صفحة الكاتب : حيدر عاشور

قصة قصيرة ولا ... حتى في الخيال
حيدر عاشور
لم أتوقع منها سوى شيئا يبعث روح الأنانية بطريقة الحقد الدفين بعد أن تغلغل الى أعماق روحها الشريرة فلم تعد تصبر على الاحتفاظ بضحكتها وابتسامتها السمية التي تكشر عن أنياب السم التي تقتل نفسها إن لم تجد من تقتله . اعرف ذلك الوجه، منذ أكثر من عشرين سنة ونيف... ها هي لم تتعلم من الحياة وتجاربها إلا جانب الحقد والحسد والنظر من ثقب إبرة لمجرد اختلاس نظرة شامته تعيد إليها قوة خفية من سعادة الشياطين من الإنس المتمظهرين بصورة إنسان وباطنهم ممتلئ بالشر للآخرين ... تحولت الآن الى حيوان بصورة بشر ابتعدت عن محورها الإنساني وتسلطت بسطوتها الغرائبية على كل من حولها ، وجعلتهم بقبضة يدها تسيرهم كيفما تشاء وتذلهم كيفما تريد بعد أن امتلأت خزائنها بالجواهر والذهب والدولارات . يالا... قباحتها،  ويالا... تاريخها الحقود وسيرة قذرة لإنسانة بعيدة كل البعد عن ابسط قيم للإنسانية .
لم أشاهد في رحلتي وتجربتي الروحية المتقوقعة بين الدين والدنيا مثلها ولم اصدم بشاكلة على نمطيتها... إنها ساحرة، وتتعامل في السحر وتعطي جسدها من اجل مصيبة توقع بها الأخر... آه تذكرت حينما كنت صغيرا ومريضا بنفس الوقت .. كان عمري لا يتجاوز الخامسة ، وهي تسير بي في أزقة الكاظمين الموحشة في غربة الوقت ونهاية يوم لا يدخل الى فروعها سوى بصيص من أشعة الشمس لقرب حافات السطوح وتماسكها مع بعضها البعض وصلنا الى بيت بابه من الخشب القديم وزخرفتها صناعة يقال عنها يهودية أو مندائية لان هذا الجزء يقنطه المندائيين بداية البناء الكاظمين ... البيت الذي نقف أمامه يسكنه مندائي ساحر صعدت سلمين صغيرين أمام الباب وطرقته بمقبض حديدي ثلاث طرقات متتالية ، ودون أي نفس فتح الباب وظهر منه وجه شاب تميل سحنته الى الأزرق القاني ارتجف قلبي هلعا انه شيطان حقيقي دخلنا البيت وأجلسنا على حصيرة من جريد النخيل وأمر الاختلاء بها قالت له:
- لأتخف منه صغير ومريض ولا يفهم شيئا.
جلب صفرية في داخلها ماء ومبخرة طويلة الشكل مصنوعة من الفضة الخالصة يخرج منها عطر غريب يوحش المكان أكثر ويبعث أصوات خفية تتلاعب مع حركته للمبخرة وهو يردد كلمات بلغة أجنبية مرة يبكي وأخرى يضحك وهو يلاعبها ويداعب جسدها وهي تتمايل في غثيان وكأنها رحلت الى عالم مختلف وتشاهد وحدها ما لم استطع تحديده من تراقصهم وسط أبخرت الدخان ونكشف عن عيني جزء لا أجدها تضع حوله غطاء سميك (بطانية ) من الصوف وتلف حوله حبلا سميكا جدا وهو مطرق الرأس يرفعه بتمهل شديد ،عينياه تبيض وتحمر وحركات وأصوات داخل الغطاء الصوفي تأمره فيقول نعم ويطلب منها فيهتز جسده وبقي على هذا الحال وقت لست قادر على تحديده حتى فاق من غيبوبته السحرية وينظر لها بعين الرضا والاستجابة لم أعي شيئا ماذا طلب وأي شيء سيتحقق، بدأت أتقيئ ،وأمسكتني بعنف وخرجنا وسط ظلام دامس ... بقي المنظر عالق في ذهني فترة طويلة كأنه حلم يراودني في كل أشيائي ،وفي صيف لأهب ونحن نائمين بسرداب تحت الأرض سمعت حركة غريبة وأنا نائم قرب أمي رفعت راسي وجد شخصا يحمل مقصا ويقص خصلة من شعر أمي ، أخافني بنظرة حاقدة واختفى من فوره لم تشعر أمي بأي تغيرات سوى الحريق الذي شب في دارنا معارك لا نهاية لها بين أبي وأمي وإخوتي احدهم  يضرب الأخر بقسوة وجنون وصل الأمر الى اتهامات وخيانات . زاردنا  الحاقدة لتقول لأبي:
-إن ابنك الكبير ليس من صلبك أترى انه اسود الوجه ؟
المشكلة صدقها أبي وطرد أمي من البيت وبدأت رحلة العذاب اليومي والحرمان الذي بان على عائلتي والمصائب تتوارى علينا من كل حدب وصوب أختي سقطت من السطح حملها جارنا النجار وأختي الثانية أصابها مرض الصدفية وأخي المطعون بشرفه تساقط شعر رأسه وأصبح أصلع تماما .... جاءت الحنونة جدتي وبقيت بقربنا وهدأت الكثير من الأمور وتلاقت الجدتان لامي وأبي وعرفن سبب خراب هذا البيت المتماسك ،بقيام تلك الحاقدة بتوليفة سحرها ألخرائبي.
سحرني الفضول أن اعرف كل شيء وذهبت معهن الى إحدى العرافات لتقول لهن :
- سيأتي بعد قليل الخبر اليقين .... نفس المشهد لذلك الساحر جاءت العرافة بصحن ووضعت فيه ماء عادي من إبريق فضي اللون وجاءت بوشاح اخضر وضعته فوق الصحن وبدأت تغرد بهمس وتفرفر برأسها والماء تحت الوشاح كأنه يغلي ويرتفع شيئا فشيئا حتى دخل علينا طفل صغير رفع الغطاء والماء كأنه تراب في درجة الغليان ليأخذ شيئا طائفا ،عبارة عن ورقة داخل كيس من (النايلون ) مليء بالطين .. هدأت العرافة لتقول :
- طبع البشر الخيانة والغدر وما جرى على هذا الإنسان ظلم بشري، واعتقد من اقرب الناس إليه ليس عامل العمل  ببعيد.
قالت جدتي :
- هل تستطيع  فكه .
- انه بين يدي، والأمور سترجع لطبيعتها بمجرد حرق هذه الورقة.
وهكذا، وصلت الجدتان للحقيقة دون أن يعلما أحدا لأنهما تعرفان تفاصيل ما تقوم به تلك الشذوذ الحاقدة على البيوت الآمنة والسعيدة... بقي الأهم آلا اكبر كيف رجوع أمي الى البيت  .
تمكنت جدتي التي قاربت السبعين من حل الغز الثاني حين استعانت بشخص على شاكلة السحار ولكن بالصورة الايجابية لتجد الخراب الذي سعت اليه (الموهوسة ) بأذية الناس تلك الصفراء الذميمة.... حدد الساحر مكانا دقيقا لوجود السحر في بيتنا لا يخطر ببال احد وهو التنور... ذهبت جدتي  الى المكان وأخرجت دمية من طين سحقتها برجلها ليخرج شعر أمي الذي قصه ذلك الحقير ابنها .... قرر أبي عودة أمي بعد رحلة عذاب وحرمان ومرض... لكنها قررت أن تبعد عن اقربأئها سبعة ولايات .
ونفذ لها الأمر ... ومرت سنين طوال وتغيرت الأحوال لكن لم تبارح ذهني تلك الأحداث العصيبة التي عاشتها أمي  رحمها الباري مع قريبتنا لتخرج من صلبها مواصفات متطابقة لتلك المتوحشة ولكن القدر بالمرصاد ليظهر العديد ممن يملكن نفس الهواجس اللانسانية رغم إن نسلهن واحد ودينهن مشترك ومرجعهن لجسد واحد ،ولكن احدهن تضرب الأخرى با لسحر في حياة ولا حتى في الخيال .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر عاشور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/29



كتابة تعليق لموضوع : قصة قصيرة ولا ... حتى في الخيال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net