صفحة الكاتب : مجاهد منعثر منشد

هوس وموجة التطبيع
مجاهد منعثر منشد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بدأ تاريخ مفهوم التطبيع مع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، وهو يعني إقامة علاقات سياسية، اقتصادية، ثقافية واجتماعية وأكاديمية طبيعية بين الدول العربية وإسرائيل قبل تحقيق السلام العادل والشامل، وبالتالي فإن التطبيع مع إسرائيل هو قيام علاقات طبيعية في واقع وشروط غير طبيعية.

وفي اللغة تأتي لفظة تطبيع على وزن "تفعيل"، فهي عملية وصيرورة دائبة وصولاً لتحقيق غاية، لا خطوة واحدة عابرة سريعة أو غير سريعة,وبالمفهوم اللغوي يعني مصطلح التطبيع تحويل علاقة عداء أو خصام إلى علاقة طبيعية.

وهذا المصطلح المشتق لغويا من وصف طبيعي ينطوي على قهرية لغوية حين يجعل ما هو غير طبيعي من حيث المبدأ أمرا طبيعيا في الواقع.

بمعنى إقامة علاقات مع إسرائيل وأجهزتها ومواطنيها كما لو أنّ الوضع الراهن كان وضعًا طبيعيًّا. ويعني بالتالي تجاهل حالة الحرب القائمة، والاحتلال والتمييز العنصري، أو هي محاولة للتعتيم على ذلك أو لتهميشه عن قصد.

إنّ فكرة التطبيع رؤية صهيونية أحادية (وحادة) يحاول الكيان الاسرائيلي فرضها على الشعوب العربية والإسلامية , وهذه الفكرة نتيجة للسلام وليس سببا له. ويتحقق السلام ببساطة حين يحصل كل طرف متنازع على حقوقه ويؤدي ما عليه من التزامات!

والحركة الصهيونية والكيان الصهيوني ارتكب جرائم يندى لها جبين الإنسانية ولا تحصى بحق العرب والمسلمين ,فهل ياترى تغيرت سياسات وممارسات إسرائيل؟

كيف تطلب إسرائيل ممن ارتكبت الجرائم بحقهم أن يتم التعامل معها وكأنّها لم ترتكب أيّ جريمة، وهو ما يسمى التطبيع.

لقد ذكرنا لفظ رؤية (أحادية)و(فرضها), فباعتقاد إسرائيل أن قوتها تمنحها كل الحقوق وتعفيها من الالتزامات , فما الذي يدفع أحد الطرفين إلى الالتزام به إذا كان قد حصل مقدما على ما يريد؟!

إنّ هذا الكيان الغاصب غير مستعد للحقوق المتبادلة والأنصاف, يريد الآخذ دون أن يعطي وهذا واضح من خلال شعارهم في مؤتمر مدريد 1991 الذي هو الأرض مقابل السلام، ثم أصبح لدى إسرائيل الأمن مقابل السلام، وأخيرا حوّلت إسرائيل الشعار فعليا إلى السلام مقابل السلام أو التطبيع مقابل التطبيع.

وتحدثت إسرائيل بلسان رئيس وزرائها نيتانياهو تتباهي بقوتها واستقوائها بقوله إن إسرائيل نجحت في فرض التطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية مع بعض العرب لأنها قوية ولهذا لم تدفع مقابلا لهذا التطبيع.

إذن، التطبيع آلية سياسية وثقافية واقتصادية تستهدف القفز عن الجذور والأسباب التاريخية للصراع والتعامل مع نتائج الأمر الواقع باعتبارها معطيات طبيعية، بمعنى تكريس نتائج الحروب العدوانية على الشعب الفلسطيني والأمة العربية والقبول بتلك النتائج باعتبارها حقوق إسرائيلية مكتسبة.

فيجدر بالمسلم ومعتنقي الديانات السماوية اللجوء إلى ما أنزل الله سبحانه وتعالى في الكتب السماوية , ففي القران الكريم قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾(الممتحنة: من الآية 1). وقال أيضاً: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ﴾(القصص:17).

و قول السيد المسيح في إنجيل متى ,الاصحاح السابع:6 :ـ :(لاتُعْطوا القدسَ لِلكْلاب ,ولاتَطْرحُوا دُرَرَكُم قُدامَ الَخنَازِيرِ,لِئَلا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وتَلْتَفِتَ فَتُمَزقَكُمْ!).وقول النبي المسيح جازم (لاتعطوا),وقاطع في فكرة التطبيع أوغيرها .

فأحد أهداف الاحتلال الإسرائيلي من الفكرة هو إعادة تشكيل منظومة العلاقات والقيم والمفاهيم العربية والإسلامية تجاه الاحتلال، وفق الرؤية الصهيونية؛ ويهدف إلى عزل فلسطين عن أبعادها العربية والإسلامية والاستفراد بقضية فلسطين سعياً لشطبها، وإغلاق ملفها.

وأيضاً تشمل فكرة التطبيع المتنوعة عدة مجالات منها من ناحية المنظور الثقافي : فيروج التطبيع الثقافي إظهار اليهود بأنهم أصحاب أرض في البلدان العربية كما يعرض ذلك في مسلسل (أم هارون)، و(مخرج7) وإشاراتهم الواضحة إلى حقهم التاريخي بالمدينة المنورة والجزيرة العربية , وتركيزهم على جانبهم الإنساني ,وأنهم يستحقون التعاطف والنظر إليهم بعين الشفقة والرحمة.

وما يحاولون تصويره للعالم الرفض العنصري لليهود كأصحاب ديانة إبراهيمية، ويتخذون هذا كفخ تماهي لتشويه موقف الرافضين لتطبيع العلاقات معها, فمن الواجب علينا أن لا نسقط في هذا الفخ .

يستفهم من الفكرة ما هي إلا صراع وجودي حول مسألة بقاء الذات ,والخيار التطبيعي ما هو إلا انغماس في مأزق وجودي جديد، فيعتبر التطبيع هوس وموجة جاءت في إطار وضع إقليمي اقتصادي وعسكري وسياسي متقلب وغير مستقر، وأن المطلوب هو تصفية أبدية للتطبيع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجاهد منعثر منشد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/04/08



كتابة تعليق لموضوع : هوس وموجة التطبيع
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net