صفحة الكاتب : الشيخ د. احمد خضير كاظم

الانفجار الكبير بين الرؤية الدينية و النظرية العلمية
الشيخ د. احمد خضير كاظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

واحدة من ابرز المواضيع التي تثير فضول البشر منذ العصور القديمة هي مسألة نشوء الكون, حيث حاول الفلاسفة من مختلف الحضارات لتقديم تفسير لنشوء الكون, و اختلفت هذه التفسيرات غالبا باختلاف الثقافات و التوجه الديني , فحيث يرى الدين ان الكون هو نتيجة لارادة الهية خالصة يحاول العلم الى تفسير نشوء الكون مستندا لقوانين الفيزياء . وحيث انه لا تعارض بين العلم والدين في مسالة نشوء الكون, فقد اوضحنا سابقا في المقالة الاولى من هذه السلسلة ان الدين يجيب عن اسئلة السببية بينما يستكشف العلم الكيفية و تفسيرها وفقا للقوانين الطبيعية المعروفة.

من وجهة نظر الديانات السماوية يعتبر الخلق حدثا مقصودا و مخلوقا من قبل الخالق والكون ما هو الا مظهر من مظاهر قدرة الله سبحانه و تعالى ففي التوراة تروى قصة الكون في ستة ايام خلق الله فيها السموات و الارض و جميع المخلوقات. و في القران الكريم قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).

من الناحية العلمية فان النظرية السائدة في العلم حاليًا حول نشوء الكون هي نظرية الانفجار الكبير او العظيم (Big Bang Theory)، التي تفترض أن الكون بدأ منذ حوالي 13.8 مليار سنة من نقطة كثافة لا نهائية وحرارة شديدة. في هذه اللحظة، بدأ الكون في التوسع بسرعة هائلة، ومن ثم تطور ليصل إلى حالته الحالية، و مستمربالتوسع .

تعتمد النظرية العلمية على العديد من الأدلة الفلكية، مثل التمدد الكوني الذي اكتشفه إدوين هابل في العشرينيات من القرن الماضي، وكذلك خلفية الإشعاع الكوني الميكروي التي تم اكتشافها عام 1965 بواسطة أروهو بنزياس و روبرت ويلسون، والتي هي عبارة عن إشعاع متبقي من الانفجار العظيم.

قد يرى البعض ان التفسير العلمي يختلف اختلافا جذريا عن التفسير الديني, ففي التفسير العلمي لا يعتمد العلماء على فهمهم للامور الروحية و الارادة الالهية بل على الظواهر الطبيعية و القوانين الفيزيائية. و في الحقيقة ليس هناك اختلاف جوهري فقد تتجلى ارادة الله في تحقيق الخلق باي شكل من اشكال القدرة و القوى و الاسباب. كما ان الدين لم يتعرض للكيفية التي تم فيها خلق الكون لنقول ان هناك اختلاف و ربما هناك بعض أوجه التلاقي. في العديد من الديانات، وخاصة في الإسلام، نجد أن هناك إشارات إلى توسع الكون ونشوءه من شيء غير مادي، وهو ما يشابه فكرة الانفجار العظيم. في القرآن الكريم، على سبيل المثال، نجد في قوله تعالى: "وَالْسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات: 47)، وهي آية تعكس حقيقة توسع الكون بشكل متسارع، وهو ما أثبته العلم في العصر الحديث. واحد ابرز المعطيات التي تستند عليها نظرية الانفجار الكبير.

بالاضافة الى ان بعض العلماء المؤمنين، مثل الفيزيائي فريد هويل الذي ابتكر مصطلح "الانفجار العظيم"، اعتبروا أن مفهوم الانفجار العظيم يمكن أن يكون متوافقًا مع فكرة الخلق كما تطرحه الديانات السماوية. فبدلاً من أن يكون هناك تعارض، قد يُنظر إلى الانفجار العظيم كحدث بدأه الخالق، ويستمر الكون في التطور وفقًا لقوانين طبيعية وضعها الله.

و تبقى مسالة نشوء الكون واحدة من أعظم الألغاز التي تواجه البشرية، والتفسير الديني والتفسير العلمي له يقدمان رؤى مختلفة ولكن مكملة لبعضها. بينما يرى الدين أن الكون هو نتيجة لإرادة إلهية، يدرس العلم هذا الكون من خلال القوانين الطبيعية التي تحكمه. يمكن القول إن هناك تفاعلا و انسجاما بين الدين والعلم في الاجابة عن هذا اللغز، حيث يمكن أن يقدم الدين الإطار الروحي والمعنوي و السببي لفهم الكون، في حين أن العلم يقدم الفهم المادي لكيفية نشوء الكون وتطوره. وفي النهاية، يبقى الكون بمثابة عجائب تستحق الاستكشاف والتأمل و التفكر ، سواء من خلال العلم أو الإيمان.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ د. احمد خضير كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/12/11



كتابة تعليق لموضوع : الانفجار الكبير بين الرؤية الدينية و النظرية العلمية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : الشيخ د. أحمد خضير كاظم ، في 2025/01/11 .

شكرا جزيلا للمداخلة... واحسنت التوضيح نعم انه الفرق بين الانفجار الموجه الانفجار الغير موجه و العشوائي

• (2) - كتب : منير حجازي ، في 2024/12/13 .

السلام عليكم . عقلا فإن مادة السي فور مثلا أو مادة التي أن تي المتفجرة عندما توضع في مكان لتفجيره لانشاء شيء جديد فهذه المادة فيها كل مقومات الانفجار إلا شيء واحد وهم المهم في حصول عملية الانفجار. وهو العامل المساعد على ذلك وعلى رأس هذه العوامل هو وجود من يقوم بالتفجير. فلا شيء يحدث اعتباطا ومن دون مؤثّر. فلو تصورنا هذه المادة وهي تنفجر بشكل عشوائي ، لرأيناها تُحدث اضرار كبيرة مدمرة. بينما لو قام بوضعها مهندس يعلم ماذا يريد ثم قام بتفجيرها لما رأينا تخريبا عشوائيا ، بل تغييرا نحو بناء شيء أفضل. وهكذا هو الانفجار الكبير.




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net