صفحة الكاتب : حيدر عاشور

قصة قصيرة مغامرة
حيدر عاشور
منذ ان قذفته السيارة الكبيرة القادمة من مدينته النائية بدأ يخطط للطريقة التي تجعله يتعايش مع هذه المدينة المدججة بقطع الكونكريت والتي تحيط بالشوارع من كل حدب وصوب ، اخرج سيكارة المفرد ووضعها في فمه وهو يتطلع في منطقة النهضة الى الناس وهم يسيرون بسرعة والحقائب تتراكض معهم ، الجميع يعدو الى هدفه ... مسافرون الى الاقاصي وعائدون من الاقاصي .. احلام تتحقق على ارصفة الضياع واخرى تتكسر على حافة المغامرة .. رنت بأذنه كلمة المغامرة وتذكر صديقه ذياب الذي وصل الى مرتبة ووظيفة كبيرة وكان يكرر دوما على مسمعه:
- اسمع يامجيد ان الحياة مغامرة كبرى وحين تكف عن المغامرة والمخاطر فان حياتك تتحول الى بؤس وعوز وضياع ... غامر بكل شيء .
وقبل ان يخطو باتجاه البحث عن فندق لائق يأويه منح نفسه شهادة عليا ( لتكن الماجستير  لااريد ان ابالغ اكثر وعلى الناس ان ينادونني بالاستاذ ) وبعدها تحسس الرسالة التي يحملها من احد اقاربه للتعرف بشخصية مهمة وقادرة على توصيله الى ما يريد تحقيقه او التوسط له في حيازة مهنة او منصب .
بعد ان وجد فندقا متواضعا في شارع السعدون ، خرج في اليوم الثاني قاصدا البحث عن شخصية التي يحمل لها رسالة الانقاذ .. وقاده العنوان الى احدى الدوائر حيث يعمل الاستاذ صفوان ، وحين التقاه احتضنه بعفوية وقبله وهو يعلن بصوته الجهوري بانه ضيف ويجب العناية بالضيف وحين انتهى من قراءة الرسالة قال له : - لاتتعب نفسك ياستاذ فبغداد عاجزة عن تعيين شخص واحد وعليك ان تبحث عن اعمال حرة . وقبل ان ينهي حديثه ضرب رأسه بقوة وكأنه تذكر شخصا مهما :
- نعم تذكرت سارسلك الى استاذ نديم عبد الوهاب فهو شخصية متنفذة قضى ردحا من الزمن خارج البلد وقبل سنة انهى غربته وقد اسس حزبا ورصد له التمويل والمكان ... تذكر مجيد لحظتها تعويذة المغامرة فاطلق لسانه وقال :
- انني حاصل على االماجستير في علم النفس .
- رائع ... الاحزاب اليوم بحاجة الى علم النفس وكيفية تسويق الافكار وتصدير الشعارات لتحقيق الهيمنة على عباد الله .
اخرج صفوان قلمه وكتب رسالة رقيقة اوضح فيها صفات وخصال مجيد وقال له :عليك ان تقول له بانك ايضا كنت مغتربا فهو يميل الى الذين جاءوا من الخارج اكثر من الذين ظلوا في الداخل . وطلب مجيد منه العودة الى الدائرة فهو قادر على السير في المدينة لوحده وودعه على عجالة، ولان المغامرة تحتاج الى حرق مراحل ، وسرعة في التنفيذ رفع يده لايقاف احد سيارات التكسي وتوجه الى مكتب نديم عبد الوهاب ... وبعد مسيرة عسيرة في الزحام الصباحي نزل بعد ان نقد السائق اجرته وتقدم باتجاه رجل اشيب الراس وتحتل وجه نظارة طبية ، وبعد المصافحة دفع مجيد بالرسالة بين يديه .. قرأها بتمعن وقد هب واقفا على قدميه ، وفجأة اسفرت اساريره عن ضحكة ارتياح وهو يمتدح صديقه صفوان ... وختم حديثه بأن صفوان سلطان يأمر ، لاسيما وانه قدم له الكثير من المساعدة حين عاد من خارج البلد وبدأ الرجلان يتبادلان اطراف وخفايا  الحديث وحدث ما يشبه التفاهم على كل شيء طالما ان التزكية قد توفرت ولان القادم يحمل شهادة فقد قرر نديم ان يعينه مسؤولا عن الامور الادارية ويسهم ايضا في العلاقات وضم اعضاء جدد ، لم ينم مجيد ليلته في تلك الغرفة البائسة لكنه ظل مشدودا الى فكرة ان اي غاية تحتاج الى خطوات ومراحل ، وكل الاحلام كانت في البدء افكار مجردة .
كانت الغرفة التي تسلمها تحتاج الى اضفاء مسحة من الجمال والرونق فبدأ عملا دؤوبا في جعلها غرفة متميزة وابدى نشاطا كبيرا وهو يصغي الى ما يأمر به نديم الذي شعر بانه انسان يمتلك الهمة والقدرة على العمل في كل اتجاه فاقترح عليه ان يترأس لجنة تهتم بحقوق الانسان والعناية بالمظلومين والمهمشين واصحاب الحقوق الضائعة وما اكثرها في هذه الدنيا التي تغفو على احزان متناسلة .
