صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح113 سورة الاعراف الشريفة
حيدر الحد راوي
بسم الله الرحمن الرحيم
 
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{188} 
نستقرأ الاية الكريمة ثلاثة موارد : 
1- (  قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) : يأمر او يوجه النص المبارك الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يوضح للقوم , أنه (ص واله) لا يملك ان يجلب النفع لنفسه , ولا يملك دفع الضر عنها , الامر عائد بجملته الى الله تعالى .
يلاحظ ان من اسمائه عز وجل الشريفة ( الضار النافع ) , لا يجوز قراءة او تلاوة اسمه تعالى الشريف ( الضار ) منفردا , بل يجب ان يلحق او يسبق بأسمه تعالى الشريف ( النافع ) . 
2- (  وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) : لو كنت اعلم ما غاب عني من امور , لامكنني الاكثار من الاسباب التي توفر الخير والخيرات لي , ولامكنني ايضا الاحتراز من اسباب ومصادر السوء , كالفقر وغيره . 
3- (  إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) : النص المبارك يروي على لسانه (ص واله) , ويحدد وظيفته (ص واله) , نذيرا بالنار للكافرين , وما سيلاقونه من اهوال ما بعد الموت , وبشيرا بالجنة والثواب للمؤمنين , وما سينالونه في الدنيا والاخرة  , لقوم يصدقون ببعثته (ص واله) , وحملوا رسالتها ومضامينها .   
مما يروى في سبب نزول الاية الكريمة , ( قول اهل مكة للرسول (ص واله) : اذا كان لك ارتباط بالله , افلا يطلعك الله على غلاء السلع او زهادتها في المستقبل , لتهيئ عن هذا الطريق ما فيه النفع والخير وتدفع عنك ما فيه الضرر والسوء , او يطلعك الله على السنة الممحلة ( القحط ) او العام المخصب العشب , فينتقل الى الارض الخصيبة ؟ ) " مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي " .       
 
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ{189}
نستقرأ الاية الكريمة في خمسة مواطن : 
1- (  هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) : الله عز وجل خلقكم من نفس واحدة , ادم (ع) .   
2- (  وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) : خلق منها زوجة ( حواء ) , ليأنس بها , لدى المفسرون اراء كثيرة في النص المبارك , نذكر منها ثلاثة بشكل موجز : 
أ‌) ان الله تعالى خلق حواء من نفس طينة ادم . 
ب‌) ان الله تعالى خلق حواء  من ضلع ( اضلاع ) ادم . 
ت‌) ان الله تعالى خلق حواء من نفس جنس ادم .
3- (  فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ) : النص المبارك يشير الى عملية الاتصال بين الزوج والزوجة ( الجماع ) , فاشار اليه بطريقة لطيفة جدا (  تَغَشَّاهَا ) ولم يقل ( جامعها ) مثلا , او اي مفردة يمكن ان تعطي نفس المعنى في اللغة العربية , وما بعد ( الجماع ) الا الحمل , ( حَمْلاً خَفِيفاً ) في بدايته , الشهور الاولى من الحمل  .  
4- (  فَمَرَّتْ بِهِ ) : حملته واستمرت بمزاولة اعمالها اليومية , لخفة الحمل . 
5- (  فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) : يركز النص المبارك على مرحلة من مراحل الحمل , (  فَلَمَّا أَثْقَلَت ) كبر الجنين في بطنها , واصبح ثقيلا على امه , وقربت ولادتها , هناك يدعو الوالدان ان يأتي المولد سليما معافى , لنكونن من الشكرين .   
 
فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{190} 
اراء المفسرين تختلف كالعادة في تفسير الاية الكريمة , فننقل ثلاثة اراء : 
1- تفسير الجلالين للسيوطي (( فلما آتاهما) ولداً (صالحاً جعلا له شركاء) وفي قراءة بكسر الشين والتنوين أي شريكا (فيما آتاهما) بتسميته عبد الحارث ولا ينبغي أن يكون عبداً إلا لله ، وليس بإشراك في العبودية لعصمة آدم وروى سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " رواه الحاكم وقال صحيح والترمذي وقال حسن غريب (فتعالى الله عما يشركون) أي أهل مكة به من الأصنام والجملة مسببة عطف على خلقكم وما بينهما اعتراض ) . 
2- مصحف الخيرة / علي عاشور العاملي ( اشركت ذريتهما بالله تعالى ) . 
3- تفسير البرهان ج2 / هاشم الحسيني البحراني في حديث طويل جرى بين الامام الرضا (ع) والخليفة العباسي  المأمون , نقتبس منه ما يتعلق بالموضوع ( ان ادم (ع) وحواء عاهدا الله تعالى ودعواه , وقالا ( لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) فلما أتاهما صالحا من النسل خلقا سويا بريئا من الزمانة والعاهة , وكان ما اتاهما صنفين , صنفا ذكرانا , وصنفا اناثا , فجعل الصنفان لله تعالى ذكره شركاء فيما اتاهما , ولم يشكراه كشكر اابويهما له عز وجل , قال تعالى (  فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .  
 
