صفحة الكاتب : محمد الحمّار

حتى يصير منهج الإسلام في وضع استخدام..
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

لا المساجد و لا المدرسة و لا الإعلام يُرشدون الشعب المؤمن إلى الطريق إلى الله. رغم ذلك ما انفك الأئمة والمشايخ يمسكون بالزمام الدعوي دون سواهم. ومازالت المدرسة تبحث عن أفضل المناهج في التربية الدينية. والإعلام بدوره ما انفك يهاجم السلفيين، مثلا، من دون إتاحة الفرصة للفكر المضاد للعنف السلفي أن يدل الناس إلى الطريق إلى الله، مما يجعله مورطا لو بصفة غير مباشرة في ما يحصل في تونس الآن من فوضى فكرية وسياسية تارة باسم الدين وطورا باسم السياسة. والطريق إلى الله باتت تستدعي منهاجا معاصرا، منهاجا تحرريا يسند المنهج الإسلامي، من شأنه أن يساعد على فك الاحتقان الذي تتسم به المحافظة والدعوة التقليدية للإسلام. وهذا ما لم يستوعبه لا الدعاة ولا المربون ولا الإعلاميون، ناهيك عامة المتدينين من رواد المساجد وسائر الغيورين على دين الله. وهذا ما لم يستوعبه الإسلام السياسي، بـ"نهضته وتحريره وسلفييه"، مما جعلهم يخبطون خبط عشواء في وضعٍ من الفقر البرمجي مع إصرارهم المرَضي على أن الإسلام يتضمن كل البرامج الضرورية والممكنة. ما السبب في هذا إذن؟ وما الحل؟
أولا، يتمثل السبب في كون كل تلك الأطراف العاجزة إنما هي سلفية، بالمعنى السالب للكلمة، أي محافظة وببغائية. إذ الفرق بين سلفيي الدين (من أئمة ومأمومين وسياسيين) وسلفيي العلمانية (من معلمين وإعلاميين وسياسيين) أنّ أولئك يتبعون السلف الصالح بوسائل طالحة بينما هؤلاء يتبعون السلف الطالح (من مفكرين من الشرق كما من مفكرين من الغرب) بوسائل صالحة، مما يوحد الفئتين حول الانتماء إلى نوع من الوفاقية السلفية. لذا نرى أن لا أولئك ولا هؤلاء بقادرين على إرشاد الناس إلى منوالٍ حديث يدعم كدحهم إلي ربهم كدحا.
ثانيا، إنّ قادة الرأي في تونس ومن بينهم المشايخ ومتفقدو (مفتشو) التربية الدينية و مدراء الصحف والإذاعات والتلفزات (التلفزيونات) مازالوا لا يفهمون أن التجديد الديني ضرورة ملحة وذلك منذ ثلاثين سنة على الأقل. وهم يأخذون الأمر هزءا، حيث إنّ بالرغم من هذا الفقر المنهجي لديهم، إلا أنك تراهم، كلما حلت كارثة بالبلاد مثل التي تحصل الآن، معتدّين بالعلم المتوفر لديهم وبالمهارات التي يتملكونها، مغرورين بإمكانياتهم في مجال إسقاط الأفكار على الواقع وحتى في مجال تحليل الواقع، ولا يرون بُدّا من الانبراء للتنديد بالمظاهر من دون دراسة الظواهر. إنهم ينسون أو يتناسون أن للثورة علمٌ وأنّ للثورة مهاراتٌ وأنّ ما عليهم إلا التعاون من أجل استقرائها. وفي هذا السياق ، لم نكن لنعاتب هذه "الترويكا" الدعوية التي فشلت بينما هي صاحبة دور جد خطير مناط بعُهدتها، لم نكن لنركز على التعالي الذي ما زالت تذكيه تجاه المجتمع لو لمسنا لديها تفهما لحدود إمكانياتها وتواضعًا يجعلها منفتحة على مَن يتوسم الناس فيهم بعض الخير وبعض المعرفة الجديدة التي قد تساعد على تسليط بعض الضوء على مشكلات عالقة منذ عهود وعقود.
 ثالثا، بودنا أن نرسم بعض الخطوط التي قد تدل القارئ، شيخا أو داعية كان أم مربيا أم إعلاميا أم من عامة الناس، على كيفية التحرر من القيود التي تعوق السير الطبيعي للمؤمن  نحو الخالق، وبالتالي على كيفية تمكين السلفيين، الذين صنفناهم أنفا، من السيطرة على الواقع ومن ثمة تحويله نحو الأفضل:
القاعدة الأولى: حسن التمركز، ذهنيا وعاطفيا، في التاريخ. و مهما بدا الأمر متناقضا فهذا يتم بفضل الوعي بأننا في مرحلة "ما بعد الإسلام"، وذلك لكي نتجدد ونعي أننا في "بداية تاريخ جديد" للإسلام. فلا يمكن للوعي الديني (الصحوة) أن يتجدد من دون مقابلته بنقيض من الماضي، ولو كان النقيض هو نفسه الإسلام. 
