صفحة الكاتب : جاسم المعموري

هل هاجر رسول الرحمة (ص ) بمحض ارادته ؟
جاسم المعموري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 !!            هل هاجر رسول الرحمة (ص ) بمحض ارادته ؟ 

 لقد كان لقرار رسول الله ( ص ) بالهجرة - بعد ان جاءه الوحي بأمر الله تعالى - مغزاهُ التاريخي العميق , فلقد كان منعطفا تاريخيا هاما جدا غير مجرى التاريخ الانساني برمته , حيث نجح المسلمون قبل اكثر من أربعة عشر قرنا مضت بتأسيس الدولة الاسلامية , ومركز قيادتها , وبناء فكرها السياسي والروحي العملاق, بعد الاستقرار النسبي الذي حصلوا عليه في المدينة  المنورة , وانطلقوا منها الى العالم كله, وهم يحملون تلك الامانة العظيمة وذلك الفكر العملاق, الذي حطموا به حضارة الكفر والشرك وعبادة الاوثان , وحرروا عقل الانسان وروحه من براثن  الجاهلية والتي نراها اليوم تعود بكل قوتها وجبروتها ونشاطها, لاستضعاف الانسان مرة اخرى وتقييده بسلاسل العبودية والقهر والذل, لسحق قيمه وفطرته , وهضم حقوقه  والتجاوز على حريمه من مال ودم وعقيدة .. وحملت لذلك مختلف التسميات والشعارات .. فنراها مرة باسم الاشتركية او الرأسمالية, وتارة اخرى باسم الحرية أوالتحرير وغيرها .. ويالها من جاهلية مقيتة حيث افرزت الجهل والفقر والفساد , وتسببت في قتل وتشريد عشرات الملايين من الناس , وانها - وهذا يقين راسخ في عقيدتي - على شفا حفرة وهي في عدها التنازلي نحو النهاية .. لأ ن العملاق الذي حاربته في الماضي وما زالت تحاربه اليوم قد استيقظ , وقد عاد محمد صلوات الله عليه وآله  ليعيش في العقول والقلوب وليعيد اليها ارادتها وحريتها وتصميمها على السعي المتواصل من اجل السلام . 
     إن الهجرة في مفهومها الإسلامي , هي مغادرة الوطن للخلاص بالعقيدة ومباديء السلام والمحافظة على الكرامة والحرية بعيدا عن ايدي المجرمين.. 
وسواء كانت بالاختيار أم الاجبار , فهي تؤدي نفس الغرض , إلا اننا نعتقد أنه لايوجد هنالك هجرة بالاختيار , فرسول الرحمة والمحبة والسلام صلى الله عليه واله  لم يهاجر اختيارا بل أمره ربه عز وجل بعد ان تعرض والمسلمون لأذى قريش , وإن كانت تبدو الهجرة - أحيانا ً -  بالاختيار , فالذي يترك وطنه, انما يتركه بعد ضغوط كثيرة قد تؤدي الى فقدان العقيدة , ناهيك عن فقدان الحياة والامن والحرية , والانسان في فطرته ينشد السلام والعدل والاستقرار , وهذا لن يتحقق إلا بتنمية الشعور نحو الخالق العظيم, وتوحيد الوسائل المؤدية الى الغاية الواحد تبارك وتعالى .وهذا لايمكن ان يتم بالشكل المطلوب تحت ظلم الظالمين وغطرسة المستكبرين وتخويف الطغاة
       وليس من السهل على الانسان ان يترك وطنه وأهله وملاعب صباه وأماكن ذكرياته ورموز عقيدته , فلقد كان رسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم يحن الى وطنه ( مكة المكرمة ) , وكان لها في قلبه حبا عظيما, حيث غار حراء والجبال والبيت العتيق الذي شارك هو نفسه في اعادة بناءه ووضع حجره الاسود مكانه بعد اتمام البناء , والأهل وابناء العمومة والرعي والتجارة وغيرها .. 
     نعم .. كان يحبها رغم ما تعرض له فيها من القهر والاستضعاف والاضطهاد 
حيث نفي وحوصر وحورب وتعرض للقتل والتعذيب والتسفيه وأ ُتهم بالجنون
وبأن ما أتى به من وحي كان محض افتراء او شعر او سحر او أساطير الاولين إكتتبها وهكذا .. إلا أن العقيدة التي كان يحملها في قلبه الطاهر الشريف كانت أهم وأسمى وأشرف من الوطن .
      وللهجرة مفاهيم وآداب وأحكام كثيرة , بل وصيغ مختلفة .. فمرة تهاجر من اجل طلب العلم , ومرة تهاجر من اجل انجاز عمل ما كالتعليم أو التبليغ أو العمل , اما التهجير أو الهجرة القسرية التي يتعرض لها المسلمون اليوم , انما كانت من أجل تمييع وتضييع قضايا المسلمين وتهميشها وإستبدال هوية المسلم ووضعه على مفترق صعب من الطرق الملتوية في صحراء الجاهلية الجديدة , إلا ان النتائج كانت عكسية تماما 
