صفحة الكاتب : الشيخ حيدر ال حيدر

الاسلام دين الرحمة والعقلانية
الشيخ حيدر ال حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيمإن

الله سبحانه وتعالى أعطى للانسان العقل وهو جوهرة ثمينة مكنونة تهدي حاملها الى الخير والرشاد وهي لو خليت وسجيتها ولم تصطدم بالموانع والحجب لما ضل الانسان ولا اختار غير سبيل النجاة والفوز بالسعادة الأبدية .
وأهم تلك الموانع والحجب التربية الفاسدة المؤدية الى التشويش على فطرة الانسان كما روي عنه صلى الله عليه وآله : \" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يعرب عنه لسانه إما شاكراً وإما كفورا\".
ويظهر بالقرائن أن المراد بالأبوين من حيث هما مربيان ولكونهما أبرز مصاديق المربي ولا موضوعية لأبوتهما , والتربية كما أنها تحصل من الأبوين كذلك تحصل من غيرهما , كوسائل الاعلام والمدارس والمؤسسات الثقافية الأخرى , فإن طغت على مجتمع من المجتمعات الأفكار المنحرفة التي تؤدي به الى الهلاك والخسران وتنتهي به الى أسوأ العواقب , فالرحمة الإلهية تقتضي إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا المجتمع وهدايته الى الحق والرشاد والسعادة .
ومن هنا تظهر حتمية نشر وتبليغ المعتقدات الصحيحة – على من توفرت له القاعدة والامكانات – بأسلوب مخاطبة العقول بالاحتجاج والتحاور وإظهار المعجزات , مستغلين المتاح من وسائل الاعلام المباحة في الشريعة عارضين الدين والفكر الصحيح وموفرين للأفراد والمجتمعات خياراً آخر لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل , (ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين) وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة .
وبهذه الطريقة انتشر الاسلام في كثير من بقاع الأرض كأفريقيا والهند والصين وأمريكا وأوربا الحديثة وسائر أرجاء العالم وهذا هو الطريق الطبيعي المتبع في نشر عقيدة الاسلام , عقيدة الرحمة والتسامح واحترام العقل حيث ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) .
لكن في كثير من الأحيان يشعر الطواغيت المتسلطون على المجتمعات بتهديد مصالحهم وتحجيم سلطاتهم على شعوبهم من الفكر الجديد فيمنعون تعدد الخيارات المطروحة بين أيدي شعوبهم ويؤكدون على أن لا خيار ولا تعدد ولا حق إلا ما يعتقدونه مثبتاً لسلطانهم فيحولون دون توفير الفرصة أمام رعاياهم لاستثمار العقل ودون ممارسة العقلاء حقهم في اختيار الأصلح لهم حتى وصل بعض الطغاة الى ادعاء الربوبية وشاع في التاريخ تقديس السلطان بالادعاء والقهر , وهنا يأتي دور القوة في عملية التبليغ ونشر دعوى الحق , فهي لم تستعمل إلا لتوفير الحرية وإيصال الفكر المستقيم الى من يحجبهم الطاغوت ويضلهم ويتركهم في ظلمات العمى منقادين لذلك الطاغوت يهديهم الى حيث شاء والى سبيل الخسران المبين ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات ) بعد أن كانوا في نور الحق الذي عليه الفطرة , فلا يكادون يفقهون قولا .
وبعد اتضاح هذه النظرة يمكن الاجابة عن عدد من الشبهات نتطرق فعلا لاثنتين منها فقط
الشبهة الأولى :
إن دين الاسلام اعتمد الارهاب والقتال والقهر أسلوباً للانتشار والتوسع منذ نشأته , ولا زال المسلمون يفتخرون بتلك الفتوحات .
والجواب الذي تضمنه ما تقدم عن هذه الشبهة , أن حقيقة الفتوحات الاسلامية إنما هي مقاتلة الطواغيت الذين يمنعون وصول الفكر الى شعوبهم ويحرمونها من حرية اختيار العقيدة واستثمار ثروة العقل , ومن التطور والرقي الانساني .
ثم إنه لو كان الاسلام قد قهر الشعوب وأدخلها مرغمة تحت سلطانه لما بقيت متمسكة به حتى بعد ضعف القوة العسكرية والسياسية للحكومات المسلمة , بخلاف سائر الفاتحين حيث تنكر الشعوب المستعمرة على القوى الفاتحة وتنقلب عليها بمجرد تقهقر قوى الغازي , في حين ترى الاسلام يذيب المجتمعات فيه حتى ترى الكثير بل الأكثر من رجال العلم والفكر الأسلامي من تلك الأقوام التي فتحت بلادها في الفتوحات الاسلامية , فيكاد لا يخلو أحد المصنفات في الفكر والعقائد والفقه والآداب في الاسلام من مثل لقب الطوسي والرازي والهروي والسمرقندي والكابلي والأرمني والراوندي والحلبي والقمي ....إلخ