وخلال عمله وقربه من نديم لمح امرأة في العقد الرابع من عمرها يبدو جمالها مقبولا بعض الشيء وشعر بحاسته انها قريبة الاستاذ ، ولكنه دهش حين عرف بان نجاة هي اخته ، فبدأ يتودد اليها لاسيما وهي تحضر بشكل يومي الى المكان وتهتم بحقوق الانسان وحقوق المرأة بشكل خاص وبدأ معها ينظم الملفات والاوراق .
واخذ التقارب بينهما مداه فكر هو بمصلحة وعلاقته بنديم وتعميقا بالتقرب من نجاة .. اما هي فتكابد شعورا بان الحياة تسير بسرعة من حولها وعليها ان تجد زوجا مناسبا قبل ان تجثم على صدرها سنوات الخمسين ، وشعر بان نديم لم يمانع بمشروع الزواج فاسرع مجيد وتدبر حاله واعلن خطوبته من نجاة ، فالمغامرة تحتاج الى اقتناص الفرصة التي لا تتكرر مرتين .. وضحك بنشوة في سره وهو يردد بان ما فعله لم يخطر ببال صاحب المغامرة ذياب الذي وصل الى مرتبة عالية ولا يعرف الوصول اليه .
واصبح مجيد ونجاة مسؤولان عن لجنة حقوق الانسان وكل مايتعلق بمظلومية النساءالمهمشات ، وكل اصحاب الحقوق المضاعة . ولان المغامرة بدأت تعطي ثمارها قرر مجيد تغيير الفندق مؤقتا بعد ان اخبرته نجاة بانها تهئ الدار التي تملكها للترميم وتحضيرها للزواج .
وتعمقت علاقات مجيد بالصحافة والمطابع بعد ان انيطت به مهمة كتابة الشعارات وطبعها وكلها تركز كلمات حفظها عن ظهر قلب كجزء من متطلبات واسرار المهنة مثل الحرية والمساواة والعدل والحقوق وثقافة المظلومية وبؤس المهمشين وانقاذ المعدمين وغيرها من الالفاظ والمسميات التي يحتاجها في مقابلاته ومحاضراته التي تتركز على حقوق الانسان واخذ يبالغ في ايامه الاخيرة في حماسته للدفاع وانفعاله وحزنه لكل مظلومي الارض .
وفي لحظة من الارتياح كانت نجاة قد حضرت بشكل مبكر لم تجده ، وحين سألت عنه اخبروها بانه ذهب الى احدى المطابع لجلب الشعارات الجديدة .لمحت نجاة امرأة في الخمسين من عمرها وخلفها يسير عدد من الصبيان من الصعب التميز بينهم لرداءة ملبسهم والفقر الذي يطبع سحناتهم .. تحسرت وهي تنهض لاستقبال هذه المراة التي يغني حالها البائس عن السؤال والاستفسار ، واخرجت ملفا لتكتب ما تحتاجه من معلومات بعد ان اجلست المرأة التي بدأ عليها الارهاق والتعب ، واطل من الغرفة الداخلية نديم عبد الوهاب وهو يتطلع الى اخته وكأنه يذكرها بهذا النموذج الذي يثير الحزن والاسى .
تشجعت المرأة وسحبت يده لتقبيلها رفض الرجل وسحب يده بسرعة فانطلقت تتحدث عن ماساتها : - انا امرأة لا املك بيتا ولا راتبا ولدي اربعة بنات وولدان .. كما ترى واسكن مع اهلي فبادرت نجاة باسؤال :
- واين اهلك ؟
- في مدينة بعيدة فبادرها نديم :
- واين زوجك؟
- زوجي ارسل الي بانه يريد تطليقي .
فحدقت في وجهها نجاة بنظرة ذات معنى .
- واين يعمل زوجك ؟
- كان يعمل قارئ مقاييس في مدينتنا النائية ولكنه جاء الى بغداد منذ عام وترك كل العبء في عنقي وانا لا املك شيئا وحتى اهلي بدأوا يتضايقون من وجودي .
تطلع نديم في وجهها ونقل نظرته الى صغارها البائسين وبدأت نجاة تدون اسمها وحين نطقت اسم الزوج ( مجيد حمدان ) هيمنت الدهشة على قسمات نديم واخته وتبادلا ذات معنى واستهجان ، فخرجت الكلمات خفيضة خالية من الحماس .
- اذن زوجك مجيد .
ولان صورة مجيد معلقة وتحيطها شعارات حقوق الانسان والبحث عن المظلومين اشار نديم لها :
- هل هذا زوجك ؟
نظرت المرأة الى الصورة - نعم انه هو انظروا هذا اباكم .
تعالى الصراخ والصخب بين الاطفال .وقفت نجاة بجانب اخيها وقد تخاذل جسدها وتبخرت حماستها وعانقته وهي تبكي ، امسكها نديم بقوة ... وانطلق الاطفال بسرعة نحو ابيهم الذي حضر وهو يحمل الشعارات وقف مندهشا ولم يستطع ان ينطلق بكلمة واحدة فالمشهد لايحتاج الى تبرير او تعليق .
لم يفعل نديم سوى ان امسكه بقوة وقال له : -هذه الخطوبة لاغية ايها الانتهازي ... وانا ساخذ بحقوق هؤلاء المساكين ... ثم ساعيدك الى قريتك النائية ياقارئ المقاييس .وتبا لصفوان الذي ارسلك علي وساعرف ماذا افعل بك .
بعدها خرجت نجاة دون ان تنظر في وجهه.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر عاشور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/10



كتابة تعليق لموضوع : قصة قصيرة مغامرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net