كثيرةٌ هي الثورات وعلى حقباتٍ مختلفةٍ من الزمن، منها ما بقي خالداً، و البعض منها لم يكتبْ لها ولا لقادتها الخلود، إلا لفتراتٍ محدودةٍ من الزمنِ، لأنها كانت نتيجة انفعالات عاطفية، أو مصالح مخصوصة ... إلى غير ذلك من الدوافع، لذا كان عمرها محدوداً بعمر محتواها، وطواها التاريخ كما طوى غيرها من الأحداث، وقد سجل التأريخ عشرات الثورات والانتفاضات لعدد كبير من الثائرين، وتحدث عن انتصاراتهم ومنجزاتهم، ولكنه لم يُحدث عن ثورة ونهضة في تاريخ الشعوب والأمم ذاع صيتها كنهضة الإمام الحسين، وليس هناك وقعة حربية كتب فيها وعنها وبلغات شتى عربية وغيرها كوقعة كربلاء؛ ويرجع هذا إلى أنها مأساة فاجعة، ولأنها ذات هدف إنساني أسمى، ولا يوجد هنالك حركة تغيير أعطت وقدمت للإنسان المسلم وغيره من المنجزات والقيم والمثل العليا ما أعطته وقدمته نهضة الإمام الحسين، وأغنت بعطائها وأفكارها وأهدافها النبيلة تاريخ الإسلام، ومع ان لا يوجد احد عاصر أحداثها، وشهد فصولها، وبينهم وبينها قرون عديدة، فإن حيويتها وحضورها تجعل الجميع يتفاعل معها، وإن أصبحوا بشأنها على طرفي نقيض، شأن أنصار الحق وأنصار الباطل دائماً، ولم يكن ذاك إلا لأنها لم تكن لعصر دون عصر ولا لفئة من الناس دون فئة، كما إنها لم تكن وليدة ظروف طارئة أو تحركات سياسية، ولعل من أهم العوامل التي يرتكز عليها خلود الثورات هو أهداف تلك الثورة وشخصية قائدها، والاخلاص نحو رب العالمين في القضية والأسباب والعوامل التي خرج لأجلها، لذلك استمدت النهضة الحسينية عظمتها وامتيازها من عظمة صاحبها وامتيازه وايضا لأنها اتسمت بالشمولية، بمعنى أن هذه النهضة قد حملت جميع أبعاد الرسالة الإسلامية وما تحمله من أهداف ربانية؛ وذلك لأن القائم بها(الإمام الحسين هو الذي تمثلت في شخصيته الرسالة وتجسدت فيه قيمها ومبادئها السماوية، وكان هو الامتداد الطبيعي لجده الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) .
وثانياً ظروف النهضة، لقد خرج الإمام الحسين (عليه السلام) في وقت كانت إرادة الأُمّة ميتة، فقد فقدت بصرها وبصيرتها وأصبحت جثة هامدة بعد ان كادت ترتد عن الإسلام المحمدي إلى الجاهلية وسلالة الطلقاء واللقطاء، فسيد الشهداء الحسين بن علي ابن ابي طالب(عليهما السلام) مصباح هدى هذه الامة وسفينة نجاتها بشهادة من جده الاكرم : الذي لا ينطق عن الهوى ولا يتكلم الا عن الوحي، لذا كانت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) الوهج الساطع، الذي أضاء المسلك لمن أراد المسيرة بالإسلام في طريقه الصحيح، والمرآة الصافية للتخلص من الضلال الذي كانت تعيشه الأمة، ومن أجل ذلك فقد استمرت النهضة الحسينية جيلا بعد جيل، وستبقى خالدة خلود قادتها، تستمد بقاءها وخلودها من إخلاص قادتها، وتفانيهم في سبيل الإسلام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat