صفحة الكاتب : صادق مهدي حسن

مُستَويات الطُّلاب وَمصداقيَّةِ الدَّرَجات
صادق مهدي حسن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 التعليم رسالة مقدسة وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة بنص الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل بنص القرآن الكريم الذي يصدح بآياته البينات كقوله تعالى : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) وقوله عز وجل: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ))، ولهذا يترتب على المعلم والمتعلم الكثير من الالتزامات الشرعية والأخلاقية،وهنا لا بد لنا من كلمة..  

  يغصُّ الواقع التعليمي والتربوي في العراق بكمٍّ هائل من النواقص في مختلف النواحي والاتجاهات كقلة المدارس وسوء تجهيزاتها وإزدحام طلابها مما أثر وبشكل خطير جداً على المستويات العلمية وحديثنا هنا يدور حول موضوع مهم وشائك يمثل أهم الجوانب في العملية التربوية والعلمية..ألا وهو درجات الطلاب، وسنقف على بعض جوانبه فالحديث ذو شجون.

   على امتداد العام الدراسي وفي كل اجتماع تربوي أو ندوة على مستوى الإشراف أو الإدارة أو الهيئات التدريسية لا زلنا نسمع ومنذ عهد بعيد الشعار الذي أصبح نشيداً خالداً بمرور الأيام : (ابتعدوا عن الدرجات اليائسة ، وتجنبوا الدرجات الحرجة).. مع مختلف التبريرات والحجج التي يُدلى بها تأييداً لتبني هذه الفكرة وإصراراً منهم في أن ذلك يصب في مصلحة الطلبة،فتارة يقولون هذا يؤثر على الطلاب نفسياً وتارة يقولون هذا من باب فسح المجال للطلبة لتعديل مستوياتهم وقد ثبت بالتجربة العملية أن ذلك لم يحصل إلا في فروضٍ نادرة جداً ومما يؤسف له أنَّ درجات الطلاب تخضع لكثير من المؤثرات،فمثلاً نجد طلاباً ممن يرسبون بسبب ضعف مستوياتهم..ينجحون لتوسط المحسوبية والمنسوبية (الفشلة من فلان أو لخاطر فلتان).. ولبعض مدراء المدارس لمساتهم الواضحة حيث لا تخفى براعتهم في الإلحاح على ((بعض)) المعلمين والمدرسين وليس كلهم بمختلف الأساليب مختلقين شتى الأسباب لتغيير وتزييف الدرجات من الحق إلى الباطل..حيث تتدخل هذه العوامل وغيرها في وضع الدرجات وبشكل خارج عن حدود المعقول أحياناً..وعجباً لقولهم:(ماذا سيحصل لو أضفت بعض الدرجات للطلاب؟ هل ستعطي من جيبك ذهباً ؟!) وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل أن المعلمين والمدرسين ملزمون (بحسب القانون والتعليمات التربوية) بإعطاء الطلاب (30%) من الدرجة في الإمتحانات الفصلية حتى وإن لم يشتركوا في الامتحان ((تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى))،ومما يذكر في هذا المجال هو طريقة تقسيم درجات النشاط اليومي فقد وضع للحضور (25درجة) وللسلوك (25 درجة) فلو كان الطالب ((الضعيف علمياً)) بلا غياب وذو سلوك حسن فسيحصل على (50 درجة)..وهذا وإن كان جيداً من الناحية التربوية ولكنه يسبب مشكلة من جانب آخر وهي أن الطالب لا يُقيَّم في امتحان نصف السنة والامتحان النهائي إلا من جانب واحد وهو الجانب العلمي فقط والمتمثل في إجابته عن أسئلة الامتحان مما يؤدي إلى فرق واضح وكبير بين درجات الفصلين الأول والثاني ودرجات امتحان نصف السنة والامتحان النهائي، وبالتالي يحاسب المدرس ويستجوب من قبل إدارة المدرسة والسادة المشرفين عن سبب فروق الدرجات هذه..كما يحاسب المدرس أيضا عن انخفاض نسبة النجاح حتى لو تغيب الطلاب عن الامتحان فأسمع وأعجب!! ومن حقنا أن نتساءل:أين الأمانة في درجات الطلاب؟ وهل من العدل والإنصاف في شيء أن يُكافأ الطالب المقصِّر في أداء واجباته والذي حصل على درجة هي دون العشرين غالباً ويُعطى درجة قد تتجاوز الأربعين أو الخمسين أحياناً في الوقت الذي يُعطى من حصل على الثلاثين أو الأربعين درجة (بكد يمينه لو صحَّ التعبير) عينَ درجته التي حصل عليها دون زيادة فيكون الجيد والمتوسط والضعيف من الطلبة على حّدِّ سواء،ولو تنزَّلنا - ولن نتنازل أبداً ! - أن في ذلك نوع من تشجيع الطلبة وتحفيزهم لتحسين مستوياتهم وإعطائهم فرصة لتعديل درجاتهم ،وعلى فرض ((مساعدة)) الجميع بنسب متقاربة ، فهل ستتسم الدرجات المعطاة بشيء من المصداقية المعبرة عن المستوى الحقيقي للطلاب بصورة عامة ؟! وهل التهاون في وضع الدرجات وعدم الشدة فيها هو مما يسهم في إنجاح العملية التربوية والعلمية أم أن ذلك مما يقضي عليها بل ويجتثها من الجذور؟ وما قيمة الجهد الذي يبذله المعلمون والمدرسون في صياغة الأسئلة واختبار الطلبة وعملية التصحيح المجهدة ولا يؤخذ بعدها بالنتائج المترتبة على ذلك كله ؟..ألا يعتبر ذلك مضيعة للوقت وعبثاً لا جدوى منه؟!.. ثم ألا يكون من حصل على درجات أفضل وأعلى هو أجدر وأولى بالتشجيع من غيره ؟! ((مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)).