القاعدة الثانية: الإيمان بأنّنا نعيش بالتفاعل مع الخالق لحظة بلحظة وثانية بثانية وبأننا لسنا ممن ينقلون كلام الله فيسقطونه على وضعيات راهنة. ومن آثار ذلك أن يكون الكلام مُتسِقا مع الحاضر بموجب صدوره عن العقل مباشرة. وبقاءُ العقل في وضع استخدام على مدار الساعة، هكذا، كفيل بالبرهنة على بقاء الرابط الروحي مع الوحي على قيد الحياة هو الآخر.
القاعدة الثالثة: لمّا يرتقي الإيمان إلى تلك المرتبة من القدرة على الوصل بين العقل والوحي  ينمو الوازع التطبيقي والعملي والتجريبي لدى المتديّن. ومنه تتأتى الفوائد وتنعكس على مجالات الإنسان و الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة.
القاعدة الرابعة: من شأن الدربة على العمل الميداني، والذي يحركه الإيمان من دون لجوء المؤمن إلى السياسة لبلوغ القدرة على الحركة (علما وأنّ الذي يجري الآن إنما هو مزج قسري بين الدين والسياسة)، أن يساعد على تنمية البحث عن الحقيقة عموما والبحث العلمي بصفة أدق. فبعد أن تحرر الإيمان، هكذا، من مُصادرة السياسة له سيصبح في طريق مفتوحة نحو الحقيقة. علما وأن الحقيقة تبقى نسبية بالمقارنة مع حقيقة الإيمان والعقيدة. ولا يصح التخوف من الاستكبار باسم الحقيقة الدينية طالما أنّ المؤمن قد استعاد قدراته، مثلما شرحنا أنفا، في التوق الطبيعي نحو الحقائق النسبية وبالتالي قد استعاد ملكة الرضاء بها.
القاعدة الخامسة: هكذا يُفهم أنّ كل عمل يهدف إلى البحث عن الحقيقة (وهي إذن نسبية) إنما هو من صميم الإسلام. ويُفهم أيضا أن الإسلام، كحقيقة قبْلية للعلم، تدعم البحث عن الحقيقة (النسبية) وبالتالي تحثنا على الالتقاء مع الفكر اليهومسيحي والفكر الكوني بخصوص ضرورة الحرص على الحقيقة وعلى البحث عنها.
القاعدة السادسة: يكفي أن نلتقي مع عباد الله أجمعين في الحرص على تملك المعرفة واكتساب العلوم حتى ندرك أنّ الفرق بينهم وبيننا كان ("كان" بمعنى الاستشراف) متمثلا في السبل المتوخاة للوصول إلى المناهج والآليات المُفضية إلى الحقيقة. ولا أعني بـ"السبل" السبل التقنية وإنما السبل العقدية والعاطفية والسيكولوجية والسوسيولوجية وغيرها التي تشكل عقلانيتنا، والسبيل الدينية في مقدمتها.
القاعدة السابعة: التوصل، هكذا، إلى المعادلة بن المسلم وغير المسلم مع التوكيد على الاختلاف وحق الاختلاف (في نوعية العقلانية) سوف يكسر الكثير من الحواجز القائمة حاليا، لا فقط بين الكتلة الإسلامية (الشرق عموما) والكتلة اليهومسيحية (الغرب عموما)، وإنما أيضا وبالخصوص في المجتمع العربي الإسلامي الواحد، الذي يشهد "صراع الحضارات" في داخله. وما المشاهد المرعبة التي نراها اليوم في تونس إلا مؤشرات على الحدوث الفعلي لصراع الحضارات الداخلي.
بالنهاية لم يبق لنا، إن حضي هذا التصور ببعض الاهتمام، سوى التشارك من أجل تصريفه وتأمين فهمه ثم تطبيقه، عساه يطال المجتمع السياسي في أسرع الأوقات وأقرب الآجال. ولتحقيق ذلك حريّ بنا أن نلقي بعض الأسئلة الموجهة: كيف يمكن ترجمة هذا الكلام إلى مواقف سياسية واضحة؟ ما هو دور المسجد والمدرسة والإعلام في مجال التثقيف السلوكي النابع من الدين؟ أي خطاب من الأجدر صياغته والتوجه به إلى سلفيي الدين وإلى سلفيي العلمانية؟ من سيخاطب الخطباء والأئمة والمشايخ كي يغيروا خطابهم الدعوي؟ أي الأطراف السياسية قادرة على تحمل مسؤولية التثقيف الديني الجديد؟ كيف يتسنى ترشيد مثل هذا التصور وترجمته إلى فعل سياسي؟
محمد الحمّار
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/17



كتابة تعليق لموضوع : حتى يصير منهج الإسلام في وضع استخدام..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net