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ{191}
تضمنت الاية الكريمة سؤال استنكار , ايشركون خلقه جل وعلا بعبادة , فيتخذون آلهة من حجر وغيره , لا تخلق شيئا , بل هم من صنعوها .   
 
وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ{192} 
تروي الاية الكريمة , ان تلك الالهة لا تستطيع ان تساند او تنصر عابديها , بل لا تستطيع ان تنصر او تنتصر لنفسها . 
 
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ{193}
تخاطب الاية الكريمة المشركين , وان تدعوا هذه الاوثان الى جلب نفع او دفع ضر من دون الله تعالى , فأنها لا تسمع دعائكم , الامر سيان , ان دعوتموها او لم تدعوها , فهي جامدة , لا تسمع ولا تبصر . 
 
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{194} 
تستمر الاية الكريمة في خطاب المشركين , (  إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) , انهم مملوكون لربهم جل وعلا , كما هو الحال بالنسبة لكم , ولتتأكدوا اكثر ( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .     
 
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ{195} 
يستمر الخطاب في الاية الكريمة , وفي هذه المرة تلفت نظرهم الى : 
1- (  أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ) : عادة ينحت للصنم ارجل , لكنه لا يمشي بها , فيلفت النص المبارك انظارهم , الى عجز الاصنام من المشي .  
2- (  أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا ) : وكذلك ينحت لها أيد ( جمع يد ) , فيبين النص المبارك ايضا عجز الصنم من تحريك يديه للبطش وغيره ! . 
3- (  أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا ) : تنحت العيون على رؤوس التماثيل , لكنها لا ترى بها , فيلفت النص المبارك النظر الى عدم تمكن الاصنام من الرؤية ! . 
4- (  أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ) : وكذلك الاذان تنحت على رؤوس التماثيل , لكنها لا تستعملها للسمع , حجر من حجر , طين في طين , فيلفت النص المبارك نظرهم وعقولهم الى عدم تمكنها من سماع دعواتهم لها ! . 
5- (  قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ ) :  يتضمن النص المبارك ختام الحجة القاطعة , فيوجه الرسول الكريم محمد (ص واله) ان يقول لهم : ادعوا الهتكم التي جعلتم لها شركا في خلقه عز وجل , فليقضوا عليّ , لاني ادعوا الى نبذها , واخالف عقيدتها , ( فَلاَ تُنظِرُونِ ) , فلا تمهلوني , فأني لا ابالي بكم ! .           
 
إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{196} 
نستقرأ الاية الكريمة في مقطعين : 
1- ( إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ) : الله عز وجل هو الذي انزل الكتاب ( القرآن الكريم ) , هو جل وعلا يتولى امري بالحفظ والنصرة . 
2- ( وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) : وهو جل وعلا يتولى امور الصالحين بالحفظ والنصرة .     
 
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ{197}
تخاطب الاية الكريمة المشركين , ان الذين تدعون من دون الله تعالى من الاصنام لا تستطيع توفير النصر والمساندة والدعم لكم , ولا حتى عن انفسهم ! .  
 
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ{198}
تستمر الاية الكريمة في خطاب المشركين , وهذه تسلط الضوء على امرين : 
1- (  وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ ) : سياق النص المبارك موجه الى الرسول (ص واله) , ولكن المعني به المشركين خاصة , والناس عامة , بطريقة ( اياك اعني , واسمعي يا جارة ) , ان تدعوا هذه الاصنام , فلا تسمع دعائك , وان كان قد نحتت لها اذان , لانها حجر في حجر . 
2- (  وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) : بنفس سياق كلام النص المبارك , المخاطب به الرسول الكريم محمد (ص واله) , والمعني به المشركين خاصة , والناس عامة , عندما تقف امام صنم , تراه ينظر اليك , لرسم ( نحت ) العيون في رأسه , لكنه لا يبصر بها , لان بعضها من بعض , طين من طين ! .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/17



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح113 سورة الاعراف الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net