فلم يدخل الاسلام أرضاً وخرج منها .
فأي إرهاب هذا الذي يرفع من المستوى الفكري والثقافي والمادي وسائر النواحي الانسانية !
الشبهة الثانية :
إتفاق فقهاء المسلمين على تحريم كتب الملل الأخرى باعتبارها كتب ضلال بل تحريم كل اطلاع على اعتقادات الملل الآخرى بأي وسيلة ينافي ادعاء المسلمين بان دينهم دين التسامح وقبول الآخر , فهذا التحريم سبيل للآفتراق بين البشر ومآله الى العداء والتقاتل .
ويمكن الإجابة عن هذه الشبهة من جهتين :
الأولى : يمكن تصنيف المعتقدات البشرية الى صنفين
أحدهما : يدعو الى الاستئثار بالعلوم والمعارف الصحيحة باعتقاد معتنقيها وعدم نشرها بين سائرالبشر كاليهودية .
والصنف الآخر- وهو المتعارف المنسجم مع معطيات العقل العملي من هذه الجهة - وهي المعتقدات التي تدعو معتنقيها الى نشرها وتبلييغها الى كافة البشر كالاسلام والمسيحية .
ويرجع الاختلاف بين هذين الصنفين الى الاختلاف في محبة الجنس البشري واحترام الانسان والايمان باستحقاقه الكرامة والرفعة , وهذان المحبة والايمان متضَمنان في الصنف الثاني من المعتقدات دون الأول , حيث تجد في اليهودية مثلاً قولهم : \"ليس علينا في الأميين سبيل \" , وانتشار فكرة شعب الله المختار في التوراة المحرفة , في حين تجد النص القرآني في الصنف الثاني يقول \" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين \"
إذن تبليغ الدين الاسلامي وإرشاد الناس إاليه إنما هو بداعي الرحمة وحب الخير لهم , وهذا الداعي يشتد كلما كان المدعو أضعف وأقل دراية وخبرة في التمييز بين الحق والباطل من المعتقدات , فيكون السماح بنفوذ الباطل الى من يُحتمل أن يضل به من المهتدين ملا زماً لتعريضهم للخطر وهذا أمرٌ منافي للاشفاق والرحمة .
ولعل أقرب مثال على هذا السلوك ما يتبع في تأديب الأطفال حيث لا يسمح لهم مؤدبهم بالاطلاع على الكثير مما يباح للناضجين الاطلاع عليه كأساليب الكذب والخداع والاجرام وغير ذلك لأنهم لم يتمكنوا بعد من التمييز بين الصحيح والفاسد من الممارسات .
ولهذا لا يُمنع من الاطلاع ولا يُحرم على من هو قادر على التمييز ولا يُخشى عليه الضلال ؛ بل هناك حث على استماع القول واتباع أحسنه ولا تكاد تخلو مكتبة من مكتبات علماءنا من كتب الملل والطوائف .
الجهة الثانية : ثبت فعلاً أن أئمة المسلمين وعلماءهم يهتمون كثيراً بمحاورة أهل العقائد المختلفة وعدم تركهم , بل احترامهم ومراعاة آداب الحوار مع طالبي الحق والباحثين عن المعرفة للهداية والعمل , ويكفي في إثبات ذلك الاطلاع على ما انتشر في كتب المسلمين من سيرة حملة الإسلام الصحيح الجارية على ذلك كما روي عن النبي صالى الله عليه وآله وسائر أوصيائه عليهم السلام وسائر علمائنا ومثقفينا حتى بات من المتعارف جداً عندنا أن نحاور الآخر ومن المعيب أن نتنصل عن الحوار ومقارعة الحجة بالحجة على كل قادر .
نعم ثبت عندنا النهي عن المراء وملاحاة الرجال وهي مجادلة من لا يتخذ الحوار وسيلة للتعلم والبحث عن الحق بل (يقول وتقول ولا تصلان الى شيء) كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله .
ونرى اليوم في عصر العولمة أشد الناس حماساً ودعوة لحوار الحضارات هم المسلمون , فيما نرى عند غيرهم اليأس من الحوار ورفع شعار صراع الحضارات


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حيدر ال حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/11/13



كتابة تعليق لموضوع : الاسلام دين الرحمة والعقلانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : الشيخ حيد ال حيدر ، في 2014/10/30 .

ارجو ان يكون في جوابي على تعليقتكم حول مقالة (نظرة في التطبير ) كافيا لمن تدبر بموضوعية جناب الاخ نبيل محد حسن المحترم

• (2) - كتب : نبيل محمد حسن ، في 2014/10/19 .

بسم الله الرحمن الرحيم
اذا كان الاسلام دين الرحمة والعقلانية ، وهو كذلك فعلا بلا شك ، ولكن الا تتعارض العقلانية المذكورة مع ممارسة التطبير التي اقحمت في الشعائر الحسينية ؟

هل يمكن لجنابك شيخنا الفاضل ان تبين لنا كيف تنسجم العقلانية مع ممارسة التطبير ؟




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net