صفحة الكاتب : حسين الخشيمي

مؤتمرات التقريب وأمنيات لإعادة إنسانيتنا الضائعة
حسين الخشيمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

 حقاً إننا نعيش اليوم واقعاً مقارباً من ذلك الواقع الذي شهدته الجزيرة العربية قبل 1400عام, حيث الخوف والقوة أكثر شيء يتقنه المجتمع الجاهلي, هم كانوا يقتنون الأسلحة ويهتمون بها كما يهتمون بأبنائهم, بل يتعدى الأمر ذلك, فالنفس لم تكن محترمة حينها, ولم تشفع لها صلة رحمِ او دمٍ. الرجل كان يئد ابنته بيده, بينما كان يحتضن سلاحه في فراش نومه. هي تشاركه حفر قبرها ببراءة لكي تقلل عنه عناء الحفر!.. انه مجتمع يرى من القتل مهنة رائجة للحصول على القوت والجاه والمنصب. مشاهد تاريخية كثيرة مشابهة لو أردنا ان نسردها في هذا المقام لأتسع وطال, ولكننا نقارن مقارنة بسيطة بين ما جرى أمس في تلك الفترة التي فصلت بيننا وبين ذلك المجتمع الهمجي, وبين مجتمع همجي آخر بقالب حضاري بعيد كل البعد عنه, حيث العالم اليوم يبذل (تريليونات) الدولارات من اجل ان يكون مجتمعه بمستوى مقارب لذلك المجتمع الجاهلي, عبر التسليح, والقتل, والتدمير... العالم اليوم يجتهد في تطوير أساليب الموت فقط!
 
الجاهليون وجدوا أنفسهم بعد أن جاءهم النبي الخاتم (ص), وبعد عناء طويل, ومصارعة مع الرفض الشديد لفكرة ان يعرف الإنسان قيمة نفسه في ذلك الوقت. اكتشفوا ان خلاصهم يكمن في عودتهم الى إنسانيتهم, والعيش معاً وفق ما تقتضيه تلك الإنسانية من احترام للدماء وتقبل للآخر بعيوبه. سنوات طويلة من الآمان والانتعاش الحضاري والاقتصادي عاشتها العرب تحت ظل قيادة الرسول الذي أيقظ فيهم روح الإنسان المكافح والمتحرك في مجتمعه.
 
العرب ينتكسون مرة أخرى ويبحثون الان بعد وفاة نبيهم عن روح الجاهلية!! انهم يكتشفون وسائل اشد فتكاً بأنفسهم ومجتمعهم. المؤامرات.. المكائد.. الحروب الباردة اكتشافات رهيبة. اما مجتمعاتنا اليوم فقد جمع بين الأسلوبين معاً.. بين الجاهلي الذي كان يعتمد القتل وسفك الدماء, والآخر الذي كان يعتمد التآمر والحروب الباردة. بعض المفكرين ورجال الدين يروّن ان سبب ذلك العنف الطائفي والاقتتال الذي تعيشه الأمة اليوم, وابتعادها عن محتوى الدين الحقيقي الذي أحدث ثورة حضارية في الجزيرة العربية آنذاك؛ هو الفترة التي فصلت بيننا كمجتمعات وبين شخصية النبي كقائد. لكننا نعتقد ان السبب هو عجز المجتمع اليوم عن فهم الدين كمنظومة حضارية الهية كما طرحها وروج لها النبي (ص). ورجال الدين وخطابهم القشري هو الآخر سبب لا يقل أهمية عن بقية الأسباب الأخرى, فمنهم من يصور للمجتمع ان الدين الإسلامي مجرد حوادث تاريخية, وآخر يرى انه مجرد طقوس عبادية, ومناضرات وجدال كلامي لرد الشبهات. بينما يغفل اغلبهم عن فهمه كوسيلة لخلاص الإنسان وبناء حضارته.
 
مؤتمرات التقريب بين المذاهب والأديان التي تقام هذه الفترة في بلدان مختلفة, ينبغي ان تركز قبل كل شيء على ان الدين وسيلة للنهوض بالفرد والمجتمع, لا لتفريقه وشحنه بالفكر الطائفي. اليوم ستشهد مدينة النجف الاشرف مؤتمراً  يفترض ان يحمل الهدف ذاته. السيد مقتدى الصدر جعل من مناسبة ذكرى ولادة الزهراء (ع) عنوناً للحوار و الوحدة. مؤتمر "فاطمة الزهراء الدولي السنوي الثاني لحوار الأديان والتقارب" اتمنى ان لا يخلوا من رجال دين منفتحين ومتحررين من قيود المذهبية يخرجوا بتوصيات ترسي دعائم التعايش واحترام الإنسانية التي جاء بها ديننا الإسلامي السمح. أتمنى أيضا ان يخلو هذا المؤتمر من الشخصيات الدينية التي المتطرفة -او من يمثلهم- والتي تلوح بالثأر من الذين يختلفون معهم. 100  شخصية من مختلف الأديان والبلدان العربية والإسلامية والأجنبية وصلت الى النجف, ونرجو منها ان لا تكون قد جاءت  لتظهر للإعلام انها شخصيات مستعدة للحوار في أي وقت, بل من اجل ان تسعى الى لملمة شتات الأمة الإسلامية الضائعة, وان تحد من النفس الطائفي المستشري, والذي بسببه تسفك الدماء وتهتك الأعراض. أتمنى ايضاً ان يكون الرسول حاضراً بين تلك الشخصيات, وان يكون القرآن خطابهم ومرجعهم الأول لكي يكون حكماً وحجة على الجميع لكي نعيد لهذه الأمة إنسانيتها الضائعة.
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين الخشيمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/01



كتابة تعليق لموضوع : مؤتمرات التقريب وأمنيات لإعادة إنسانيتنا الضائعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net