صفحة الكاتب : د . خليل خلف بشير

من النتاج الفكري للإمامين العسكريين - عليهما السلام - : تفسيرهما القرآن الكريم وأدعيتهما المباركة
د . خليل خلف بشير
لا ريب في أنّ القرآن هو أول مصادر التشريع الإسلامي ،وأهم مصادر الثقافة الإسلامية التي تعطي للأمة الإسلامية والرسالة الإلهية هويتها الخاصة ،وتسير بالأمة إلى حيث الكمال الإنساني المشهود،وعلى الرغم من أن ما وصل إلينا عن الأئمّة الميامين ( عليهم السلام ) بشأن القرآن الكريم وتفسيره لا يشكّل إلاّ نزراً يسيراً لما يمتلكون من حصيلة علمية ، وثراء فكري ليس لهما حدود، ولم تصلنا أغلب علومهم وفيوضاتهم بسبب تتبع الحكام الظالمين لأئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) إلاّ أنّ المتصدّي لتفسير القرآن الكريم لا يمكنه الاستغناء عن تفسير أهل البيت ( عليهم السلام ) للقرآن الكريم لما فيه من سمات أصيلة لفهم كتاب الله ، أبرزها تفسير القرآن بالمأثور ،وتفسير القرآن بالقرآن ،والتفسير الباطني للقرآن ،وفي تفسير الإمامين العسكريين للقرآن الكريم يبدو التفسير بالمأثور جلياً ،وليس من شك أن هذا اللون من التفسير يعد من أهم مفاتيح معرفة كتاب الله المجيد ،ولا يمكن لأي مفسّر أن يستغني عما أُثر عنهما في هذا المجال أو أن يغض الطرف عن الخطوط الأساسية التي رسماها ،وهذه صفة عامة في تفاسير أهل البيت – عليهم السلام - ،وقد دأب سلفنا الصالح على جمع موسوعات جليلة من التفسير بالمأثور عن أهل بيت النبوة – عليهم السلام – من ذلك : تفسير العياشي ،وتفسير القمي ،وتفسير فرات الكوفي فضلاً عن موسوعات تفسيرية مشابهة لمتأخرين مثل : البرهان في تفسير القرآن للسد هاشم البحراني ،ونور الثقلين للشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي.
وقد أُثر عن الإمامين العسكريين روايات تفسيرية للقرآن الكريم تعضد ما ذهبنا إليه فضلاً عن تفسير خاص منسوب للإمام العسكري عُرف بتفسير الإمام العسكري الذي اختلف الفقهاء والمحدثون في مدى صحة انتساب التفسير للإمام العسكري. 
ومن تراثهما التفسيري ( عليهما السلام ):
- سئل علي بن محمد ( عليهما السلام ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( يَسْألونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) ، فما الميسر ؟ فكتب : « كلّ ما قومر به فهو الميسر ، وكلّ مسكر حرام » .
- عن سفيان بن محمد الضبعي  قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الوليجة وهو قول الله عز وجل :( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة ) قلت في نفسي لا في الكتاب : من ترى المؤمن ههنا ، فرجع الجواب : الوليجة التي تقام دون ولي الأمر ، وحدثتك نفسك عن المؤمنين ، من هم في هذا الموضع ؟ فهم الأئمة يؤمنون على الله فيجيز أمانهم .
ولعل خير دليل على المعنى السابق ما ورد في زيارة يوم الثلاثاء الواردة عن الأئمة (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَالَى آخِرَهُمْ كَمَا تَوَالَيْتُ أَوَّلَهُمْ وأَبْرَأُ مِنْ كُلِّ وَلِيجَةٍ دُونَهُمْ ...))،وكذا ما ورد في زيارة الإمام الرضا (ع) : (( اللهم إني أتقرب إليك بحبهم وبولايتهم أتولى آخرهم كما توليت أولهم وابرأ من كل وليجة دونهم اللهم العن الذين بدلوا نعمتك واتهموا نبيك وجحدوا بآياتك ...)) فالوليجة : من تتخذه معتمدا من غير أهلك ، أي أبرأ من كل من لم يحذو حذوهم ولم يقل بإمامتهم.
- سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) فقال أبو محمد : (( هل يمحو الله إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن إلى أن قال تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء قبل كونها الخالق إذ لا مخلوق والرب إذ لا مربوب والقادر قبل المقدور عليه فقتل أشهد انك ولي الله وحجته والقائم بقسطه وانك على منهاج أمير المؤمنين وعلمه ...)).
- عن موسى بن محمد بن علي عن أخيه أبى الحسن الثالث عليه السلام قال : الشجرة التي نهى الله آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضل الله عليه وعلى خلائقه بعين الحسد ، ولم يجد الله له عزماً )).
أما الدعاء الذي يمثل العلاقة بين المخلوق وخالقه ،وعلاقة العبد الذليل الضعيف الحقير المسكين المستكين بربه القادر المهيمن الجبار العزيز المتكبر ذي الجلال والإكرام والفضل والإنعام فقد ملئ بأنفس الكلام في التوحيد ،والعدل ،وتنزيه الله عما ينسبه إليه الظالمون والمنحرفون ،والترغيب في مرضاته ومغفرته ،والتعوذ من سخطه وبأسه ،وشكره على نعمه وإحسانه .
وقد حثّ الإمامان العسكريان على الدعاء فعن الإمام الهادي ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال الصادق(عليه السلام ) :(( ثلاث دعوات يحجبن عن الله عز وجل : منها رجل مؤمن دعا لأخ مؤمن ، وأساء فينا ، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه ))،وعن أبي محمد العسكري ( ع ) : ارفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك فان لكل يوم رزقا جديدا، واعلم أن الإلحاح في المطالب يسلب البهاء ، ويورث التعب والعناء فاصبر حتى يفتح الله لك بابا يسهل الدخول فيه . فيما أقرب الصنع من الملهوف ،والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغير نوعاً من أدب الله ، والحظوظ مراتب ،فلا تعجل على ثمرة لم تدرك فإنما تنالها في أوانها...)).
والغالب في جملة الدعاء أنها تبتدئ بـ ( اللهم ) أو ( إلهي )،ويبدو أن افتتاح الدعاء بكلمة ( اللهم ) و( إلهي ) يعد إعلاناً للتبعية ،وإيذاناً سرمدياً بالحاجة الملحة التي تتخذ من علاقة بين ( الله والإنسان ) ،وهي بمثابة انطلاقة روحية تستفرغ جهداً في السلوك المستقيم،وأمثلة ذلك كثيرة منها قول الإمام الهادي (عليه السلام) في دعاء له : (( اللهم اكشف العذاب عن المؤمنين وابعثه جهرة على الظالمين اللهم اكفف العذاب عن المستجيرين واصببه على المغترين  اللهم بادر عصبة الحق بالعون وبادر أعوان الظلم بالقصم اللهم أسعدنا بالشكر وامنحنا النصر وأعذنا من سوء البداء والعاقبة والختر  )) ،وكذا قوله (( إلهي تاهت أبصار الناظرين إليك بسرائر القلوب ، وطالعت أصغى السامعين لك نجيّات الصدور ، فلم يلق أبصارهم ردٌّ دون ما يريدون ، هتكت بينك وبينهم حجب الغفلة ، فسكنوا في نورك وتنفسّوا بروحك ، فصارت قلوبهم مغارساً لهيبتك ، وأبصارهم ماكفاً لقدرتك ، وقرّبت أرواحهم من قدسك ، فجالسوا اسمك بوقار المجالسة وخضوع المخاطبة ، فأقبلت إليهم إقبال الشفيق ، وأنصتّ لهم إنصات الرفيق ، وأجبتهم إجابات الأحبّاء ، وناجيتهم مناجاة الأخلاّء ، فبلغ بي المحلّ الذي إليه وصلوا وانقلني من ذكري إلى ذكرك ولا تترك بيني وبين ملكوت عزّك باباً إلاّ فتحته ولا حجاباً من حجب الغفلة إلاّ هتكته حتّى تقيم روحي بين ضياء عرشك ، وتجعل لنا مقاماً نصب نورك إنّك على كلّ شيء قدير )).
والملاحظ أنّ الإمام استعمل كثيراً فعل الأمر مع صيغة (اللهم) ؛لأنّ الفعل لم يتحقق بعد (اللهم + اكشف) و(اللهم + بادر)و (اللهم + أسعدنا) في حين استعمل كثيراً الفعل الماضي مع صيغة (إلهي) ؛لأن الفعل متحقق أصلاً ( إلهي + تاهت ،وطالعت ،هتكت ... ).
