صفحة الكاتب : د . عبد الحسين العنبكي

حذف الأصفار وتغيير العملة..مزيد من الفوضى
د . عبد الحسين العنبكي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عودنا البنك المركزي العراقي – للأسف – دائماً ما يعتمد سياسة نقدية لا تمت للواقع الاقتصادي العراقي بصلة ، ولا يلتفت لأولويات التنمية والأعمار لبلد عانى كثيرا من التدمير ولديه فجوة تخلف واسعة تمتد لأكثر من 40 سنة ويحتاج إلى تنمية حقيقية ودفع للمتغيرات في الجانب الحقيقي للاقتصاد لتنمو وتتفاعل وليس في الجانب النقدي فقط ، كما يعتقد صناع السياسة النقدية وهم يمارسون وظائف شكلية في جزيرة منعزلة بعيدا عن هموم الاقتصاد العراقي تحت ستار أسيء استخدامه يسمى (الاستقلالية ) ومنها موضوع تغيير العملة الذي يخص كل المتغيرات الاقتصادية والمتعاملين في الاقتصاد وليس البنك المركزي حصرا.

 
وفي إطار التوجهات الأخيرة الرامية الى تغيير العملة يمكن إثارة النقاط الآتية :
 
اولاً: هل هذا الإجراء ذو أولوية في بلد لديه آلاف الأولويات المزدحمة؟ ، لماذا لا يلتفت البنك المركزي الى الإصلاح المصرفي وتقوية مساهمة الائتمان في تمويل التنمية وهي فقط (3%) في العراق بينما هي 58% في السعودية وتقترب من 95% في الأردن ، بدلاً من هذا الإجراء الذي لا يقدم ولا يؤخر وليس له اي اثر في الجانب الحقيقي للاقتصاد.
 
ثانياً: لن يترك هذا الإجراء اي اثر ايجابي في موضوع التضخم ولن يساهم في تقوية قيمة الدينار مقابل العملات الأخرى لان المسألة الرقمية لا تعني شيء والأساس هو القدرة الحقيقية للاداء الاقتصادي المولد للدخول والتشغيل والإنتاج ، ولو كان حذف الاصفار هو الأساس لسعت (الصومال) الى معالجة الفقر والجوع برفع الاصفار من عملتها.
 
ثالثاً: كلفة الورقة النقدية المصدرة تكلف بحدود (10 سنت يورو) حسب عملة رومانيا وهي طبعت في رومانيا  وليس في الخارج، كما ان نفوسهم اقل من العراق وتعاملهم بالسيولة اقل من العراق، عليه فان العراق يحتاج بحسب حسابات أولية تقريبا (مليار دولار) لكي يستبدل العملة بالمواصفات المطلوبة، واعتقد ان العراق بحاجه الى هذا المال في تمويل محطات الكهرباء وبناء المدارس والمستشفيات وغيرها من الأولويات الملحة ،او على الأقل يكون ليس بحاجة الى الاقتراض او التمويل بالآجل لمثل هكذا متطلبات.
 
رابعاً: العامل السيكولوجي الذي يتحدث عنه البنك المركزي سيعمل (بالعكس ) في الاقتصاد العراقي وفقاً للتراكمات السيكولوجية للمجتمع فسوف لن يشعر المواطن بقوة العملة بقدر ما سيشعر (باستصغاره) للوحدة النقدية التي بين يديه، فلو كان مثلا (ا كيلو طماطة = ألف دينار) بالعملة الحالية سوف لن يكون (1 كيلو طماطه = 1 دينار) بالعملة الجديدة لان البائع سوف يستصغر العملة ويطلب ربما دينار وربع مقابل  1 كيلو طماطه، والمشتري سوف يستصغر العملة ويكون مستعداً نفسياً لدفع (دينار وربع مقابل  1 كيلو طماطه) الأمر الذي ينعكس سلباً في التضخم الحقيقي اي انخفاض القوة الشرائية لدخول الأفراد وانخفاض دخولهم الحقيقية تعني ان مستوى معيشتهم سيكون أدنى ، فما بالك اذا أخذنا المثال على أسعار الدور والعقارات فالذي دفع له (مليار دينار ) ثمن بيته سوف لن يستوعب بيعه ب(مليون دينار ) وسوف يتشبث بالأسعار الأعلى وقد يطلب (مليون ونصف) ثمنا للدار وهذا يعني ارتفاع التضخم في العقارات بمعدل (50%) وهكذا .
 
خامساً: خلق فرصة مواتية للفساد اذ ان البلد لم تستقر ولم تنضج مؤسساته المالية والإدارية بعد وليست لها المتانة الكافية في الأداء، فإذا كانت المعاملات العادية التي فيها (رقابة لاحقة) من ديوان الرقابة المالية ومن النزاهة تعاني من فساد كبير، فما بالك في عملية (استبدال العملة) التي ليس فيها مراجعة لاحقة لان العملة القديمة التي سوف تزور بكميات طائلة سوف تمر من تحت أيدي (موظف الاستبدال) مباشرة الى المحرقة او الى ثرامات الورق وتصدر محلها عملة جديدة الأمر الذي سيعني فرصة مؤاتية للفساد وغسيل الأموال وقد علمت من تقرير مستشارية الأمن الوطني ان هنالك مافيات تزوير بدأت تنشط بهذا الاتجاه.
 
سادسا:إدارة العملية ستكون معقدة فقد سألت –انا شخصيا- البنك المركزي الروماني عن كيفية التعامل مع موضوع الأسهم والسندات في البورصة (عندما تتضاعف رؤوس أموال الشركات المسجلة ألف مرة بشكل وهمي ) وعن المديونية وغيرها من الحقوق، فقد تبين ان على الدولة ان تمسك (نوعين من السجلات المحاسبية) تقييد في الأولى القيم بالعملة السابقة وفي الثانية القيم بالعملة الجديدة طول فترة الاستبدال ، وعلينا تصور حجم صعوبة إدارة العملية في العراق في ظل أوضاع الضعف الإداري وحالات الفساد وضعف نظام الحفظ والتوثيق وحالات التلاعب التي قد تتسبب في إرباكات كبيرة.
 
سابعاً: إذا كان الأمر لازال مقترح وقد ترك ارباكات في الشارع العراقي وتخوف كبير وحيرة للناس بماذا يحتفظون وماذا يفعلون وقد توقفت الكثير من حالات الشراء والبيع والاستثمار والتوسع في الانتاج بانتظار ما سيحصل، وقد عملت التوقعات سواء التشاؤمية منها او التفاؤلية فعلها في صنع الإرباكات وخلق ضغوط انكماشية واضحة، فهل العراق اليوم يا ترى ؟ بحاجة الى إرباكات إضافية لكي يسعى البنك المركزي لمثل هذا الإجراء في هذا التوقيت ، ثم ان هذه الإرباكات تسيء كثيراً الى بيئة الأعمال وتزايد حالات اللايقين لدى المستثمرين.
 
ثامناً: يدعي البنك المركزي ان الفائدة من ذلك هو تقليص حقل كتابة الأرقام سواء في السجلات او في الحاسبة الالكترونية،  والحقيقية سوف لن يحصل ذلك لأننا سوف لن نكتب الأرقام الثلاث العليا ولكن سيحل محلها الأرقام الثلاث السفلى، واعني(الفلسان) أجزاء الدينار اي نحذف ثلاث مراتب من الأعلى ونضيف ثلاث مراتب من الأسفل وستأخذ نفس حيز الكتابة.
 
تاسعا: لن ينخفض عدد الأوراق النقدية في التداول ولن يكون هنالك اثر في كلفة (الحمل للنقود) فلو كان مواطن يستلم مليون دينار مرتبه الشهري، فهو يستلم (40 ورقة ) فئة 25 ألف دينار او يستلم( 100 ورقة ) فئة 10ألاف دينار او يستلم (200 ورقة) فئة 5 ألاف دينار وبعد حذف الاصفار ويصبح مرتبه (1000 دينار ) فسوف يستلمه أما (40 ورقة ) فئة 25 دينار أو (100ورقة ) فئة 10 دنانير أو ( 200 ورقة ) فئة 5 دنانير، فما عدى مما بدا عزيزي القارئ ، أم ان الاصفار لها وزن وتكلف عند نقلها كلفة اكبر .
 
عاشراً: يحاول البنك المركزي ان يجعل الإجراء تدريجي ضمن فترة طويلة نسبياً لسحب العملة القديمة واستبدالها، الا انه في الواقع سوف يواجه مشكلة في عرض النقد، وانخفاض حاد في وسائل الدفع مقابل المعاملات، لان (قانون كريشام) الذي يقول ان (العملة الرديئة تطرد العملة الجديدة من السوق) سوف يعمل وسوف يرى الناس العملة الجديدة هي الجيدة فتكتنز ويرى القديمة هي الرديئة  فتبقى في التداول لان شرط (التجانس) غير متحقق في ذهنية الناس فيحصل نقص في وسائل الدفع يضطر البنك المركزي الى الإسراع في عمليات الاستبدال ولن تطول كثيراً الأمر الذي يجعل الإرباكات اكبر.
 
صفوة القول : عند المقارنة بين الآثار الايجابية المحتملة وهي طفيفة التي قد تنجم عن هذا الإجراء مع الآثار الصعبة والكلف العالية وحالات التلاعب والإرباكات في الاقتصاد التي نحن في غنى عنها ، يصبح من الواجب علينا إيقاف هذا الإجراء لحين تحسين المستوى ألمعاشي والأداء الاقتصادي ورسوخ المؤسسات وتطويق الفساد حتى لو جاء بعد 10 سنوات من الآن .
 
المستشار الاقتصادي – مكتب رئيس الوزراء

 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الحسين العنبكي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/18



كتابة تعليق لموضوع : حذف الأصفار وتغيير العملة..مزيد من الفوضى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 4)


• (1) - كتب : الدكتور عبدالحسين العنبكي ، في 2013/11/28 .

الاخ السلامي المحترم
لم اتعرف على خلفيتك العلمية من خلال التعليق ، ولكن ، دعني اقول سيدي لو انك قرأت مقالاتي الاخرى لعلمت اني موضوعي انتقد كل مؤسسة لا تعمل وفق معايير علمية صحيحة ، ولكن الموضوع يخص الاصفار ولا يتحمل من الناحية المنهجية ان اقحم فيه امور اخرى ، ثم اني معارض لحذف الاصفار والمؤيدين يسردون بعض الايجابيات التي لا اراها ذات اهمية وعلية الدفاع عن وجهة نظري وذكر السلبيات ، والسلبيات ليست بالضرورة نابعة من داخل القرار (صح او خطأ) ولا بالضرورة نابعة من البنك المركزي ذاته ، ولكنها معطيات واقع مرير نعيشه كل يوم ، فعندما تتخذ مؤسسة قرار مثل هذا ينعكس في كل صغيرة وكبيرة ويحدث مشاكل في الحقوق والالتزامات المالية بين الناس وحملة الاسهم والسندات والكم الكبير من التشريعات التي فيها ارقام مطلقة لمبالغ نقدية يفترض ان تعدل (مثلا قانون النزلاء في السجون فيه 3000 دينار لكل نزيل يوميا) فهل تعطي 3 دينار وما القانون الذي يسندك مالم تعدل القوانين، اما الفساد والبيئة السيئة للعمل في معطاة ولا احملها على البنك المركزي ولكن القرار يطبق في هذه البيئة وليس في السويد ، لايصح ان نستنسخ تجارب الاخرين ، عموما انا لست ضد القرار من حيث المبدأ انا ضده من حيث التوقيت والظروف والاولوية ، اما البنك المركزي مئات المهام الاكثر اهمية من هذا الاجراء ومنها الاصلاح المصرفي مثلا ، علما ان عرض النقد لن يتأثر بحذف الاصفار لانه ذو علاقة ليس بعدد الوحدات النقدية حسب وانما بقدرتها على ابراء الذمم ومواجهة التدفق السلعي ، كما ان التضخم سوف لن يتأثر نزولا لان التضخم مرتبط بالدخل الحقيقي للفرد وليس بالدخل النقدي ولو كان هنالك اثر على عرض النقد لتسلل حتما الى التاثير في التضخم، الاصفار ليست ثقيلة في حملها وعند حذفها سنضطر الى الاعتناء بمراتب اقل الفلسان فالامر هو هو ياسيدي ،كل ما هنالك سنوفر بيئة خصبة لممارسة الفساد من خلال عملية عملاقة في الوقت الخطأ.

• (2) - كتب : احمد السلامي ، في 2013/11/27 .

عشرة نقاط اسهب جنابكم الكريم في تبرير التقاطعات التي تقف وراءها الخلاف السياسي بين رئاسة الوزراء والهيئة المستقلة الا وهي البنك المركزي وحاول جنابكم الكريم بالنقاط العشرة ان يعلل رفض الحكومة لتجربة عالمية نفذتها دول عدة كتركيا ورومانيا وايطاليا وحاولت ان تجردها باسلوبكم المقصود وعزلها عن الايجابيات الكبرى وربطها مع السلبيات ومشاكل اقتصادية اخرى وبعضها لاتمت بصلة الى السياسة النقدية ومسالة (بناء المدارس والجسور وناطحات السحاب وتشغيل العاطلين وامتصاص البطالة وربما ارت حتى انتاج طائرات الاير باص بتكلفة استبدال العملة ) وتناسيت الفوضى التي احدثها التدخل الحكومي بعمل البنك المركزي منذ اول يوم ربطت هذه الهيئة المستقلة في جميع دول العالم المتحضر وعودتها الى قيود الحكومة وكاننا مازلنا نعيش بين براثين النظام السابق وحاولت ايضا ربطك المسالة بالفساد وهو الموجود اصلا بالحكومة الذي سيجتاح البنك بسبب ربطكم اياه بالفساد الحكومي وشرطكم هو السيطرة على ادارة غسيل الاموال وادارة عملية الاستبدال وتحديدكم جهات مصرفية خاصة انتم تديروها لكي تحققوا اكبر قدر وقيمة بالعمولات وحصركم اياها بمساحة ضيقة لتطلقوا اكبر سوق للمضاربة والبيع والشراء بين العملات القديمة والجديدة . لم تتطرق الى الايجابيات اطلاقا يدل على عدم حياديتكم ومهنيتكم وانحيازكم للسياسة وترككم قواعد المهنية وتناسيتم قول الرسول صلى الله علية واله ( امتحنوا شيعتنا بصدق الحديث ) لم يذكر جنابكم تقليص الكتلة النقدية بنسبة عالية وهذا يسمح يتقليل مساحات الخزن وكميات النقل وانسيابية العمليات المتعلقة بها وتقليص كلفة الطباعة وايضا اعادة هيكلتها واصدار عملات معدنية كالربع والنصف والدينار المعدني كقيمة شرائية تتيح اجراء المعاملات البيع والشراء السريعة والكثيرة والقليلة القديمة وسيقلص تلف العملة ويحد من العلامت الممزقة التالفة التي يعج بها اقتصاد حكومتكم المخطط وتقدمها مصارفكم ممزقة وقطعه وملزقة والتي يتحملها المواطن .


• (3) - كتب : uurwmam ، في 2012/09/29 .

#####



• (4) - كتب : عقيل قاسم العنبكي ، في 2012/06/29 .

السلام عليكم
لاارى اي مبرر او حاجة ملحة في هذا الوقت على اصدار عملة جديدة الا اذا كانت هناك اهداف اعلامية سياسية تحاول ايهام المواطن ان حذف الاصفار يعني طفرة او تغير جذري في قدرته الشرائية ....او انه نصر لسياسة البلد الاقتصادية الغير موجودة اصلاً وعلى الحكومة ان تهتم بتنشيط القطاع الخاص وتنشيطه وغربلة المؤسسات الحكومية ذات الطابع الانتاجي او التمويل الذاتي ..........وما جاء به الاستاذ الدكتور عبد الحسين هو الادق والاكثر علمية ........تحياتي




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net