تستدرج الكلمات يَراعي لتخرج مع مداده.. تستعرض صوراً تتكرر في كل عام.. صورٌ تحمل مسميات عدة في قاموس الكلمات: زيارة الأربعين.. مسيرة الوفاء.. رحلة العشق.. و ماراثون الولاء الذي يُعلن فيه عن فوز الجميع لأن من أهم قواعده: الوصول إلى كربلاء..
أيا كان المسمى فهو يرمز إلى حب الحسين (عليه السلام) الذي نراه مع كل خطوة من خطوات الزائرين، يمدهم بالعزم لإكمال الطريق، يذلل الصعاب لهم مهما كانت، تلقاه في أحداقهم وهم يقتربون من كربلاء الحسين وينتشون بلذة الفوز حين وصولهم وكأنهم دخلوا جنة الخلد ليسكنوا إليها.
يعيش العراق اليوم على وقع أقدام الزائرين نحو كربلاء لإحياء هذه الذكرى؛ حيث تخلو أو تكاد بسبب تلك الزيارة العديد من المدن العراقية في الوسط والجنوب وبعض مناطق وقرى الشمال من أهلها، وكأن العراقيين قد هجروا مدنهم وتركوا مساكنهم، حشود مليونية تلقائية الحركة عفوية العواطف، متفجرة الحماس ومتجشمة لعناء الطريق ومخاطره.
ولطالما أضحت زيارة أربعين الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مصدر قلق وأرق للأنظمة الظالمة التي عمدت الى محاربة تلك الزيارة والتضييق عليها بصور مختلفة على مدى قرون منذ إنطلاقها وتكريسها في نفوس الموالين لأهل البيت، ومنذ أن أصبحت ظاهرة تلقي الرعب في نفوس حكام أنظمة الغلبة والاستبداد (أو ما يسمَون بالخلفاء) والتي دعت الرشيد والمتوكل العباسيين إلى هدم وتدمير قبر الإمام الحسين وإغراقه بالماء ومنع الزائرين بالقوة وبفرض الضرائب الباهظة عليهم، ومرورا بالنظام البائد الذي كنا شهودا عليه، وما زالت المحاولات مستمرة فكريًا وعقائديًا للتشكيك في هذه الزيارة ومحاولة منعها بشتى الطرق.
أنّ خلود ذكرى الحسين (عليه السلام) ميثاق إلهي نقلته مولاتنا العقيلة زينب (عليها السلام) في حديثها للإمام زين العابدين (عليه السلام) ، وهو يرى الأجساد صرعی، ولم توارى الثرى بالعراء مسلبين، لا يكفنون ولا يوارون، ولا يعرج عليهم أحد، نظرت إليه سيدتنا زينب عليها السلام فقالت: لا يجزعنك ما ترى في الله إن ذلك لعهد من رسول الله إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات، ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورًا وأمره إلا علوا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat