أعاين وأتأمل , وحالما حضر الإنسان , وإذا به يطلق صيحة فزع وخوف ويتصرف برعب لا مثيل له , فاستدعى الجيران , وحاول الإتصال بالشرطة , وهو يصرخ : إنها الثعبان , إنها الثعبان , أية ثعبان هذه لم أرَ مثلها , إنها كبيرة , إنها سوداء , إنها خطرة  , إنها شريرة , ستهاجمك , ستقتلك...وووو....!
واجتمع الجيران , وأنا لا زلت أتأمل الثعبان التي أصابها الفزع والقلق وأخذت أوصالها ترتعش , وناولني ذلك الإنسان قضيبا طويلا لقتلها!
فأخذت القضيب , وقلت لنفسي : كيف أقتل هذا الثعبان الأليف اللطيف المتمتع بجمال ولذة الحياة؟ وتعالت الأصوات التي تصفني بالضعف والجبن وما إلى ذلك لأني لا أقتل الثعبان!
ومددت القضيب والتفت  حوله بوداعة عجيبة , وكأنها حيوان أليف يداعب بشرا , فنقلتها إلى الأرض الخضراء , وأمسكت رأسها تحت ضغط القضيب , وهي ترتعش خائفة ومندهشة من فعلتي , وكل الذين حولي ينادون بقتلها!
وتساءلت لماذا يريدون قتلها؟
لم تقترف ذنبا , إلا لأنها ثعبان , أو حية , أو أفعى , تتمتع بالحياة الجميلة!
وبين أن أقتلها , أو لا أقتلها , تحايلت على مَن حولي من بني الإنسان , وأرشد ت الثعبان إلى طريق الخلاص , وكأنها إستسلمت لإرادتي , وتحركت بالإتجاه الذي أريدها أن تتحرك فيه , فانطلقت إلى غايتها مذعورة أو شاكرة , لكن حركتها السريعة المستقيمة , كانت تشير إلى الذعر والشعور بالغدر من الإنسان.
وتعللت بأني لم أتمكن منها , لكنني في حقيقة الأمر , أطلقتها لأنها كانت تحت قبضة القضيب القاتلة المسلطة على رأسها , فأرخيته , وحررت رأسها الجميل من تحته فذهبت تلعن الإنسان.
ترى لماذا أراد الإنسان قتل الثعبان التي كانت تتمتع بالحياة , وتتلذذ بمنظر الوجود وسحر الغروب؟
الجميع أراد قتلها لأنها ثعبان؟
فكلمة ثعبان  تثير الخوف والرعب في أعماقنا , وتلهب المشاعر المتصلة بذلك , فهي تعني الموت , ومقرونة به. 
فما أن نرى الثعبان حتى يرعبنا الموت , ستلدغنا  وتقتلنا , وفيها نهايتنا.
الثعبان أوجدت آليات سلوكية ونفسية في أعماقنا , ومنذ الأزل , فتوارثناها وأصبحت كامنة فينا , ولا تحتاج إلى تعلم أو تثقيف.
إنه الثعبان وحسب!
وفي واقعنا البشري , كم كلمة تشبه كلمة "الثعبان" , تنطلق بسببها ذات المشاعر التي تطلقها الثعبان وتدفعنا إلى قتلها؟!
لنتساءل , كم من تلك الكلمات؟
وكم منها نستخدم في كتاباتنا الثعبانية؟
فواقعنا يعج بالكلمات الثعبانية , وهناك العديد من الأقلام التي تنتج هذه الكلمات المعززة بالمشاعر والعواطف الثعبانية , فما أن تبرز تلك الكلمة وتقرن بإنسان وفئة وحزب ونظام وغير ذلك , حتى يتحول إلى ثعبان لابد من قتله.
وفي مجتمعات الخراب والدمار , تراكمت الكلمات الثعبانية والمشاعر والعواطف المقرونة بها , حتى صار أبناؤها ثعابين بهيأة بشر!
فهل سنقتل الثعبان الذي فينا , أم نحسب كل آخر ثعبان؟!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/29



كتابة تعليق لموضوع : الثعبان إنسان!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net