   لعل جمعاً كبيراً من المعلمين والمدرسين والتربويين يرى أن أسلوب تقييم الطلاب بهذا الطريقة خارج عن نطاق المنطق مما يؤكد أن العملية بأغلب جوانبها مبنية على أسس واهية وجوفاء عملت من قريب أو بعيد على انحطاط التعليم وفقدانه لمكانته السامية التي يفترض أن يكون فيها..ومن أعجب الأعاجيب هو عدم ثبات مقررات القيمين على التعليم ، فالتعليمات الخاصة بتوزيع الدرجات والامتحانات في تغير مستمر من عام لآخر بل وعلى امتداد العام الدراسي أيضاً مما أدى إلى ارتباك العملية برمتها، حتى وصل الحال بوزارة التربية قبل عامين إلى إضافة عشر درجات إلى الطلبة المكملين فنجح الكثير من الطلاب إلى المرحلة الأخرى بعد انقضاء شهر كامل على بدء العام الدراسي،وكان ذلك مسبوقاً بالامتحان التكميلي أو الدور الثالث للمراحل المنتهية والذي أسفر عن نتائج لا تصدق ، وإلا كيف يمكن تفسير نجاح النسبة الأعظم من الطلبة الضعفاء من أصحاب الدرجات الهزيلة الذين أخفقوا (وبجدارة) في اجتياز الدورين السابقين، هل كانت ضربة حظ أو مصادفة ، أم ..... ؟!! كما قامت الوزارة هذا العام بإفساح المجال للطلبة الراسبين في المراحل المنتهية - والذين لم يكن لهم من التحصيل العلمي شيءٌ يستحق الذكر- بالمشاركة في امتحانات الدور الثاني مساوية لهم بأقرانهم ممن جدّوا واجتهدوا، وجاءت النتائج كارثية ومخيبة للآمال فلم يستفد من هذه الفرصة إلا القليل القليل من الطلاب..وهكذا أصدروا قراراً بدور ثالث ليمنحوا فرصة أخرى غير مستحقة للبائسين من الطلاب ... مما سيفتح الباب للطلاب بترك التوجه نحو العلم في السنوات القادمة وذلك لتعودهم واعتمادهم على هذا النوع من القرارات وبالتالي سنخلق جيلاً مشلولاً من الناحية الفكرية لا يشعر بالمسؤولية تجاه التحصيل العلمي وأهمية الدرجة واستحقاقها..

نسأل الله التوفيق للجميع وأن يكون هذا العام الدراسي عاماً مليئاً بالخير والتميز.. وعذراً إذا جَمَحَ القلم (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)/ (هود:88)

مدرس اللغة الإنكليزية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صادق مهدي حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/10/03



كتابة تعليق لموضوع : مُستَويات الطُّلاب وَمصداقيَّةِ الدَّرَجات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : حسن فليح حسن ، في 2012/10/29 .

موفق لكل خير يا أستاذنا الغالي أبو جعفر الورد




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net