ومن السمات الدلالية لأدعية الإمامين العسكريين اقتباسهما من آي التنزيل العزيز، وهذا يدل على تأثرهما بأسلوب القرآن الكريم حتى تكاد تكون اقتباساتهما القرآنية نصية أي مباشرة وملتحمة مع النص وكأنها من نص الإمامين ، وهذا يدل على اتكاء بنية الدعاء المضمونية على معطيات القرآن الكريم ، بوصفه مرجعية على جميع المستويات الشكلية والدلالية؛ لأن النص الإلهي هو المربي والمهيمن على ما دونه من النصوص،وإذ يستضيف دعاء المعصوم النص القرآني فإنما يستنطق وظيفة ترجمته للقرآن بلوغا بنصه الدعائي مخ العبادة في التعالي النصي ،ويدخل النص القرآني المقتبس قيمة فاعلة في تحقيق مطلب الداعي، لاسيما إذا كان اسما من الأسماء الإلهية له وجود نصي مستقل مثل سورة الإخلاص التي تعرف بها صفة الحق (عز وجل) ،وتسمى سورة الأساس لاشتمالها على أصول الدين، وتعدل قراءتها قراءة ثلث القرآن الكريم لذلك يأتي المعصوم بها أو ببعضها في لُحمة الدعاء توخيا للقبول، ومَظِنّة للإجابة . ففي دعاء الإمام الحسن العسكري (ع) عقيب الصلاة ورد: (( أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الوتر الفرد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد )) ،وكذا دعاء الإمام الهادي في قوله (( اللهم وإني مؤمن بسره وعلانيته وسر أهل بيته ، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ، وعلانيتهم ، اللهم فصل على محمد وآله ولا تقطع بيني وبينهم في الدنيا والآخرة واجعل عملي بهم متقبلا اللهم دللت عبادك على نفسك فقلت تباركت وتعاليت : ( وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) وقلت : ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم ) ،وقلت : ( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ) اجل رب نعم المدعو أنت ،ونعم الرب ،ونعم المجيب وقلت : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) وأنا أدعوك اللهم بأسمائك الحسنى كلها ما علمت منها وما لم اعلم وأسألك بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت وإذا سئلت بها أعطيت ، أدعوك متضرعا إليك مسكينا دعاء من أسلمته الغفلة وأجهدته الحاجة... )).
ومن السمات الدلالية الأخرى التكرار إذ يوظف الإمامان العسكريان (ع) في كل مقطع من مقاطع بعض أدعيتهما جملة تتكرر في بداية كل مقطع ،وهي جملة ( اللهم صل على محمد وآل محمد ) ،ويبدو أن هذه الجملة تحتل مساحة واسعة جداً من أدعية أهل البيت (ع)،لكونها مفتاحاً لقبول الدعوات ،وقد ورد في أحاديثهم تركيز وتأكيد كبيران  على هذه الصلوات ،والسبب واضح هو أن الله تعالى يريد أن يجعل من الدعاء وسيلة لارتباط المسلمين بأولياء أمورهم واعتصامهم بحبل الولاء الذي جعله الله عصمة للمسلمين ،والصلوات من أهم أسباب هذا الارتباط النفسي فإن حلقات الولاء ممتدة بين الله تعالى وعباده ،وولاء الرسول (ص) وأهل بيته من أهم هذه الصفات كما في دعاء الإمام العسكري (ع): (( اللهم صل على محمد كما حمل وحيك وبلغ رسالاتك ، وصل على محمد كما أحل حلالك ، وحرم حرامك ، وعلم كتابك ، وصل على محمد كما أقام الصلاة ،وآتى الزكاة ، ودعا إلى دينك ، وصل على محمد كما صدق بوعدك ، وأشفق من وعيدك وصل على محمد كما غفرت به الذنوب ، وسترت به العيوب ، وفرجت به الكروب ، وصل على محمد كما دفعت به الشقاء ، وكشفت به الغماء ، وأجبت به الدعاء ، ونجيت به من البلاء ، وصل على محمد كما رحمت به العباد ، وأحييت به البلاد ، وقصمت به الجبابرة ، وأهلكت به الفراعنة ، وصل على محمد كما أضعفت به الأموال وأحرزت به من الأهوال ، وكسرت به الأصنام ، ورحمت به الأنام ، وصل على محمد كما بعثته بخير الأديان ، وأعززت به الأيمان ، وتبرت به الأوثان ، وعظمت به البيت الحرام ، وصل على محمد وأهل بيته الطاهرين الأخيار وسلم تسليما )).
 
 
الأستاذ المساعد الدكتور خليل خلف بشير
جامعة البصرة – كلية الآداب – قسم اللغة العربية
البريد الالكتروني : Dr_khalelalamery@yahoo.com
   النقال :              07807316621و07707893011

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خليل خلف بشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/03/05



كتابة تعليق لموضوع : من النتاج الفكري للإمامين العسكريين - عليهما السلام - : تفسيرهما القرآن الكريم وأدعيتهما المباركة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net