فالاسلام ليس بدعاً ابتدعه محمد صلوات الله  وسلامه عليه وعلى اله , وانما هو الفطرة التي تلح على الانسان حينما يسائل نفسه وهو طفل صغير , من أوجدني وأوجد هذه الموجودات ؟ .. ثم حينما يكبر قليلا يسأل نفسه عن كيفية الإتصال بالذي أوجده .. 
      والحقيقة التي لا تخفى على عاقل ان هذا القهر وهذا الاضطهاد سوف لن يولد إلا المزيد من الاصرار والتصميم على بذل كافة الجهود والقدرات من أجل الثبات على العقيدة حتى وان كان الثمن الحياة .. وهكذا أخذ الناس يدخلون في الاسلام افواجا افواجا في كل بقاع الارض بفضل هذه الهجرة التي أ ُريد لها طريق اخر , وهكذا وجد اعداء الحرية والسلام والكرامة انفسهم في مشكلة اخرى حيث ارادوا القضاء على الاسلام في بقعة من الارض فوجدوه ينتشر في بقاع اخرى فاجتمع رأيهم على اختراع الارهاب وتأسيس قواعد له تعمل تحت رعايتهم واوامرهم ولم يكترثوا حينما أمروا تلك القواعد بضرب بلادهم ليتخذوا من ذلك سبيلا لمحاربة الاسلام ليس فقط في بلدانهم بل في العالم اجمع  .                                                 واننا نعتقد ان هناك اسباب معينة ومنها الهجرة سوف تعطي مزيدا من الثمار الطيبة في المستقبل , وهي تهيء الانسانية برمتها لخلع الجاهلية من اعناقها واعتناق الاسلام دينا خالصا لله وحده تبارك وتعالى , واستقبال التغيير المحتمل حدوثه في هذه السنين حين تتوفر كافة السبل والحلقات والتي هي في طريقها الى التكامل بعد حضور السبب الاكبر , والقائد الاعظم , والامام الاكرم قائد الانسانية وحلمها الكبير عجل الله تعالى فرجه الشريف  .
        لذلك تنبه اعداء الله ورسله وملائكته وكتبه الى هذه الحقائق فحاولوا محاربتها بكل ما أوتوا من قوة فكرية ومادية واعلامية فلم تفلح كل تلك المحاولات للنيل من تقدم الاسلام كبديل مطروح لقيادة الناس جميعا نحو الله 
     اذن فالهجرة في مفهومها الاسلامي هي تحقيق غاية اسمى من الحياة , وأرقى من حضارة التكنلوجيا  , والذ ّ في الصبر عليها من معانقة الحسان .. وان من آداب الهجرة ان يحرص الانسان المسلم على تحقيق مباديء الاسلام حرصا شديدا بين المجتمعات غير الاسلامية ولو بالتصرف اليومي والشخصي والاحتكاك مع الاخرين
والتعامل مع الاشياء في بيته , وفي مكان عمله وفي الشارع ومن خلال كلامه واسلوبه ومطعمه وملبسه الخ .. وكذلك احترام قوانين بلد الهجرة, لذلك ترى ان لعلماء المسلمين بعض المسائل والبحوث الهامة في هذا المجال والتي تحثهم على ان يكونوا مواطنين صالحين ومؤثرين في مجتمعاتهم التي يتواجدون فيها فيستحقون
الاحترام والاجلال , لأن الانسان المسلم حين يهاجر أو يسافر فأنه يكون-  سواء شعر بذلك أم لم يشعر-  سفيرا للاسلام , ومثلا حيا ًشاخصا ً لمباديء الدين الحنيف وقيمه العليا , فعليه ان لا يضيع هذه الفرصة فإن ديننا جاء من اجل السلام , لذلك يحاربه الأعداء الإرهابيون بعنف لا نظير له .
 
      اننا نأمل ان يعيننا الله عز وجل على ان نكون المسلمين في زمن الكفر والشرك والجاهلية , والشرفاء في زمن الخلط والخبط والفساد , والأمناء في زمن الخيانات والتفاهات والرذائل , والاحرار في زمن العبودية والقهر والذل , والمجاهدين في زمن الخنوع والخضوع والتقهقر أمام الشيطان الرجيم والاستكبار الذي مابرح يستخدم مفهوم السلاح لتحقيق اغراض حسبت على اساس الربح والخسارة ضمن استراتيجية الشيطان , وان نكون المهاجرين الذين يحملون هم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخلقه الكريم ورسالته الكبرى لتحقيق السلام والمساواة والحرية والكرامة
 
 جاسم المعموري
نشرت في جريدة عرب تايمز
العدد 308 بتاريخ 20 / 5 / 1999    
 
     
         
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جاسم المعموري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/31



كتابة تعليق لموضوع : هل هاجر رسول الرحمة (ص ) بمحض ارادته ؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net